بغداد ـ «القدس العربي»ـ مصطفى العبيدي: في خضم تعقيدات المشهد العراقي وتفاقم خلاف المكونات، حذر نائب رئيس الجمهورية اياد علاوي، من أن العراق يمضي إلى «مستقبل أسود» في حال عدم توفير بيئة انتخابية سليمة، منوها انه لا توجد دولة في العراق، وانما حكومة فقط، ما لم تتحقق المصالحة الوطنية التي تضمن حقوق الجميع وأولها إعادة النازحين إلى مناطقهم.
وأكد أن «دولة المكونات ستؤدي إلى دمار العراق، وأن هناك قوى سياسية إسلامية من بينها التيار الصدري مع بناء دولة المواطنة» فيما حذر من «التدخل الخارجي» في الانتخابات المقبلة.
وفي إطار محاولات توحيد المواقف المشتتة للبيت السني في العراق، انعقد مؤتمر انقرة 2 في تركيا الذي ضم العديد من الشخصيات النيابية والعشائرية ورجال الأعمال السنة، ممن انخرطوا في العملية السياسية أو من المعارضين لها، وذلك ضمن سلسلة من الاجتماعات واللقاءات التي تتم برعاية دولية، بهدف بلورة موقف موحد للمكون السني تجاه القضايا الضرورية مثل الانتخابات المقبلة وإعادة النازحين إلى ديارهم وإعمار المناطق المدمرة جراء الحرب على تنظيم «الدولة». وكما في الاجتماعات المشابهة السابقة، قوبل لقاء انقرة 2 بتحفظات من شخصيات سنية مقربة من الحكومة اضافة إلى هجوم عنيف من نواب التحالف الوطني الشيعي الذين طالبوا بمحاكمة المشاركين في المؤتمر بتهمة الخيانة متهمين اياهم بتنفيذ مشروع تقسيم العراق، برعاية بعض الدول.
وفي تطور له مغزى، شكل وصول قائد فيلق القدس في الحرس الثوري الإيراني قاسم سليماني إلى الحدود العراقية السورية، إعلانا عن اكتمال الخط البري بين طهران والبحر المتوسط، ضمن مشروع الهلال الشيعي، حسب المراقبين. فقد عملت قوات الحشد الشعبي في العراق، خلال معركة الموصل، على التركيز على الوصول إلى المناطق الحدودية المشتركة مع سوريا غرب الموصل، متجاوزة العديد من المدن الكبيرة مثل تلعفر والشرقاط والحويجة التي ما يزال تنظيم «الدولة» مسيطرا عليها. ومن جانبه سعى النظام السوري إلى الاستعانة بالدعم الروسي والإيراني والميليشياوي، لطرد التنظيمات المعارضة من المناطق الحدودية مع العراق وتحقيق التماس مع القوات العراقية. وجاءت زيارة الوفد العسكري السوري إلى بغداد، لتنسيق السيطرة على الحدود المشتركة وفسح المجال أمام الطيران العراقي لضرب الأهداف التابعة لتنظيم «الدولة» في سوريا.
وخلال احتفال اقيم في بغداد بمناسبة مرور ثلاث سنوات على تشكيل الحشد الشعبي، ركزت كلمات قادة الفصائل المنضوية فيه، على ان الحشد باق رغم محاولات بعض القوى لحله، مستندين إلى ان قانونه صدر من البرلمان الذي فيه أغلبية شيعية تمنع أي محاولة لالغاءه بعد الانتهاء من الحرب ضد التنظيم، ومؤكدين ان أمامه دور ومهام كبيرة في المشهد السياسي العراقي، كما شهد الاحتفال تمجيدا للدور الإيراني في دعم الحكومة العراقية ضد تنظيم «الدولة» وانتقاصا من دور التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة ضد التنظيم.
ومرت هذا الاسبوع الذكرى الثالثة لسقوط الموصل بيد تنظيم «الدولة» في حزيران/يونيو 2014 حيث شهدت العاصمة العراقية فعاليات وتظاهرات جدد منظموها دعوات يتيمة لكشف المزيد من أسرار وألغاز السقوط المدمر، التي يراد لها ان تبقى طي الكتمان.
ورغم وجود تقرير نيابي يحدد الوقائع التي حصلت في الموصل والمقصرين فيها، إلا انه لم يتم اتخاذ أي إجراءات قانونية بحقهم، لذا تصاعدت الدعوات لمحاسبة المتسببين بسقوطها وأخذ العبر من أسباب سيطرة تنظيم «الدولة» عليها، وهو ما لن يحصل كما يبدو على الأقل في المدى القريب، لأن حيتان السياسة والفساد ما زالت تفرض سيطرتها على المشهد العراقي ولا تسمح بكشف الأسرار أو تغير سياستها تجاه سكان تلك المناطق التي كانت أحد أسباب ظهور التنظيم المتطرف وانتشاره في العديد من المحافظات، وما أسفر عنه من آثار تدميرية يصعب حصرها اضافة إلى سقوط أعداد هائلة من الضحايا بين المدنيين والعسكريين.
وفي شمال العراق، تتواصل مساعي القيادة الكردية نحو بلورة مستلزمات اجراء الاستفتاء على استقلال كردستان عن العراق المقرر في أيلول/سبتمبر المقبل، حيث قدم الحزب الديمقراطي بزعامة مسعود البارزاني مقترحا للاتحاد الوطني بقيادة جلال الطالباني، لتفعيل برلمان الإقليم من خلال تغيير رئيس الإقليم يوسف محمد، ومواصلة عمل البرلمان المجمد وخاصة في التعامل مع ملف الاستفتاء الحيوي، إلا ان حركة التغيير رفضت هذا المقترح ليبقى الوضع في الإقليم جامدا في ظل غياب السلطة التشريعية (البرلمان). ومن جهة أخرى ورغم محاولات القيادة الكردية، الترويج دوليا للاستفتاء دون الرجوع إلى حكومة بغداد، بدا واضحا ان المجتمع الدولي يدرك خطورة هذا التوجه، إذ نفت بعثة الأمم المتحدة أنها منخرطة في الاستفتاء، كما أبدت أوروبا تحفظات تجاه تفرد الإقليم بإجراء الاستفتاء، وقبلها الدول الكبرى وتركيا وإيران، التي أكدت جميعها على أهمية إجراء الحوار بين بغداد وأربيل حول هذا الموضوع الحساس.
ويبدو ان مكونات العراق، يغني كل منها على ليلاه، دون الاكتراث لبذل الجهود لبلورة موقف وطني موحد يضمن مصالح الجميع، لأن كلا منها منشغل بمشاكله الداخلية وصراعاته، رغم خطورة التحديات التي تهدد وحدة البلد ومستقبله.