لم تشهد «ارض فلسطين» على مدى تاريخ اقامة البشر عليها، من تدمير وتخريب لطبيعتها، كما شهدته في العقود السبعة الاخيرة، هي عمر دولة اسرائيل، ابنة احد اكثر الايديولوجيات عنصرية. وقد لا يعادل حقد وكراهية اسرائيل، والحركة الصهيونية، للشعب الفلسطيني، والعمل المتواصل لتدمير حياته، إلا حقدهما على ارض فلسطين وطبيعتها. ومن الصعب تفسير هذا التدمير، إلا بردِّه إلى كم هائل من حقد اسود، تنامى طبقة فوق طبقة، على مدى قرون، إلى ان اصبح على ما هو عليه، وفوق ما يمكن لعقل سوي ان يتصوره.
كانت الضحية الاولى لاسرائيل، الإبنة المدلَّلة للحركة الصهيونية، من ارض فلسطين، هي «بحيرة الحولة»، الجميلة الوادعة.
دولة «اسرائيل الطفلة»، ابنة الثلاث سنوات في العام 1951، قررت تكسير لعبتها: «بحيرة الحولة». ليس في الامر شيء مستغرب. هكذا هم الاطفال، وخاصة المُدلّلين منهم. الحركة الصهيونية الأُم، وشقيقاتها الاصغر المتفرعة عن العائلة العنصرية: الوكالة اليهودية، والكيرن كييمت، وكيرن هيسود، ومجموع ابناء وبنات العائلة الصهيونية: دائرة الاستيطان، ودائرة استصلاح الاراضي، وامثالها، صفقوا للطفلة المدللة، التي اصدرت حكم الاعدام «شفطا حتى الموت»، على هذه البحيرة الفلسطينية الجميلة، البحيرة الاقصى شمالا من الشّق الافريقي الآسيوي العظيم، الذي انشأ البحر الاحمر، الاكبر مساحة وعمقا، والبحر الميت، الاصغر منه، وبحيرة طبريا الصغيرة، وبحيرة الحولة الجميلة، «آخر العنقود» من ابناء وبنات العائلة التي تحتضنها الامة العربية من الشرق ومن الغرب، من الجنوب ومن الشمال.
قالت «الطفلة المدلّلة» انها اصدرت حكم الاعدام على البحيرة الوادعة، لكي تقضي على وباء الملاريا في المنطقة. بقولها هذا كذبت. وهي تعرف انها تكذب، لأن وباء الملاريا كان قد استُئصل من المنطقة منذ عقود. لكن، مَن مِن العائلة العنصرية يقف في وجه طفلة مدللة، موبوءة مثلهم بداء الحقد والكراهية والتدمير؟. ثم قالت، بعد ان رفع بعض الناس حواجبهم استغرابا: إن هدف شفط مياه الحولة، (مساحتها 14 كيلومترا مربعا، ويصل عمقها إلى ستة امتار)، هو توفير اربعة عشر الف دونم من الاراضي الزراعية الخصبة، للزراعة، ولاستيعاب «قادمين جدد» إلى الدولة الطفلة. وعندما قال خبير اجنبي ان ارض البحيرة، بعد «اعدامها»، ستكون وحلا مالحا، ولا تصلح للزراعة، هبَّ في وجهه يوسف فايتس، رئيس دائرة الاستيطان، في حينه، قائلا: «ولكنه وحل صهيوني» (!!!)، كما روت ذلك الكاتبة نوعا شبيغل في ريبورتاجها الصحافي في جريدة هآرتس يوم 22.7.2016.
استمرت عمليات الشفط «حتى الموت» ست سنوات، انتهت عام 1957. تبين بعدها ان «اعدام» بحيرة الحولة لم يجلب أي منفعة لاي كان. فالملاريا لم يكن لها وجود اصلا، وارض البحيرة الجميلة تحولت إلى وحل مالح في بعض الاجزاء، والى رماد سمم اجواء المنطقة، وحول طريق تحليق عشرات ملايين الطيور المهاجرة في رحلتي الصيف والشتاء، والتي كانت تجعل من سماء المنطقة لوحات مرسومة متواصلة التغيُّر والجمال، إلى مناطق اخرى، والى وباء يدمر محاصيل اصحاب برك تربية الاسماك. وها هي اسرائيل الكهلة في ايامنا، تحاول جاهدة اعادة البحيرة إلى ما كانت عليه، وتعوض عن ذلك برعاية وتحسين غابات جبال الجليل.
عندما اصبحت «الطفلة المدللة»، اسرائيل، «فتاة مراهقة مدللة»، لم تتولَّ امها، الحركة الصهيونية، تربيتها تربية صالحة، ولا استطاع ذلك ضحاياها، ولا اهتمت بذلك ايٍّ من «القوتين الاعظم»، ولا الشرعية الدولية ايضا. «هاجت» المراهقة، واسكرها التصفيق استحسانا لمشروعها المدمِّر، فقررت قطع شريان الحياة ذاته: نهر الاردن، الذي كان يعطي الحياة لبحيرة الحولة وبحيرة طبريا، ويستعين بنهر اليرموك لإحياء منطقتي الغور، الغربية والشرقية، ولابقاء رمق من حياة للبحر الميت.
تستّر قرار «المراهِقة» خطف نهر الاردن من «فم» بحيرة طبريا واعدامه، تحت اسم «مشروع المياه القُطري» لاحياء صحراء النقب. هكذا، وبقرار اعدام واحد، قتلت «المراهقة» عصافير كثيرة بحجر واحد: صادرت من أراضي سهل البطوف الخصبة، اكثر من الف وخمسمائة دونم لعيلبون وعرابة البطوف وعرب النجيدات والعزير ورمانة وكفر مندى وسخنين اضافة إلى أراضي اللاجئين من اهالي صفورية؛ وتسببت في قتل كل ما هو جنوب بحيرة طبريا: ذَوَت الاغوار الغربية والشرقية؛ وجفَّت قناة الغور الشرقية الاردنية؛ وزادت ملوحة مياه آبار اريحا الجوفية؛ ويقضي تدريجيا على آخر رمق للبحر الميت. لكنه، رغم كل ذلك، لم يعط أي «حياة» لصحراء النقب، التي كانت صحراء، وما زالت صحراء، وستظل صحراء.
[«المنفعة» الوحيدة لتحويل مجرى نهر الأردن، كانت استفزاز الدول العربية المجاورة، واستدراجها إلى «حرب الأيام الستة» الكارثية، في حزيران/يونيو 1967، التي كان «يومها السابع» المشرق هو حرب تشرين الأول/اكتوبر 1973. لكن، «في اليوم السابع استراح…بعض العرب»، وليس بامكان احد ضمان ان لا يكون للسابع ثامن وتاسع وعاشر والف، إلى ان يسود العدل على ارض فلسطين].
اعدمت اسرائيل الطفلة بحيرة الحولة. واعدمت اسرائيل المراهقة نهر الاردن. وجاء دور اسرائيل السيدة غير الوقورة، فلم تجد امامها ما تعدمه من مياه، إلا بعض انهار فلسطينية صغيرة مثل المُقطّع والنعامين والعوجا، والحقت بذلك كل غدير وكل نبع وكل عين ماء، في كل ارض فلسطين. وانّا وجهت نظرك، هذه الايام، تجد ذلك «الهيكل العظمي» من الشّبك المقلوب، مربّع الشكل، وترى في «زنزانته» مضخة شفط للمياه الجوفية، يشكل عملها حكم إعدام يقطع حياة تدفق ينابيعها، ويتسبب بآلام واضرار لكل بشر وشجر ونبات وحيوان في محيطها، وقضت بذلك على الاجمل في طبيعة ارض فلسطين.
تجاوزت اسرائيل كل مراحل النمو العُمْرية قبل بدء مرحلة الذبول والاضمحلال والرحيل، ولكنها ما زالت، وهي في مرحلة الكهولة والشيخوخة، واشرفت على اطفاء سبعين شمعة، تبحث، وتجد ما تدمره من ارض فلسطين. اذ بعد «نجاحها» في تنشيف ارض فلسطين، تحولت إلى تقطيع جبال فلسطين، بحقد ظاهر لكل عين، بكل ذريعة ممكنة، وآخرها ذريعة تعبيد طرق وشوارع إلتفافية، لتصل إلى ثآليل ذات قبّعات من قرميد احمر، غريبة عن طبيعة ارض فلسطين واهلها.
مسكين هو من سيرث اسرائيل. سيجد امامه عملا كثيرا لاعادة الطبيعة إلى الطبيعة، لاعادة الروح والحياة إلى بحيرة الحولة، ونهر الاردن واغواره، وبحره الميت الحي، وليعيد ملايين «الطيور المهاجرة» إلى سمائها والى طرقها وبيوتها، وليعيد لصحراء النقب سحر جمالها، لتلتقي بشقيقتها صحراء شبه جزيرة سيناء، وتعيد ربط وُدِّ آسيا وافريقيا، وربط مشرق العالم العربي بمغرب العالم العربي.
مسكين هو من سيرث اسرائيل.
٭ كاتب فلسطيني
عماد شقور
الصهاينة كانوا يعلمون علم اليقين منذ اليوم الأول الذي أسكنتهم فيه بريطانيا أرضا لا تملكها بريطانيا وليس للصهاينة شبر فيها، نعم كانوا يعلمون علم اليقين أنهم سيطردون خارج الأرض التي سرقوها عاجلا أم آجلا، وهو ما أصل فيهم الشعور بالإنتقام والتخريب العاجل والمكثف لك ما يشير لأصل وأهل وحقيقة هذه الأرض، وما شيدوه من بنايات في المدن المسروقة ماهي إلا إجبار غربي لهم لإيهاهم الغوغاء بسراب أرض الميعاد، وكلما ازداد موعد الرحيل الذي يعرفونه جيدا زادت حدة ووتيرة التخريب والإفساد في الأرض المباركة بأصحابها الحقيقيين، الفلسطينيون!
رائع يا أستاذ عماد وسنعيدها جميلة كما كانت اما مباني القرميد الآحمر فسنحولها بيوت بآسماء شهدائنا ولن تكفي لأن شهدائنا كثر كثر شهدائك يا فلسطين الحبيبة
السيد عماد،صباحكم خير ومحبة.
أتفق معكم عاطفيآ ،وأختلف واقعيآ على بنت الجريمة وحواضنها من المهد للحد، تسللت ،سرقت ،كذبت ،ضللت ،ولكن خططت وبرمجت وتسلحت
ونفذت بنجاح حتى الآن! ماذا بعد ؟! سبعين عامآ ليست بالكثير في عمر الشعوب،لكن هناك من يجمع عوامل النصر ،وهناك من يفشل نفسة،
فلمن الغلبة بالنتيجة ؟ للقراء حرية الأجابة،ما رأيك؟.
يا عزيزي محمد حسنات المستعمرين الصهاينة لا يختلفون عن جميع المستعمرين عبر التاريخ. أين هم اليونانيين والرومان والصليبيين والفرنسيين والإنكليز والعنصريين في جنوب أفريقيا؟ إنهم في مزبلة التاريخ والنصر في النهاية هو من نصيب الشعوب. هذه هي عجلة التاريخ. الجسم يرفض دائماً العنصر الغريب الذي يرفض أن يندمج وينصهر فيه، ولا يمكن أن يقطع الصهاينة فلسطين عن محيطها العربي مهما حاولوا ومهما طال الزمن، ونحن وإياهم والزمن طويل.
الاستاذ عماد، أنا أدعو الله أن يجعلني أحد هؤلاء “المساكين”.