متاهة ليبيا: انقسامات الداخل واقتسامات الخارج

حجم الخط
7

 

ثمة مشاهد خارجية، سابقة على الثورة الليبية ضدّ نظام العقيد معمر القذافي، يمكن للمرء أن يعيد قراءتها اليوم؛ بما يتيح استخدامها في تفسير مآل البلد، سواء في ما هو عليه الآن من انقسامات داخلية واقتسامات خارجية؛ أو في ما يُنتظر من تطورات، عاصفة ودامية على الأرجح.
مشهد أوّل، من المجتمع المدني البريطاني، أو الأكاديمي بالأحرى: «مدرسة لندن للاقتصاد» LSE، تعقد ندوة خاصة عن ليبيا، في كانون الأول (ديسمبر) 2010، يُستخدم خلالها تعبير «الأخ القائد» في وصف القذافي، رغم كلّ ما اتضح وفُضح من استبداد نظامه، ودمويته. قبل سنتين، في المؤسسة ذاتها، مُنح سيف الإسلام القذافي، نجل العقيد، درجة الدكتوراه في الفلسفة، عن أطروحة بعنوان «دور المجتمع المدني في ترسيخ الديمقراطية في مؤسسات الحاكمية العالمية». فيما بعد، سوف يضطر السير هاورد ديفيس، مدير الكلية، إلى الاستقالة من منصبه، معترفاً بأنه وافق على قبول تبرع بقيمة 1،5 مليون جنيه إسترليني من الطالب سيف الإسلام.
مشهد ثانٍ، من قلب قصر الإليزيه، مقرّ الرئاسة الفرنسية، أواخر العام 2007: القذافي يُستقبل على نحو احتفائي ومسرحي هابط، بالغ الابتذال وشديد التزلف؛ إلى درجة أنّ راما ياد، وزيرة الدولة لشؤون حقوق الإنسان، صرحت بأن «فرنسا ليست ممسحة ينظف القذافي عليها آثار الدم العالق بحذائه». لاحقاً، بعد أن انتهت ولايته وصار مواطناً عادياً، سوف يخضع ساركوزي لمساءلة قانونية، لا تزال جارية، حول قبوله تبرعات سخية من «المؤسسة الليبية للاستثمار» لتمويل حملته لانتخابات الرئاسة الفرنسية. هذا، بالطبع، إلى جانب صفقات شراء أسلحة، ومشاريع أخرى بينها محطة نووية، وقعتها فرنسا مع ليبيا، بقيمة 4،5 مليار يورو.
مشهد ثالث، استخباراتي صرف هذه المرّة، انطوى على تعاون رفيع المستوى بين المخابرات البريطانية الـ (MI6) والمخابرات المركزية الأمريكية الـ (CIA)، والمخابرات الليبية: في سنة 2004، بإشراف مباشر من الـMI6) )، تقوم سلطات مطار بانكوك باعتقال المواطن الليبي عبد الحكيم الخويلدي بلحاج؛ ثمّ، بناء على ضغوط الـ (CIA)، يجري تسليمه إلى المخابرات الليبية، فيودع في سجن أبو سليم، سيء الصيت، الذي شهد في سنة 1996 إعدام 1269 سجيناً دفعة واحدة، وخلال ساعات قليلة. بلحاج هذا هو نفسه الذي سيؤسس «الجماعة الإسلامية الليبية»، وسيصبح مرجعاً للجماعات السلفية في ليبيا عموماً، وسيقود معركة طرابلس الشهيرة ضد قوّات النظام، وسينقل إلى ليبيا خلاصة تجاربه الجهادية في أفغانستان الثمانينات وعراق التسعينيات، وسيؤسس حزب «الوطن» لكي يدخل رقماً سياسياً محورياً في المشهد الداخلي. إنه اليوم، أيضاً، الخصم اللدود للجنرال خليفة حفتر، ولرعاته في أمريكا وفرنسا والعالم العربي على وجه الخصوص، ومحرّك ديناميات الاستقطاب بين طرابلس وطبرق؛ إنه، أخيراً ـ وهذا تطوّر ليس عابراً، كما يتوجب التشديد ـ معارض معلَن لـ»داعش» ليبيا، ولم يخف مناهضته لممارسات التنظيم، معتبراً أنها منافية للإسلام.
تلك مشاهد ثلاثة، بين أخرى كثيرة، تفضي إلى سهولة أكبر في تلمّس تعقيدات المشهد الليبي الراهن؛ حيث انقسامات الداخل تتقاطع مع اقتسامات الخارج، وحيث العقائد الجهادية تختلط بآبار النفط، والمصالح المصرفية العابرة للقارات تحكم مصائر آلاف البشر في البلد. ثمة حكومتان اثنتان، معلنتان متصارعتان، على الأقلّ؛ وثمة استقطابات عقائدية وقبائلية وعسكرية وسياسية تتشرذم بين طرابلس وبنغازي وطبرق، فضلاً عن أجرام أخرى صغيرة تدور في أفلاك أكبر.
ويبقى تساؤل مشروع: أين البلد من ذلك التصريح الدراماتيكي الذي أطلقه أندرس فوغ راسموسن، الأمين العام للحلف الأطلسي، في تشرين الأول (أكتوبر) 2011، من أن ليبيا كانت «المهمة الأكثر نجاحاً في تاريخ الحلف»؟

متاهة ليبيا: انقسامات الداخل واقتسامات الخارج

صبحي حديدي

كلمات مفتاحية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

  1. يقول الكروي داود النرويج:

    بكلمتين فقط يختصر الكروي داود هذا المقال المميز
    وهذه الكلمتين هما : الغرب المنافق ! والسبب هو في كلمة واحدة هي : المصلحة
    ولا حول ولا قوة الا بالله

    1. يقول ماء مبلول:

      الغرب سراب يحسبه الظمآن ماء و الذين يستعينون به و يتعاملون معه لم و لن يجدوا فيه أي خير يذكر , و تستطيع أن تقول على أن الغرب ذئبا يسمن حملان العرب ليأكلهم كما أو عندما تحين الفرصة و تطيب نفسه متلذذا بهم .

  2. يقول سامح // الاردن:

    * ما يجري في ( ليبيا ) صراع بين جميع
    القوى الداخلية والخارجية على;-
    ( السلطة والثروة ) وخاصة ( النفط ).
    * حسبنا الله ونعم الوكيل في كل ظالم
    وقاتل وفاسد.
    سلام

  3. يقول حسن:

    معمر الذي لم يعمر من ناحية العمر كما لم يعمر عقول الليبيين بما يقرب بينهم وبما ييسر تواصلهم مع العالم خارج ليبيا فنتج عن ذلك واقع مرير يعيشه الشعب الليبي اليوم جراء التمزق الإجتماعي فحصل التنافر بدل التقرب على إثر ذهاب القذافي إلى حياة البرزخ.

  4. يقول خليل ابورزق:

    قلناها في فلسطين من زمان: ما بيجي من الغرب اللي يسر القلب (لا يأتي من الغرب خير). و قالوا الشرق شرق و الغرب غرب لا يلتقيان. وان التناقض و الصراع ما بين الشرق و الغرب موجود حتى من ايام الفرس و اليونان 500 قبل الميلاد و تأججا بصعود الاسلام منذ 1400 عام حتى سقوط الدولة العثمانية . و لكننا لا نتعلم و نلدغ من نفس الجحر الف مرة

  5. يقول بلحرمة محمد المغرب:

    كل من يحسن ظنا في الغرب الاستعماري من العرب بزعامة كبيرته الولايات المتحدة او ينتظر منه العدل والانصاف في التعامل مع قضايانا او المساعدة في حل مشاكلنا او العمل على انهاء معاناتنا او تغيير سياساته تجاهنا فهو اما جاهل او متجاهل فلو عددنا مساوئ الغرب في منطقتنا العربية لاحتجنا الى مجلدات من الحجم الكبير ومداد غزير وجيش من المختصين لتدوين دلك فمن خلال المشاهد التي سردها استادنا الكريم السيد صبحي حديدي يتبين ان الغرب لا يتعامل مع الانظمة العربية بمنطق الند للند ولكن تحت شعار المصالح فوق كل اعتبار فليس هناك عدو دائم ولا صديق ثابت والامثلة كثيرة ومتعددة وموثقة فهدا معمر القدافي الرئيس الليبي الراحل الدي كان مرحبا به ويفرش له السجاد الاحمر في عواصم الغرب المنافق يصبح بين عشية وضحايا عدوا يجب انقاد الشعب الليبي من خطره الداهم وتخليصه من شروره هدا ما قيل في العلن اما في السر فكانت المصالح هي المحرك الرئيسي وما انقاد الليبيين الا تبرير لشن الحرب على ليبيا من طرف حلف النيتو الاستعماري وها هي الاثار المدمرة ماثلة امام كل عين بصيرة فما يجب علينا استدراكه ولا اظن ان معظمنا بات يجهله وهو ان العالم العربي لا يجب ان يكون قويا وموحدا كما لا يجب ان تسوده الديمقراطية وحقوق الانسان كما يمنع منعا باتا امتلاكه للتكنولوجيا والمعرفة والعلوم بل يجب ان يكون ضعيفا وفاشلا ومقسما ومتخلفا وسوقا استهلاكية تنخره الحروب والنزاعات والطائفية والمدهبية والقبلية والارهاب الاعمى المصنوع في دهاليز مخابراتهم كما يجب قصفه بكل الموبقات لانحراف مجتمعاته عن الطريق القويم ومنها الغزو الثقافي والفكري اللدين نراهما واضحين من خلال تصرفات معظم الشباب العربي التائه في غياهب المجهول اليس كل هدا يدخل ضمن هدية الفوضى الخلاقة التي وعدت بها سيئة الصيت كوندوليزا رايس المنطقة العربية المدبوحة من الوريد الى الوريد؟ ان ليبيا لن تعرف الاستقرار ولن تعمل الحكومات الغربية على توفيره فتدخلها لاجل مصالحها وليدهب الشعب الليبي الى الجحيم فاين انت يا اندرس فوغ راسموسن الامين العام السابق لحلف النيتو لترى ان المهمة في ليبيا كانت الاكثر فشلا في تاريخ الحلف؟

  6. يقول سلام عادل:

    دائما نريد سبب خارجي لكي نبرر خيباتنا وضعفنا وماسينا.ماذا كان يفعل الشعب الليبي ايام القذافي السوداء وماذا كان يفعل الشعب العراقي والسوري واليمني وهلم جرا لكل بلداننا وشعوبنا وحتى الشعب الفلسطيني المحتل من اسرائيل انقس بين حماس ومنظمة التحرير.ثم نعود ونقول الغرب المنافق والغرب كذا وكذا.المصيبة فينا يجب ان نبحث عن الخلل في داخلنا.فعندما يتحكم في مجتمعاتنا اثنين او ثلاث من اغبى طبقات المجتمع وهم العسكر ورجال الدين وشيوخ العشائر لا بد ان يكون حالنا هكذا.

إشترك في قائمتنا البريدية