مراجعة سريعة للعام الذي يتهاوى الآن غير مأسوف عليه، تشير إلى الكثير من التطورات الكبرى وأهمها ثلاثة: هزيمة «داعش» في العراق وسوريا، والتطورات الغريبة في السعودية الأقرب إلى الانقلاب على تاريخ ومسلكية وتقاليد المملكة، وختمت هذه السنة العجفاء بقرار الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بإعلان القدس عاصمة لإسرائيل.
لكن العالم العربي من شرقه إلى غربه ما زال يثير كثيرا من المواجع، لما يعتريه من مصائب كبرى، خاصة في اليمن الذي يقف على أبواب كارثة إنسانية كبرى بسبب الجوع والأمراض والحروب الظالمة، التي يدفع الشعب اليمني من لحمه ودمه وأطفاله ثمنا لها، فأرضه التي كانت سعيدة تحولت إلى منطقة نزاعات إقليمية وتصفية حسابات، والنار تأكل بعضها «إن لم تجد ما تأكله» فقد احترب الحلفاء الأعداء في ما بينهم وقام الحوثيون بقتل من تآمر معهم لاحتلال صنعاء، الرئيس المخلوع علي عبد الله صالح.
أما في ليبيا فسيناريو الانقلاب العسكري على الأبواب بعد أن أعلن حفتر أن «الاتفاق السياسي الليبي» انتهى. ومصر في أوضاع اقتصادية خطيرة، وسيناء تحتضن «داعش» بطبعتها المصرية، والنظام يكتم أنفاس المواطنين، في ظل انهيار للجنيه فيبيع جزيرتي تيران وصنافير للسعودية كمدخل للتطبيع السعودي مع إسرائيل.
أما سوريا فيكاد النظام وحلفاؤه الروس والإيرانيون أن يحسموا المعركة لصالحهم على ما تبقى من خرائب، لكن عشرة ملايين سوري لا يعرفون من أين تأتي وجبتهم المقبلة. ولنعد إلى التطورات الثلاثة الكبرى:
هزيمة «داعش»
ثلاث سنوات من الجرائم والتطهير العرقي والإعدامات وتنظيم «داعش» الأكثر دموية في التاريخ الحديث يسيطر على أراض في العراق وسوريا أوسع من فرنسا. عاث خرابا ودمارا في مدن كبرى عظيمة كالموصل ودير الزور والرقة، وها هو ينحسر إلا من جيوب صغيرة ستستنفد قريبا ما لديها من مخزون الشر بانتظار أفولها الأكيد. كثيرون قد يتبنون هذا الانتصار، لكن الحقيقة أن الجيش العراقي لعب الدور الأساسي مدعوما بتنظيمات وأطراف عديدة. والمتتبع لإنجازات هذا التنظيم المشبوه لا يمكن إلا أن يتوصل إلى نتيجة مفادها أن كل ما قام به لا يخدم إلا الكيان الصهيوني، ولا يضر إلا الإسلام والمسلمين. فقد هدّم المدن ودمّر الآثار ونهب الثروات، وشتت الأقليات واغتصب النساء وأعدم الأبرياء، وجند الأطفال وزرع ثقافة الموت، وشوه كل مبادئ وقيم وأخلاق الإسلام. وعندما انتهى دوره وأنجز مهماته في نشر كل ما هو ضار للأمة أقفل الستار عليه، أو كاد كما حدث من قبل مع «القاعدة» والزرقاوي والنصرة والدور مقبل على تنظيمات الشباب وبوكو حرام وتفريعاتها. وإن انتهت هذه الجماعات كلها سيتم استنبات جماعات أخرى أكثر ضراوة وعداء للعرب والمسلمين تحت يافطة الإسلام والخلافة.
شر «داعش» لم ينته بعد فما زالت عششه تفقس في أكثر من مكان، لكنه يقترب من النهاية المحتومة وسيحاول أن يأخذ معه العديد من أرواح الأبرياء، قبل أن يلفظ أنفاسه الأخيرة.
الانقلاب السعودي
إن أغرب التطورات التي حدثت هذا العام هو ما جرى ويجري في السعودية، بعد أن تسلم زمام الأمور ولي العهد محمد بن سلمان مستغلا وهن أبيه ودعم إدارة ترامب. والحديث عن هذا الأمر طويل، لكن نقطة التحول كانت بإبعاد ولي العهد محمد بن نايف ووضعه قيد الإقامة الجبرية، من دون توافق داخل العائلة. وللتمترس في المنصب استعان الشاب بصديقه ترامب وزوجته وابنته فقدم لهم قلادة الذهب ورقصة بالسيف و460 مليار دولار فقط لا غير. وبعد أن ضمن تأييد إدارة ترامب فجّر أزمة غير مسبوقة مع قطر بدعم من الإمارات والبحرين، بحجة دعم قطر للإرهاب. وقد شملت المقاطعة قطع العلاقات وفرض الحصار وإغلاق الحدود، وإغلاق الأجواء وإغلاق مكاتب الطيران، وطرد المواطنين القطريين وسحب مواطني تلك الدول من قطر خلال أسبوعين، وسحب الاستثمارات والشركات وطرد الطلاب من المدارس وتشتيت العائلات، ثم انثنى الأمير على أقاربه وأولاد عمومته من الأمراء فحجزهم في فندق ريتز، واستولى على أموالهم وعقاراتهم وأخضعهم للتحقيق والتعذيب بتهم الفساد وتخلص نهائيا من بعضهم.
إذن اعترف واحد من علية القوم في السعودية أن 300 أمير متورطون في الفساد. الأمير نفسه يتمتع بالشفافية والنقاء والتواضع، فقد اشترى لوحة «مخلص العالم» لدافنشي بـ450 مليون دولار فقط ويختا بـ500 مليون دولار، وعلى ذمة صحيفة «نيويورك تايمز» بـ550 مليون دولار وبيت لويس الرابع عشر بـ300 مليون دولار فقط. لكن الأمر الذي حيّر الدنيا كلها، الطريقة الرعناء التي اعتقل فيها رئيس وزراء لبنان وتجريده من هاتفه وحجزه والتحقيق معه وربما السطو على أمواله، وإجباره على أن يقرأ رسالة استقالته بطريقة لا تمت إلى الحضارة أو الإنسانية، ثم الضغط عليه لاستبداله بأخيه بهاء، ناسين أن نظام لبنان ليس نظاما عائليا. الأمير ظن أن الحريري يعمل عنده فأراد أن يعاقبه لأنه عين سفيرا للبنان في سوريا واستقبل علي أكبر ولايتي مستشار المرشد الإيراني، ووافق على مشاركة الجيش في تحرير عرسال من أيدي «داعش».
والأسوأ من ذلك حجز الرجل العجوز الملياردير صبيح المصري، الذي لم يسمع بالنصيحة بعدم الذهاب، معتقدا أن سنه ورزانته ووضعه الاجتماعي في الأردن وفلسطين سيشفعان له، لكنه كان مخطئا. السعودية تمر الآن في مرحلة مخاض، حيث يفرض التغيير من أعلى وبالعصا لا بالنقاش والإقناع. المرأة الآن تستطيع أن تسوق السيارة وتسفر عن وجهها، وغدا ستسافر بدون محرم وتلبس التنورة وتسرح شعرها وتمارس رياضة السباحة في البحر، بفضل توصيات لجنة الترفيه التي يبدو أنها حلت محل لجان الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، بعد طرد 1800 إماما اكتشف مؤخرا أنهم دعاة تطرف بعد 79 سنة فقط. لم نر شيئا بعد والعجائب والغرائب في طريقها إلينا من بلاد الحرمين الشريفين.
القدس و»إعلان ترامب»
في ذكرى مئوية بلفور تطوع دونالد ترامب، الرئيس الأغرب في تاريخ الولايات المتحدة، بالوفاء بوعوده لإيباك والصهاينة المسيحيين وشلدون أديلسون الصهيوني الممول الرئيسي لحملته الانتخابية بإعلان القدس عاصمة لإسرائيل. صفعة وجهها أولا للسلطة الفلسطينية التي وضعت ثقتها في الوسيط الأمريكي الذي لم يعمل أكثر من الإبقاء على مرجل المفاوضات على نار هادئة لمدة 24 سنة، كي يعطي إسرائيل كل الوقت لتهود وتستوطن وتصادر وتقتل وتسجن وتحاصر وتميز وتحرض وتقصف وتغير وتعتقل وتهدم وتغتال. والصفعة أيضا موجهة لملوك الطوائف الذين تشاغلوا عن القضية المركزية وشنوا حروبهم في المكان الخطأ، وبدلوا أولوياتهم وتسللوا عبر الشقوق لمصافحة إسرائيل، وإرسال الوفود التطبيعية حتى بعد إعلانه هذا.
أنظر إلى ردود الفعل الباردة من أنظمة الهوان. هل كان ترامب ليقدم على مثل هذه الخطوة لولا أن الضوء الأخضر جاءه من بعض زعماء الدول، الذين يحاولون أن يلعبوا دورا أكبر من أحجامهم، وعلى حساب التفريط بحق الشعب الفلسطيني؟ لم يقطع نظام واحد علاقته مع أمريكا، ولا خفض مستوى التمثيل، ولا أخذ موقفا حقيقيا جادا. حتى قمة عربية حول القدس منعت من الاجتماع. والأدهى والأمر أن بعض أنظمة الهوان في الخليج تحاول أن تقنع الشعب الفلسطيني بالقبول بـ»أبو ديس» عاصمة لفلسطين والتغاضي عن القدس وحق العودة وقبول الاستيطان ومصادرة أراضي الغور تحت ما سمي «صفقة أو صفعة العصر». لكن الرد الحقيقي على غطرسة ترامب جاء من أبناء الشعب الصامد أولا، ومن إخوتهم في الضفة الأخرى، ومن بعض الشعوب العربية المسموح لها بالتظاهر والعديد من شعوب العالم بما فيها بعض الدول الإسلامية.
الرد على ترامب كان في الصفعة التي وجهتها عهد التميمي لوجه الجندي المدجج، الذي يمارس الإرهاب الحقيقي لا المجازي. الرد جاء من إبراهيم أبو ثريا الذي أثبت أن المقاومة موقف قبل أن تكون قوة وجسدا متكاملا. الرد جاء من ملايين المتضامنين مع قضية الشعب الفلسطيني العادلة. إننا أمام نقطة تحول كبرى فإما أن يستمر الزخم فلسطينيا وأردنيا أولا وعربيا ثانيا وإسلاميا وإنسانيا وعالميا ثالثا، وإلا فسيلحق بترامب ليس فقط غواتيمالا وهندوراس، بل وبعض دول الخنوع العربي.
وكل عام وأمتنا العربية بخير
محاضر في مركز دراسات الشرق الأوسط بجامعة رتغرز بنيوجيرسي
د. عبد الحميد صيام
مقال هائل و على الوجع و بدون لف و دوران. داعش و الخلافه الوهميه فعلا اساءت الى الاسلام جدا خصوصا لدى العامه الغربيين الذين لم يعيشو مثلنا في الدول العربيه فتصبح قطع رؤوس الأبرياء كأنه ركن من اركان الاسلام٠ اما دول الهوان كما تفضلت فهي تبيع و على المكشوف كل ما تبقى من قضيتنا و بالرخيص بل تدفع المليارات لكسب رضا العدو ! شئ مخجل فعلا .