كتب الأمريكي اللاتيني ابن الأورغواي ادواردو غالينو(ت.13 أفريل 2015) مندّدا بهيمنة القوى الكبرى الأجنبيّة واستغلالها الفاحش للعالم «المتخلف»: «أشعر كلّ يوم وأنا أقرأ الصحف أنّي أتابع درسا في التاريخ. وهذه الصحف تعلّمني، وهي تنقل ما تنقل، وتصمت عمّا تصمت. إنّ التاريخ مفارقات ضالّة، والصحف لا يقرّ لها قرار. ولعلّ هذا ما يجعل سكوتها يفصح أكثر ممّا يفصح كلامها. وغالبا ما تنمّ كلماتها ـ وهي تفتري وتكذب ـ عن الحقيقة». وأظنّ أنّ هذه العبارة الدالّة تختزل تلك القواعد 11 التي وضعها برنار لانغلوا عام 2008 وهي أشبه بوصايا ساخرة لا يزال مجمل الإعلام الغربي وفيّا لها، وبإمكان أيّ مشاهد أن يتحقّق منها، في أيّة نشرة أخبار تلفزيونيّة أو صحيفة سيّارة.
القاعدة / الوصيّة 1: إنّ العرب في الشرق الأوسط هم الذين يبادرون دائما بالعدوان، واسرائيل هي [الضحيّة] التي تدافع عن نفسها دائما. وهذا يُسمّى المجازاة بالمثل.
القاعدة/ الوصيّة 2: ليس من حقّ العرب فلسطينيّين كانوا أو لبنانيّين، أن يقتلوا مدنّيّين اسرائيليّين. وهذا يُسمّى إرهابا.
القاعدة/ الوصيّة 3: من حقّ اسرائيل أن تقتل المدنيّين العرب. وهذا يُسمّى دفاعا شرعيّا.
القاعدة/ الوصيّة 4: عندما تفرط اسرائيل في قتل المدنيّين، فإنّ القوى الغربيّة تدعوها إلى ضبط النفس. وهذا يُسمّى ردّ فعل المجتمع الدولي.
القاعدة/ الوصيّة 5: ليس من حقّ الفلسطينيّين واللبنانيّين أن يأسروا العسكريّين الاسرائيليّين، حتى بأعداد جدّ قليلة لا تتجاوز الثلاثة.
القاعدة/ الوصيّة 6: من حقّ الاسرائيليّين أن يختطفوا ما شاؤوا من الفلسطينيّين. ولا حدّ لذلك؛ ولا يحتاجون إلى تقديم أيّة حجة أو دليل، على «جُرْم» هؤلاء. يكفيهم أن ينطقوا فقط بالكلمة السحريّة»إرهابي».
االقاعدة/ الوصيّة7: أضيفوا دائما كلّما ورد اسم «حزب الله» على لسانكم، هذه العبارة:»المَدعُوم من سوريا وإيران». [ نذكّر بأنّ لانغلوا وضع هذه القواعد الساخرة عام 2008 أي قبيل ثورات الربيع العربي].
القاعدة/ الوصيّة8: إذا ورد اسم» اسرائيل» على لسانكم، فإيّاكم أن تضيفوا هذه العبارة : «المدعومة من الولايات المتّحدة الأمريكيّة وفرنسا وأوروبا»؛ فقد يقع في الظنّ أنّ المسألة تتعلّق بصراع غير متكافئ.
القاعدة/ الوصيّة9: إيّاكم أن تردّدوا هذه العبارة «أراضٍ محتلّة» أو أن تذكّروا بقرارات الأمم المتّحدة، أو انتهاكات الشرعيّة الدوليّة، أو معاهدات جينيف. فهذا يمكن أن يربك المشاهدين أو مستمعي فرانس أنفو.
القاعدة/ الوصيّة10: يتكلّم الاسرائيليّون الفرنسيّة أفضل من العرب؛ وهذا ما يُفسّر لماذا يُسند الكلام إليهم وإلى مُناصريهم، غالبا. وهكذا يستطيعون أن يفسّروا لنا القواعد السالفة ( من 1 إلى 9). وهذا يسمّى في [العرف الصحافي] حيادا إعلاميّا.
القاعدة/ الوصيّة11: إذا كنت غير موافق على هذه القواعد، أو إذا رأيت أنّها تُحابي طرفا في الصراع على حساب طرف آخر؛ فهذا يعني أنّك «مُعادٍ خطير للساميّة».
تلك هي قواعد برنار لانغلوا، وقد نقلتها بأمانة عن الفرنسيّة، ووضعت ما وضعت بين معقوفين للتوضيح؛ حتى يدرك القارئ، في أيّ سياق تاريخيّ وضع لانغلوا هذه «الأصول» التي تتناول الإعلام الغربي الشرق أوسطي، بسخرية لاذعة وقسوة مأسويّة. وهو في الحقيقة لم يفعل أكثر من استخلاص قضيّة كليّة تنطبق على جميع جزئيّاتها، كلّما تعلّق الأمر بالمسألة الفلسطينيّة؛ حتى أنّها صارت من العرف الشائع، والرأي العامّ الذائع. ولا أحد ـ ماعدا قلّة ـ تخاطر بتحطيم قيود هذا العرف وأغلاله، وهذا الإعلام الغربي لا يزال إجمالا هُوَ هُوَ، بالرغم من مرور ستّين عاما على مؤتمر باندونغ. فقد استطاع 29 بلدا من آسيا وإفريقيا، كلّ بوسائله؛ أن يفتكّ استقلاله، بعد الحرب العالميّة الثانية، لتعلن جميعها دخول العالم الثالث، وقتها؛ في محفل الأمم، ورفض الانضمام إلى أيّ من المحورين الكبيرين المتصارعين: الرأسماليّة بقيادة واشنطن، والشيوعيّة بقيادة موسكو. ومع ذلك فإنّ هذا الإعلام يجد دائما مِراحا، ينشر فيه كما شاء؛ أكاذيبه خارج القواعد المرعية عادة في الصحافة مرئيّة كانت أو مكتوبة. وحتّى البابا ـ ونحن ننسى عادة أنّه رئيس دولة ـ أثار موضوع الأرمن، ولكنّه لم ينبس بنت شفة إزاء الـ2041 فلسطينيّا الذين أجهز عليهم نتنياهو، بكلّ دم بارد، أو جرائم فرنسا في الجزائر، أو أعمال الإبادة التي قامت بها ألمانيا في ناميبيا عام 1904، وهي كما يقول التونسي محمّد العربي بوقرّة عبارة عن «مُسَوَّدَةٍ» حقيقيّة للمعتقلات النازيّة الفظيعة، وتمهيد لها؛ رسَم خطوطها الأولى هاينريش أرنست غورينغ والد هارمان غورينغ النازي المعروف الذي انتحر في نورمبيرغ، بعد أن حكم عليه بالإعدام. و»الأغرب» من هذا كلّه، أنّ هذا الإعلام الغربي، لم يعبأ بتصريح جو بايدن نائب الرئيس الأمريكي في كانون الاول/ديسمبر 2014 عن تدمير بيوت الفلسطينيّين؛ وقد اعتبرها عقابا جماعيّا، من اسرائيل، بل هو أدان توسّعها في الضفة الغربيّة والقدس الشرقيّة.. ناهيك عن تصريح جيمي كارتر للصحافة الإسرائيليّة في جانفي 2015 «أنّ المشكل الفلسطيني هو أحد أسباب جريمة باريس». فهذه وغيرها من الحقائق، يمكن أن تربك المشاهد الأوروبي، وتودي بـ»وصايا» لانغلوا… وهي بالتأكيد ليست وصايا موسى التي من أبرزها:»لا تقتل.. لا تشهد شهادة زور».
كاتب تونسي
منصف الوهايبي
– يا أخي منصف أرجوك أن تكون منصفا ” حتى النهاية “.
– ذلك أن مدونة الإعلام العربي هي مدونة مالية . وحبذى لو كان الأموال اموال حلال .