الأوتزم، أو التوحد، مرض ينتج عن خلل في نمو الجهاز العصبي يؤثر على طريقة جمع المعلومات ومعالجتها بواسطة الدماغ، مسببا عجزا في التفاعل والسلوك الاجتماعي، وفي التواصل اللفظي وغير اللفظي. حوالي 2٪ من سكان العالم يعانون من المرض، ويصيب الأولاد 4 مرات أكثر من البنات. ومن سلوكيات مرضى التوحد مقاومة التغير، الإستحواز والتملك، التمسك بأنماط سلوكية مقيدة ومتكررة، العدوانية، العزلة، نوبات الغضب، المناورة مع الأفراد والبيئة المحيطة، الضحك والقهقهة دون سبب، الاستثارة الذاتية، وعدم إدراك المخاطر. وبعيدا عن الطب، ودون إبتزال للعلم، وبإستخدام المجاز اللغوي، نلاحظ أن العديد من أعراض وسلوكيات مرض التوحد موجودة عند القادة والسياسيين، في منطقتنا، المتشبثين بكراسي الحكم لعقود طويلة، مما يدفعنا إلى القول، مجازا، بمرض الأوتزم السياسي. فهولاء القادة مصابون بحب التملك، يتعلقون بالسلطة ويرفضون التغيير، يتمسكون بذواتهم ويتمحورون حولها، معزولون عن شعوبهم وعدوانيون تجاهها، يقتاتون على المناورة، ويصدرون قرارات مصيرية وهم في نوبات غضب ودون إدراك للمخاطر. أما التواصل اللفظي العدواني فقد جاء موثقا بالصوت والصورة وأمام الملايين من سكان العالم. زين العابدين بن علي وصف الشعب التونسي الثائر عليه بالعصابات الملثمة والمناوئين المأجورين. أما القذافي فشتم شعبه بأنهم ليسوا إلا جرذانا وقططا يتناولون حبوب الهلوسة. علي عبدالله صالح وصف حراك شعبه بثورة «البلاطجة» والتخلف والثعابين. والملاحظة المشتركة بين النماذج الثلاثة هذه، أن هؤلاء القادة تشبثوا طويلا بكرسي السلطة، وأن هذيانهم وسلوكهم اللفظي العدواني تجاه شعوبهم تفاقم مع ترنح أنظمتهم ثم إنهيارها التام. وفي السودان، ظل قادة الإنقاذ يتبارون في توجيه سقط القول وفاحشه للشعب السوداني ردا على أي إحتجاجات أو حتى إنتقادات من قبل الشعب الصابر والمكلوم. نورد أدناه بعضا من الأمثلة، الموثقة أيضا، والتي أثارت ردود فعل غاضبة حتى خارج البلاد وسط غير السودانيين الذين يعرفون معدن الشعب السوداني جيدا، على عكس حكامه: الرئيس يقول أن الإنقاذ علمت السودانيين أكل البتزا والهوت دوغ. المقرر بالقطاع السياسي للحزب الحاكم يقول الشعب السوداني قبل الإنقاذ لم يكن يعرف ما هو الموبايل. وزير خارجية سابق قال «السودانيون قبل الإنقاذ كانوا شحاتين». نائب سابق لرئيس الجمهورية يقول السوداني قبل الإنقاذ لم يكن عنده قميصان. وعلماء السلطان يفتون بأن من يسرق أو يختلس المال العام يمكن أن يتحلل منه بإعادته ولا يعاقب…!!
ومن الواضح أن سهولة إستيلاء هؤلاء الحكام على السلطة عبر الإنقلاب العسكري، وبقائهم طويلا في الحكم دون مقاومة تهدد حكمهم، إضافة إلى ضحالة الفكر وإنعدام الرؤية وتغليب المصلحة الخاصة على المصلحة العامة، جعلت هؤلاء الحكام يتعاملون مع الوطن وكأنه ضيعة يتصرفون فيها كما يشاؤون، يبيعون ويهبون، ينزعون ويحرمون، ويتعاملون مع المواطنين وكأنهم أقنان وجوار.
وقبل أيام وجه رئيس الجمهورية في السودان بإعادة النظر في قرار إلغاء عقوبة الجلد في المدارس، وذلك في حضرة كل قيادات وزارة التربية والتعليم ولفيف من المعلمين السودانيين. وكما هو معروف فإن ألغاء العقاب البدني في المدارس لم يكن قرارا لرئيس جمهورية سابق، وإنما هو نتاج جهد جماعي للتربويين وعلماء النفس المختصين وتم تضمينه في المواثيق العالمية الخاصة بحقوق الطفل. ولنقرأ معا ما جاء في العديد من المواقع الإسفيرية والدوريات، حيث يقول علماء التربية والنفس أن الضرب هو أضعف وسائل التغيير والتهذيب، وأي نتيجة مرضية ترتب عليه فهي نتيجة سريعة ومؤقتة بالضرورة، أما الأضرار فهي كثيرة ومتنوعة، ومنها أننا ننشئ جيلا جبانا يعيش بالخوف والزجر والترهيب، ولا يجرؤ على إعلان رأيه. ويعيش هذا الجيل في أزمة مع رموز السلطة قهر والإستبداد فيعاديها في داخله ويداهنها وينافقها في ظاهره وينتظر اللحظة المناسبة للتمرد عليها والإنتقام منها بأشكال مباشرة أو غير مباشرة. وضرب التلاميذ في المدارس يحدث ارتباطا شرطيا سالبا بين العلم والإيذاء البدني، فيكره الطالب العلم وما يتصل به، ويفقد قدرته على الإبداع، لأن الإبداع لا ينشط إلا في جو من الحرية والإحساس الإيجابي بالذات والكرامة وبالموضوع العلمي وبالبيئة المحيطة. والأجيال السابقة والتي عاشت تجربة الضرب في المدارس، خضعت بدرجة أكبر للنظم الإستبدادية سنوات طويلة واستكملت معها مشوارا طويلا من الضرب في أقسام الشرطة وفي أقبية أجهزة الأمن والمخابرات والمعتقلات. وكما هو معروف، فإن أنظمة الطغيان والإستبداد تمارس القمع الممنهج تجاه معارضيها، فيستقبل المعتقلون بوجبات دسمة من الضرب والتنكيل والعنف اللفظي، بينما الأخيرون، وخاصة كبار السن في دهشة وحيرة من أمر هؤلاء الذين لايراعون أي حرمة ناهيك عن حرمة عامل السن.
ومن الواضح أن ممارسة الضرب والتعذيب تجاه المعتقل ليس بغرض الحصول على المعلومات فحسب، وإنما بهدف كسر الهمة وإذلال الكرامة وقتل الروح المعنوية، حتى يخرج المعتقل إلى الحياة العامة ذليلا خاضعا مكسور الخاطر والجناح. وبالطبع، فإن التمسك بالسلطة، ولفترات طويلة، رغم معارضة الناس، والتعامل مع المحكومين بأسلوب العنف المباشر والعنف اللفظي وإلى غير ذلك من السلوكيات الشبيهة بأعراض وسلوكيات مرض التوحد الواردة في كتب الطب، هي التي جعلتنا نتحدث عن مرض الأوتزم السياسي. ولكن، من الواضح أن هذا النمط من السلوك، والذي تتبناه أنظمة الطغيان والإستبداد والفساد، ليس بالضرورة أن يحقق أهدافه في حماية وإطالة عمر أنظمة أهل القمع في السلطة.
وكما ذكرنا من قبل، ومن واقع التجربة، فإن سياسة شتم الشعوب وغيرها من سلوكيات مرض التوحد السياسي، دائما تعلو وتزداد حدة مع الرمقات الأخيرة للنظم الإستبدادية. وإذا كان الطب لا يزال عاجزا حتى اليوم عن التوصل إلى علاج ناجع لمرض التوحد عند البشر، فإن الشعوب لديها العلاج الشافي لمرض الأوتزم السياسي، وبدرجة شفاء تصل إلى 100٪.
٭ كاتب سوداني
د. الشفيع خضر سعيد
د. الشفيع
انت رجل قيادى ضليع و بالتاكيد لا تريد تسبيب اى اذى لشخص برىء.
قيادات الحكومة ناس اختارو طريقهم للسلب و القتل و نهب ثروات البلاد …. هم ليسو بمرضى بل مجرمين اصحاء اقوياء … و يجب ان يحاكمو و يعاقبو على جرائمهم.
ارجوك راجع المقال و تغيير كل ما له علاقة بمرض الاوتيزم لانه بكل بساطة ما جرم بل اعاقة يعانى منها 4٪ سكان العالم كما انت اوضحت.
بالتاكيد ما بينقصك الحصافة و لا اللباقة لتوصيل فكرتك بدون تجريم مرضى الاوتيزم
و لك الشكر