الكلّ يقاتل «داعش»، في وسع المرء أن يقول، و«داعش» ضدّ الجميع، في سوريا كما في العراق؛ لكي لا تُذكر جبهات قتال أخرى، كثيرة، مشتعلة لتوّها أو توشك على الاشتعال. في تدمر قاتلها خليط من القوّات الروسية، والإيرانية، و«حزب الله»، وبقايا جيش النظام السوري. وفي ريف حلب، ثمة «درع الفرات»، و«قوات سوريا الديمقراطية»، والميليشيات العراقية المذهبية، و«حزب الله»، و«الحرس الثوري» الإيراني. وفي الموصل، يحدّث المرء ولا حرج: ابتداء من مختلف صنوف الجيش العراقي والقوات الأمنية، في محيط المدينة الشرقي؛ مروراً بالتحالف الدولي، المؤلف من 60 دولة ونيف، بقيادة الولايات المتحدة؛ وليس انتهاء بـ»وحدات الحشد الشعبي» المذهبية، في تلعفر وصحراء الجزيرة غرب نينوى.
مشهد عجيب في تكوينه وخلائطه، بادئ ذي بدء؛ ثمّ في هذه القوّة «الخارقة» التي تتصف بها جيوش «الخليفة»، أبي بكر البغدادي، خاصة إذا تذكّر المرء أنّ سنوات انقضت، وليس أسابيع أو شهوراً، منذ أن جُرّدت كلّ هذه الحملات ضدّ التنظيم؛ هذا إذا وُضعت جانباً حقائق الكرّ والفرّ التي اتسم بها القتال، حيث تفلح «داعش» في احتلال منطقة ما، ثمّ تخسرها، ثمّ تكرّ مجدداً لتحتلها (تدمر في سوريا، والبيجي في العراق، أمثلة بليغة). أمّا الموصل، ذاتها، فإنها ليست مثالاً، بل أمثولة: اجتاحتها «داعش» خلال ساعات، وجعلت جيش نوري المالكي، رئيس الوزراء العراقي السابق، أثراً بعد عين؛ وها أنّ جيش حيدر العبادي، خَلَفه العتيد، يقاتل منذ أشهر لتحريرها… بالأشبار!
في كلّ حال، إذا جاز القول إنّ «داعش» تخسر يومياً في الموصل، وأنّ إخراجها من المدينة بات مسألة وقت (لا يلوح، تماماً، أنه قصير!)؛ فالجائز، في المقابل، هذا المشهد العسكري الذي يشير إلى احتمالات عودة «الدولة» إلى طرائقها السابقة في القتال غير الكلاسيكي، وفي حرب المفخخات، والقضم البطيء/ المنهجي لمناطق مفتاحية (في تكريت والبيجي، أغلب الظنّ). وتلك حال تجعلها باقية، عسكرياً في المقام الأوّل، ثمّ معنوياً، لجهة القدرة على التعبئة والحشد والتجنيد؛ حتى إذا كان هذا البقاء قد خسر، في كثير أو قليل، الصفة الثانية في معادلة «داعش» الكبرى منذ صعودها: أنها ليست باقية فقط،، بل تتمدد.
وأمّا الذي سوف يستولي على صفة التمدد هذه، فإنّ مؤشرات كثيرة تؤكد عودة «القاعدة» إلى تسيّد المشهد الجهادي في العراق، وليس ملء الفراغ الذي سوف تخلّفه «داعش» هنا وهناك، فقط؛ لأنّ التبشير هذه المرّة سوف يجمع تكفير الاحتلالات (الأمريكية، ثمّ «التحالف الدولي»، وإيران)، إلى تسخير المظلومية السنّية، التي تراكمت عناصر توظيفها عبر ممارسات «الحشد» ضدّ جمهور السنّة، حيثما تمّ تمكين هذه الميليشيات المذهبية في أيّ مكان من العراق، وليس في الموصل وحدها. وليس بغير دلالة خاصة أنّ أيمن الظواهري توجه مباشرة إلى جمهور السنّة في العراق، وطالب «القاعدة» هناك بتنشيط حضورها، وحضّ جهاديي سوريا على مساندة إخوانهم في العراق.
ثمة، إلى هذا، ما تجمعه رياح تنظيمات سنّية، بعثية سابقاً أو راهناً، مثل «جيش رجال الطريقة النقشبندية»، الذي أسسه عزة الدوري منذ سنة 2003، وتزعم أدبياته أنه يقاتل «داعش» أسوة بالسلطة المركزية وسياساتها «الطائفية». مجموعة أخرى، مماثلة، هي «كتائب ثورة العشرين في العراق»، وهذه تناهض «حكومات الاحتلال»، وتدعو إلى الجهاد المباشر. وفي الحويجة، ومحيط كركوك، تتركز مجموعات سنّية أخرى، لا تخلو بدورها من قيادات عسكرية ومدنية بعثية، تستعدّ لخلافة «الخليفة»… كلّ هذا دون احتساب احتمالات التورّط الإقليمي في تغذية المظلومية السنّية، كما حين تتلقى هذه المجموعات دعماً مباشراً من السعودية وتركيا.
المرجح، إذن، أنّ حقبة ما بعد الموصل سوف تشهد بقاء «داعش»، وتمدد «القاعدة»؛ حتى أجل يصعب، اليوم، أن يُسمّى!
صبحي حديدي
كاتب المقال يعتبر الدواعش جهاديين ويتنبأ بأن داعش قد تباغت الدولة العراقية والسورية في مناطق أخرى كما فعلت في السابق ويسمي المناطق بينما يتحدث عن قوات الحشد ويضيف كلمة الطائفية ويتحدث عن المظلومية السنية ولكن لايحدد من ظلم أهل السنة وهل أهل السنة وحدهم مظلومون أم أن العراق وأهله وسوريا وأهلها هم من ظلموا ومن قبل ذوي القربى أولا و أبواقهم المذهبية . إن الموضوعية تتطلب بعض من الإنصاف في الطرح . إن الإقامة بعيدا عن الأحداث والإسهام في التسعير لقتل المزيد من البشر وإفقارهم وتدمير ممتلكاتهم وماضيهم وحاضرهم هو حالة مرضية .