قال الفيلسوف والعالم ابن سينا، إن من مسكنات الأوجاع ثلاثة: المشي الطويل، الغناء الطيب، الانشغال بما يُفرح الإنسان. وبعد هذه المقولة بزمن طويل جاء العلم ليؤكد أن الموسيقى تحفز الدماغ على إفراز مادة الأندروفين، وهي مادة تُقلل من الإحساس بالألم، وتعمل عمل المسكن.
من تجربة شخصية طويلة مع تعليم الموسيقى لطلبة من مختلف الاتجاهات والسلوكيات، ومن طبقات اجتماعية متباينة ومختلفة أيضا توصلت إلى أن التدريس بالموسيقى يعمل عمل التهذيب بالموسيقى نفسه، فطلبة الموسيقى هم أيضا طلبة حياة، بالمعنى الإنساني للحياة، وأغلبهم لديه استعداد فطري للنقاء الإنساني وللدخول في حالات وعي روحي أعلى وأكثر نقاء، وغالبا ما أمكنني تحديد السلوك الإنساني للفرد من خلال ما يفضله من موسيقى، فللموسيقى دلائل تقود إلى معرفة المخزون الإنساني، علما بأن الثقافة الموسيقية أيضا تؤثر في سلوكيات الفرد، وهكذا كنت ألاحظ على سبيل المثال أن سائقي سيارات الأجرة في بعض بلدان العالم يعمدون إلى سماع أغنيات محددة، ففي الشوارع الأكثر ازدحاما و»فلتانا» بمعنى عدم احترام قوانين المرور، نجد أن صنف الموسيقى لسائقي هذه الشوارع غالبا ما تكون موسيقى تعتمد على الصراخ لا الإطراب ولا الانتشاء، حتى تبدو الأغنية وكأنها قطعة من الشارع نفسه بازدحامه وتجاوز سياراته للقوانين، والموسيقى ممكن أن نعبّر عنها بصفتها صوت العالم، أو صوت الكون بكل ما فيه من اختلاطات وتمايزات، فالسيدة التي تسقي زرع منزلها وهي تترنم تبدو زرعاتها الصغيرات أكثر فرحا من تلك الأشجار الشامخة التي تقف في حدائق يستعجل المزارع فيها إنهاء عمله، فلا يرنو بحنان ولا يترنم، بل يسارع إلى سقاية الورد والشجر تاركا لهذا الأخضر والملون أن يستمع إلى صوت موسيقى واحدة لا تتغير وهو صوت الماء وهو يُرش في ما تبدو حديقة السيدة بألوان أكثر زهوا، فالسيدة تترنم بالموسيقى وفي صوتها الحنون ظلال لآلات كثيرة ومختلفة، آلات إنسانية من لحم ودم ومشاعر. الموسيقى الشافية بوسعها أن تمدد ظلال النباتات لتصبح أكثر حنوا على الإنسان عند اشتداد الشمس، وبوسعها أن تبعث حياة سعيدة في النبتة الصغيرة فيشعر بها طفل ويصبح أسعد حالا.
عالم مترابط ومتناغم، ولعل الموسيقى تشكل أحد روابطه الأكثر وصولا، لأنها لا تحتاج إلى علم واسع، فالأم التي تغني لطفلها بحنان ليس عليها أن تدرس التأليف الموسيقي، هي فقط تفعل ما يمليه عليها إحساسها لا أكثر. الموسيقى تلك التي لا تُلتقط باليد ولا تُمسك أبدا بشكل ظاهري نستطيع التقاطها باللامرئي منا، بالداخلي العميق، وعند هذه اللحظة فقط نصل إلى حالة تشبع نفسي.
الموسيقى التي ترعى المزارع قابلة للزراعة أيضا، ولو آمنا أن الموسيقى هي فعلا نبتة صغيرة في يد كل واحد منا، وأننا إذا اهملناها ماتت وإذا زرعناها ورعيناها عاشت وجعلت الحياة أيضا تدب في كل ما حولها، إذا اقتنعنا فعلا أن الموسيقى تشبه بصلة الوردة الصغيرة، وانتبهنا إلى منحها الماء والضوء، فحينها سننتبه إلى حديقة مزهرة وتعبيرها يفوح في بيتنا وينتقل إلى بيوت جيراننا. الموسيقى قابلة للزراعة، تماما كما كل شيء، وكما نغرس في نفوس أطفالنا مبادئ الأخلاق والمحبة، فإننا نغرس الموسيقى بالطريقة نفسها، نمنحها الضوء ونعلن عن وجودها، نغرسها ليراها كل عابر، ونسأل مدارس أطفالنا أن تساعدنا في الزراعة، فالمدرسة أيضا سند رئيس في حياة حديقة الكون. زراعة الموسيقى تبدأ منذ الصغر، ولنكن أكثر تحديدا لنقول إنها تبدأ مع البذرة الأولى للطفولة، مع الأجنة في الأرحام، هناك بوسعنا أن نضع الغرسة الأولى، وسنراها بعد فترة قصيرة وهي تكبر، لن ننتظر تسعة أشهر، فالجنين قبل أن يصرخ صرخته الأولى سيتحرك طربا لأصوات الموسيقى، سيشعر ويتحرك ويهتز، سيفرح وسيعلن ابتهاجه بحركات سريعة كأنها طيران أو سباحة في الماء. زراعة الموسيقى تبدأ من لحظة الصفر ولا تنتهي إلا بعد انتهاء حياة الصفر، الحياة اللامتناهية والأبدية للكائنات. التربية الموسيقية جزء مهم تغفله معظم مدارسنا، على العكس من دول العالم الأخرى التي ترى في الدرس الموسيقي حالة مساوية لدرس القراءة أو درس الفيزياء مثلا، فدرس الموسيقى عندما ينتهي سيكون قد فتح مخ الطالب لاستقبال مريح للمعلومات التي يود المدرس زرعها في أدمغة طلابه. ومع أن الموسيقى أصبحت نمطا موازيا للحياة نفسها، ظلت معظم مناهجنا ومدارسنا وحتى شركاتنا بعيدة عن المعنى العميق لحياة موازية أكثر رحمة وإنسانية من الحياة التي نعيشها كل يوم، بل هي في موازاتها تصبح معينا عميقا على الاستمرار في كل أعمال الحياة بطرق أكثر سلاسة، كما قد تكون أكثر تفهما، فالموسيقى إن صاحبها وعي
حقيقي تهذب النفس وتزيد من مساحة صبرها وتحملها وليونتها. وقديما قيل «العلم في الصغر كالنقش في الحجر» ومن العلم الموسيقى أيضا، فكما الألف باء، تصبح الـ» فا صو لا سي»، كلاهما يشكلان نبعا لا يجف، بل يظل لسنوات طويلة جدا يمرر الماء إلى كل ما حوله ويسقي كل ما يعبر به، فالعلم شلال لطيف يتناثر ماؤه على كل ما يحيط به، وكما قلت بعض الموسيقى، بل كلها علم. وكما للأبجدية الأولى مخزن شيق في دهاليز الدماغ الإنساني، فللموسيقى أيضا مخزنها الأكثر نداوة والجاهز دائما للاستقبال. وفي مخزن الموسيقى أبواب كثيرة إن أفضت فهي تفضي إلى حياة وإن فاضت فهي تفيض بالحياة.
موسيقي عراقي
نصير شمه
ممكن سؤال للاستاذ والخبير السيد نصير شمه؟ هل الموسيقى هي اختراع او اكتشاف؟حتى انا سألت عازف غيتار هذا السوال قال لا اعرف، مع جزيل الشكر.
لاهى اختراع ولاهى اكتشاف هى احسااااس اخى الكريم Ahmad ismaeil
الموسيقى كالذاكرة تماما ،كلما اتسعت في السماع الموسيقى زاد ارتباطك وانغماسك في اصولها،وأي مقطوعة تسمعها ،ستسرب الى الذاكرة كصورة تعيد في يوما ما ظلالها في لحظة خفية ،حتى تكاد في غفلة ما تستطيع تميز كل مايعتمل روح المؤلف الموسيقي،وبطريقته لا إرادية في فهم أعماقه ،الموسيقى تراث ،وفن وموهبة ،قبل ان تكون مسكن ساري المفعول في النفس ،فهي تقلص انبلاجات الروح ،وتفتح أسارير الذات لاستماع الموسيقى حتى اذا كانت مقطوعة صعبة الفهم ،فهي تثير حالة غضب وغموض ،وبعد ذلك تسترخي تلك الانفعالات وتلحق في تسلسل الصور بكل انسيابية .
استاذنا Nasser shamma اعجبنى تعبير لحضرتك ان الموسيقى هى صوت العالم اسمحلى اضيف على هذا الكلام ف كناب قراته عن الموسيقار عبد الوهاب وصف الموسيقى بوصف اعجبنى جدا جدا جدا حيث قال (كما ان الكتب السماويه هى صوت السماء للارض فان الموسيقى هى صوت الارض للسماء)الحقيقه التشبيه استوقفنى جدا جدا حينذاك ولم يفارق ذاكرتى…احترامى موسيقارنا الجليل استاذ Nasser shama
سلمت الانامل استاذ نصير
في احد الايام حاولت ابتعد عن الموسيقى لأجرب الفرق
قاطعتها شهور عدة , خلال هذه الشهور كنت مفرط العصبية , وفقدت الشعور بشيئ من الانسانية , فقدت بعضا من لذة الحياة , ونقاء الروح
جميل ان تكون الموسيقى هي الشيئ الذي يحفز الذات البشرية , هي المنفذ الذي يعطي الطاقات الايجابية للانسان , لكن للأسف الوعي العام لا يجرب هذه الاشياء , دائما نرى انهم يربطون الاغاني والموسيقى الحزينة بحياتهم مما يجعلهم في مرحلة معينة من الالم يبدأون بكره الموسيقى لأنها تجعلم اتعس مما كانوا عليه , ولا يعلموا انهم صوروا لأنفسهم حالة من الذهاب من الواقع لتبرير وسيلتهم , وكانت الضحية ببساطة هي #الموسيقى , في بغداد كنت اتمنى في صغري ان يكون لدينا درس للموسيقى لأني كنت اعشق هذه التسمية , عندما رحلت الى سوريا كان لدينا درس صغير لا يتجاوز الحصة الواحدة في الاسبوع , كنا ندرس به بعض النوطات الموسيقية , كنت انتظر هذه الساعة في كل اسبوع , اتمنى ان يكون في المناهج التعليمية في الوطن العربي وخصوصا في المراحل الابتدائية مواد تفيد الاطفال وليست فقط ارقام واحرف ومواد علمية وادبية , كدروس صغير من الموسيقى , كدرس صغير من التنمية البشرية , درس من الرياضة , درس من الفنون , فهذه الدروس لعلها تبقى مع الانسان لأخر يوم في حياته ,
تحياتي لك ولأبداعك
عبدالرحمن من بغداد
عازف بيانو / 21 سنة
عزيزي الاستاذ نصير شمه المحتىم — قرأت موضوعا راقيا جدا يحمل بين ثناياه الكثير من الأفكار التنويريه التي يغفل عنها مجتمعنا وللأسف للأسباب عديده لا يمكن ذكرها ومنها الجهل المستشري كوباء لا يمكن علاجه وان عولج فبدواء فاشل فالحكمة الاولى لكل مجتمع والتي تقوده نحو قم الانسانية والابداع هو وجود العقلاء وامكانية التغيير التي يعملون على انجازها نحو الأفضل ونحو تقدم ورفاهية الانسان وشعوره الكامل بوجوديته وانسانيته وخروجه من قوالب الجهل وارهاصات الغيب التي يرسم وجهتها رجالات الفتوى والمذاهب المريضه والتي جعلت من الموسيقى والغناء من المحرمات التي يمكن وضع الحد عليها وتجريمها اعود اليك أيها الرائئئع والقائد لخلق الوعي المرهف والاحاسيس الجميله بوجدان الانسان أقول لك ما زلت تغرس وغرسك ينمو ويزهو ويورق محبة وحنان وكابداع تترجمه أوتارك وانا كلما سمعت الفنان الشاب يوسف عباس وهو يحيي حفلاته في قاعة الود في مدينة الحله أراك أمامي تخلق من روحك ونفسك ابداعا وجمالا وقديسا للفن والموسيقى ولعودك الجميل ولك السلامه ودمتم انموذجا للانسان الانسان
اعشق عود فريد الاطرش للنخاع كان عمري شبريين سمعته يعزف قلت في نفسى انت لبدور عليك طبعا هذه اغنية من اغانيه …