مدريد ـ «القدس العربي»: مدريد هي عاصمة الكرة الأوروبية، أو على الأقل على هذا يدلل ريال مدريد وجاره أتلتيكو مدريد، الناديان اللذان حققا إنجازات فريدة في دوري أبطال أوروبا خلال السنوات الأخيرة من خلال طريقين مختلفين تماما.
وحقق النادي الملكي إنجازا غير مسبوق بالتأهل إلى المربع الذهبي لدوري الأبطال للعام السابع على التوالي، فيما حصد أتلتيكو نجاحا خاصا، بالتواجد بين أفضل أربعة فرق في القارة العجوز للمرة الثالثة في آخر أربع سنوات.
«مدريد تسيطر»، كان هذا أحد عناوين صحيفة «ماركا» الأسبانية»، محتفية بصعود الناديين إلى الدور قبل النهائي لدوري الأبطال. وقالت صحيفة «آس» الأسبانية: «من يدري إذا كنا سنرى مواجهة ثالثة (بين النادين) كما حدث في لشبونة وميلانو»، في إشارة إلى نهائيي دوري الأبطال عامي 2014 و2016، اللذين تغلب فيهما الريال على أتلتيكو بعد مواجهتين مثيرتين. ومن الواضح أن الفريقين أثبتا أن النجاح في كرة القدم يمكن الوصول إليه من طريقين مختلفين. ويقع مقر الريال بالقرب من إحدى الطرق الحديثة بالعاصمة الأسبانية مدريد يدعى «باسيو دي لا كاستيانا»، الذي يمر بأرقى مناطق المدينة، التي يبلغ سعر منزل صغير بها مكون من حجرة واحدة 300 ألف يورو. وعلى النقيض أنشئ مقر أتلتيكو على ضفاف نهر «مانثاناريس» في جنوب مدريد، وهي منطقة أغلب سكانها من الطبقة العاملة، كما تعد مقصدا للمهاجرين. ويقارن ملعب «سانتياغو بيرنابيو» دائما بدار الأوبرا، بسبب الهدوء الشديد الذي تتمتع به جماهيره، وهو الأمر الذي لا يجتهد الريال في نفيه، بل على العكس يقوم بتأكيده من خلال صوت مطرب الأوبرا الأسباني الشهير بلاثيدو دومينغو، الذي قام بغناء النشيد الخاص بالنادي الملكي، عندما فاز بدوري الأبطال للمرة العاشرة في تاريخه.
وتقوم الإذاعة الداخلية لملعب «سانتياغو بيرنابيو» ببث هذا النشيد قبل كل مباراة. أما أجواء ملعب «فيسينتي كالديرون»، معقل أتلتيكو، فتختلف كل الاختلاف، فهو أحد الملاعب الأكثر سخونة في أسبانيا. وقبل بداية كل مباراة، تقوم الجماهير بترديد نشيد النادي بدون مساعدة من أجهزة صوت أو تقنيات حديثة. ولا تتوقف جماهير أتلتيكو عن الغناء طوال المباراة، بل تسهب في ترديد الأهازيج بشكل أكبر في لحظات الانتصار. ويختلف الناديان أيضا في السمات الشخصية لرئيسيهما، فبينما يعتبر فلورنتينو بيريز، رئيس الريال، من أكثر الشخصيات عزوفا عن الصحافة، يعد انريكي سيريزو، رئيس اتلتيكو أحد المقربين من وسائل الإعلام ومن أكثر الشخصيات المحبوبة في الكرة الأسبانية. بالإضافة إلى مدربي الفريقين، اللذين يعدان انعكاسا واضحا للشخصية المختلفة لكلا الناديين الجارين. واحترف كلاهما كرة القدم وكانا لاعبين كبيرين، لكن بمواصفات مختلفة، فكان زين الدين زيدان صاحب سلوكا راقيا في الريال، فيما انتهج دييغو سيميوني سلوكا أكثر ابتذالا مع أتلتيكو. ويختلف المدربان في اسلوبهما، فبينما يتبع سيميوني أسلوبا صارما ويتدخل بشكل كبير في جميع التفاصيل الخاصة بالفريق، بالإضافة إلى تمتعه بالحسم في قراراته، يترك زيدان مساحة أكبر للاعبيه للارتجال. وقال سيميوني عقب إقصاء أتلتيكو لليستر الإنكليزي الثلاثاء الماضي: «الإصرار ثم الإصرار ثم الإصرار، هذه هي الطريقة».
وأضاف: «الفرق الكبيرة هي بايرن ميونيخ وبرشلونة وريال مدريد، وخاصة من الناحية الاقتصادية، نحن منافسون جيدون ولسنا فريقا كبيرا، نحن فريق يجيد المنافسة». وعلى الجانب المقابل، كشف زيدان عن وجهة نظره وتصوره لفريقه أيضا بعد تأهله إلى الدور قبل النهائي على حساب البايرن، حيث قال: «نحن فريق يملك لاعبين من طراز عالمي، وفي كل مرة يلعب أحدهم فإنه قادر على إحداث الفارق».
وهكذا هما الناديان الجاران في العاصمة الأسبانية مدريد، فريقان تعلما التعايش بشكل أفضل مع مرور الوقت، لكنهما في السنوات الأخيرة خلقا أجواء تنافسية مختلفة. ويعود الفضل في ذلك في المقام الأول للنجاحات الكبيرة لأتلتيكو، الذي أصبح قادرا على منافسة أي فريق، لكن يتبقى له التفوق على الريال في دوري الأبطال، وهو الشيء الذي ربما يتحقق هذا العام.