لا يمكنني القول بأن ذهني الصغير الذي يتهم كغيري الغرب بدعم إسرائيل ونهب مقدرات المنطقة ودعم الاستبداد والفساد يحتفل او يشعر بأي إرتياح من إغلاق الفنادق في بروكسل وتعطيل حياة الناس والشعوب التي لا ذنب لها إلا إنها احتضنت بعض أولادنا المأزومين المعقدين.
ولا يمكنني تقبل المساس بالحضارة البشرية على نحو يدفع رجال الجيش البلجيكي المدججين بالسلاح للتمركز أمام بوابات الفنادق ومحطات القطار والباصات بدلا من حراسة وتأمين حدود بلادهم فقط لأن بلجيكيا مسلما أو من أصل عربي قرر أن يستجيب لدعوة تنطلق من الظلام تحت عنوان «إقامة سلطان الله في الأرض».
مدرعات في وسط شوارع بروكسل وباريس في حالة حرب ومسارح فيينا حزينة والناس في براغ وبراتسلافا يتجولون وكأن على رؤوسهم الطير ويطيلون التأمل والنظر في «سحنتنا» نحن العرب والمسلمين في الأروقة والأزقة والمقاهي والساحات العامة وكأن السؤال المتردد : لماذا يفعل بعض أولادكم ذلك؟
في الوقت نفسه أصفق للرأي القائل بأن منطقة الشرق الأوسط هي التي تعاني اليوم من «الإرهاب الغربي» فالمنتحرون الذين يضربون ويطاردون في دول أوروبية اليوم ولدوا في الغرب وهم محصلة للبيئة التي يعيشون في ظلها خلافا لأنهم خراف في مصائد أجهزة الاستخبارات الغربية.
شخصيا لا أفهم لماذا لا يثور الشعب الفرنسي على حكومته عندما يعلم بأن بعض الإنتحاريين المجرمين الذين يهاجمون الأبرياء ويستهدفون المناطق الرخوة في الأحياء الأوروبية وبالتالي المهمشين مثلهم..هؤلاء تحت قيد المراقبة الأمنية وبعضهم لديه سجل جنائي بالتطرف..لماذا لا يخرج الشارع الفرنسي للاعتراض على حكومته التي تغافلت أو قصرت في مراقبة هؤلاء إلا إذا كانت بعض الأجهزة الأمنية والحكومية متورطة في تجنيد القنابل البشرية الإرهابية وتمويلها لإرسالها لمنطقة الشرق الأوسط.
لا يوجد عندي تفسير للحالة التي يسكت فيها الرأي العام الأمريكي على تلك الروابط العلمية الواقعية التي تؤكد وجود علاقة بين مؤسسات أمريكية وبناء واختراع وتمويل وتسليح مجموعات متطرفة للعمل والنشاط في الشرق الأوسط.
لا علاقة للشرق الأوسط ولا حتى لقضاياه بالمجانين الذين أحالوا حياة أهل أوروبا هذه الأيام إلى جهنم فقد قابلت شابا جامعيا تحرك بين مدينتين أوروبيتين لظرف عائلي وتم التدقيق بجواز سفره خمس مرات خلال رحلة قطار واحدة.
أوروبا تقول اليوم إنها تريد أن تصغي لأهل المنطقة لكي تفهم ما الذي جرى ويجري لكنها لا تريد الاعتراف بأن سياساتها المؤيدة دوما لإسرائيل أولا، واستثمارات أجهزتها السرية في الإرهاب والإرهابيين من الأسباب الرئيسية لهذه العمليات الدموية التي تؤسس لانقلاب كوني على المسلمين المقيمين في غير بلدانهم مما يدفعني للشك أصلا بكل السيناريوهات المطروحة دون الاستسلام بسذاجة لمعلبات نظريات المؤامرة.
طبعا لدينا مشكلة في الإطار الديني ولدينا مشكلات منهجية ولدينا فساد واضطهاد يدفع الناس للتطرف وتراث متكامل في المدارس والجامعات يرفض الآخر ويقف فقط عند عتبة الحروب الصليبية.. لكن بالمقابل لدينا مشكلات مستعصية مع الفهم الغربي والأوروبي والأمريكي لوضع المنطقة وشعوبها ولكل الاعتبارات المتعلقة بأبشع إرهاب تمارسه دولة هي دولة الكيان الإسرائيلي.
أوروبا التي تعاني اليوم ونحن نتضامن مع أهلها ونشعر بالخجل كمسلمين لأن بعض الموتورين يستعملون يافطة ديننا الحنيف في تبرير القتل غير الشرعي والافعال غير الأخلاقية..أوروبا هذه المصابة اليوم بكل مؤشرات الارتياب إذا كانت جادة في معالجة مشكلة التطرف والإرهاب عليها أن تعيد حساباتها في الكثير من النقاط والمواقع العميقة جدا.
لا يتعلق الأمر فقط بإسرائيل بل بتقنيات التسليح ووسائل الاتصال والمتفجرات والأسلحة الغربية والأمريكية التي تصل للمتطرفين بصورة غامضة وأيضا بقراءة الواقع الموضوعي لشعوب المنطقة وبالتوقف عن سياسات الإنكار ودعم الاستبداد وبالاعتراف بالأخطاء الفادحة التي ارتكبت بحق شعوب مسالمة بقسوة وخشونة وبصورة إجرامية تنتج كميات من الإحباط.
هنا حصريا علينا أن لا ننسى دور مشاهد عناقيد الغضب وقصف ملجأ العامرية وحل الجيش العراقي والمجازر الإسرائيلية التي صمت عنها الضمير الغربي بطريقة غير إنسانية وينبغي أن لا ننسى أن البذرة الأولى في تشدد وولادة تنظيم مثل «تنظيم الدولة» بدأت مع تلك المشاهد المروعة في سجن أبو غريب حيث صور نساء ماجدات يعتدي عليهن رجال المارينز بقوة السلاح وعمليات إغتصاب وتعذيب يندى لها ضمير البشرية بعد حل الجيش العراقي ووضع أهله من السنة في مذبحة الطائفية.
العبث في مكونات التاريخ على هذا النحو يراكم الإحباط بالنفوس والتأصيل للتطرف الذي يهاجم أوروبا اليوم بدأ مع المشاهد التي ينبغي أن تخجل أي أمريكي في سجن أبو غريب وهي نفسها مشاهد حصلت ولا ترصدها الكاميرات في سجون إسرائيل وسجون النظام السوري وبعض الأنظمة العربية باستثناء حالات الاغتصاب لسجينات تحت تهديد السلاح الرشاش فتلك من إنتاج الماريز الأمريكي فقط.
لا يمكن التقليل من الدور المركزي الذي تلعبه القصص المتداولة عن فظائع الأمريكيين في العراق والفرنسيين في مالي والصومال والإسرائيليين في فلسطين ولبنان والإيرانيين في سورية والعراق والنظام السوري في حلب في إنتاج الإحباط وبالتالي الإرهاب وبدون قراءة لا تسقط الوقائع للبحث المعمق في إجابة مواتية على السؤال الذي سمعته شخصيا عشرات المرات الأسبوع الماضي على هامش جولة في أربع دول أوروبية بعنوان : ما الذي يحصل بصورة محددة ؟
أؤمن كالكثيرين اليوم بأن قتل الأبرياء عمل بربري لا يمكن تبريره وشرعنته ولا تفهمه، وأشعر بالأسف الشديد لأن بعض الشباب المسلم تاه في متاهة الإرهاب ودخل في نقطة اللاعودة إلى الرشد.. لكن كل ذلك يحصل وحصل لسبب ولا معالجة للموقف بدون العودة لجذر السبب وكل التعاطف دوما مع أي بريء وضعيف يسفك دمه مجانا وفي كل مكان.
٭ إعلامي أردني من أسرة «القدس العربي»
بسام البدارين
لكل فعل عنيف ردة فعل قد تكون أعنف
وما دام الغرب داعما للصهاينة فاءن العداء سيكون مقدسا
يجب أن تتوقف ازدواجية المعايير ليتوقف العنف
ولا حول ولا قوة الا بالله
أوروبا استعمرت العرب وثقفتهم مشكورة ولكن عندما غادروا البلاد اختاروا الحكام الخطأ ليديروا هذه البلاد العربية
السيد بسام بدارين
مقال جميل ورائع وموضوعي مثل العاده
ابدعت فشكرا
انا ارى ان ما حدث في فرنسا وما يحدث في بلجيكا ما هو الا لتخويف الشعوب الاوروبية وخاصة الذين أيدوا قدوم المهاجرين السوريين الى بلادهم من هؤلاء المهاجرين وخاصة المسلمين منهم ، ولأن حكوماتهم لم تجد حلاً لتدفق اللاجئين السوريين الى بلدانهم .والسلام