الناصرة – «القدس العربي»: «سجل يا نقب» هو نموذج للتربية بالعمل والاقتداء وتعزيز الوعي فيه، يقوم طلاب فلسطينيون من صحراء النقب بفضح عنصرية إسرائيل وتنبيه أهاليهم لخطورتها ولضرورة مقاومتها بالكاميرا. المشروع الذي ترعاه جمعية «بلدنا» الشبابية وتحتضنه جمعية الثقافة العربية داخل أراضي 48 نضج هذا الأسبوع في معـرض متــجــول للــصـــور وفيه كل صورة بألف كلمة فعلا وكانت مدينة الناصرة أولى محطاته.
وفي إطار المشروع الفني التربوي توزع عشرات الطلاب في المرحلة الثانوية من النقب في مجموعات زارت أوطانها ووثقت مشاهد الظلم الإسرائيلي بالصورة الفوتوغرافية وإلى جانب كل مجموعة صور كتب نص قصير ومعبر.
الخدعة
«حقنتنا الدولة بالوهم واعترفت بنا على ورق فنصبت لافتة تحمل اسم القرية لتغطي الحقيقة». هكذا كتب بجانب مجموعة صور تصوّر واقع «أم بطين» وهي قرية تعداد سكانها خمسة آلاف نسمة.. لها أحلامها وأمانيها وما زالت تنتظر الكهرباء وفيها شارع واحد وعيادة واحدة منذ الاعتراف الرسمي بها قبل عشر سنوات. ويتابع النص التوضيحي «هذه القرية التي سكنها الخليل منذ قرون وأيقظ الحياة فيها اغتالت صفاءه المستوطنات الإسرائيلية بعدما سربّت إليه نفاياتها .. أم بطين مثال على خدعة الاعتراف الإسرائيلي». يشار إلى أن السلطات الإسرائيلية تبرر واقع الحياة المأساوية لأهالي النقب الفلسطينيين بالزعم أنها لا تعترف بقراهم لأنهم يرفضون التطوير في إطار مجمعات سكنية كبيرة ويفضلون الانتشار في قرى صغيرة.
عمر أبو جابر(17عاما) طالب في المرحلة الثانوية من بلدة اللقية في النقب شارك في «سجل يا عربي» ضمن مجموعة «عويجان» يبدو وهو يتجول بين أرجاء المعرض فرحا ومعتزا بمســاهمته بعمل فني رسالته إنسانية وسياسية.
ويشير أن الصورة خير توثيق للواقع المرّ وهي فعلا في محل ألف كلمة لافتا إلى أن «اصطياد» المشاهد المعبرة في النقب سحره لا سيما أنها تنقل بأمانة رسالة من يبيت أحيانا وهو عطشان أو جوعان يلسعه البرد في الليل ويكتوي بقيظ الفيافي في النهار. وفي واحدة من صوره يبرز مشهد الجفاف للإشارة لشظف الحياة في الصحراء وفي صورة أخرى تطل مجموعة أطفال يسيرون نحو مدرستهم مشيا على أقدامهم وهم يرزحون تحت عبء حقائب مسافات تصل إلى كيلومترات أحيانا.
في صورة أخرى التقطتها رغدة أبو كف يظهر رجل يحمل شجرة أطول منه على كف يده في إيحاء لفكرة اقتلاعهم من ديارهم كاقتلاع الأشجار.
وتبدو عملية توجيه المصوّرين لـ «أبطال الصور» ففي صورة أخرى تظهر امرأة فاتحة ذراعيها داعية على من هدم بيتها وفرق شمل أطفالها.
ويشمل المعرض صورا تنقل حكاية المكان بلمسة فنية تعتمد الإيحاء والترميز منها صورة بعض أوراق الشجر بجانب حذاء قديم لسان حالها يقول إن هذا ما تبقى بعد هدم منازل قرية العراقيب للمرة السبعين وتدمير حقولها وكروم الزيتون في محيطها.
قطرة أمل
وبفضل النصوص القصيرة المعبرة عن صور الواقع المركب من المعاناة والصمود يكاد الزائر للمعرض الإصغاء لإيقاع الحياة اليومية في صحراء النقب. تظهر إحدى الصور صهريج المياه مصدر الحياة الوحيد في النقب وكتب الطلاب نصا يشير إلى الوعي بالانفجار العظيم وتكون اليابسة والمحيطات والبحار نتيجة الفيضان الكبير :»بعد الانفجار العظيم غطى الماء 71٪ من المعمورة لكن العطش ما زال كابوس قرى النقب فحقوق أهله تنتهك ويهددهم العطش والهدم والسلب ومع ذلك ما زالوا ينبتون الأمل في أرضهم مع كل قطرة ماء تدفقت إليهم من الصهاريج».
ورغم الظروف الصعبة – وربما بسببها- يبدع الطلاب في كتابة النصوص أيضا إلى جانب الصور. مجموعة طلاب زارت قرية « وادي النعم» وكتبت في تعليق على صورها حول مدرسة القرية «عتراب النعيم: هذا معرض عن غرف صغيرة بأسقف من زينك وصوت جنيراتور يغطي على ضجة الأولاد حينما يخرجون للاستراحة أو حين ينشدون أناشيد الصباح في مدرسة تشكّل نافـــذة الأمل الوحيدة وتحاول إسرائيل إغلاقها».
أما أحمد الطالب الذي درس فيها طيلة 12 سنة فيصف تجربته بعداد قدميه: «أنا لفيت الكرة الأرضية.. كل يوم من وإلى المدرسة ثلاث كيلومترات كل يوم مشي 3 كيلومترات طيلة 12 سنة قديش بطلعوا؟».
فاتحة خير
وتوضح نداء نصّار أحدى القائمين على مشروع «بلدنا» في النقب للطلاب المشاركين فيه «أن معرض الصور فاتحة خير للمزيد من الفعاليات». قائلة أن التجوال مع الكاميرا فرصة للتعرف على معالم الوطن وعلى ما يتعرض له من مصادرات للأرض وإبقاء قرى البدو بدون ماء وكهرباء بل تحرمهم حتى من حبة الدواء. وتؤكد لـ «القدس العربي» أن مشروع «سجّل يا نقب» يعزّز الوعي بأهمية النقب الذي يشكل ثلثي مساحة فلسطين التاريخية ولحيوية التصدي لسياسات إسرائيل القائمة على التهجير والتهويد.
وهذا ما يدركه الناشط الأهلي المرافق للمشروع أمير أبو قويدر الذي يكشف أن السلطات الإسرائيلية هدمت حتى الآن 859 بيتا عربيا في النقب الذي يقيم فيه اليوم 170 ألف فلسطيني من البدو.
أقوى من الشقاء
يقيم بدو النقب في ست بلدات ومدينة رهط علاوة على 45 قرية لا تعترف إسرائيل بها وتمارس ضغوطا على سكانها لتجميعهم في بعض المراكز السكنية بذريعة التطوير لكنهم يرفضون ذلك ويرون فيه وسيلة لتهجيرهم مجددا والاستيلاء على أراضيهم. وفي معرض توضيحه لهذه الضغوط يقول أمير أن بعض السكان يضطرون لهدم منازلهم بأيديهم للنجاة من الغرامات الباهظة التي تفرض عليهم بعد الهدم بذريعة فقدان تراخيص البناء. ويدعو أبو قويدر لعدم الرضوخ والامتناع عن هدم المنازل لأنهم لم يرتكبوا جريمة ويتابع «لن نجلس مكــتــوفي الأيدي فـهــم يهـــدمون ونــحــن نعـــود ونبني وليست لنا سوى الاستمرارية والبقاء رغم الشقاء وبتكافلنا نستطيع مواجهة إسرائيل».
وتعبر عن هذه الروح صورة لشجرة داخل الصحراء أسماها طلاب النقب شجرة الأمل «نحن مواسم تفتحها فينا نمشي إليها صباحا في الطرق غير المعبدة على ذات الطريق التي مشى فيها أبي وأمي».
وديع عواودة