مدينة سواكن السودانية ترمم مبانيها الأثرية

حجم الخط
0

الخرطوم ـ «القدس العربي»: تشهد جزيرة سواكن الأثرية، شرق السودان نهضة كبيرة بإعادة تأهيلها وترميم مبانيها الأثرية لتصبح قبلة للسياح من كل العالم، وتستعد الجزيرة للعودة مرة أخرى للحياة بعد ان أصابها الموت السريري لعقود طويلة.
سَواكِنْ مدينة تقع في شمال شرق السودان، على الساحل الغربي للبحر الأحمر على ارتفاع 66 مترا (216.6 قدم) فوق سطح البحر، وتبعد عن العاصمة الخرطوم حوالي 642 كيلومترا (398.9 ميلاً) غرباً وعن مدينة بورتسودان 54 كيلومترا (33.5 ميلا).
وتضم تلك الرقعة الجغرافية منطقة أثرية تاريخية وكانت سابقاً ميناء السودان الرئيسي. وقد بنيت المدينة القديمة فوق جزيرة مرجانية وتحولت منازلها الآن إلى آثار وأطلال. تراجع دور سواكن كميناء تجاري بحري لحساب بورتسودان بعد أن هجرها معظم سكانها إلى المدينة الجديدة وخيم الخراب على معظم منازلها التي يسودها الطابع المعماري الإسلامي والعربي القديم وأصبحت موقعاً من المواقع الأثرية القديمة في السودان.
وسواكن أول مدينة سودانية عمرت بالمباني العالية والثابتة، فكانت قصورها الشامخة لا مثيل لها في المنطقة، وكانت مدينة التجارة والمال على البحر الأحمر والشرق العربي، فكانت تمون بلاد الحجاز وتهامة بالحبوب واللحوم والسمن.
بنيت المدينة القديمة على جزيرة مرجانية ويحيط بها سور فتحت فيه خمس بوابات لمراقبة الداخلين والخارجين أشهرها «بوابة كتشنر» (باب شرق السودان). ويربط الجزيرة بالساحل جسر وعلى بعد ميلين فأكثر من الجزيرة توجد ثمانية أبراج للمراقبة.
تمتاز بيوت سواكن في أنها مبنية من الحجارة المرجانية وبجمال النقوش والتصميم والمظهر العام، ولقد زار سواكن كثير من الرحالة عبر تاريخها بدءا بابن بطوطة 1324 م، إضافة إلى العديد من الرحالة الأوروبيين منهم صامويل بيكر وجنكر واسترجو سياد ليمنر، ولقد زارها الكثير من القادة والزعماء عبر تاريخها، منهم خديوي مصر عباس حلمي الثاني، واللورد ألنبي والكثير من قادة الغرب.

بداية تأهيل الجزيرة

ويقول خالد سعدان، معتمد سواكن (وهو أعلى سلطة تنفيذية في المدينة) أن تأهيل الجزيرة الأثرية بدأ في عام 2010 بين منظمة تركية ووزارة السياحة في السودان، وذلك باتفاق على تأهيل مسجدين أثريين ومبنى الجمارك العتيق ودفع ذلك الإنجاز للتفكير في تكملة تأهيل كل المواقع الأثرية في الجزيرة.
وأضاف لـ«القدس العربي» أن رئيس الجمهورية أعلن في زيارته الأخيرة لولاية البحر الأحمر، أن جزيرة سواكن بعد إعادة إعمارها ستكون معلما سياحياً، وقبلة للسياح من داخل البلاد وخارجها، مضيفا أن البشير أعطى تركيا امتياز إعادة تأهيل مباني الجزيرة التي بناها الأتراك في القرن الماضي، وذلك أثناء زيارة الرئيس التركي للمنطقة، وقد أثارت هذه الخطوة ضجة كبرى على مستوى المنطقة كلها.
وقال المعتمد إن بدء إعادة تأهيل الجزيرة أنعش المنطقة من الناحية الاقتصادية وأوجد حراكا كبيرا ووفر فرصا كبيرة للعمالة المحلية وتوقع أن تتوفر، بانتهاء التأهيل، آلاف الفرص للعمل في المرافق الحكومية والاستراحات والفنادق والأسواق وتوقع حدوث هجرة عكسية لسواكن سواء من مدينة بورتسودان أو غيرها.
وعن دور الحكومة في تأهيل المدينة عموما والجزيرة على وجه التحديد أوضح أنهم بدأوا فعليا في إزالة المباني والسكن العشوائي وشرعوا في إعادة التخطيط وإجراء التسويات لأصحاب الملك الحر، وتم تكوين لجنة لهذا الغرض برئاسة قاضي محكمة الاستئناف، مشيرا إلى اكتمال إعداد الخريطة الموجهة، وأعلن عن قرب اكتمال دخول الخط القومي للكهرباء في آب/أغسطس المقبل بعد اكتمال تشييد الأبراج الناقلة، إضافة إلى ذلك أشار للبدء في حفر آبار إضافية لتوفير المياه الحلوة للشرب.
ويقول: «وحتى تكتمل هذه المنظومة نضع في الاعتبار المواقع السياحية داخل وحول الجزيرة، خاصة وان لدينا تنوع كبير في البرامج السياحية مثل الغطس والتصوير والآثار والسياحة البرية والثقافة السياحية المتمثلة في قيم قبائل البجا المادية والمعنوية».
ويشير إلى جزء مهم في السياحة وهو السياحة الدينية، حيث تعتبر سواكن منذ قرون عديدة المعبر الوحيد لحجاج بيت الله الحرام القادمين من داخل السودان ومن البلدان الافريقية المجاورة مثل تشاد واُثيوبيا ونيجريا وغيرها، الأمر الذي يجعل المسؤولين في المنطقة يقومون بتهيئة الظروف للحجاج والمعتمرين من قديم الزمان.
وفي هذا الاتجاه أوضح معتمد سواكن أن الاتفاقية التي تمت مؤخرا بين السودان وقطر لتأهيل ميناء سواكن بتكلفة أربعة مليار دولار تهدف لجعلها الميناء الأول في المنطقة، مشيرا لوجود خطط لربط الميناء بخطوط السكة حديد مع عدد من الدول الافريقية لتكون سواكن هي الميناء الحيوي في منطقة البحر الأحمر.

تاريخ موغل في القدم

ولا يعرف تاريخ محدد تأسست فيه سواكن، ولكن الكثير من الشواهد تدل على أن الجزيرة كانت مأهولة منذ تاريخ موغل في القدم، واشتهرت بعد ظهور الإسلام وازدادت شهرة بعد أن استطاعت أن تحل محل عيذاب، كمنفذ تجاري لممالك السودان القديمة وميناء افريقيا الأول للحجيج.
سواكن لغة، هو لفظ أقرب إلى السكنى بمعنى الإقامة، «سكن يسكن ساكن سواكن» أو بمعنى الهدوء «السكون والسكينة» إلا أن هناك عدة افتراضات وروايات يتداولها الكتاب في معرفة معنى الاسم ومصدره وسبب تسمية المدينة به، والرأي الغالب ما اشارت إليه العديد من الدراسات ان اسمها أُشتق من عدة قصص اسطورية يرجع تاريخها إلى عصر الملك سليمان وبلقيس ملكة سبأ.
وهناك من يعتقد أن الاسم عربي الأصل ومشتق من كلمة «السوق» ويستدل على ذلك بوصول بعض العناصر العربية التي هاجرت من شبه الجزيرة العربية من الضفة المقابلة لموقع سواكن على البحر الأحمر واستقراوا فيه واختلطوا بسكانه المحليين. وتطور الموقع بفضل خدمة التجارة وعرف باسم «سواقٍ» أو أسواق والذي حرف فيما بعد إلى سواكن، ويدعمون هذا الرأي بالاسم الذي يطلقه البجا على سواكن وهو «اوسوك» ومعناه باللغة البجاوية السوق.
واشتهرت سواكن قديما وكانت تمر بها الرحلات بعد عبور الموانئ المجاورة له مثل ميناء القنفذة وميناء جدة وميناء الليث وميناء ينبع في السعودية وميناء القصير وميناء سفاجا في مصر. وكانت في الأصل جزيرة ثم توسعت إلى الساحل وما جاوره فغدت مدينة سواكن تضم الجزيرة والساحل.

تفاؤل بالوجود التركي

ويرى أبو عيشة كاظم رئيس تحرير صحيفة «صوت برؤوت» المحلية، أن التوجه التركي نحو سواكن قديم، لكنه تبلور عمليا قبل عشر سنوات بواسطة «وكالة التنمية والتنسيق» التركية من خلال صيانة وترميم مساجد مبنية على الطراز التركي، فقد أبدوا جدية كبيرة واستوردوا خرائط ومعينات من تركيا.
وبالإضافة إلى مسجدي الشافعي والحنفي، يقول أبو عيشة في حديثه لـ«القدس العربي» إن الأتراك قاموا بصيانة مبنى الجمارك وتحديثه بشكل ممتاز بتشييد الصالات وقاعة المؤتمرات، الأمر الذي مهّد لما يحدث الآن وجعل الناس يتفاءلون، خاصة في ظل وعود عديدة من يونيسكو وغيرها لم يتم تنفيذها.
ويشير إلى مظاهر عدة تؤكد جدية الأتراك في إعادة تأهيل الجزيرة وترميم مبانيها الأثرية ويتمثل ذلك في زيارة الرئيس التركي أردغان لها ثم زيارة نائب رئيس الوزراء التركي، وحضور ثلاثين خبيرا تركيا في مختلف المجالات المتعلقة بإعادة ترميم المواقع الأثرية وجلب مولدين للكهرباء بطاقة تغطي كل المدينة.
وحسب شهود عيان، فقد تم إنجاز ترميم العديد من المباني وأصبحت ظاهرة لكل من يزور الجزيرة وعلى رأسها مبنى المحافظة (الحكومة المحلية) وهو أثري مبني على الطراز التركي ويطل على البحر الأحمر مباشرة، وتم استيراد الأخشاب التي استعملت في البناء من دولة أثيوبيا.
ويقول أبو عيشة إن جزيرة سواكن مهجورة منذ سنوات طويلة وفيها خمسة بيوت فقط وذلك بسبب ترحيل الميناء لمنطقة أخرى (بدأ البريطانيون في دراسة فكرة تشييد ميناء بحري جديد في السودان بعد أن أشار الحاكم الإنكليزي لشرق السودان إلى عدم ملائمة سواكن لاستقبال السفن الكبيرة واقترح البحث عن موقع آخر على الساحل السوداني يمكن ان تدخل عليه السفن ليلاً على ضوء فنار يقام في موقع قريب).
ويرسم صورة كئيبة لسواكن بعد انتقال الميناء الرئيسي لمدينة بورتسودان وبحلول عام 1922 غادرت آخر شركة بحرية ميناء سواكن إلى الميناء الجديد في بورتسودان وبدأت الحركة في المدينة تخفت إلى أن «هجر الناس المنطقة وأصبحت البيوت خرابات وغدت المباني الأثرية أطلالا تسكنها الحيوانات الضالة».
ومع نهاية ثمانينيات القرن الماضي قررت الحكومة السودانية افتتاح ميناء عرف باسم ميناء عثمان دقنة، لخدمة نقل الحجيج المتوجه إلى الأراضي المقدسة في السعودية مما أعاد الحياة إلى سواكن مجدداً.

مقومات سياحية

ويتفاءل أبو عيشة بعودة الحياة لسواكن بعد انتهاء عمليات التأهيل ويطالب الحكومة المحلية ببذل جهد أكبر في إعادة إعمار المدينة السكنية بالاهتمام نفسه الذي تبديه للميناء والمناطق الأثرية وذلك من خلال توفير البنية التحتية اللازمة، مؤكدا أن سواكن قادرة على جذب السيّاح من الداخل والخارج نسبة لما تتمتع به من مقومات سياحية وأثرية.
وتتميز سواكن في كونها مدينة تاريخية قديمة تضم منطقة غنية بآثار منازل القرون الوسطى مبنية من الحجارة المرجانية ومزدانة بالنقوش والزخارف الخشبية. ومن معالم المدينة السياحية: جزيرة سواكن وتضم المدينة الأثرية، جزيرة الحجر الصحي على بعد 5.8 كيلومتر من سواكن، جزيرة الرمال وتبعد حوالي 32 كيلومترا.
شعاب داموث وتبعد 21 كيلومترا من وسط سواكن، شعاب المدخل، شعاب قاض ايتود، شعاب بيرنس، إضافة للحصون والبوابات. وتضم منطقة القيف بقايا السور والبوابات والحصون ومنها: بوابة كتشنر (بوابة شرق السودان حالياً) وحصن مهاجر، حصن أبو الهول، حصن طوكر، حصن السوداني، حصن الأنصاري، وحصن اليمني.

متحف هداب

هو أكبر وأبرز متحف في شرق السودان، يقع في مدينة سواكن وقد تم إنشاؤه بجهد شخصي من قبل محمد نور هداب وهو أحد أعيان مدينة سواكن. ويحتوي المتحف على مقتنيات تاريخية لعصور مختلفة للمدينة، من بينها صور عامة وقطع أثاث وأزياء ونموذج للسكن وغيرها من الأعمال الفولكلورية لسكان المدينة بشكل خاص وسكان شرق السودان بصفة عامة. وتوجد فيه مقتنيات للأمير عثمان دقنة، أحد قادة الثورة المهدية في شرق السودان ومن بينها الزي الذي كان يرتديه إلى جانب بعض وثائق تلك المرحلة.
وتضم أنقاض المباني آثارا بما فيها منازل السكنى كقصر الشناوي ومنزل خورشيد والمؤسسات العامة مثل مبنى الجمارك ومبنى البنك الأهلي المصر والمسجد الشافعي وغيرها.

مدينة سواكن السودانية ترمم مبانيها الأثرية

صلاح الدين مصطفى

كلمات مفتاحية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إشترك في قائمتنا البريدية