مجلس الأمن… وسيناريوهات ثلاثة

حجم الخط
1

ثمة سؤال لطالما حيرني خلال الأيام الماضية، خاصة بعد رفض مجلس الأمن الدولي المتوقع لمشروع القرار الفلسطيني لإنهاء الاحتلال وإقامة الدولة في إطار سقف زمني. حاولت أن أجد له جوابا بعيدا عن نظرية المؤامرة ولكنني فشلت بجدارة. والسؤال هو، لماذا عجلت السلطة الفلسطينية في تقديم مشروع القرار إلى مجلس الأمن والإصرار على عرضه للتصويت قبل نهاية العام.. وما هو قصدها.
بالمناسبة فان مشروع القرار الفلسطيني الأصلي ليس هو القرار الذي قدمه الأردن للتصويت على مجلس الأمن في 29 كانون الاول/ ديسمبر، وأصر الجانب الفلسطيني على عرضه للتصويت قبل مطلع العام الجديد، فقد خضع هذا المشروع للتعديل مرتين، الأولى من فرنسا للتوفيق بين مشروعها والمشروع الفلسطيني (أجريت 8 تعديلات على النص الأصلي غيرت فحواه بشكل جذري).. والتعديل الثاني جاء من السلطة الفلسطينية نفسها عشية تقديم مشروع القرار، بعد موجة الاحتجاجات والانتقادات من الفصائل الفلسطينية، خاصة الجبهتين الشعبية والديمقراطية وحزب الشعب وحركتي حماس والجهاد الإسلامي.
بحثت وأمعنت البحث وسألت مسؤولين عن مبرر مقنع واحد لهذا التسرع غير المنطقي، فلم أتلق جوابا واحدا مقنعا. فمثلا عندما طرحت السؤال على وزير الخارجية الفلسطيني رياض المالكي في مقابلة أثناء وجوده في لندن: لماذا العجلة في طرح مشروع القرار قبل ضمان الأصوات التسعة، خاصة أن بالإمكان تأجيله إلى مطلع السنة المقبلة، وهذا قد يوفر إمكانية الحصول على الأصوات التسعة مع خروج 5 بلدان (من مجلس الأمن) ودخول خمسة أخرى جديدة أكثر تعاطفا وتضامنا؟ فجاء رده غير مقنع على الإطلاق، إذ قال «لأن شعبنا يضغط وفصائلنا تضغط».
شعبنا يضغط دوما لكن ضغوطه لا تستجاب.. ومنذ متى تصغي السلطة لصوت الشعب، أو حتى الفصائل المنضوية تحت راية منظمة التحرير الفلسطينية.. ناهيك عن الفصائل الأخرى، مثل حركتي حماس والجهاد الإسلامي. وكانت فصائل مثل الجبهـــتين الشعبية والديمقراطية وحزب الشعب والثلاثة منضوية تحت راية منظمة التحرير، قد طالبت برفض مشروع القرار المعدل الذي لم يتسلموا نصه مكتوبا، بل تليت عليهم التعديلات شفويا، كما أعلنت ذلك الجبهة الشعبية وكذلك حزب الشعب ولكن هذا الطلب لم يستجب.
وذهبت الجبهة الديمقراطية إلى ما هو أبعد من ذلك، إذ اتهمت السلطة وعلى لسان نائب أمينها العام وممثلها في اللجنة التنفيذية للمنظمة قيس عبد الكريم (أبو ليلى) بإقصاء تنفيذية المنظمة تماماً عن المشروع الفلسطيني. وقال ابو ليلى إن اللجنة التنفيذية لم تطلع على مشروع القرار المعدل، ولا علم لها بالتعديلات التي قيل إنها أدخلت عليه قبل عرضه على مجلس الأمن. وأضاف أبو ليلى، أنه تمت المطالبة بإلحاح، بضرورة سحب المشروع المقدم لمجلس الأمن، وتقديمه للدراسة في اللجنة التنفيذية للمنظمة، بما يضمن الإجماع الوطني عليه، لكن لم تتم الاستجابة لهذا الطلب.
إذن عن أي ضغوط يتحدث المالكي.. هل سمع المالكي فقط الضغوط المطالبة بتقديم مشروع القرار ولم يسمع الضغوط المطالبة بسحبه وإعادة النظر فيه؟
والوضع كذلك فلن تكون هناك سيناريوهات كثيرة لتفسير هذا الاستعجال في تقديم مشروع القرار على مجلس الأمن والدفع نحو طرحه على التصويت قبل نهاية العام. وشخصيا لا أرى سوى 3 سيناريوهات:
الاول- هو الرغبة الشديدة لدى السلطة لوقف التنسيق الأمني مع إسرائيل وكذلك فك الارتباط مع الاحتلال، وإلقاء مسؤولية إدارة الاراضي المحتلة وتحمل مسؤولياتها كسلطة احتلال، وتجد فرصتها في رفض مشروع القرار. وأذّكر بالتهديدات الكثيرة بهذا المعنى، التي صدرت عن أكثر من مسؤول، وكان آخرها تصريحات الرئيس محمود عباس في الجزائر، باللجوء إلى هذا الخيار في حال فشل مشروع القرار. وها هو المشروع قد فشل لكن لم يتطرق أي مسؤول إلى موضوع وقف التنسيق الأمني ولا إلى وضع إسرائيل امام مسؤولياتها كدولة احتلال تجاه شعب محتل.
السيناريو الثاني: رغبة السلطة الشديدة في الانضمام إلى المنظمات الدولية وفي مقدمتها ميثاق روما ومحكمة الجنايات الدولية، لتقديم مجرمي الحرب الإسرائيليين إلى العدالة الدولية كي ينالوا العقاب الذي يستحقونه، لذبحهم اكثر من 2200 فلسطيني جلهم من الاطفال والنساء والأبرياء، خلال العدوان على قطاع غزة. وربما يريدون في هذا السياق أن يكفّروا عن سيئاتهم بشأن المجازر الإسرائيلية السابقة، وموقفهم من تقرير القاضي الجنوب أفريقي ريتشارد غولدستون وإدانته لإسرائيل بارتكاب جرائم حرب خلال عدوان 2008/2009.
صحيح ان الرئيس وقع على صكوك 29 ميثاقا ومعاهدة دولية بما فيها ميثاق روما الذي يقود إلى الانضمام إلى محكمة الجنايات، وهذا خطوة إيجابية، ولكن حسب تفسير صائب عريقات عند تسليمه الصكوك لممثل الأمم المتحدة في رام الله، لم يتطرق لا من قريب ولا من بعيد إلى موضوع الجرائم الإسرائيلية، وإنما قال، وهنا اقتبس ما جاء في وكالات الأنباء على لسانه، إن «ملف الاستيطان هو الاساسي في ما يتعلق بمحكمة الجنايات الدولية وفلسطين ملتزمة بتغيير قوانينها».
أما السيناريو الثالث وهو المرجح جداً، فهو وجود صفقة ما، بين السلطة ووزير الخارجية الامريكي جون كيري على الإسراع في تقديم مشروع القرار قبل نهاية العام وهذا يضمن فشله بعدم الحصول على الأصوات التسعة المطلوبة لتمريره، وهذا من شأنه أن يعفي أمريكا من اللجوء لخيار الفيتو، ويجنبها الإحراج الذي لا ترغب فيه، خاصة في وجود ما يسمى بالتحالف ضد الإرهاب، وكان هذا سيضفي مزيدا من التأليب عليها في المنطقة، في مثل هذه الظروف التي تعيشها وتتحمل واشنطن القسط الأكبر من المسؤولية عنها.
وهذا في رأيي ما حصل، لانه لو انتظرت السلطة 36 ساعة فقط، لكان الحال غير ذي الحال، ولكانت ضمنت ما لا يقل عن 9 أصوات، وعندها كانت ستضع واشنطن امام خيارين، فإما الامتناع وهذا سيضمن نجاح مشروع القرار، أو استخدام الفيتو. والفشل الناجم عن الاستعجال أيضا يعطي فرصة للانتخابات الإسرائيلية كي تجري بدون مؤثرات خارجية (وهذا طلب أمريكي) رغم توقيع صكوك المواثيق التي لن تصبح نافذة المفعول مباشرة، فمنها ما يحتاج إلى اجراءات تستغرق شهرا، ومنها ما يحتاج إلى ثلاثة اشهر حسب عريقات.. أما تفعيلها فسيطول كثيرا، خاصة إذا استخدمتها السلطة كعامل ضغط لا حقا يمارس بعيدا عن كل شيء.

التصويت

كما هو معروف يضم مجلس الأمن 15 عضوا منها 5 دول دائمة العضوية وهي الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا وروسيا والصين. و10 تتبدل كل عامين على وجبتين، خمسا في كل مرة. وضم المجلس خلال التصويت على مشروع القرار من هذه الدول: استراليا والأرجنتين وتشيلي ونيجيريا والأردن وتشاد وروندا ولثوينيا وكوريا الجنوبية ولوكسمبورغ.
من بين الدول الأعضاء الدائمة صوت لصالح مشروع القرار 3 من أصل الخمس، هي روسيا والصين وفرنسا، بينما امتنعت بريطانيا وصوتت الولايات المتحدة ضده. ومن بين الأعضاء غير الدائمة صوت لصالح القرار الأردن وتشاد ولوكسمبورغ والأرجنتين وتشيلي. وامتنع عن التصويت، وفي هذه الحالة الامتناع كما الضد، كل من نيجيريا وكوريا ولثوينيا ورواندا وأستراليا. وحصل القرار على 8 أعضاء.
ولو انتظر الفلسطينيون 36 ساعة فقط لاختلف الحال، لانه خلال هذه الساعــــات وابتداءً من الاول من كانون الثاني/ يناير خرجت لوكسمبورغ والارجنتين وأستراليا وروندا وكوريا الجنوبية، وحلـــت مكانها اسبانيا ونيوزيلندا وأنغولا وماليزيا وفنزويلا.. وبهذه التشكيلة كانت السلطة ستضمن على الأقل 9 أصوات.. وهي أضافة إلى روسيا والصين وفرنسا، وتشيلي والأردن وتشاد، كل من أنغولا وماليزيا وفنزويلا.. وهناك اسبانيا التي كان يحتمل ان تدعم مشروع القرار ونيوزيلندا التي كانت تميل لدعمه.
وأخيرا وحتى لا تكون صورة المستقبل قاتمة.. أقول رب ضارة نافعة. فمشروع القرار بصيغته المقدمة رغم تعديلات اللحظة الاخيرة يثير كثيرا من اللغط والتساؤلات… وربما سارع القائمون على مشروع القرار في عرضه على التصويت لضمان فشله لتدارك الخطأ، بعد ان اكتشفوا الخطيئة التي وقعوا فيها والأضرار التي كان يمكن ان تلحق بالقضية الفلسطينية، لو فاز. ونأمل ان نتعلم من الخطأ اذا افترضنا حسن النية عند القائمين عليه.

٭كاتب فلسطيني

علي الصالح

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

  1. يقول الكروي داود النرويج:

    نعم رب ضارة نافعه
    والخيرة فيما اختار الله
    وعسى أن تكرهوا شيئا وهو خير لكم

    شكرا لك يا أستاذ علي على هذا التحليل المنطقي لما جرى خلف الكواليس

    ولا حول ولا قوة الا بالله

إشترك في قائمتنا البريدية