باريس – «القدس العربي»: من أين يمكن البدء في الحديث عن فيلم كـ«كارول»؟ الإخراج، الأداء، الحكاية، الحوارات، السينماتوغرافي، الموسيقى؟ أو حتى تفاصيل لا تؤخذ بعين الاعتبار في أي حديث عن فيلم ما، كجمالية الملصق وكاسمَي بطلتيه الجميلتين: كارول وتيريز.
الفيلم فعلاً رسالة حب إلى بطلتيه، وإلى من يجدون أنفسهم أو يجدن أنفسهن متشابهين/متشابهات في شيء ما مع كارول أو تيريز. والفيلم رسالة فنّية جماليّة لم يحمّل نفسه عبء «القضيّة الحقوقيّة»، فكان نقلاً لقصّة حب، قصّة حب وحسب، في ما يمكن أن يكون أحد أكثر أشكالها أناقة، وحضور كيت بلانشيت حرّض على هذا التوصيف.
قصّة حب مرهفة هادئة رقيقة أنثويّة في مجتمع هائج متوتّر كانت الذّكورية فيه، من الزّوج حتى القضاء، النّقيض المقابل لجميلتين تعيشان اللحظات الأولى من علاقة حب، اسمهما كارول وتيريز. فكان الفيلم هجاء للهوموفوبيا بكونه مديحاً للحب، وفقط بذلك.
الفيلم من إخراج الأمريكي تود هاينز، المعروف كمخرج أفلام مستقلّة ومعنيّة بمسألة المثليّة، المقل في أفلامه، إنّما الجيّدة كـSafe»» 1995وFar from Heaven» (2002) و(2007)» I’m Not There»، أمّا «كارول» فسيكون بداية مرحلة جديدة لهاينز تكون أكثر نضجاً وأكثر التزاماً بجماليات السينما.
وللفيلم، المأخوذ عن رواية «ثمن الملح» للأمريكية باتريشا هايسميث، بنية حكائيّة ليست مرتّبة كرونولوجيّاً: فالمشهد الأوّل يبدأ بكارول (كيت بلانشيت) وتيريز (روني مارا) حول طاولة تتحدّثان، وليس هناك ما يدلّ إلى أنه اللقاء الأوّل بينهما أم سبقته لقاءات، إلى أن ينتهي المشهد وننتقل إلى اللقاء الأوّل بين الامرأتين، قبل ذلك بأيّام، لتتطوّر الحكاية التي توصلنا، في نواحيها الأخيرة، إلى الطاولة ذاتها والحوار ذاته، ليكون المشهد ما قبل الأخير.
في خمسينيات نيويورك، تجد امرأتان نفسيهما في علاقة حب، متباينتان في العمر وفي الطبقة الاجتماعية، كارول من خلفية برجوازيّة وتيريز عاملة في محلّ لبيع لعب الأطفال في مانهاتن. تلتقي كارول بتيريز هناك حين أرادت الأولى أن تشتري لعبة لابنتها هديّة الكريسماس. يبدو الانجذاب الخجول والرّقيق واضحاً من البداية، وتأخذ كلّ واحدة وقتها قبل أن تتصارحا، لأسباب تتضمّنها شخصيّتَي كل من كارول وتيريز، ولأسباب خارجية كالمجتمع الذي تعيشان فيه وتابو العلاقات المثليّة المفروض على الامرأتيْن وغيرهما.
تيريز هاوية التّصوير والطموحة لأن تصير الهواية مهنة، تجد لاحقاً فرصة للعمل كمصوّرة في جريدة «نيويورك تايمز»، لكن قبلها تجد في كارول، أو في علاقتها بكارول، حياةً مختلفة، غير تلك التي في محل الألعاب الذي لا تخفي ضجرها من العمل فيه، وغير تلك التي مع صديقها الذي لا تعرف بعد مشاعرها تجاهه. وكارول، السيدة الأنيقة والأم المدلِّلة لابنتها، تعاني طوال الفيلم من مضايقات قضائيّة من زوجها السابق ومن عائلته التقليديّة، وتجد في تيريز حبّاً لطالما بحثت عنه. تلتقيان وتتحديان المجتمع وتضحّيان بما يمكن أن يُسلب من كل منهما، كأن تخسر كارول حضانة ابنتها لأسباب سُمّيت بالأخلاقية.
بينما تتحرر كارول من قيود الزّواج من رجل نشاهد عنفه اللفظي وتهديداته، يحاول الأخير الاحتفاظ بابنتهما متّهماً كارول بالانحراف بعدما كلّف عميلاً بالتنصّت عليها هي وتيريز في فندق على الطّريق، مسجّلاً أصواتهما أثناء ممارستهما الحب ليُستخدم التسجيل ضمن ملفّات قضيّة النزاع على حضانة الطفلة المتعلّقة بأمّها.
يُرشَّح الفيلم لجوائز الأوسكار والبافتا وغيرها في عدّة فئات، ونال العديد من الجوائز في العديد من المهرجانات، إضافة إلى التقييم العالي الذي ناله في الصحافة والتناول النقدي له، وهو قبل ذلك نافس على السعفة الذهبية في مهرجان كان الأخير.
وليس بعيداً عن كل ما ذُكر، لملصق الفيلم كذلك حصّته من صناعة الفيلم بالمجمل، وإن بدا منفصلاً عنه، أي خارج مسألة العرض، إنّما، وهو هنا فنٌّ مستقل بذاته، للملصق تأثير النظرة الأولى. وبالحديث عن «كارول»، كان الملصق الطُّعم الحلو الذي أودى بنا إلى فيلم قد يكون أجمل ما يمكن أن تبدأ به السنةُ الجديدة سينماها.
سليم البيك