لندن ـ «القدس العربي» كتب المعلق المعروف فريد زكريا في صحيفة «واشنطن بوست» عن قرار إدارة الرئيس باراك اوباما الذي طلب فيه من الكونغرس تمرير ميزانية بقيمة 500 مليون دولار أمريكي لتدريب وتمويل المعارضة السورية.
وهو القرار الذي حظي بدعم نواب الحزبين في واشنطن. مشيرا إلى أن الطرفين مجمعان على أن القرار لو اتخذ قبل عامين لتحسن الوضع على الأرض ولما تحول إلى حرب أهلية طائفية. ويعارض زكريا هذا الإعتقاد، فالإدارة رضخت لهذا المبدأ لانها تريد الظهور بمظهر من «يقوم بعمل شيء» ما ولمواجهة الوضع بدون أن يكون لديها فكرة إن كانت هذه الجهود ستترك أثرها على الواقع أو ستؤدي لتدهور الأوضاع.
ويعترف الكاتب بالمهمة الصعبة التي تواجه إدارة أوباما في ظل غياب المعارضة المعتدلة وتشتت قوى الجماعات المسلحة على أكثر من ألف فصيل.
وتأتي جهود الولايات المتحدة متأخرة بعد فشل الجهود التركية لبناء معارضة معتدلة. ويواجـــه زكريا أقوال من قال إن الثورة السورية اختطفها الإسلاميون، مشيرا لخطل هذا الفهم.
اختطفوا الثورة
ومن هنا يشير لما قاله ليندزي غراهام (جمهوري- جنوب كاليفورنيا) «بدأ الشعب السوري هذه الثورة من خلال التظاهرات السلمية»، وغراهام واحد من النواب الذين يرون أن الثورة السورية تحولت إلى طائفية بسبب موقف واشنطن السلبي.
ووضح غراهام «هؤلاء الإسلاميون يقومون بخطف الثورة». ويضيف زكريا أن الإسلاميين موجودون منذ البداية ويشكلون عصب المعارضة لنظام والد بشار، حافظ الأسد منذ البداية، وقبل ذلك بعقود. فقد وصل حافظ الأسد للسلطة في عام 1970 وكان أول علوي يحكم البلاد. وبنهاية السبعينات من القرن الماضي الفترة ما بين 1979 -1981واجه ثورة إسلامية مسلحة انتشرت في معظم مدن البلاد، وقتل فيها أكثر من 300 من مؤيدي النظام، وفي مدينة حلب وحدها.
وفي المقابل أصدر الأسد أوامره بقتل ألفي معارض إسلامي. وقد أشار الباحث والمؤرخ يوجين روغان في كتابه «العرب: تاريخ» قصة قائد علوي في تلك الفترة، واسمه عيسى إبراهيم فياض والذي كانت أولى مهامه التي كلف فيها الذهاب لسجن تدمر ويقول «فتحوا أبواب الزنازين وقتلوا من كانوا فيها، ربما كان فيها ما بين 60-70 شخصا، وقد أكون قتلت 15 شخصا…
وكان مجموع ما قتل من أؤلئك أولاد الحرام الإخوان المسلمين 550 فردا». ويضيف الكاتب إن حملة الإرهاب الإسلامي انتشرت ووصلت حتى لدمشق، حيث انفجرت سيارة في تشرين الثاني (نوفمبر) 1981 في مركز المدينة ما أدى لمقتل 200 شخصا وجرح 500 آخرين. ومن ثم جاء عام 1982 والإنتفاضة وبعدها المذبحة البشعة في مدينة حماة التي قتل فيها ما بين 10.000 و 20.000 حيث ذبحتهم قوات الحكومة.
ومنذ ذلك الوقت حضر النظام نفسه ونظم قواته للقتال ضد الإسلاميين وهؤلاء بدورهم كانوا ينتظرون الفرصة ويحضرون لشن حرب ضد النظام. ويشير الكاتب لتاريخ سوريا الحديث، فهي بلد لم يحظ بالإستقرار منذ ولادته، فبين استقلالها عام 1946 وانقلاب الأسد شهدت البلاد 10 انقلابات عسكرية.
وبنهاية عقد السبعينيات كانت سوريا مقسمة لمعسكرين، الأول يعرف نفسه من خلال فكر الإسلاميين والثاني من خلال الطائفة. ولا ينسى الكاتب الإشارة لدور الدول الإقليمية مثل السعودية وإيران والعراق التي قامت بتمويل وتسليح وتدريب الميليشيات كل في معسكره.
ومن هنا ففي عام 2011 انفجر التوتر الذي يغلي منذ زمن طويل. وبحسب جيمس كلابر، مدير الإستخبارات القومية فهناك اليوم حوالي 1500 فصيل مسلح في سوريا بالإضافة لـ 7500 مقاتل أجنبي جاءوا من الدول الجارة، ومن أقوى هذه الجماعات هما أحرار الشام وجبهة النصرة لأهل الشام.
معارضة معتدلة
ويذكر الكاتب بالجهود التي قامت بها تركيا لتشكيل معارضة معتدلة، وقد التقى الكاتب ببعضهم في اسطنبول.
ورغم أنهم ديمقراطيون وليبراليون إلأ أنهم منفصلون عن الواقع ولا صلات لهم في داخل سوريا ولا تأثير لهم على الجماعات المقاتلة هناك. ومن هنا فقد فشلت جهود تركيا كما حصل مع الدول الأخرى. وهنا فمهمة إدارة أوباما هي البحث في هذا الشتات واختيار المعتدلين منهم.
ويرى الكاتب إن موقف الإدارة المعقد يظهر من تعاملها مع الدولة الإسلامية في العراق والشام (داعش) فعندما يقاتل هذا التنظيم قوات المالكي يتحول لعدو لدود ويجب سحقه.
ولكن عندما يعبر الحدود التي لم تعد موجودة بين العراق وسوريا ويواجه الأسد فإنه منسجم مع سياسة البيت الأبيض الداعي لتغيير النظام في دمشق، مما يؤشر لعدم انسجام في السياسة الخارجية الأمريكية.
ويخلص الكاتب للقول إن دعما متواضعا للمعارضة السورية لو حدث لن يكون كافيا لتغيير مسار الأحداث في سوريا، وسواء اعتقد البعض أن هذا الدعم الجديد سيتوصل لتحديد ديمقراطيين ومعتدلين باستطاعتهم هزيمة الأسد أو أدى هذا التدخل لصب الزيت على النار، فهو سؤال مفتوح.
أوهام العراق
وتؤشر كلمة زكريا لمشكلة فهم وعدم انسجام رافق السياسة الأمريكية في سوريا وبدأت تواجهها في العراق خاصة أن تنظيم داعش حقق انتصارات ساحقة على القوات الحكومية وسيطر على مدن ومناطق في شمال وغرب العراق.
ومثلما كشف زكريا عن تعقيد الأزمة السورية وأنها لم تكن في الحقيقة اختطافا للثورة من الإسلاميين بقدر ما كانوا هم جزءا حاسما فيها وينتظرون الفرصة لتصفية الحسابات التاريخية، نجد نفس الوهم فيما يتعلق بالازمة الحالية فالصورة عن تصدر داعش للمشهد مضللة كما ترى رئيسة وقفية كارنيجي للسلام العالمي في مقالة نشرها موقع «نيويورك ريفيو أوف بوكس» ستنشر في النسخة المطبوعة لاحقا. وقالت فيه إن الحديث عن تقدم داعش ووصوله حتى ضواحي العاصمة بغداد، ويجري الحديث أيضا عن بلد يعاني من النزاع الطائفي وأنه على حافة التقسيم وأن الولايات المتحدة تركت العراق سريعا، وما إلى ذلك.
وكل ما يقال حسب ماثيوز مضلل لأن داعش هو واحد من الجماعات السنية التي تخوض معارك فإلى جانبه هناك فصائل التمرد السني التي خرجت ضد رئيس الوزراء نوري المالكي، ومنها أنصار الإسلام، ومجلس العشائر العسكري الذي يتكون من 80 قبيلة، وجيش رجال الطريقة النقشبندية، وهي جماعة تقول إن في صفوفها مقاتلون عرب وأكراد وعدد من البعثيين الذين كانوا موالين للرئيس السابق صدام حسين.
وترى أن النقطة المهمة أن الجماعات التي أثبتت قوة وحضورا في الأسابيع الماضية فصائل تعارض بل وتختلف مع داعش بشكل جذري. صحيح أنهم متحدون اليوم ولكن ليس غدا. وما يساعد على الحفاظ على وحدتها هو الهدف أي حكومة المالكي وكذا قتالها في مناطق أظهر السكان المحليون تعاطفا معهم، وسيكون الأمر مختلفا عندما يواجهون عدوا قويا مثل قوات البيشمركة أو الميليشيات الشيعية.
ليست عن الدين
وترى أن القصة التي بدت وكأنها عن الدين والتطورات العسكرية هي بالضرورة أمر آخر متعلق بالحصول على خدمات الدولة وحصة من عوائد الدولة، ودور في صناعة القرار وتحقيق العدل الإجتماعي.
وترفض الكاتبة التوصيف الطائفي للنزاع القائم باعتباره صراعا بين السنة والشيعة، هذا صحيح من ناحية طرفي النزاع لكنه ليس صراعا عقديا متجذرا في القرن السابع الميلادي.
وترى أن سكان الفلوجة والموصل وتكريت رحبوا بداعش وحلفائه ليس بسبب تصرفات داعش المقززة ولكن لأنهم يخشون مما ستفعله الحكومة ضدهم، فقد عانوا بما فيه الكفاية من سنوات التهميش والحرمان، وتعرضوا لاضطهاد شرير وغياب القانون وفساد مستشر في الحكومة التي يقودها الشيعة.
وتعود الكاتبة للوضع الذي كان فيه الأمريكيون لا يزالون في العراق وقرار جورج بوش الدفع بقوات جديدة للعراق بناء على فرضية فرض الأمن لفتح المجال أمام تحقيق المصالحة التي لم تحدث. فلم يتم تطبيق المعايير السياسية الـ 18 التي حددتها الولايات المتحدة في ذلك الوقت ولا اليوم، وتضم هذه قوانين حول توزيع الثروة النفطية وإلغاء قانون اجتثاث البعث. وعندما تتمزق حكومة خاصة شمولية يتلوها صراع على السلطة يملأ الفراغ، وفي العراق فالصراع مستمر وكان دائما في داخل الجماعات الطائفية مثلما هو بينها.
وعن ما لو بقي الأمريكيون في العراق مدة أطول، فربما ساد سلام غير حقيقي بين الأطراف المتنازعة على السلطة، ومن المؤكد في الوقت نفسه أن العراق أو جيرانه لن يتسامحوا مع بقاء الأمريكيين في البلد لعقد أو عقدين.
وفي السياق نفسه ترى ان بناء الجيش العراقي الذي أنفقت الولايات المتحدة المليارات عليه هو جزء من بناء أجهزة الدولة ويحتاج لوقت. وحتى لو ظل الأمريكيون لعام أو عامين لما غيروا من واقع ما حدث الشهر الماضي، خاصة أن الجيش لا يقاتل من أجل حكومة لا تحترمه. وكان الأدميرال مايكل مولين، قد أخبر الكونغرس عام 2007 قبل تعيينه بفترة أن العراق بحاجة للمصالحة ولن يؤدي وجود قوات مهما كان عددها والمدة التي قضتها لإحداث تغيير.
وتتحدث الكاتبة عما فعله المالكي منذ وصوله السلطة قبل ثمانية أعوام من سياسات تهميش وتعذيب واضطهاد ضد السنة، وهي السياسات التي بررها من خلال الحرب على الإرهاب مع أنه فشل في تصنيف العنف الشيعي وعمليات القتل التي ارتكبتها عصائب الحق في البصرة على أنها إرهاب.
وتشير إلى أن المالكي وضع نفسه في مركز مؤسسات الدولة وميزانياتها وأصدر قرارات تعيين باعتبار قيمة الولاء لا الكفاءة. ورغم كل هذا فقد حظي بدعم الولايات المتحدة مرتين مع أن الأخيرة فشلت في تغيير تصرفه.
وفي ضوء الأزمة الحالية تقول إن الحل يجب أن يكون سياسيا وعلى الولايات المتحدة الدفع باتجاه حكومة جديدة ورئيس وزراء جديد يستجيب لمطالب السنة والأكراد، صحيح أن المالكي فاز في الإنتخابات لكن كتلته لا تسيطر إلا على ربع البرلمان ولا يعد هذا تفويضا. وتدعو الكاتبة أيضا لجهود دولية ومحلية لأن الوضع لا يمكن حله محليا، وهذا يعني إشراك كل الأطراف التي لها مصلحة في بقاء العراق، ويشمل هذا إيران والسعودية وتركيا وسوريا وغيرها. وأخيرا هناك حاجة لأن تعيد الولايات المتحدة النظر في رؤيتها عن حكومة مركزية لإدارة البلد والتحول نحو حكم فدرالي مناسب.
إعداد إبراهيم درويش