لم يسبق في منطقة الشرق الأوسط أن وأدت محاولة انقلاب عسكري على حكومة منتخبة أو على تحول ديمقراطي. في النصف الثاني من القرن العشرين، أطاح الجيش التركي أكثر من مرة بالحكومات المنتخبة وأخضع البلاد إما لإدارته المباشرة أو لإدارة وسطائه من السياسيين المدنيين. في التسعينيات، انقلب الجيش الجزائري على البدايات الديمقراطية وعلى نتائج الانتخابات البرلمانية التي حسمتها لصالحها التيارات الدينية. في مصر، مثل الثالث من تموز/ يوليو 2013 انقلابا عسكريا على الإجراءات الديمقراطية والمؤسسات المنتخبة وعودة لسيطرة المكون العسكري-الأمني على السلطات العامة وشؤون الحكم.
في تركيا والجزائر ومصر، أعقب الانقلابات العسكرية على الحكومات المنتخبة أو التحولات الديمقراطية من جهة أولى تطبيق سياسات عنيفة وممارسات قمعية ممنهجة وانتهاكات واسعة ضد المعارضين، ومن جهة ثانية فرض حصار إماتة على الفضاء العام وحصار إلغاء على التنظيمات المستقلة في المجتمع المدني (من النقابات والأحزاب إلى الحركات الاجتماعية) وحصار تهجير على المواطن الذي أريد له تناسي ذاكرة المشاركة الحرة عبر صناديق الاقتراع، ومن جهة ثالثة صياغة شرعية زائفة للجنرالات الحاكمين باستدعاء «لحظة استثناء» مزعومة وبتداول تراكيب «الأخطار والمؤامرات المحدقة بالوطن» وتوظيفها لتبرير سيطرة المكون العسكري-الأمني وتمرير فرض الرأي الواحد والصوت الواحد على الناس.
في تركيا والجزائر ومصر، زجت الانقلابات العسكرية ببنى الدولة الوطنية إلى متوالية تهميش متصاعد للمؤسسات والأجهزة المدنية، وعصف لا يخضع للمساءلة والمحاسبة بسيادة القانون، وتشويه للأطر الدستورية من خلال رفع الجيوش إلى مصاف «الدول خارج الدول» وإطلاق اليد القمعية للأجهزة الأمنية والاستخباراتية. رتبت الانقلابات أيضا إما اصطناعا كارثيا للصراعات المجتمعية بين مؤيدي ورافضي حكم الجنرالات أو تعميما لوضعية الاستقطاب والعداء بين الشرائح الشعبية المستتبعة (المستفيدة والخائفة) والمعارضة، وفي الحالتين أوقعت البلدان المعنية في الدوائر اللعينة للعنف الرسمي والعنف المضاد التي ليس لها من خلاص سريع.
هكذا كان فعل وسلوك الجنرالات العسكريين وأعوانهم في الأجهزة الأمنية والاستخباراتية، وهكذا تورطت شرائح المستفيدين والخائفين في تأييد أو ممالأة قمع وانتهاكات واسعة، وهكذا تراجعت شرعية بنى الدولة الوطنية وفتحت طاقات الصراع والعنف في المجتمع. لا فارق بين الجنرال كنعان إيفرين في تركيا الثمانينيات وبين جنرالات الجيش والاستخبارات في جزائر التسعينيات وبين الفريق / المشير عبد الفتاح السيسي في مصر ما بعد 2013.
الآن وبعد المساء التركي الطويل في الخامس عشر من تموز/ يوليو 2013، صار لدينا في الشرق الأوسط سابقة أولى لمحاولة انقلاب فاشلة على حكومة منتخبة وسابقة أولى أيضا لرفض أحزاب وتيارات في المعارضة للانقلاب وانحيازهم للديمقراطية ودفاعهم عن بقاء الحكومة المنتخبة على الرغم من كون الأخيرة تمعن في التجاوزات السلطوية مثلما يمعن رئيس الجمهورية رجب طيب إردوغان في النزوع السلطاني.
وعندما يضاف إلى هاتين السابقتين حقيقة ثالثة وهي أن أحزاب وتيارات المعارضة في تركيا تنتمي (بمضامين متنوعة) إلى المساحة العلمانية وأنها ناصرت بقاء الحكومة المنتخبة لحزب العدالة والتنمية المعبر عن الإسلام السياسي، وحقيقة رابعة ترتبط بالدور الملهم الذي اضطلع به المواطن بحضوره إلى الشوارع والميادين العامة للإسهام في إفشال محاولة الانقلاب وهو دور غير قابل للاختزال إلى مجرد «نزول مناصري حزب العدالة والتنمية ودفاعهم عن رئيسهم وحكومتهم»، نصبح إزاء وضعية جديدة جوهرها التأييد السياسي والشعبي الراسخ للديمقراطية ولمؤسساتها وإجراءاتها على الرغم من نواقصها العديدة وتمردا على حسابات الصراع الإيديولوجي بين العلمانيين والإسلاميين.
كانت نواقص الممارسة الديمقراطية في تركيا الثمانينيات واختلالات البدايات الديمقراطية في جزائر التسعينيات ومصر 2011-2013، مضافا إليها الأزمات الاقتصادية والاجتماعية، هي البوابة الخطيرة التي نفذ منها جنرالات الجيوش والأمن والاستخبارات لإدارة الانقلابات. ومثلت الصراعات الإيديولوجية بين العلمانيين والإسلاميين، وكذلك مراوحة الطبقات الوسطى (المدينية خاصة) بين الانفتاح على التحولات الديمقراطية وبين الخوف منها على المكانة والمكاسب والعوائد، ساحات إضافية لتبرير وتمرير الانقلابات وما تلاها من قمع ممنهج وانتهاكات واسعة.
الآن، صار لدينا وفي بلد محوري في الشرق الأوسط دليل واقعي على تمسك مجتمع المواطنات والمواطنين بالديمقراطية على الرغم من نواقصها، وعلى امتناع النخب العلمانية عن التخلي عن الديمقراطية وامتناعها عن الاستسلام للسحر المخادع للانقلابات العسكرية مهما رفعت من يافطات ليبرالية وحرياتية ووعدت بإخراج الدين من الحكم والسياسة.
هذه وضعية جديدة بالغة الأهمية للشعب التركي، ولنا شعوب الجوار الإقليمي. هذه وضعية جديدة تستحق التشجيع والرعاية والحماية بمضامين ديمقراطية يتعين معها على الرئيس المنتخب إردوغان وحكومة حزب العدالة والتنمية المنتخبة الامتناع الشامل عن توظيف الانقلاب الفاشل إن لمواصلة التجاوزات السلطوية ضد المعارضة، أو لفرض المزيد من إجراءات الحصار على الفضاء العام والمجتمع المدني، أو لعصف بمؤسسات وأجهزة الدولة التركية مدفوع بحسابات الانتقام السياسي والهوى الإيديولوجي. هذه وضعية جديدة تستحق حرصا فعليا من الإسلام السياسي في تركيا على الانفتاح على العلمانيين، وعمل جاد على إعادة التأسيس للحظة توافق وطني معهم ومع المعبرين عن المطالب المشروعة للأقلية الكردية. هذه وضعية جديدة تستحق أن يحتفى بها من قبل الديمقراطيين في الشرق الأوسط بعيدا عن الهويات الإيديولوجية وتنازعات الليبرالية واليسار والإسلام السياسي، احتفاء يسجل السبق الذي يمثله فشل محاولة الانقلاب ويدفع إلى الوراء المتهافتين من أنصار القمع والانتهاكات والحجر على الشعوب الذين احتفوا بجهل شديد بالانقلاب وأملوا في الإطاحة بحكومة ديمقراطية منتخبة.
٭ كاتب من مصر
عمرو حمزاوي
هذا هو الربيع الحقيقي – ليت المصريين يتعلمون من إخوانهم الأتراك الديموقراطية الحقيقية
أردوغان حصل على 52% ومرسي حصل على 52% الفرق هو بالشعب
ولا حول ولا قوة الا بالله
احسنت
“..الذين احتفوا بجهل شديد بالإنقلاب…”، عبارة مؤلمة و مُخيّبة جدّا ، و هذا هو حال الشعوب العربية للأسف، لا أدري إن كان كلّ اللوم يقع عليها، لأنّها استسلمت و ربما تواطأت مع الإنقلابيين، أم أنّ غطرسة و جبروت هؤلاء لم يترك لها أيّ فرصة للإعتراض..؟ عموما، نأمل أن نستفيد من الثقافة التي تبناها الأتراك، وحمَوا من خلالها مكتسباتهم و نتائج تضحياتهم…
البعض لا يريد أن يضع الحروف على النقاط. في مصر لم يكن انقلاب بمعنى الكلمة .كان هناك تدخل العسكر لحماية مصر من مشروع خطير كان يعد لها ..عكس الوضع في تركيا .حيث العسكر كان يعد لتركيا مشروعا خطيرا.في حالة مصر تدخلت السعودية مشكورة .أما في الحالة التركية فبعض العرب ايد الانقلاب أو على الأقل لم يستنكره.لأن سياسة السيد اردوغان خطيرة جدا للعالم العربي .فهو غير السياسة الايرانية.التي تنتهج ولاية الفقيه .هنا نتكلم عن عن بلدا بغالبيته.يتبع المذهب السني وتأثيره المباشر على الشعوب العربية يكون قويا .بصراحة بعض الأنظمة العربية تريد الإسلام على مقاسهم.الإسلام المروض كان شيعيا أم سنيا.
لا يوجد ما يسمي تدخل الجيش لحماية البلد لأن الجيش لا يجوز له إستخدام سلاحه إلا في مواجهة التهديدات الخارجيه أو في حال الكوارث الطبيعيه بأمر من القياده السياسيه، بل لا يحق له التدخل أصلاً لا في الحكم ولا الشأن السياسي.
” مات قبل أن يولد” الانقلابات في تركيا.. صولات وجولات.تعود الذاكرة لتسترجع تاريخ الانقلابات العسكرية في آخر 50 عاماً، والتي أطاحت بـ4 حكومات منتخبة.تحية للشعب التركي الذي لم يستمع لكلمة واحدة من بيان الانقلابين ولشجاعتة للنزول إلى الشارع رغم حظر التجوال الذي أعلنه الانقلابيون ،وتحيةكذلك لرفض الأحزاب السياسية المعارضة للحكومة لتبييض الانقلاب أو توفير غطاء سياسي له.الانقلابات في تركيا تختلف عن بقية الانقلابات في العالم الثالث، باعتبار أنها تأتي تحت غطاء صيانة الدستور وحماية مبادئ الجمهورية.
أهم ما في الانقلاب الفاشل في تصوري هو:1) أن الشعوب الحية الواعية، والتي تنتخب حكومتها ورئيسها بكل حرية؛ تحميه إن وقعت الواقعة، ولا تتركه فريسة للعسكر.2)الشعب لم يحمي ويعيد شخص اردوغان كشخصه؛ بل لكونه يمثل تركيا الحديثة الناهضة القوية التي تتمتع بالحريات.3) وصول الشعب التركي لمرحلة متقدمة من الرقي والحضارة؛ ولا عودة للتخلف والدكتاتورية .4)المعارضة على مختلف ألوانها رفضت الانقلاب؛ كونها تعلم أن تأييد الانقلاب يعني عدم الإيمان بحرية الشعوب.5)من لا يؤمن بصناديق الاقتراع فهو فاسد ودكتاتوري.
هناك حجم من التضليل والخداع ما تنوء منه الجبال مورس على الشعب المصري من قبل العسكر على مدى عشرات السنين حيث تم استغلال الجانب العاطفي المتمثل بحب هذا الشعب العظيم لوطنه في جعله يستغني عن حقه الطبيعي في نظام حكم ديمقراطي يكفل له سبل العيش الكريم وبدلاً من ذلك راحوا يطالبوه بالتبرع بآخر جنيه يملكها من أجل مصر التي رسخوها في ذهنه على انها تلك الفتاة الحالمة “بهية ام طرحة وجلابية” والتي لولا جمال وأنور وحسني وعبد الفتاح ومن خلفهم جيش “مسر” لكانت “بهية ام طرحة وجلابية” عرضة للاغتصاب من قبل مرشد الإخوان المسلمين ولتمكن مرسي “الخائن” من كشف أسرار جمال ساقيها لحماس أو قطر فيما الحقيقة ان الجنيه التي يتبرع بها المواطن المسكين يتم انفاقها على نوادي الجيش والفروسية والطيران المنتشرة في المدن المصرية ليتمتع بها كبار الضباط وليس بهية ام طرحة وجلابية.
ما يجعلني اسأل الكاتب وبالحاح عن تقييمه لردة فعل الحكومة في تركيا الى حد الان ؟؟ التعامل مع الانقلابيين ؟؟ مع المعارضة السياسية ؟؟ مع الرأي العام الدولي؟؟
بعد فشل أولي محاولات الإنقلاب العسكرى في مصر , ونزول الدبابات الي المياديين والشوارع , أحاط بها الثوار من كل جانب وشلوا حركتها , كما فعل الأتراك تماما , حتي سقط مبارك . عندها قررت الديكتاتورية الأمنية العسكرية جر الديمقراطيين الي مصيدة ديمقراطية زائفة ثم غدرت وقتلت وسجنت ونفت كل معارضيها . الديمقراطية في مصر ستنتصر في نهاية المطاف كما إنتصرت في تركيا , والسؤال هو متي وبأى ثمن ؟ .
ولماذا لم تذكر انقلاب البشير علي السلطه الشرعيه المنتخبه من قبل الشعب في عملية ديمقراطيه ام ان الوضع السوداني بمآلاته علي المنطقة وعلي الشعب السوداني ليس في الحسبان
لقد احبطت وانا المتابعة لكتاباتك ان لا تشير للحالة السودانيه كسابقه في الانقلابات علي الديمقراطيه …..وشكرا
يمكن تلخيص ما جرى ، بأنه الفارق بين الثقافة العميقة لدى الشعب التركي بوسيلة الصندوق السلمية و على رأسهم المعارضة نفسها و النخب الثقافية و الاعلامية و الفنية و غيرها ( من اجرى مقابلة الهاتف الشهيرة مع الرئيس التركي ، هي من اكثر القنوات معارضة له، و من خرج في اول الصفوف احزاب المعارضة و فنانوا البلد المشهورين ) و بين الخيبة الثقيلة التي عندنا في نخبنا و مثقفينا و معارضتنا ، و لا أظن انني بحاجة لضرب أمثلة و ايراد اسماء بعينها كممثلين لخيبتنا الثقيلة هذه !!
لأول مره يفشل انقلاب عسكرى
رغم كل هذا الكم والحشد
ظاهره جديره بالدراسه
نعم دكتور حمزاوى