القاهرة ـ «القدس العربي»: امتلأت الصحف الصادرة يومي السبت والأحد بالكثير من الأخبار والموضوعات المهمة ومنها، ما يثير الآسي والحزن مما يحدث في اليمن، الذي دفعنا فيه ثمنا من دماء ضباطنا وجنودنا لإخراجه من عصر الظلمات بدعم ثورته في السادس والعشرين من سبتمبر/أيلول سنة 1962، يعادل تقريبا الثمن الذي دفعناه لنصرة أشقائنا في فلسطين. وما يحدث في العراق وليبيا وسوريا، إضافة إلى سقوط أتوبيس تابع لشركة أوراسكوم للمقاولات في ترعة المريوطية، من أعلى الطريق الدائري في الجيزة، ومقتل أكثر من خمسة عشر موظفا وعاملا.
كما أخبرنا زميلنا وصديقنا الفنان الموهوب حلمي التوني «ناصري» يوم السبت في جريدة «التحرير» أنه شاهد مصر أمه وأمي تبكي بسبب براءة كل رجال نظام مبارك وآخرهم وزير داخليته اللواء حبيب العادلي وكانت تحمل شابا شهيدا وسمعها تقول له:
آه فهمت معناها أن ابني قتل نفسه هيروح النار.
وتوسعت الصحف في الاحتفالات بعيد الأم، وسفر الرئيس عبد الفتاح السيسي اليوم الاثنين إلى السودان، لحضور الاجتماع الثلاثي مع الرئيس السوداني ورئيس وزراء إثيوبيا، للاتفاق على كيفية الاستفادة من سد النهضة في إثيوبيا، وحفظ حصة مصر من المياه.. ومن الأخبار الأخري التي وردت في الصحف الاستعدادات لعقد مؤتمر القمة العربي يوم السبت في شرم الشيخ. واعتماد المجلس الدولي لحقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة في جنيف تقرير مصر عن حقوق الإنسان، وتعهدها بتنفيذ باقي التوصيات. وإعلان صديقنا محمد فائق رئيس المجلس القومي لحقوق الإنسان أنه سيتم تعديل قانون تنظيم التظاهر، وفوز زميلنا وصديقنا في «الجمهورية» يحيى قلاش «ناصري» بمنصب نقيب الصحافيين، واستمرار العمل في المسلسلات التلفزيونية التي سيتم عرضها في شهر رمضان.
وأعلن الجيش أنه نجح في تصفية أكثر من عشرين إرهابيا في اليومين الماضيين في محافظة شمال سيناء بواسطة طائرات الهليكوبتر وقوات النخبة من الجيش والشرطة.
أما الأهم فكان الحديث الذي أدلى به السيسي إلى صحيفة «وول ستريت جورنال» الأمريكية وترجع أهميته ليس لأنه أغلق نهائيا، بطريقة غير مباشرة، الباب أمام كل التخمينات، التي لم يكن لها أساس من الصحة عن مصالحة مع الإخوان، انما في التركيز على نقطتين، الأولى أنه لم يبد أي قلق من عدم تسليم أمريكا الطائرات لمصر بقوله: «إننا لن نلتفت إلى موقف واشنطن»، وهذا راجع إلى أنه ضمن تعويض طائرات أف 16 بطائرات رافال الفرنسية والسوخوي الروسية، التي سيتم التعاقد عليها. وكان السيسي منذ أسبوعين قد ألقى بعبارة ذات مغزى عندما قال «ده نصف أسلحة الجيش روسية». أما النقطة الثانية المهمة في كلامه فهي أنه أستبعد تماما الاشتراك في عمليات عسكرية إلا في حالة الدفاع عن دول الخليج لتجنب أطماع إيران.
الحدث الثاني المهم كان المناورة العسكرية التي أجراها الجيش بالذخيرة الحية على الحدود الغربية مع ليبيا، بحضور وزير الدفاع ورئيس الأركان، وكان أبرز ما فيها الرسالة المرسلة للإرهابيين في ليبيا، إذ تضمنت العملية إنزالا من البحر على سواحل معادية، مع القيام بإنزال جوي وغارات كثيفة من طائرات الهليكوبتر المقاتلة، وجاء بالنص في الهدف من العملية « القضاء على بؤر إرهابية»، و«الكلام لك يا جارة» على رأي المثل، خاصة أن المناورة تتزامن مع هجوم الجيش الليبي على طرابلس واستعادتها. وإلى شيء من أشياء عندنا….
أهمية الصدقات في التطوير
وزحزحة البلاد إلى الأمام
ونبدأ بردود الأفعال التي لا تزال متواصلة على المؤتمر الاقتصادي في شرم الشيخ ونتائجه الاقتصادية على مستقبل مصر، التي تختلف من شخص وحزب وجماعة حسب الانتماء السياسي، ولكن لوحظ أن حساسية المصريين التاريخية ضد أي سيطرة أجنبية بدأت تتحرك، جامعة تحت جناحيها كل الاتجاهات، حتى تلك التي لها ميول رأسمالية. كما بدأت تستيقظ المخاوف من سيطرة رأس المال على السلطة، كما كان الحال في عهد مبارك، خاصة مع ظهور عدد من رجال أعمال نظامه في الواجهة، وكذلك مشاركتهم في انتخابات مجلس النواب المقبلة والشكوك في أن النظام أصبح معبرا عنهم في حقيقة الأمر. كما أن النظام بدوره أصبحت لديه حساسية مفرطة من انتشار هذه الشكوك ويدرك خطورتها إذا تحولت إلى يقين لدى أغلبية أصبحت تحس بقدرتها على إسقاط أي نظام لا ترضى عنه وجيش سوف يتبعها في ثورتها، إذا بدأت، ولذلك ليس مصادفة أن الرئيس السيسي كرر أكثر من مرة ببساطة بأنه إذا أحس يوما أن الشعب لا يريده فسيسارع إلى ترك الحكم من تلقاء نفسه، وأنه يعلم أن الجيش لن يؤيد نظاما لا يريده الشعب، ولذلك فهو خادم للشعب والوطن. ونلمس كذلك تركيزه على تحقيق العدالة الاجتماعية والإشادة بثورتي يناير/كانون الثاني ويونيو/حزيران، وأنه لا عودة للنظام القديم. ومن يتابع تصريحات المسؤولين والمشروعات التي تم التعاقد عليها وسيتم التعاقد عليها سوف يجد أن الدولة طرف مالك في عدد كبير منها، ومنفذ لها بواسطة شركاتها ومؤسساتها وبواسطة الجيش، وهذه المخاوف وجدت انعكاساتها على أبرز ما نشر عن المؤتمر. وتركز معظمها في صحف الخميس، ونبدأ بجريدة «اللواء الإسلامي» الدينية التي تصدر كل خميس عن مؤسسة أخبار اليوم وزميلنا محمد الشندويلي وقوله: «مطلوب من وزارة الأوقاف توجيه خطب الجمعة بأن تكون في توجيه المصلين للاستماع إلى مفهوم المال في الإسلام؟ أود أن أضيف نقطة يجب أن نحييها، وهي دور الصدقات وزكاة المال، لأنه ما زال بعض رجال الأعمال لا يعرفون أن زكاة المال فرض، وأيضا بعض الناس لا يعرف مدى أهمية الصدقات في التطوير وزحزحة البلاد إلى الأمام والتقدم، كل ذلك يفيد لأن مصالح العباد من شرائع الدين، فمثلا للصدقات جانب عبادي وجانب نفسي وجانب تربوي وجانب اجتماعي وجانب اقتصادي، يقول الحق سبحانه وتعالى: «أمنوا بالله ورسوله وأنفقوا مما جعلكم مستخلفين فيه». ويدرك الإسلام ويوجه أبناءه إلى أهمية الأمن ومدى خطورة الفقر على السلم، وقد ورد هذا المعنى في ان تحقيق الإطعام مقدم على الأمن، «الذي أطعمهم من جوع وآمنهم من خوف»، وهذا خير دليل على أن الأمن والسلام يوفران المناخ الصحي للتنمية».
للفقراء حق في مالك أيها الغني
كما نشرت «اللواء» أيضا مقالا للدكتور محمد أحمد الدش قال فيه: «أهل الدثور هم الذين منحهم الله تعالى أموالا طائلة ورزقهم الثراء والغنى، نقف معهم مذكرين بأن الله تعالى خلق المال وجعله زينة الحياة الدنيا وقوام حياة البشرية، لا يستغنى عنه بحال ولا يتصور لها وجود حقيقي دونه، ومن ثم خلق الله تعالى للإنسان من الأسباب والوسائل ما يغنيه عن تحصيله، وبين له أوجه إنفاقه وتصريفه، وبين له على ألسنة رسله وأنبيائه أن هذا المال مال الله فيقول تعالى: «وآتوهم من مال الله الذي أتاكم»، وأنه مستخلف فيه ليقوم عليه بالحق والعدل في عمارة الأرض. قال تعالى: «أمنوا بالله ورسوله وأنفقوا مما جعلكم مستخلفين فيه.» وتتفق الأديان جمعيها على أن المال أحد الأمور الضرورية في هذه الحياة، ولا يستقيم أمرها عند فقده، فجاء كل دين حاويا لوسائل حفظه وحمايته، إذ تقرر النصرانية أنه من الصعب دخول الغني ملكوت السموات، حيث يقول متي في إنجيله: « قال له يسوع: «إن أردت أن تكون كاملا فاذهب وبع أملاكك وأعط الفقراء فيكون لك كنز في السماء وتعال اتبعني». أما في الإسلام ففيه إقرار بغريزة حب المال في الإنسان، شريطة حلية الأمور والمعروف، ولا تنس ما شرعه الإسلام للفقراء من حق في مالك أيها الغني، ففي ذلك جعلك سببا فاعلا في حل كثير من المشاكل الاقتصادية التي تحياها الأمة كالفقر والبطالة».
كيف نحقق التوازن بين مصالحنا ومصالح المستثمر الأجنبي؟
ونظل داخل مؤسسة أخبار اليوم في اليوم ذاته لنكون مع زميلنا وصديقنا نقيب الصحافيين الأسبق ورئيس المجلس الأعلى للصحافة جلال عارف «ناصري» وقوله في عموده اليومي «في الصميم»: «الاستثمار الأجنبي مقبل، لأننا وفرنا البيئة الصالحة، ولأنه سيربح في مصر أكثر من أي مكان آخر، ولكن السؤال هنا: كيف نحقق التوازن بين مصالحنا ومصالح المستثمر الأجنبي؟ وكيف يكون الاستثمار جزءا من عملية إصلاح اقتصادي نحدد نحن أولياتها وأهدافها؟ فلا تعود مصر لعصر الانفتاح السبهللي، ولا نترك السماسرة يتحكمون في اقتصادها، ولا ندع ثمار التنمية تذهب للقلة الفاجرة التي راكمت الثروات، بينما تركت الوطن على حافة الإفلاس وأسقطت نصف المواطنين في مستنقع الفقر.
وحين نعرف أن هناك ما يقرب من ستمئة مليار جنيه يمكن أن تتيحها بنوكنا الوطنية للاستثمار، فإن علينا أن نوجهها إلى الصناعة المتقدمة والصناعات الصغيرة التي أهملناها كثيرا، والتي تمثل سلاحنا الأساسي لخلق فرص عمل ولقمة عيش شريفة، بدلا من أن نكرر الخطأ ونوجهها لحوائط الإسمنت في المنتجعات السياحية، أو لجيوب حزب «خد الفلوس واجرِ» الذي ما زال بعيدا عن المحاسبة عما فعل حتى الآن».
غياب الرؤية التنموية المستقلة
أما زميله وصديقنا أحمد طه النقر «ناصري» فكان رأيه في صحيفة «الاخبار» هو: «من الملاحظات غياب الرؤية التنموية المستقلة، التي تعتمد على القدرات الذاتية والتصنيع الثقيل والإنتاج للاستهلاك والتصدير وإحياء دور الدولة الراعي والمنفذ لهذه الرؤية، من خلال مشروعات مدروسة تعيد الحياة إلى آلاف المصانع وشركات قطاع الأعمال العام المتوقفة، مما يعزز الصناعة الوطنية ويلجم انفلات الأسعار ويخفض فاتورة الاستيراد ويوفر فرص العمل، وهو ما يسهم في تحقيق العدالة الاجتماعية، فمعظم المشروعات المطروحة من قبل المستثمرين لم تخرج عن إطار اقتصاد «الفقاعة» الريعي القائم على تقديم الخدمات والسمسرة وثقافة الاستهلاك وسلاسل السوبر ماركت، فما معنى أن تضخ شركة عربية كبرى لصناعة الألبان خمسة مليارات دولار لتوسيعات جديدة في مصر، بينما «جثة» شركة مصر للألبان الوطنية العملاقة ملقاة على قارعة الطريق لا تجد من ينقذها ويعيدها إلى الإنتاج؟ أو في وجود قانون كارثي يحصن العقود التي تبرمها الحكومة ضد الطعن عليها أمام القضاء وقانون للاستثمار ولا مثيل له في العالم يرضخ لكل أملاءات المستثمرين ويقدم لهم امتيازات خرافية، لأنه يطلق حق الملكية للأجانب، من دون شروط وأيا كانت جنسياتهم وأماكن إقاماتهم ويسمح للمستثمرين ورجال عمال أجانب تحويل كل أرباحهم للخارج مع تسهيلات ضريبية خيالية، والمؤكد أننا سنواجه مشكلة عويصة عندما يكون لدينا برلمان لن يمكنه تمرير كل ذلك بسهولة».
تحرر الاقتصاد يؤدي إلى حرية القرار السياسي
ونغادر «الأخبار» إلى «الفجر» الأسبوعية المستقلة التي تصدر كل خميس ورئيسة التحرير زميلتنا الجميلة منال لاشين «ناصرية» وقولها الذي ذكرتنا به بالذي كان يا ما كان من عهد خالد الذكر وسالف العصر والأوان: «تحويل المؤتمر من حدث عابر إلى مؤتمر سنوي يشبه إلى حد كبير لحظة تاريخية أخرى عاشتها مصر لحظة تحويل مؤتمر باندونغ في عام 54 إلى كتلة دول عدم الانحياز، على يد أربعة زعماء بينهم الزعيم الراحل جمال عبد الناصر. مؤتمر شرم الشيخ الاقتصادي سيتحول إلى تكتل اقتصادي يجمع العرب بالأفارقة بدول أوروبا بالصين والهند، تجمع اقتصادي وليس سياسيا مثل كتلة عدم الانحياز، لكنه يحمل أهدافها ذاتها وسيحقق إن شاء الله نتائجها نفسها. مؤتمر شرم الشيخ السنوي ليس موجها ضد أحد ولا يعادي أحدا ويفتح ذراعيه لكل من يريد أن يساند ويعمل ويشارك في بناء مصر، ولذلك فإن تحويل المؤتمر إلى ملتقى سنوي يحقق هدفا سياسيا مهما، وهو كسر احتكار البيزنس الأمريكاني في مصر، وقد كان أحد أهداف مؤتمر باندونغ وحركة عدم الانحياز كسر احتكار الثنائي أمريكا والاتحاد السوفييتي في ذلك الوقت. تغير الزمان واختفى الاتحاد السوفييتي، واحتكرت أمريكا العالم سياسيا واقتصاديا، وكان على رأس هذه التغييرات أن المال أصبحت له اليد الطولى، والاقتصاد أصبح يرسم إلى حد كبير خريطة وأجندة السياسة، ولذلك فأتصور أن أمريكا قد تكون أكثر دولة انزعاجا من تحول المؤتمر لحدث سنوي، لأنها تدرك أن تحرر الاقتصاد يؤدي إلى حرية القرار السياسي».
لم لا نعيد تشغيل
المصانع المتوقفة والمتعثرة؟
ونغادر «الفجر» إلى «وفد» الخميس وزميلنا المحرر الاقتصادي جمال يونس المهاجم لتجربة خالد الذكر وقوله: «يتركز الاستثمار العقاري المقبل في الإسكان السياحي، وهو لا يخدم سوى طبقة الأغنياء وأهل مارينا ويتسم بسرعة استرداد رأس المال، فهل نحن بحاجة إلى هذه النوعية من الإسكان حاليا، خاصة مع حجم المزايا والإعفاءات الضريبية المقدمة في قانون الاستثمار الجديد. أما بالنسبة للعاصمة الإدارية التي تتكلف خمسة وأربعين مليار دولار فإن تفاصيل الاتفاق مع الشركة الإماراتية بالأمر المباشر لم تتضح بعد، حتى لا تتكرر مشكلة المليون وحدة.
هل من الأجدي والأنفع أن نبني مصانع تنتج وتصدر وتدر إيرادات وتقضي على البطالة، أم نعيد تشغيل المصانع المتوقفة والمتعثرة مثل الغزل والنسيج، والحديد والصلب، والنصر للسيارات، أم إزالة المناطق العشوائية وإعادة توطين قاطنيها، تنفيذا لمخطط القاهرة 2050 الذي تم إعداده بالتعاون مع مشروع الأمم المتحدة للمستوطنات البشرية، وبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي وصندوق تطوير العشوائيات، أم نبني عاصمة جديدة لا يتجاوز عدد سكانها ستة ملايين نسمة من كبار القوم؟ وهل درست الحكومة أسباب فشل نقل الوزارات إلى مدينة السادات التي أنشئت لهذا الغرض».
نجاح المؤتمر الاقتصادي
ليس حلا سحريا لمشكلات الاقتصاد
ومن «الوفد» إلى «الأهرام» وزميلنا وصديقنا المفكر السيد ياسين وقوله وقد أحس بالضيق: «لا ينبغي أن نلتفت لنقد مجموعة متنوعة من الكتاب والإعلاميين المتنطعين، الذين زعموا أن نجاح المؤتمر وإقبال المستثمرين على مصر لا يعني بالضرورة عودة ذلك بالفوائد والمكاسب على المواطنين المصريين، وإن دل ذلك النقد على شيء فإنما يدل على الجهل الفاضح بالاقتصاد، لأن الاستثمار الواسع الذي يعني في المقام الأول تشغيل العاطلين وإعطاء فرص غير محددة للشباب، من خلال توسيع وتنويع سوق العمل. بعبارة أخرى جهود التنمية المخططة حين تراعي اعتبارات العدالة الاجتماعية سيصب، مما لا شك فيه، في مجري التقدم العام للمجتمع، وستكون هي الوسيلة المثلى للقضاء على الفقر والتخلف وتدني نوعية الحياة. غير أن نجاح المؤتمر الاقتصادي ليس حلا سحريا لمشكلات الاقتصاد ولا لتدني الأوضاع الاجتماعية، ذلك أن الحاجة ماسة إلى ابتكار صيغة جديدة للعمل الاجتماعي، لحشد الطاقات الجماهيرية من خلال رفع مستوى التعليم والارتفاع بمستوى تدريب القوى البشرية ومساندة جميع المؤسسات لمشروع التنمية، وفي مقدمتها مؤسسات المجتمع المدني، التي تقع على كاهلها مسؤولية تاريخية في رفع الوعي الاجتماعي للملايين من ناحية، وفي التنوير الثقافي من ناحية أخرى».
أهمية النمو الشامل
وبعد أن أشرنا إلى أهم وأبرز ما نشر معبرا عن كل الاتجاهات، نتحول إلى الدولة أو الحكومة في اليوم نفسه، أي الخميس، فقد نشرت «المصري اليوم» حديثا مع الدكتور محمد العريان الاقتصادي الدولي ومستشار الرئيس، أجرته معه زميلتنا الجميلة بسنت زين الدين قال فيه: «أود أن أعرب عن سعادتي بشكل خاص بشأن تركيز كل من الحكومة والقطاع الخاص على أهمية النمو الشامل، هذا هو النمو الذي يتم تقاسم فوائده بين مجموعات واسعة من السكان على نطاق واسع وبشكل عادل ومتساو، مع اهتمام خاص تجاه حماية فوائد أكثر الشرائح الضعيفة من السكان، علاوة على ذلك فإن هذا الأمر مهم بشكل خاص لإشراك المواهب والطاقة والحماس الموجودة في الأصول الواعدة لمصر وهي الشباب. ينبغي على أصحاب المصالح والمشروعات في مصر الضغط على تحقيق نمو أكثر شمولا لتحقيق الازدهار الاقتصادي الدائم والعدالة الاجتماعية، اعتمادا على كل السياسات الحكومية والمسؤوليات الاجتماعية للشركات. ومن المهم أيضا التأكد من وجود اتصال قوي بينهم وبين مؤسسات الدولة التي تسعى حتى الآن إلى خدمة أقلية صغيرة من السكان، أن تتم تلك المشروعات والاستثمارات بشكل شفاف وخاضع للمساءلة، وان يكون هدفها الأول خدمة السكان ككل، وليس قلة محظوظة. وبناء على جميع تلك النقاط وغيرها هناك الكثير من التقدم الذي لا يزال الوضع الاقتصادي بحاجة إلى القيام به».
استثمارات «غارقة»
يجري إنقاذها
وإلى «الجمهورية» وتحقيق زميلنا محمد فتح الله عن اجتماع مجلس الوزراء وقوله: «وجه رئيس الوزراء خلال الاجتماع، بتشكيل مجموعة عمل لاستكمال كل المشروعات الخدمية، التي لم تستكمل ومضت عليها سنوات. من المؤكد أنها استثمارات غارقة يتم إنقاذها، حيث أنفقت الدولة عليها أموالا طائلة، على أن تكون هذه المجموعة برئاسة وزير الإسكان، كما طلب محلب إعداد حصر لجميع المشروعات المفتوحة على مستوى المحافظات بالتعاون مع المحافظين، بحيث يكون هناك مشروع قومي للانتهاء من تلك المشروعات، ثم إعداد حصر لجميع المشروعات التي تم الانتهاء منها ولم يتم تشغيلها، مثل المستشفيات وقصور الثقافة وغيرها، وأن كل أصول الدولة التي أنفق عليها المليارات يجب استثمارها واستغلالها الاستغلال الأمثل».
مخطط المرحلة الأولى
للعاصمة الإدارية الجديدة
أما تحقيق زملائنا في «الأخبار» محمود غنيم وأحمد مجدي وماركو عادل فجاء فيه عن العاصمة الإدارية الجديدة: «أعلن وزير الإسكان أنه تم الاتفاق مع الشركة الإماراتية على توقيع مذكرة لتأسيس شركة مساهمة مصرية لتنفيذ الأسبقية الأولى من المرحلة الأولى للعاصمة الإدارية الجديدة، بمساحة مئة وخمسة كيلومترات، على أن يتم إعداد المخطط العام للمدينة بالكامل، من خلال أحد بيوت الخبرة العالمية، خلال ثلاثة شهور لتقديمها للجانب المصري لإقراره. وأنه تم تحديد التزامات الوزارة الخاصة بنقل ملكية أرض الأسبقية الأولى من المرحلة الأولى إلى الشركة المساهمة الجديدة، وتطوير الطرق الرئيسية التي تخدم موقع المشروع. وبجانب تنفيذ خط القطار الكهربائي الخفيف حتى حدود موقع المشروع وتوفير مصادر البنية الأساسية التي تخدم أراضي المرحلة الأولى حتى حدود موقع المشروع، ويشمل مياه الشرب والصرف الصحي ومياه لري الحدائق، والغاز الطبيعي. بجانب تنفيذ المنشآت الحكومية وأن التزامات الشركة الإماراتية هي إعداد المخطط العام لكامل المدينة مع إعداد المخطط التفصيلي وخطة التدفقات المالية للأسبقية الأولى من المرحلة الأولى خلال ستة شهور من انتهاء المخطط العام لإقرارها واعتمادها. وأشار إلى أن القوى العاملة في هذا المشروع ستصل إلى ثلاثمئة وخمسين ألف عامل».
الرسول نهى عن تدوين أحاديثه
وإلى معارك الإسلاميين، حيث قام زميلنا عصام الزهيري يوم الأحد قبل الماضي في مقال له في جريدة «المقال» اليومية بالإشارة إلى أن الرسول «صلى الله عليه وسلم « نهى عن تدوين أحاديثه وقال عن الأحاديث التي لا يمكن للنبي أن يقولها: «ما يجري من غرابة وشذوذ في شأن الحديث المنسوب للنبي وبشأن تداوله وأخذه وتصديقه بكل رواياته الشائعة العجيبة التي يرفض مجرد العقل ومحض الإيمان والضمير نسبة كثير منها للنبي «صلى الله عليه وسلم « وينزهه عنها تنزيها، أن النبي وصحابته حذروا من هذا الذي حدث وتحوطوا منه لأنفسهم ولنا وليت تحوطهم أثمر إذن، لوفر على المسلمين الكثير من الشذوذ والمبالغة والتطرف والتنطع والتحريف، ولوفر على الإسلام الكثير من الهزائم والمتناقضات والأحزان والدماء. فالراجح من كل الوجوه أن النبي نهى وبشكل قطعي حاسم وأكد تأكيدا باتا حازما عدم جواز تدوين أحاديثه الشريفة، كما أنه من المقطوع به من كل الوجوه أن الصحابة رضوان الله عليهم، تشددوا في تنفيذ أمر النبي بالنهي عن تداول الأحاديث. والدليل المؤكد هو أن تدوين الحديث لم يبدأ إلا بعد وفاة النبي بقرابة المئة عام. روى أحمد ومسلم والترمذي والنسائي عن أبي سعيد الخدري قال: «قال رسول الله»: «لا تكتبوا عني شيئا سوى القرآن، فمن كتب عني سوى القرآن فليمحه». أخرج الدارمي عن أبي سعيد الخدري أنهم استأذنوا النبي «صلى الله عليه وسلم « في أن يكتبوا عنه فلم يأذن لهم وتؤكدها رواية الترمذي عن عطاء بن يسار عن أبي سعيد، كذلك قال: «إستأذنا النبي في الكتابة فلم يأذن لنا». روي في «تذكرة الحفاظ» للذهبي: جمع أبو بكر الصديق الناس بعد وفاة النبي وقال لهم «إنكم تحدثون عن رسول الله أحاديث تختلفون فيها والناس بعدكم أشد اختلافا، فلا تحدثوا عن رسول الله شيئا، فمن سألكم فقولوا بيننا وبينكم كتاب الله، فاستحلوا حلاله وحرموا حرامه. وكان الخليفة الثاني عمر بن الخطاب أكثر احتياطا وتصلبا وتثبيتا في هذا الشأن، فكان يأمر صحابة النبي بأن يقلوا الرواية. وقد بلغ من شدة حرصه أن ضرب أبا هريرة وأنذره وجمع الصحابة من الأمصار وحبسهم في المدينة حتى لا يفتنوا الناس بالقول وبرواية الحديث».
أبو حنيفة يرد على إسلام البحيري
أما صديقنا العزيز الكاتب وعضو مجلس شورى الجماعة الإسلامية الشيخ ناجح إبراهيم، فقد أخبرني أن الإمام أبو حنيفة طلب منه أن يذهب به إلى مدينة الإنتاج الإعلامي ليقابل إسلام البحيري في قناة «القاهرة والناس» ويرد عليه وجها لوجه، مثلما ذهب مع ابن تيمية. وقال ناجح في «اللواء الإسلامي» إن أبو حنيفة قال لإسلام: «مشكلة أمثالك أنهم لا يعرفون أنني أصلا من أسرة فارسية من «كابول» التي كانت تابعة لفارس، وهي الآن عاصمة لأفغانستان. دخل أجدادي الإسلام وكان العرب يهتمون بالمناصب السياسية والعسكرية، فاهتممنا نحن بالعلم والفقه والقرآن والحديث، ويكفي لأمة العرب التي تشتمها باستمرار أن جعلت من مثلي الفقيه الأول والأهم والأشهر على جميع العرب، لأنهم كانوا يقدمون الأكفاء، فليست لي قرابة ولا نسب ولا مصاهرة مع حاكم أو خليفة، ولكن علمي وفقهي ونزاهتي وأخلاقي وتقواي هي التي أهلتني لأن تطلق على أجيال المسلمين لقب «الإمام الأعظم»، لأنني أسست مدرسة فقهية عظيمة اسمها مدرسة الرأي. وهذه طبعا لا يعرف أمثالك عنها شيئا، ولم يقرأوا عنها حرفا، ورغم أنها كانت مدرسة جديدة نسبيا على الفقه، إلا أن الأمة كلها في زمني وبعدي تلقتها بالقبول، وما زال هناك ملايين الطلاب الذين تعلموا وتتلمذوا على فقهي في العالم كله. يا بني نحن لسنا مثلكم نصنع من الإعلام أو الحكومات أو رجال الأعمال نجوما. يا بني صنعنا العلم والفقه، حق لمثلك يا جاهل أن تجهل عطاء مثلي. يا بني أنا وضعت ثلاثة وثمانين ألف مسألة جديدة في الفقه الإسلامي، منها ثمانية وثلاثون ألف مسألة هي أصل في العبادات وأربعون ألف مسألة هي أصل في المعاملات».
أين الأزهر والقضاء المصري
الشامخ من قناة «القاهرة والناس»؟
إييه.. إييه.. وهكذا ذكرني الإمام الأعظم ببغداد عندما كنت أذهب إليها ومن أسعد اللحظات التوجه إلى مسجده لأصلي فيه في حي الأعظمية ذي الغالبية السنية، ثم أعبر الجسر المسمى بجسر الأئمة إلى حي الكاظمية ذي الأغلبية الشيعية، حيث مقام ومسجد الإمام الكاظم، لأصلي فيه، فما الذي حدث للعراق والعراقيين على أيدي أمريكا وإيران؟
المهم أنه بعد خروج الإمام الأعظم من قناة «القاهرة والناس» قال عنها يوم الأربعاء في جريدة «روز اليوسف» الدكتور حسن علي: «القاهرة والناس ليست مجرد قناة فنية ترفيهية إعلانية، حسب رخصتها الممنوحة لها من الهيئة العامة للاستثمار، إنما هي مؤسسة تديرها عقول تعرف مهمتها جيدا، وهي في ذلك مستميتة في المضي إلى غايتها بأي طريقة، فهي تهرع تحت ستار التنوير ومحاربة التطرف الديني إلى برامج غريبة مريبة، والآن وبنجاح ساحق ماحق تستغل هذه القناة موجة العداء لتيارات الإسلام السياسي ووجدتها فرصة للسخرية من الإسلام، فأطلقت شخصا يحرض على كراهية صحابة رسول الله «صلى الله عليه وسلم « ويشوه الدين ويزدريه يدعى إسلام بحيري. القناة حسبما ورد على موقعها قناة فنية، يعني لا يجوز لها أن تبث أخبارا ولا برامج دينية أو سياسية، والترخيص الممنوح لها يمكن أن نسأل عنه الهيئة العامة للاستثمار، هل يجوز لقناة مرخصة «فنية» أن تبث برامج دينية؟ وإذا كان الجواب الذي أعرفه بأنه لا يجوز فكيف سكتت الهيئة العامة للاستثمار عن هذه القناة وما تبثه من هرتلات وهرطقات عن صحيح مسلم والبخاري وأين الأزهر؟ وأين القضاء المصري الشامخ؟».
متى نخرج من أزمة الفكر الواحد؟
وأخيرا إلى «الشروق» عدد أمس الأحد ومقال حسام السكري عن بعض أمراض الحوار العربي يقول: «استعدت تجربتي مع برنامج «نقطة حوار» الذي أطلقته في «بي. بي. سي» قبل الغزو الأمريكي للعراق، ليصبح ساحة تفاعل للمتحدثين بالعربية. نجح البرنامج الذي صار منذ ذلك الحين من أعمدة البرامج الأساسية في بي بي سي، في تفتيح مداركي على بعض أمراض الحوار العربي التي تقف عائقا أمام أي انطلاقة إلى المستقبل. وكان من أبرز ما لفت نظري هو غياب منطلقات متفق عليها تسمح بتطوير الأفكار أو التفاعل معها. لا بد لأي حوار مثمر من أن يبدأ على أرضية مشتركة.
ولا يعني هذا الاتفاق على منطلقات تتعلق بموضوع الحوار فحسب، لكن الأهم هو الاتفاق المبدئي على منطلقات وخلفيات المتحاورين. لا يوجد حوار بدون ثقة، وبين أطراف يعتقد كل منها أن محاوره خائن وعميل ومأجور يرغب في نشر الفساد في الأرض..
النتيجة الطبيعية لغياب الثقة هو ما يحدث في المرحلة الثانية من الحوار، وهو الفشل الكامل في الاستماع إلى الرأي المطروح، والعجز المطلق عن التعامل معه بالنقد أو التطوير. وبسبب ذلك يتحول الحوار إلى ملاسنة واتهامات بالتخوين تعمق أزمات المجتمع بدلا من أن تسهم في فهمها. مبادئ الحوار تغيب، ومعها الإرادة السياسية المطلوبة لدعم نقاش مجتمعي واسع نحتاجه بشدة من أجل المصلحة العامة. وللأسف فإن الاعتقاد السائد والدفين في الدوائر القريبة من السلطة، هو أن السماح لأي فكر مخالف بالخروج إلى العلن يهدد الأفكار «الجيدة». والتصور الدارج هو أن شعبنا بالضرورة جاهل ويمكن خداعه، وأعداؤنا لسبب ما، لديهم قدرات خارقة تمكنهم من استغلال هذا النشاط الضار المسمى التفكير، للقضاء على الأفكار الجيدة (أفكارنا). هذه الأفكار لسبب ما تحتاج لحماية استثنائية بدعم المروجين لها، وإفراد المجال لهم في الصحف والمجلات والإذاعات ومحطات التلفزيون، بل وأكثر من هذا بتحويلهم إلى ضيوف على بعضهم البعض، ليصبحوا محاورين بكسر الواو، ومحاورين بفتحها.
الفكر الأوحد يناقش نفسه ويهلل لنفسه ويؤكد لنفسه أننا على الطريق الصحيح، أما الأفكار المخالفة فربما يكون الأفضل لها أن تموت، هي وأصحابها.
لا أعلم متى نخرج من هذه الأزمة ولكنني أزعم أن هناك ضرورة لإعادة إرساء تقاليد الحوار والمناظرات في المدارس والجامعات لحماية الأجيال القادمة من وباء الهوس بالذات، وتعليمهم ثقافة الاستماع، والفهم، والتفكير، والاختلاف».
حسنين كروم