مديرة صندوق النقد الدولي كريستين لا غارد تبدأ اليوم زيارة إلى تونس

تونس – «القدس العربي» تبدأ مديرة صندوق النقد الدولي كريستين لا غارد اليوم الثلاثاء زيارة ليومين إلى تونس، وذلك بدعوة من رئيس الحكومة الحبيب الصيد وهي الثانية التي تقوم بها منذ توليها رئاسة الصندوق. وبحسب تصريحات إعلامية أدلى بها وزير المالية سليم شاكر فإن قدوم لا غارديمثل فرصة لصندوق النقد الدولي حتى يقيم تجربته مع تونس والتي تظل بحسب الوزير فريدة من نوعها واستثنائية، خصوصا بعد نجاح البلد في انتقاله السياسي وطموحه لتحقيق انتقال اقتصادي رغم الصعوبات والمشاكل.
ويسبق وصول المسؤولة المالية الدولية اجتماعا مرتقبا لمجلس إدارة الصندوق للنظر في منح تونس قسطا جديدا من قرض يفوق الألف وستمئة مليون دولار، حصلت عليه بمقتضى اتفاق وقع قبل أكثر من عامين، ويقضي أيضا بإدخال إصلاحات اقتصادية ومالية قالت السلطات حينها انها هي التي طلبتها وبادرت اليها، عكس ما تردد من ان الصندوق أو المؤسسات المالية الاجنبية هي التي فرضتها واشترطتها للاقراض.
وبقطع النظر عما ستسفر عنه الزيارة من نتائج وتقييمات لمدى التزام الحكومة بتطبيق بنود الاتفاق الموقع مع الصندوق فإنها تأتي في ظل مناخ اجتماعي وسياسي يتسم بتوتر وتقلب لافت، خصوصا بعد الضجة والجدل الذي أثاره مشروع قانون المصالحة الاقتصادية والمالية الذي اقترحه رئيس الدولة في الرابع عشر من يوليو/تموز الماضي وصادق عليه مجلس الوزارء ليحال على أنظار البرلمان. وليس معروفا ان كان الاجتماع الخماسي الذي عقد امس في قصر قرطاج، وضم إلى جانب الرئيس كلا من رئيس الحكومة ورئيس مجلس نواب الشعب والامين العام لاتحاد الشغل أكبر وأعرق المنظمات النقابية ورئيسة اتحاد الصناعة والتجارة، قد نجح في نزع فتيل الأزمة وإذابة الجليد بين السلطات ورجال الأعمال من جانب والنقابات وبعض الأحزاب والحساسيات السياسية والجمعياتية من جانب آخر.
ولكن المؤكد هو ان خفض حالة الاحتقان والتوتر يتطلب استعدادا من جميع الاطراف حتى تقدم تنازلات متبادلة، الامر الذي يقابله سعي السلطات إلى استمالة اتحاد الشغل وتحييده عن التحركات التي اعلن عنها بعض الأطراف السياسية لمعارضة المشروع المذكور، عبر النزول إلى الشارع. وبحسب ما يقوله المسؤولون في المكتب التنفيذي للمنظمة النقابية فإنه لا يمكنهم الوقوف على الحياد في ذلك الملف الحساس الذي لا يكتسي فقط طابعا سياسيا، بل يمس ايضا ملفات اجتماعية بالغة التعقيد والاهمية لانهم يرون ان فساد بعض رجال الاعمال، سواء في الماضي أو في الحاضر، هو السبب الأول والمباشر لما يعرفه الاقتصاد المحلي من شلل وركود، وبالتالي فإنهم يطالبون بسحب المشروع في صيغته الحالية المعروضة على البرلمان. كما ان أمين عام الاتحاد وباقي أعضاء القيادة النقابية يواجهون ضغوطا مزدوجة من بعض القواعد النقابية داخل قطاعات مهمة وحيوية، مثل الصحة والتعليم وأيضا من بعض التيارات والاحزاب السياسية، مثل الجبهة الشعبية التي التقى وفد منها السبت الأمين العام للاتحاد وبحث معه، بحسب مصادر إعلامية، مسألة دخول النقابات بشكل فاعل وأكثر جدية على خط الاحتجاجات الهادفة إلى إسقاط مشروع قانون المصالحة المالية والاقتصادية. وتثبت عملية جس النبض التي حصلت بعد ان نظم نشطاء محسوبون على اليسار مظاهرتين، في العاصمة ثم واحدة أخرى في صفاقس كبرى مدن الجنوب ظهر الاأحد، ان السلطات قررت الوقوف بحزم وعدم التساهل ضد ما تعتبره خرقا لقانون الطوارئ الذي يحجر بمقتضاه التظاهر أو النزول للشارع للاحتجاج. وهو ما يضع القيادة النقابية في موقف صعب واختبار دقيق لقدرتها على اقناع الجهات الحكومية بتليين مواقفها والتخلي عن سياسة العصا الغليظة والحفاظ من جانب آخرعلى دورها وموقعها في المشهد السياسي التونسي كمظلة للحريات والحقوق يحتمي بها النشطاء عند اشتداد الأزمات.
رسائل الطرف الحكومي كانت واضحة ولا تحتمل اللبس، فالبلد بحسب ما قاله المستشار لدى رئيس الحكومة المكلف برئاسة مجلس التحاليل الاقتصادية يمر بمرحلة «انكماش تقني» وهي تعني بحسب خبراء الاقتصاد تراجع نسبة النمو الاقتصادي خلال ثلاثيتين متتاليتين، الأمر الذي يؤدي إلى العجز عن خلق الثروات، وهو ما لم يمنع السلطات في المقابل من إقرار زيادات لأجور الموظفين في القطاع العام لم يتم الاتفاق حتى الآن مع النقابات على تاريخ البدء فيها. ولكن الجانب الآخر من تلك الرسائل هو إعلان الجهات الامنية منذ يومين عن وجود تهديدات بوقوع أعمال إرهابية في قلب العاصمة، ما يعني ان الاولوية الآن باتت لمقاومة الإرهاب وأنه لا سبيل أبدا لتجاوز قانون الطوارئ تحت أي اعتبارات. ومن الطبيعي ان تؤثر تلك التوترات الاجتماعية والسياسية على شكل وطريقة التعامل مع مقترحات ومطالب صندوق النقد الدولي لإصلاح الاقتصاد، لأنه لن يكون سهلا على الحكومة ان تقدم على تطبيق البعض منها، خصوصا تلك المتعلقة برفع الدعم عن السلع الأساسية من دون ان يتوفر لها حد أدنى من التهدئة والتوافق الداخلي الذي يبدأ بنزع فتيل الأزمة التي سببها مشروع قانون المصالحة المالية والاقتصادية عبر التوصل إلى حل تقبل به كل الأطراف ويغلب فيه منطق الحوار على أسلوب الشحن والمواجهة المفتوحة.

نزار بولحية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إشترك في قائمتنا البريدية