لندن ـ «القدس العربي»: أنهى الهجوم الإرهابي على ناد ليلي في مدينة اسطنبول ليلة رأس السنة الميلادية الجديدة، عاماً صعباً في تركيا الذي شهدت فيه سلسلة من العمليات الإرهابية التي نسبت إما لتنظيم الدولة الإسلامية أو حزب العمال الكردستاني.
وبين هذه الموجات من التفجيرات التي أصابت مدناً عدة في البلاد من اسطنبول إلى أنقرة وسروج وغازي عينتاب شهدت تركيا محاولة إنقلابية فاشلة في 15 تموز/يوليو 2016 والذي اتهم فيه أتباع رجل الدين التركي المقيم في الولايات المتحدة فتح الله غولن.
وتوغلت القوات التركية في شمال سوريا لمنع المقاتلين الأكراد السوريين من التقدم والسيطرة على كامل الحدود الشمالية لسوريا مع تركيا.
هذا بالإضافة للتحديات الاقتصادية التي عانى منها الاقتصاد التركي وتراجع قيمة الليرة التركية وسيؤثرالهجوم الجديد على حركة السياحة التي تعتبر من المصادر الرئيسية للدخل القومي في البلاد خاصة أن القتلى الذين استهدفهم القاتل جاؤوا من جنسيات مختلفة منهم سعوديون وتونسيون وأردنيون وسوريون ومن إسرائيل وفرنسا ودول أوروبية أخرى.
وفي هذا السياق أصدر تنظيم «الدولة» بياناً وضعه على «تيلغرام» وقال فيه إنه استهدف احتفالاً «شركياً».
ويأتي تركيز التنظيم على تركيا انتقاماً ضد مشاركتها في عمليات التحالف الدولي الذي تقوده الولايات المتحدة ضده وللدور المباشر الذي تقوم به في سوريا حيث أقامت منطقة آمنة وتحاصر القوات الموالية لها آخر معقل للتنظيم في الشمال السوري- مدينة الباب.
وجاء الهجوم هذا بعد عملية نفذتها مجموعة موالية لحزب العمال الكردستاني (بي كي كي) في استاد كرة القدم التابع لنادي بكشتاش في اسطنبول وقتل فيه 45 شخصاً.
أعداء كثر
وتواجه الدولة التركية أعداء كثراً، من إرهابيين وسياسيين في الداخل والخارج، وفي السابق لم تستبعد السلطات التركية في اتهاماتها الأكراد السوريين، وقوات حماية الشعب التابعة لحزب الإتحاد الديمقراطي.
وأصدرت أمراً بإلقاء القبض على زعيمه صالح مسلم قبل نهاية العام الماضي بقليل. وإن كان لهذه العناصر دور في العمليات الإرهابية التي شهدتها تركيا فإنها نتيجة للتدخل العسكري المباشر في آب/أغسطس والذي كان بذريعة وقف خطر تهديد تنظيم «الدولة» إلا أن الهدف الرئيسي منها كان وقف تقدم المقاتلين الأكراد غربي الفرات ومنعهم من إقامة كيان مستقل يرتبط بمنطقة الحكم الذاتي في شمال العراق.
ولهذا السبب تم استبعاد قوات حماية الشعب من الاتفاق الروسي ـ التركي لوقف إطلاق النار بين الفصائل المعارضة ونظام بشار الأسد. كما لم تشارك فيه الولايات المتحدة التي تراجع دورها بانتظار وصول الرئيس المنتخب دونالد ترامب إلى البيت الأبيض في 20 كانون الثاني/يناير الحالي.
وتعتبر تركيا من حلفاء واشنطن المتحدة بالمنطقة إلا أن دعم واشنطن لقوات حماية الشعب وتقديم الدعم العسكري لعناصرها وإرسال المستشارين العسكريين للمشاركة في العمليات ضد تنظيم الدولة أغضبت أنقرة. ووجدت الأخيرة نفسها في مواجهة مع إيران ذات المصالح في سوريا والتي دعـمت نـظام بشـار الأسـد منذ البـداية.
ويرى سايمون تيسدال أن سياسة الرئيس التركي رجب طيب أردوغان السورية فشلت في عام 2016 واضطر على ما يبدو لتجميد مطالبه برحيل النظام السوري والوقوف متفرجاً أمام سقوط مدينة حلب بيد القوات التابعة للنظام السوري والمدعومة من الطيران الروسي وميليشيات شيعية.
وبعد أن حرق أردوغان كل جسوره مع واشنطن اضطر إلى التعاون مع الجهود الروسية لوقف إطلاق النار ودعم تسوية في سوريا سيتم التباحث فيها منتصف الشهر الحالي في العاصمة الكازاخية، أستانة.
ويعتقد تيسدال أن اغتيال السفير الروسي في أنقرة قبل احتفالات أعياد الميلاد يكشف عن هشاشة العلاقة الروسية ـ التركية التي عانت بعدما أسقط الجيش التركي طائرة روسية في تشرين الثاني/نوفمبر 2015.
وعلى الصعيد الداخلي يقول الكاتب إن المحاولة الإنقلابية أعقبتها مرحلة من القمع والتطهير في معظم مؤسسات الدولة لأتباع غولن.
وفي الوقت نفسه حاول أردوغان الدفع باتجاه تعديل الدستور لمنحه سلطات دستورية أوسع. ونظراً لرفض الحكومة الأمريكية عدم الإستجابة لأنقرة وترحيل غولن المقيم في بنسلفانيا فقد توترت العلاقة بين البلدين، خاصة أن بعض أجهزة الإعلام حاولت ربط الإنقلابيين بالولايات المتحدة.
وفي السياق نفسه شهدت العلاقات التركية ـ الأوروبية توترا نظراً لعدم تعاطف دول الإتحاد الأوروبي مع الحكومة التركية أثناء الأزمة.
وعليه يرى تيسدال أن أردوغان سيحاول مع بداية العام الجديد تعزيز قبضته على السلطة ومواصلة عملياته ضد الأكراد في داخل تركيا وفي سوريا. ويعلق الكاتب إن أردوغان تعهد يوم السبت بالقتال حتى النهاية ضد من يريدون «خلق الفوضى والإضطرابات في البلاد» وقد سمع الأتراك هذه اللغة الشديدة منه في عام 2016 وما يجب تغييره هو السياسات الإنقسامية الفاشلة التي اتبعها الرئيس.
التوقف عن القمع
وترى صحيفة «إندبندنت» في افتتاحيتها أن العام الجديد حمل معه تذكيراً بأن عملية زعزعة استقرار الشرق الأوسط متواصلة. فلربما وقعت الأطراف المتنازعة على اتفاق هش لوقف إطلاق النار أو ما تطلق عليه الصحيفة «سلام المقبرة» إلا أن السنوات الماضية شهدت تمزقاً لكل دول المنطقة بطريقة لم يكن أحد يتخيلها في التاريخ الماضي.
فمثل لعبة الدومينو عانت ليبيا وسوريا واليمن ودفع الثمن البشر الذين جرحوا أو فقدوا أبناء وأعزاء أو أصبحوا بلا مأوى.
وتبدو مصر مرشحة للانهيار وجاء الآن دور تركيا، القوة الإقليمية العظمى وعضو الناتو والتي كانت لاعباً أكثر من كونها ضحية في هذه الملحمة القاسية. وأصبحت اليوم عرضة للعنف الذي تقوم تمارسه عدة جماعات: متطرفون إسلاميون وانفصاليون أكراد وقوى علمانية قامت بمحاولة إنقلابية فاشلة في الصيف الماضي وعناصر شرسة من داخل الحزب الحاكم.
وتعلق الصحيفة بالقول «فمنذ سقوط الدولة العثمانية لم يتعرض مستقبل ووحدة تركيا مثلما تتعرض له اليوم، في وقت تتراجع فيه قوتها. وهذه أخبار سيئة للمنطقة وأوروبا والعالم». فقد تحولت الهجمات الإرهابية جزءاً من الحياة اليومية العادية.
فلا يكاد يمر يوم دون هجوم لا يميز بين الضحايا أو تنفذ عملية اغتيال سياسية أو انتحاري يستهدف حفل زواج، مطارات، قوافل عسكرية، من يخططون للذهاب إلى حفلات، السفير الروسي والآن ناد ليلي معروف في البلاد، رمز للحياة العلمانية.
وكان الرد المعروف من الرئيس أردوغان هو عمليات قمع جديدة ضد الحريات المدنية والمعارضة السياسية الشرعية وعمليات تطهير داخل الشرطة ومؤسسات الدولة. ولم ينجح كل هذا، ولن تنجح طالما ظهرت السياسة التركية الأمنية والخارجية تتغير وفي تحول مستمر.
ففي وقت بدت فيه تركيا على حافة مواجهة مع روسيا، ليجد البلدان أن لديهما مصالحة أكبر في قمع تنظيم الدولة على حساب المدنيين السوريين، والدليل هو الاتفاق الأخير الذي وقع لوقف إطلاق النار برعاية روسية ـ تركية.
ورغم اعتماد تركيا على الدعم العسكري الأمريكي إلا أنها تنكر استمرارها استقبال فتح الله غولن على أراضيها. وتقول الصحيفة إن تركيا «بحماقة خطرة» غضت النظر عن نشاطات تنظيم الدولة على أمل قيامه بمواجهة الأكراد السوريين وهو ما فعله وبوحشية.
وقبل ذلك كانت تركيا مع نظام الاسد وضده. ومثل بقية الدول الأوروبية لم تعرف ماذا ستفعل مع «جبهة النصرة» التي سمت نفسها باسم «جبهة فتح الشام». وكل هذه المواقف لم تحقق لأردوغان أو تركيا نتائج جيدة. وعلى ما يبدو فشلت تركيا فهم ضخامة التحديات التي تواجه الأمة.
وبالنسبة للمسألة الكردية، ترى الصحيفة أنه لا يمكن حلها إلا من خلال تعايش متفق عليه يتساوق مع الطموحات الشرعية للشعب الكردي وحق تقرير المصير. ففي شمال العراق نشأت منطقة فعلية، وكذا على طول الحدود الشمالية مع سوريا نشأت منطقة فدرالية.
ولم يعد هناك صدام حسين أو بشار الأسد لكي تعتمد عليهما تركيا التعامل مع القومية الكردية وإبعادها عن حدودها. وتعترف الصحيفة أن صفقة سياسية مع الأكراد لا يوافق عليها الكثير من الأتراك وتعني الانفصال وبالتالي تعريض سيادة الاراضي التركية للخطر.
وربما حدثت بطريقة ما نتيجة للعنف والقمع الذي تعيشه المنطقة. وتختم بالقول إن تركيا تواجه خطر الانهيار كوحدة جغرافية ودولة ديمقراطية علمانية إلا في حالة «حيدت» الخطر الأقل على نفسها مثل الذي يمثله الأكراد. إلا أنها تعتقد أن الشراكة الحالية بين أردوغان والرئيس الروسي فلاديمير بوتين تعني أن لا أمل بحدوث هذا حتى في المرحلة التي تعج بالأمل مع بداية العام الجديد.
هي في حاجة للمساعدة
وإزاء هذا فتركيا في حاجة للمساعدة وقبل كل هذا للتعاطف، خاصة أن هجوم اسطنبول هو الخامس من الهجمات الكبيرة التي ارتكبت في الستة أشهر الماضية.
وتعلق صحيفة «التايمز» أن المدينة/اسطنبول والأمة في حالة من الرعب والغضب والشلل. و«تدفع تركيا ثمنا باهظا لمشاركتها في الحرب ضد تنظيم «الدولة» والحرب الدموية ضد الإنفصاليين الأكراد، وبالتأكيد ستكون هناك جرائم قادمة وسفك دماء».
وترى أن العمل الأخير يحمل بصمات تنظيم الدولة نظراً لاستهدافه المدنيين الذين كانوا يستمتعون في نهاية السنة الميلادية ويحضرون لعام جديد. كما أن توقيت الهجوم مرتبط بوقف إطلاق النار الذي وقع أخيراً برعاية تركية ـ روسية.
ويشعر المتطرفون بالغضب على تركيا التي غضت حتى وقت قريب على نشاطاتهم واستخدامهم حدودها الجنوبية، أنضمت أخيراً للحرب ضد تنظيم «الدولة».
ونظراً للاتفاق الذي أعدته روسيا وقبول تركي على الأقل من الناحية التكتيكية بدور للرئيس الأسد ـ على الأقل في المرحلة الانتقالية بأنه خيانة.
ويشعر الكثير في «الجيش السوري الحر» وفصائل المعارضة المعتدلة المقيمة في اسطنبول بالمرارة للمدخل الجديد الذي تبنته تركيا والذي يقوم على الواقعية السياسية.
وعليه تحتاج تركيا كل الدعم الذي يقدمه الغرب عند هذا المنعطف. مشيرة إلى أن علاقة أنقرة مع الناتو ضعفت في الأشهر الأخيرة بسبب ما رآه أردوغان دعماً فاتراً له ولحكومته بعد انقلاب تموز/يوليو 2016 والذي تبعته حملة اعتقالات وتطهير واسعة.
ومع أن الغرب لم يشارك في التوقيع على الإتفاق الذي رتبته أنقرة مع موسكو إلا أنه لا الإتحاد الأوروبي أو الولايات المتحدة راغبة بتخريبه، رغم القلق حول التقارب التركي مع روسيا.
وبعد موافقة مجلس الأمن عليه فيمكن للغرب الاعتماد على تركيا كي تدافع عن مصالح المعارضة السورية المعتدلة. خاصة أن الدول الأوروبية قررت عدم التدخل في المحنة السورية.
وكإشارة عن هذا التعاون هي مشاركة الدول الغربية ما لديها من معلومات عن تنظيم الدولة والجماعات المتشددة التي لم يشملها الاتفاق.
وتقول «التايمز» إن الغرب محق في نقده للقمع الذي تمارسه تركيا ضد المعارضين وأنه قد يترك آثاراً عكسية على الأمن ولكن عليه اختيار لغته بعناية عندما يتم التعامل مع أردوغان. فبلاده حليفة مهمة «وتحتاج تعاطفنا في هذه المأساة». وهي فعلاً، بحاجة للدعم بعد أن كشف موقع أمني عن وجود خطة لدى تنظيم «الدولة» لاستهداف تركيا.
خطة
وذكر معهد «سايت» الذي يقوم بمراقبة الجماعات المتشددة والإرهابية أن تنظيم «الدولة» والمتعاطفين معه شنوا حملة قوية ضد تركيا. وكان زعيم تنظيم الدولة، أبو بكر البغدادي قد حث أتباعه على مهاجمة تركيا وتحويل أمنها إلى ذعر وسلامها لفوضى.
ويقول خبراء أمنيون أن قدرة التنظيم على شن هجمات في الخارج لم تتلاشى مع أنه خسر مساحات واسعة من المناطق التي سيطر عليها في العراق وسوريا. وتشير «التايمز» إلى رسالة بثها موقع مؤيد للجهاديين دعا فيها «الذئاب المنفردة» شن هجمات «الإحتفالات والتجمعات والنوادي».
قتل السياحة
وتعتقد صحيفة «دايلي تلغراف» في افتتاحيتها أن العام بدأ من حيث انتهى. ذلك أنه شهد هجمات إرهابية في مكان من باريس وبروكسل وتونس ومصر وتركيا. ومع أن الهجوم الأخير ليس الأكثر دموية إلا أن توقيته كان بهدف حرمان اسطنبول من قلبها السياحي «ويجب عدم السماح لها».
وتقول إن خسارة الموصل، شمال العراق ربما كانت دافعاً وراء التسبب بمجازر في مناطق أخرى. كما أن وقف إطلاق النار وإن كان مبدئيا يعني حملة جديدة وقوية تشارك فيها كل القوى اللاعبة بما فيها روسيا وإيران ضد تنظيم «الدولة».
وتعلق الصحيفة أن الوقت ينفد من يد الجهاديين. ولهذا ستصبح هجمات مثل الأخير عادية ولن يتم وقفها سوى التعاون الأمني والحذر. وبالإضافة للخطر الكردي هناك اعتبارات جيوسياسية يجب الانتباه لها. فقد عزز اردوغان قبضته على الحكم منذ الانقلاب الفاشل وتقارب مع بوتين.
وأقاما محوراً جديداً في منطقة تخلت فيها الولايات المتحدة تحت إدارة باراك أوباما عن دورها. كما أن الحاجة لمواجهة الخطر الإرهابي ستغذي نزعة أردوغان الإستبدادية بشكل يدفع تركيا إلى التخلي عن دورها كقوة للناتو. وهذا ما يريده بوتين وتنظيم «الدولة».
من زرع حصد
اردوغان غض الطرف على تدفق الجهاديين من كل العالم عبر تركيا الى سوريا والعراق
لتحقيق مكاسب شخصية له وتحقيق احلام عودة الدولة العثمانية تحت حكم السلطان اردوغان
والنتيجة اصبحت تركيا الهدف الاول لداعش فى العمليات الإرهابية
فهل يتعلم اردوغان من أخطاءه
ويرجع الى طريق الصواب وينسي احلامه ويعيش الواقع
يا استاز صلاح العنيد لا يتعظ ولن يتغير الا مع طلوع الروح سلام لخليفه المسلمين فاتح البارات ومجمع الشواز