الرباط ـ «القدس العربي»: وجد المغرب من الهجوم الذي تعرضت له السفارة السعودية في طهران، نافذة ليبعد «الشبهات» عن «حياديته» ويعلن دعمه للموقف السعودي، تجاه الأزمة السعودية الايرنية التي اندلعت بسبب اعدام السعودية للشيخ نمر النمر واخرين، بعد ادانتهم بتهم الارهاب.
وفي الموقف الجديد، أدان وزير الخارجية المغربي صلاح الدين مزوار «بشدة الهجوم الذي تعرضت له سفارة المملكة العربية السعودية في طهران وقنصليتها في مشهد» وقال إن الأمر «يتعلق بأعمال منافية للقواعد والممارسات الدبلوماسية».
ودعا الوزير المغربي «الجمهورية الإسلامية الإيرانية إلى تنفيذ الالتزامات الدولية في هذا الشأن لضمان حماية البعثات الدبلوماسية والقنصلية والعاملين بها» وأعرب عن «التضامن الدائم مع المملكة العربية السعودية الشقيقة».
وجدد المسؤول المغربي الدعوة التي أطلقتها وزارة الخارجية المغربية في بيان اصدرته يوم الاحد الماضي إلى التهدئة وتجنب كل تصعيد خطير في سياق إقليمي جد متوتر واعربت فيه عن خشيتها من احتمال أن تخرج الأمور عن السيطرة بين السعودية وإيران، عقب إعدام الرياض، يوم السبت رجل الدين الشيعي نمر باقر النمر وآخرين، مؤكدا أنه يعول على حكمة المسؤولين في البلدين.
وقال بيان وزارة الخارجية المغربية إن المغرب يتابع باهتمام «كبير تطور الوضع، خشية من أن تأخذ التجاوزات الجارية بعداً غير قابل للسيطرة في الساعات والأيام» المقبلة وأن «المغرب يعول على حكمة المسؤولين السعوديين والإيرانيين للعمل على تفادي أن ينتقل الوضع الحالي إلى بلدان أخرى بالمنطقة تواجه العديد من التحديات وتعيش أوضاعاً هشة».
وقرئ موقف المغرب في بيان وزارة الخارجية ليوم الاحد، بغير التقليدي في مواقف المغرب تجاه الازمات التي تكون العربية السعودية، حليفته التقليدية واحد ابرز الدول الخليجية المساهمة في انعاش الاقتصاد المغربي من خلال الاستثمارات والمنح والقروض.
واثار الاستغراب اكثر كون الطرف الثاني في الأزمة هي إيران التي لم تمر علاقاتها مع المغرب منذ نهاية السبعينات بالوئام والحميمية، ومرت سنة 2009 بازمة حادة بعد قطع العلاقات الدبلوماسية بينهما على خلفية ازمة إيران مع البحرين.
وشكل موقف الاحد ارضية لاطلاق دعوات لناشطين ومحللين مغاربة، لمبادرة ووساطة مغربية لتخفيف الأزمة بين الرياض وطهران، والتذكير بالدور الذي لعبه المغرب في العقود الاخيرة من السنة الماضية في الازمات بين الدول العربية أو الاسلامية.
ولعل حجم الإعدامات التي نفذتها السلطات السعودية، وتداعياتها الاقليمية، شكلت احراجا للمغرب الرسمي الذي يذهب نحو الغاء عقوبة الإعدام ولم ينفذها منذ 1992 ويعرف موجة قوية للمطالبة بالغائها قانونيا، ومن هذه الزاوية والخوف من تسعير حرب طائفية شيعية سنية، عبرت العديد من الاوساط المغربية عن ادانتها لهذه الإعدامات.
وفيما التزمت غالبية الاحزاب والتيارات السياسية المغربية الصمت، استنكرت جماعة العدل والاحسان اقوى الجماعات ذات المرجعية الاسلامية بالمغرب أحكام الإعدامات التي نفذتها السعودية وجاء في بيان مقتضب صادر عن الجماعة ومن توقيع محمد حمداوي مسؤول علاقاتها الخارجية أن الجماعة تلقت «ببالغ الحزن والاستنكار نبأ تنفيذ حكم الإعدام من قبل السلطات السعودية في حق سبعة وأربعين شخصا من بينهم الشيخ نمر النمر رحمهم الله جميعا».
وأوضح «إن التثبت في مثل هذه الأحكام الخطيرة التي قد تؤدي إلى إزهاق أرواح مؤمنة بغير وجه حق، واجب إسلامي وإنساني أصيل». وأضاف البيان أن «العنف والعنف المضاد لا يخدم في شيء مصلحة الأمة الإسلامية ولا مصلحة القطرالعربي و الإسلامي الواحد والذي يخدم هذه المصلحة هو الحذر التام تجاه كل ما يذكي النعرات المذهبية والطائفية والعمل على تعزيز الحريات العامة والعدالة الاجتماعية وترسيخ القيم الشورية والديمقراطية الحقيقية، واتخاذ سبل الحوار والانفتاح والتواصل والتفاهم منهجاً في تجاوز الخلافات السياسية داخل الوطن الإسلامي الكبير. حقنا لدماء الأمة والتفرغ لكبريات القضايا الاستراتيجية».
ووجه مصطفى المانوزي الأمين العام لشبكة شمال إفريقيا والشرق الأوسط لتأهيل ضحايا التعذيب، رسالة إلى ملوك ورؤساء هذه الدول، من أجل وقف الإعدامات، وقال «تتابع شبكة شمال افريقيا والشرق الأوسط لتأهيل ضحايا التعذيب وحماية حقوق الانسان بقلق شديد التطورات الأخيرة التي تلت خبر إعدام السيد نمر باقر النمر والذي تصنفه بعض الاطارات كمعتقل رأي. وذكر المانوزي الرؤساء والملوك بـ»التزاماتكم الدولية المنصوص عليها في المواثيق الدولية لحقوق الانسان وخاصة إتفاقية مناهضة التعذيب وغيره من ضروب المعاملة أو العقوبة القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة، التي بموجبها إلتزمتم ان تتخذوا، كدول طرف، إجراءات تشريعية أو إدارية أو قضائية فعالة أو أية إجراءات أخرى لمنع أعمال التعذيب في أي إقليم يخضع لنفوذكم الترابي والقضائي بها».
واكد «أن عقوبة الإعدام عقوبة بالغة القسوة وتلحق أبشع الألم والعذاب لمن توقع عليه، وبذلك فإنكم تكونون قد خالفتم نص المادة 2 فقرة 1 من الإتفاقية سالفة الذكر، فإن ما يجري من عنف وتقتيل في منطقة الخليج، يقتضي تفعيل مطلب إلغاء عقوبة الإعدام وإعمال الديموقراطية وسيلة لتدبير الصراعات السياسية والفكرية والمذهبية، وتأهيل منظومة العدالة من أجل تأطير النزاعات بالقانون وفقا للمعايير الكونية لحقوق الإنسان، وبعيدا عن أدلجة الدين ليكون موجها للسياسة.
واعرب المانوزي عن «كبير قلقنا لتزايد ظاهرة الاستخدام السياسي لعقوبة الإعدام التي طالت هذا المعارض السياسي في السعودية والتي وظفت كذلك في العديد من مناطق شمال افريقيا والشرق الأوسط ضد معارضين سياسيين مند بداية 2011.» وجدد المطالبة «بتوقيع إعلان الأمم المتحدة لوقف تنفيذ عقوبة الإعدام في أفق الإلغاء الفعلي لها من التشريعات الوطنية.»
وقال «إن الحروب الأهلية التي اكتسحت الوطن العربي والعالم الاسلامي، والتي تغذيها المقاربات الطائفية للصراع والذي تقف وراءه دولتا إيران والسعودية، وكيانات إرهابية كداعش وكيانات مماثلة «غيردولتية»، في المنطقة ، لتهدف لإجهاض كل إرهاصات البناء الديمقراطي والتراكم الحاصل في هذا المجال» ودعا «إلى التحلي بكامل الحكمة والتبصر والحيطة، لمواجهة كل مخططات التفرقة والتجزئة، فليس الهدف دائما التوحيد، بقدر ما يهم تحصين التعددية والاختلاف، بتدبيرهما بالاحتكام إلى المشترك الانساني والذي ليس سوى القانون الدولي لحقوق الإنسان والقانون الـدولي».
وأعلن عدد من «الشيعة» المغاربة على صفحات موقع التواصل الاجتماعي «فيسبوك» إدانتهم لـ»الجريمة الشنيعة»، التي استهدفت «شهيد الإسلام، باقر النمر»، كما أعلنوا مساندتهم لاقتحام السفارة السعودية بطهران وادانت الشبكة الديمقراطية المغربية للتضامن مع الشعوب (ناشطون يساريون) الإعدامات ووصفتها بـ»الجريمة السياسية المدانة».
وقالت الشبكة على صفحتها بموقع التواصل الاجتماعي فيسبوك إن «ما أقدمت عليه السعودية من إعدام 47 معارضا سياسيا، جريمة سياسية مدانة وسيكون لها ما بعدها من تبعات داخل السعودية وفي المنطقة»، مضيفة أن «جرائم آل سعود ستقربهم أكثر من المحكمة الجنائية الدولية».
ووصفت خديجة الرياضي، الرئيسة السابقة للجمعية المغربية لحقوق الإنسان، إعدامات السعودية بالمجزرة الرهيبة في حق الإنسانية وقالت «إن النظام السعودي نظام ينتمي للقرون الوسطى ولا علاقة له بالقيم الإنسانية».
وقالت إنها كحقوقية ضد الإعدام مهما كانت المبررات، خصوصا إذا كانت المحاكمة سياسية كما هو الشأن لباقر النمر، حيث كان من المفروض أن لا يعتقل أصلا، فما بالك أن يتم إعدامه وأن ما قامت به المملكة العربية السعودية، قتل باسم القانون والقضاء، ولا علاقة له بقواعد المحاكمة العادلة وضمان حقوق المتهمين.
محمود معروف