ما هي الدولة التي يريدها الأكراد؟

حجم الخط
3

ما هو شكل ومضمون الدولة التي يمكن أن يتم إنتاجها في إقليم كردستان لو استطاع الأكراد فعلاً الاستقلال عن العراق وتنفيذ ما انتهى إليه استفتاؤهم؟ هل من الممكن إنتاج دولة في شمال العراق أفضل من ذلك النموذج البائس في جنوب السودان؟
وهل الدولة التي يمكن أن تنتج في شمال العراق يُمكن أن تكون أفضل حالاً من الديكتاتوريات التي تزدحم بها منطقة الشرق الأوسط؟ وهل الحزب الحاكم في إقليم كردستان سيكون أفضل حالاً من حزب البعث الذي حكم العراق لعقود طويلة وانتهى بسقوط الدولة العراقية بالكامل؟
رفض ومعارضة فكرة انفصال إقليم كردستان وقيام دولة مستقلة على أراضيه مبني على أن الانفصال لا يمكن أن يحل المشاكل بقدر ما يمكن أن يؤدي إلى تأزيمها، والانفصال في ظل ظروف الفوضى غير المنطقية الراهنة في الشرق الأوسط لا يمكن أن يعني سوى مزيد من الفوضى ومزيد من الدول الفاشلة.
كل المؤشرات والمعطيات التي أمامنا تُفيد بأن استقلال إقليم كردستان سوف يعني بالضرورة إنتاج دولة فاشلة جديدة في منطقة الشرق الأوسط، وسوف يؤدي إلى مزيد من المعاناة والمتاعب لسكان الإقليم، فضلاً عن أن دول الجوار لن تسمح بقيام هذه الدولة، بل بدأت دول الجوار منذ الآن مكافحة الطموح الكردي بالاستقلال وإقامة الدولة المستقلة.
محاولات الأكراد الاستقلال عن العراق وبناء دولتهم بمعزل عن غابة العنف التي تبتلع العالم العربي ومنطقة الشرق الأوسط، يعيد الى الواجهة السؤال عن الحل للأزمات التي تعيشها المنطقة، وكيفية الحفاظ على حقوق الأقليات العرقية والدينية والطائفية في المنطقة، وهل الانفصال هو الحل لهذه الأزمات؟ أم أنه سيؤدي الى مزيد من تأزيم أوضاع هذه الأقليات؟
الحقيقة أن العالم فيه الكثير من التجارب، والمنطقة العربية جربت أيضاً التقسيم، ابتداء من اتفاقية «سايكس بيكو» التي قسمت العالم العربي وأنشأت فيه مجموعة الدول التي لا تزال قائمة حتى اليوم، وانتهاء بتجربة استقلال جنوب السودان الذي أدى الى إضعاف الشمال والجنوب ولم يُنتج النموذج المنشود للاستقلال.
التجارب التي شهدها العالم تؤكد على أن الحفاظ على حقوق الأقليات لا يتحقق – غالباً – بالانفصال ولا الاستقلال، وإنما يتحقق بالتحول الديمقراطي الحقيقي الذي يُنتج دولاً تقوم على أساس المساواة بين مواطنيها وتلتزم بالحفاظ على حقوقهم وحرياتهم، بعيداً عن ممارسات الفساد السياسي والمالي، وهو نموذج الدولة الحديثة في العالم الغربي، الذي استطاع أن يحفظ حقوق الجميع على اختلاف أعراقهم وأديانهم ومذاهبهم وطوائفهم.
في أوروبا استمرت الحروب بين الكاثوليك والبروتستانت عقوداً طويلة، وشهدت المنطقة حروباً كثيرة أسقطت ملايين البشر، ولم تنتهِ موجة الصراع والحروب إلا بقيام الدولة الديمقراطية الحديثة، التي تقوم على أساس الحفاظ على حقوق الجميع بالتساوي، وعدم تغليب عِرق على آخر، ولا دين على آخر، ولا طائفة على أخرى.
لا يحتاج العالم العربي اليوم سوى لدول ديمقراطية حديثة تضع مصالح شعوبها ومجتمعاتها في مقدمة أولوياتها، لا مصالح النخبة السياسية والاقتصادية الحاكمة على حساب المجموع. وهذه الدولة الديمقراطية هي النموذج الوحيد الذي يمكن أن يعيش فيه العرب والأكراد بحرية ومساواة وحالة من الرضى، وهو أيضاً الذي يعيش فيه المسلمون والمسيحيون ويعيش في ظله السُنة والشيعة والعلويون والأزيديون وغيرهم.. والنظام الديمقراطي هو وحده القادر على إرضاء الجميع بأن يحقق المساواة لهم جميعاً وأن يحافظ على حقوقهم جميعاً بعيداً عن القهر والحرمان والاستبداد.
ما يحتاجه الأكراد اليوم ليس الانفصال عن العراق، ولا الدخول في حرب مع تركيا أو إيران، وإنما يحتاجون للعمل مع الشعب العراقي من أجل بناء دولة ديمقراطية حديثة وحرة تُحافظ على حقوق مواطنيها وتتعامل معهم بالتساوي، ويتم فيها انتخاب الحاكم بالاقتراع الحُر، وفيها تداول سلمي للسلطة لا يقتصر على طائفة دون غيرها ولا على عِرق دون غيره.. هذا هو الحل الوحيد لمشاكل العراق بكل مكوناته من العرب والأكراد والمسلمين والمسيحيين والسنة والشيعة وغيرهم.
كاتب فلسطيني

ما هي الدولة التي يريدها الأكراد؟

محمد عايش

كلمات مفتاحية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

  1. يقول الكروي داود:

    ” كل المؤشرات والمعطيات التي أمامنا تُفيد بأن استقلال إقليم كردستان سوف يعني بالضرورة إنتاج دولة فاشلة جديدة في منطقة الشرق الأوسط، وسوف يؤدي إلى مزيد من المعاناة والمتاعب لسكان الإقليم، ” إهـ
    1- الإقليم شبه مستقل منذ سنة 1991
    2- الإقليم كان ملجأ لمعارضي صدام لسنوات
    3- الإقليم نجح بالنهضة العمرانية بعكس العراق الفاشل
    ولا حول ولا قوة الا بالله

  2. يقول حازم العراقي العراق:

    الكروي نسى من يحكم الاقليم ومنذ،اي وقت؟ أليس مسعود البرزاني وعائلته تحكم الاقليم منذ عام 1991؟ وكل العقود الموقعة تجلب لهم النسبة المئوية من الفائدة وها هم البرزانية اغنياء على حساب شعب كردستان الفقير. ألم يفضح حزب الاتحاد الكردستاني حزب البرزاني الديمقراطي في سرقة نفط كركوك منذ عام 2014 وكل الاموال ذهبت في جيوب البرزانية بدلا من دفع رواتب الموظفين الاكراد.لو فهمت مقصد كلام الكاتب لغيرت اجابتك

    1. يقول الكروي داود:

      حياك الله عزيزي حازم وحيا الله الجميع
      جميع السياسيين بالعراق يسرقون بما فيهم الأكراد
      ولكن سرقة عن سرقة تختلف ! أتكلم عن النسب المئوية
      والدليل هو بالفرق الشاسع بين عاصمة العراق وعاصمة الإقليم
      ولا حول ولا قوة الا بالله

إشترك في قائمتنا البريدية