نقلت مواقع إسرائيلية تصريحات للسيد دولان أبو صالح، رئيس المجلس المحلي لبلدة مجدل شمس الجولانية المحتلة، تضمنت اختلافه مع نتائج لجنة شكلها المجلس الاقتصادي والاجتماعي التابع للأمم المتحدة، والتي انتهت إلى اتهام إسرائيل بفرض مصاعب معيشية على السكان تحت الاحتلال، كانت لها «انعكاسات اقتصادية واجتماعية على الظروف المعيشية للشعب الفلسطيني في الأراضي الفلسطينية المحتلة، بما في ذلك في القدس الشرقية، والسكان العرب في الجولان السوري المحتل». وإذْ اعتبر التقرير الأممي «نكتة كبيرة»، قال أبو صالح: «لا أفهم ما الذي يتحدثون عنه، إنه مثير للضحك»؛ وأيضاً: دروز الجولان «لا يخدمون في الجيش الإسرائيلي، وحتى الآن الدولة تعطيهم فقط».
في المقابل، تعترف معظم التقارير الإسرائيلية المماثلة أنّ غالبية ساحقة من دروز الجولان المحتل (قرابة 20 ألف نسمة)، رفضوا حيازة الجنسية الإسرائيلية؛ التي كانت قد عُرضت عليهم في أعقاب قرار الكنيست، سنة 1981، بضمّ الجولان. ومنذ وقوع الهضبة تحت الاحتلال الإسرائيلي، بعد هزيمة 1967، وحتى العام 2011 حين اندلعت الانتفاضة الشعبية في سوريا؛ لم يتجاوز عدد طالبي الجنسية، من دروز الجولان، 1700 شخص. ومنذ فترة ـ خاصة بعد تصريحات رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو في نيسان (أبريل) هذه السنة، من أنّ «إسرائيل ستبقى في الجولان إلى الأبد»؛ ولجوء النظام السوري إلى سحب معظم وحداته المدرعة من الجولان إلى الداخل، والفشل الذريع الذي منيت به محاولات «حزب الله» لإنشاء مفارز «مقاومة» في الهضبة… ـ تكاثر حديث وسائل الإعلام الإسرائيلية عن ازدياد طلبات حيازة الجنسية الإسرائيلية. تزايد، أيضاً، تقارير «سياحية» مثيرة، تطنب في امتداح ازدهار الجولان، وتمتّع السكان هناك بالأمان ورغد العيش (كما في تقرير مبتذل عن بارات مجدل شمس، وفنادق البلدة، ومرابعها، وحياة الليل فيها!).
شخصياً، أعتبر نفسي محظوظاً بمعرفة مجدل شمس أخرى، الحقيقية أقصد؛ التي قد يحلو لرئيس مجلسها، أبو صالح، أن يتناساها أو يمسخ روحها أو يطمس معالمها: مجدل شمس جوهرة الجولان، في ظل بقاء القنيطرة (العاصمة الحقيقية للهضبة) مدينة أشباح وخرائب؛ والجوهرة التي لا تستحق صفتها هذه إذا انعزلت عن البلدات والقرى السورية المحتلة من حولها (مسعدة، بقعاتا، عين قينة …). ومجدل شمس هذه هي غزّة ثانية، مزروعة في أقصى الخاصرة الشمالية من الجولان، على تخوم الاستيطان الإسرائيلي؛ مسلحة، حتى النواجذ، بقدر من حسّ الانتماء الوطني وتقاليد مقاومة الاحتلال وثقافة الدفاع عن الهوية… تكفي، منفردة أو مجتمعة، لخلق نمط الكوابيس الغزّاوية اليومية التي كانت تؤرق نوم «الضمير اليهودي على حرير الضحية الأزلية، وتضع الحاكم العسكري الإسرائيلي أمام جدول مفتوح من أواليات القمع؛ تلك التي تبدأ من محاولات إلزام أبناء البلدة بحمل الوثائق الإسرائيلية، ولا تنتهي عند فرض الأحكام العرفية على بساتين التفاح والمشمش والكرز وقطع المياه عنها.
ومجدل شمس واقعة على كتف واحدة من الهضاب البديعة التي تشكّل طبوغرافية الجولان المدهشة، وبيوتها تنسدل وفق منطق بصري حرّ لا علاقة له بالمنطق الهندسي، وإن كان يأخذ من هندسة المشهد الخام قسطاً عالياً من الجمال والإدهاش. وفي أواخر السبعينيات، وبحكم عملي مع الأمم المتحدة آنذاك، أتيحت لي فرصة نصف شهرية للإطلال على البلدة خلال تنظيم قوات الفصل والصليب الأحمر الدولي للطقس العجيب الذي يدعى «لقاء العائلات». كان أبناء البلدة المحتلة يحتشدون على أطرافها السفلية، يحملون مكبرات الصوت اليدوية ويتحاورون مع أهلهم وأصدقائهم المحتشدين على الهضبة الثانية المواجهة في الأرض السورية، فتختلط الموضوعات والأخبار والحكايا والهموم، ويتحوّل المشهد إلى أداء صوتي محض ومعقد لا يستطيع فرزه والتقاط تفاصيله سوى المعنيّ بالجملة المنطوقة، على الجانبين.
ولكن يحدث في كل مرّة أن تتوقف الأصوات بغتة، وتحلّ محلها أهزوجة مشتركة تؤديها النساء على الطريقة الدرزية الفريدة وطيلة دقائق. ممثلو الأمم المتحدة والصليب الأحمر وجنود الاحتلال كانوا يعرفون سبب ومغزى ومناسبة الأهزوجة، ولكن أحداً لم يكن قادراً على قمعها. وذات مرّة سألني ضابط نمساوي، كان قد انضم حديثاً إلى قوات الفصل: «لماذا يصدرون أصوات الفرح هذه؟»، فأجبته: «كلما زفّت أسرة البشرى بأنّ أحد أبنائها قد بلغ سن الرشد وأحرق وثائق الاحتلال في احتفال جماعي أقرب إلى تدشين طور الرجولة». آنذاك أطرق النمساوي، ثم غامر بالحياد الثنائي المفروض عليه كممثل للنمسا، ولمواطنه كورت فالدهايم الأمين العام للأمم المتحدة؛ وقال: «أي غباء يجعل الإسرائيليين يعتقدون أنهم قادرون على هضم هذه الروح؟ سوف أرسل لك بطاقة حين تتحرر مجدل شمس».
ولست، اليوم، أرى في العمر بقية تسمح لي بآمال انتظار تلك البطاقة، فضلاً عن أنني لا أعرف في أي أرض يقيم صديقي النمساوي، ولا يعرف هو في أي أرض أقيم. مجدل شمس ما تزال، مع ذلك، ترسل بطاقات المقاومة التي تحث على استذكار صورتها العالية، فتية بهية، بكامل مشمشها!
صبحي حديدي
” ولست، اليوم، أرى في العمر بقية تسمح لي بآمال انتظار تلك البطاقة ..”
هذا إذا كان الرهان على الزمن فقط ، و هو رهان العدو أيضا غير أنه عنده ،
خلافا للكراسي الحاكمة فينا ، زمن فاعل ..
كثيرا ما كنت ، عند وفاة حاكم عربي ، أتسائل : ” بأي وجه سيلقى ربه ؟”
يقضي أكثر من نصف عمره حاكما ، يتغازل و يتنازل لعدوه إحتياطا لحكمه ،
ثم يمضي..ثم يأتي من يخلفه و يمضي و ما له من سيرة إلا سيرة سلفه ..
و على هذا حتى الجنين فينا لا يرى له بقية من عمر تسمح له بتحقيق تلك
الآمال !!
و لو آمن حاكمنا بآية واحدة من كتاب الله لتحرر و أتى بالعجائب : ” قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ
الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشَاءُ وَتَنْزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشَاءُ وَتُعِزُّ مَنْ تَشَاءُ وَتُذِلُّ مَنْ تَشَاءُ بِيَدِكَ
الْخَيْرُ إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ” (26) آل عمران
مقال جميل لصبحي حديدي. وتعليق جميل لجود.
كلام جميل صادر عن عقل عروبي متزن مثقف ويعلم حقيقة الامور والتاريخ المشرّف لهؤلاء الناس المتجبرين في أرضهم والمنتمين بعمق وحق الى تراثهم وتاريخهم المجيد ، تحية الى الكاتب المحترم
ربي يطوّل في عمرك…
وتقرّ عينك بتحرير فلسطين والجولان وسوريا والعراق….
ثم إنّك ياأستاذي على قائمة المعلّمين الذين أنوي زيارتهم واللقاء بهم،،،،إيّاك أن تفعلها وترحل ….أتمنى لك طول العمر والبركة والصحة والعافية وأن يظلّ قلمك الذي ينضح عروبة قنديلا لنا …
دمت أستاذي بخير…