ما لم يعشه جيل «الأندرويد»

حجم الخط
0

بيروت – علي حايك : كان المصروف المخصص لي لا يكفي الا لنصف ساعة في محل الألعاب. لذا كان علينا ابتكار وسائل تسلية. فالحي ضيق ولا يصلح لأن يكون ملعباً لكرة قدم. والسطوح اقفلت بعد ان عرف السكان بأننا نسرق أسلاك الكهرباء كي نبيع نحاسها اللامع، وتحولت غالبية الملاعب من مجانية إلى مدفوعة الأجر.
لم يبق لنا إلا ان نتسلى بسكان الحي. نقرع الابواب والاجراس و نلوذ بالفرار. أو ان نقطع تيار الكهرباء عن منازلهم بعد إنزال الفواصل في الغرف المفتوحة. كان «الانترفون» هو المتعة الكبرى. المباني المزودة به كانت قليلة. كنا نتصل بعدة منازل ونستمتع بتبادل الشتائم. بعد مدة ظهر جهاز الـ»تلكارت». فرحنا جداً بلعبتنا الجديدة. كانت الارقام المجانية هي هدفنا. مركز الاطفاء والشرطة وعدة مراكز رسمية اخرى .
الشغب كان جميلاً. توقيف احدى سيارات الأجرة لنسأل السائق عن أحواله. الاحتيال على صاحب الدكان في الحي. رمي المفرقعات امام محل الخضار ليفقد العجوز صوابه. افراغ اطارات السيارات امر ممتع أيضا، ورمي البالونات المليئة بالماء على المارة من الطوابق العليا، والبيض كان من الاسلحة الفتاكة. احدهم تخصص في سرقة «الدعاسات» من امام الأبواب ورميها في المداخل .
تطورت نشاطاتنا لنكّون عصابة صغيرة. غيرّنا توجهاتنا، اعفينا سكان حينا من سماجتنا، وانتقلنا للتسلط على ابناء الاحياء المجاورة. اختلاق المشاكل وفتح حروب مسدسات الخرز، المفرقعات في الأعياد، سرقة دراجاتهم عند مرورهم من أمام حينا واخفاؤها لعدة ايام .
لم يكن في الحي المجاور صالة العاب. كان يتوجب عليهم الدفع كي يدخلوا، إلى أن عرف صاحب المحل ومنعنا من التواجد في صالته لأسابيع عدّة، ثم تراجع بعد ان منعنا كل اولاد الحي الثاني من الدخول إلى حينا.
كان صاحب محل الخضار يضع اللوز خلفه تماماً على عكس محل الحي الآخر، فقررنا ان نتفق مع أبناء الحي لنسرق لوز حيهم. هم قاموا بتشتيت انتباهه ونحن قمنا بسرقة عدة أكياس. سرق كل منا كيسين، ما عدا احمد استطاع سرقة ستة أكياس. اوقع واحداً منها بعد ان صرخ فينا صاحب المحل و بدأنا بالركض مسرعين.
قررنا في احد الايام تخريب قفل المدرسة. فالجميع كان لديه عطلة ما عدا فيصل. كانت مدرسته قريبة. كسرنا مفتاحاً في غال البوابة الرئيسية بعد ان وضعنا عليه صمغاً سريع الجفاف. وأصبحت الطريقة معتمدة لدينا لمن يريد العطلة. واكتشفنا في اليوم نفسه شجرة توت. شجرة توت كبيرة. اكلنا منها لثلاثة ايام متتالية، ثم حولناها إلى شجرة اموالنا. عقدنا هدنة مع اصحاب محلات الخضار التي سطونا عليها وبعناهم من محصول الشجرة لمدة طويلة ولمواسم عديدة.
يومياً عند الظهر، أثناء خروجي من المنزل أجد أطفالاً يجلسون على حافة الرصيف، يضغطون بأصابعهم الناعمة على الشاشات الملساء. نظرت إلى الندب التي تركتها شجرة التوت وآثار الشطوب من اسلاك النحاس. شكرت الفقر الذي عشناه، وتمنيت لو احدهم يقوم بتحطيم هذه الأجهزة، كما حطم ابي آلة «الأتاري» يوم اراد النوم عند الظهيرة، وكان صوت قفزات «سوبر ماريو» تزعجه.

 

ما لم يعشه جيل «الأندرويد»

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إشترك في قائمتنا البريدية