■ سبق ان أشرنا في مقالة على هذه الصفحة تحت عنوان «مهمة المشير السيسي القومية في الخرطوم»، الى أن المهددات الخارجية التي تواجه استقرار فريق حكم السيسيون الجدد أكثر أهمية ووطأة للقيادة الحالية من التحديات الداخلية، لأن الأمر يرتبط بمنظومة الحكم ككل، فضلا عن أن هذه المخاطر المرئية وغير المرئية منها ليس لها سقف محدد على الأقل مع الآخر، القائم أو المشرف أو الافتراضي المحتمل المطاح به في ثورة مضادة لإدارة طبيعة صراع كهذا.
معلوم أيضا في هذا الاتجاه أن الفوضى التي لفقت تحت اصطلاح «الربيع العربي» الحداثي النهضوي الديمقراطي، عمت الكثير من الأقطار ضمن مخطط قد لا يخلو من وعي المؤامرة، ولا علاقة له بتلك القيم الحداثية لتصحيح مسار الواقع، وإنما ثبت وتأكد عملياتيا أنه مشروع لتحقيق مصالح سلطوية للتمكين في الأرض عبر آلية إرهابية، استبدادية تسعى في المقام الأول للقضاء على مؤسسات الدول وبقائها في ارتباط عضوي مع قوى خارجية وإقليمية، طالما تتهم به القوى المناهضة لها باستمرار وفي مصادرة لحق النقاء والطهارة والوطنية السياسية كشأن مصادرتهم لحق العلاقة مع الله، هذه الفوضى التي تمت هزيمتها في العمق المصري عبر كتلة التنوير المصرية التاريخية ستظل تشكل الخطر الوشيك الوقوع للسيسيين المصريين، ما لم تتخذ إجراءات وتدابير وقائية وإستراتيجية سريعة وفاعلة غربا وجنوبا.
في هذا الإطار جاءت الأولوية القصوى ومن الــــدرجة الحمراء في حزمة حالة الطوارئ الإستراتيجية لفريق الحكم المصري الجديد تجاه المهددات السالفة الــــذكر بدون جدال، وفي هذا يمكن تفسير زيارة المشير السيسي إلى الجزائر في خطة تهدف أولا عبر دائرة أوسع إلى محاصرة تيار الفوضويين الجدد بحلف عربي قائم، تتزعمه السعودية ومصر والجزائر مع قوى عربية عديدة، وقد تشاركها قوى دولية لها ارتباطاتها ومصالحها، وثانيا في دائرة أصغر وهي أكثر دقــــة ومحتـــوى وأهمية وخصوصية والمعنية فيها طرابلس الغرب، التي وقعت فريسة لتداعيات الربيع العربي، التي لعبت الدور الكبير في إحداث الفراغ في ليبيا وغياب مؤسسات سلطة الـــدولة، وهـــو الشيء الذي افسح المجال لتكوين ما يسمى بـ«الملاذ الآمن» لقوى الفوضويين في ليبيا، التي تشكل الخطر الظاهر للنظام المصري، باعتـــباره أحد الملاذات الآمنة لقوى التيار الفوضوي من الحزام المصري، لذا كانت هـــذه الزيارة زيارة عمل إستراتيجية أمنية بالضرورة أن تبحث وتستغرق في تفاصيلالتفاصيل والآليات لحصار مصدر الخطر غربا في الإقليم، ومن ثـــم تجفيف منابعه لفائدة بناء توازن سياسي داخلي في ليـــبيا وبموازين قوى جديدة تستطيع وقف العبث بالدولة التي تحولت إلى محل تصفية حسابات بين قوى إقليمية عديدة، ومن ثـــم العمل على تشكيل سلطة حقيقية تؤمن المصالح الإستراتيجية والقومية، وكلتاهما ارتبطت بتأمين الحكم الجديد في مصر، وما يعزز هذا الموقف التسريبات التي حملتـــها بعض قصـــاصات الأخبار حول دعوة المعارض الليبي حفتر إلي زيارة الجزائر، ودعوات الاخير للرئيس المصري بالمشاركة في محاربة الإرهاب ومصادره، كعنوان سياسي مشترك للمرحلة بين دول الإقليم، بمعزل عن النظام السوداني المتورط والداعم لبعض الفصائل الليبية والمصرية والسعودية، سواء بالإيواء او تقديم السلاح او التسهيلات الأخرى، مثل استلام صفقات أسلحة ممولة إقليميا لصالح احد الفصائل أو الجماعات، كما حدث في استلام صفقة سلاح ممولة من دولة صريبا وتحويلها الى إحدى الجماعات الليبية المقاتلة، وكرد فعل من احد الفصائل المناهضة للفصيل سالف الذكر، تم قصف السفارة السودانية في طرابلس بمدافع الهاون مؤخرا، بدون أن تحدث خسائر في الأرواح.
وموازة مع ذلك وضمن خطة التأمين الإستراتيجية لنظام الحكم المصري جنوبا، حط الرئيـــس المصري الجمعة الماضية ضمن خط عــــودته من قمة الاتحاد الأفريقي المنعقدة في غينيا الإستوائية، بالخرطوم لساعتين أو ثلاث ـ أي ترانزيت- استقبله فيها الرئيس السوداني وهو منهك مع كابينة حكمه، وبعـــيدا عن بيان الخارجية التقليدي «بحث العلاقات الثنائية بين الطـــرفين والاطمئنان على صحة الرئيس»، جاءت الزيارة مفاجئة ومحرجة للحكم السوداني لأسباب معروفة، ومع ذلك يبدو أن الخرطوم ما زالت في هول الصـــدمة والمفـــاجأة، دفعت بها إلى انعدام منهج لإدارة العلاقات مع القاهــرة «الجديدة»، زائدا ملفات المدن السودانية المحتلة، التي يقال ان – شيك تحرير بيعها تم إصداره وتوقيعــه منذ عهد الرئيس المصري الاسبق حســني مبارك، مقـــابل سكوت الأخير عن عملية الاغتيال- الأهم في زيارة «التأمين» المصرية، ان هناك مطلوبات محددة لها ما بعدها من الخرطوم.
أولها: تسليم جميع العناصر الإسلاموية القيادية المصرية التي ذهبت إلى الخرطوم بعد سقوط الحكم الإخواني، وقيل ان هناك لائحة قدمت من سبعة عشر فردا.
ثانيا: التزام الخرطوم بعدم التعاون مع عناصر الجماعة لا بالإيواء أو الاستقبال، بل التسليم الفوري.
ثالثا: ضبط حركة نشاط السلاح المتجهة إلى سيناء عبر السودان.
رابعا: رفع يد التعاون مع إسلامويي ليبيا، ويلاحظ أن جميعها مطلوبات عاجلة وضرورية للقاهرة، بل هي» تعليمات» عسكرية بالنظر إلى خطورة الملف.
وحتى لا يقع النظام السوداني في دائرة المغضوب عليهم مصريا، وكما تعودنا من نظام سوداني لا عهد له مع أحد، سوف تسمعون «تمام يا أفندم سعادة المشير المصري»، وألم يقل المشير السودادني للمشير المصري «اننا نصحنا جماعة مرسي بان يعملوا لصالح الدولة وليس لصالح الجماعة ولكن لا يسمعون» في حين لا يجد هو نفسه من ينصحه بالاستقالة أو إنهاء عهد حكمه .
٭ كاتب سوداني مقيم في لندن
محجوب حسين
من الظلم ان يقارن مشير الخرطوم بالمشير البطل السيسي قاهر الاخوان المجرمين سفاكي دماء المصرين – البشير اضاع جنوب السودان ودار فور على الطريق ويقمع الشعب السوداني باساليب همجيه يندى لها الجبين الجلد بسبب اللباس والحكم بالاعدام بسبب تغير الدين وغيرها من الاساليب الهمجيه