غزة ـ «القدس العربي»: تضاربت المعلومات التي تحدثت عن مدى نجاح الزيارة التي قام بها الرئيس محمود عباس، أول من أمس، إلى العاصمة المصرية القاهرة، حيث التقى نظيره المصري عبد الفتاح السيسي، في ظل التقارب اللافت بين مصر وكل من محمد دحلان القيادي المفصول من فتح، وحركة حماس، وكلاهما من خصوم الرئيس الفلسطيني، وتردد أن الزيارة لم تفلح في تسوية هذه القضية.
ورغم الحديث من المستوى الرسمي الفلسطيني، عن وجود تقارب في وجهات النظر حول مجمل القضايا السياسية الخاصة بتحركات الإدارة الأمريكية لإطلاق عملية سلام جديدة، إلا أن أوساطا مطلعة في القيادة الفلسطينية لم تنكر استمرار الخلاف في وجهات النظر، حيال طريقة تعامل القاهرة الأخير مع الملف الداخلي الفلسطيني، خاصة التقارب الحاصل بين مصر ودحلان وحماس، حيث طالب الجانب الفلسطيني خلال القمة توضيحات من مصر حول هذا التقارب.
وحسب هذه الأوساط فإن الرئيس عباس طرح ملف التقارب الأخير للنقاش، خاصة في ظل قيام مصر للمرة الأولى بمثل هذه الخطوات، بعيدا عن التنسيق والتشاور مع القيادة الفلسطينية.
وعلمت «القدس العربي» أن جزءا من اللقاء الذي جمع عباس بالسيسي، ركز على استيضاح التفاهمات التي جرت بين كل من حماس ودحلان في القاهرة مؤخرا، خاصة بعد ما تسرب عن قيام التفاهمات على إدارة جديدة للقطاع، تشمل استمرار حماس في الاحتفاظ بملف الأمن، وإيكال المهام الخارجية لدحلان.
والمعروف أن التقارب الحاصل بين مصر وحماس، والذي نتج عنه «عمليات تنفيس ملحوظة» ساهمت في تخفيف أعباء قطاع غزة قليلا، حيث جاء بعد بدء السلطة الفلسطينية في مخططات «التضييق» على الحركة، من خلال تقليص كميات الطاقة المرودة للقطاع، وتوقف محطة التوليد عن العمل، وتقليص رواتب الموظفين بهدف الضغط الاقتصادي على حماس.
وقد توعد الرئيس عباس قبل وصول القاهرة باتخاذ مزيد من الخطوات للضغط على حركة حماس، من أجل القبول بمقترحاته الخاصة بإنهاء الانقسام، ومن المتوقع أن يكون حجم الإجراءات مرتبطا بنتائج القمة التي عقدت مع السيسي.
ولا تريد القيادة الفلسطينية وهو أمر علمت «القدس العربي» أنه جرى التعبير عنه بشكل واضح خلال القمة الفلسطينية المصرية، بمشاركة مسؤولين كبار من الطرفين، أن يكون لدحلان أي دور قادم في قطاع غزة، حيث جرى إبلاغ المسؤولين المصريين خلال اليومين الماضيين في القاهرة، من نظرائهم الفلسطينيين، عن عدم رضا القيادة على أي تفاهمات تجري بمعزل عنها.
وفي مؤشر على استمرار القيادة المصرية في تفاهماتها التي أبرمت مع حماس بعيدا عن السلطة الفلسطينية، استأنفت القاهرة ضخ الوقود المصري المخصص لتشغيل محطة توليد الكهرباء في قطاع غزة، على غرار الأيام السابقة، بعد انتهاء لقاء الرئيس عباس بالسيسي، وهو ما ضمن إعادة تشغيل محطة التوليد التي كانت تعمل بأقل طاقة، ما خلق خلال اليومين الماضيين أزمة كهرباء كبيرة.
وكانت سلطات حماس أعلنت في وقت سابق أن السلطة منعت عمليات تحويل الأموال عبر أحد البنوك الناشطة في غزة، لصالح شراء الوقود المصري، ولم تعلن الحركة عن الحل الذي توصلت إليه مع مصر لإنهاء هذه المعضلة.
وقد اعتبر الدكتور موسى أبو مرزوق، عضو المكتب السياسي لحركة حماس، في تغريدة مقتضبة على موقع «تويتر» أن وصول الوقود المصري إلى محطة كهرباء غزة في هذا التوقيت «أبلغ رسالة مصرية»، وكان يشير إلى استمرار العمل بالتفاهمات التي جرى إنجازها بين حركته والسلطات المصرية، ومن بينها ضخ الوقود وترتيبات أمنية على الحدود، تمهيدا لفتح معبر رفح أمام المسافرين.
وقد أكد ذلك صراحة الناطق باسم حركة حماس عبد اللطيف القانوع، حيث قال في تصريح صحافي إن علاقة حركته مع مصر لم تتأثر، حتى بعد الأحداث الأخيرة، موضحا أن وفد حماس الموجود حاليا في العاصمة القاهرة «ماض في تطبيق التفاهمات، وقطع مرحلة إيجابية ومهمة في الاتفاق على بعض التفاصيل».
وكان السيسي استقبل أول من أمس الرئيس عباس في قصر الاتحادية في القاهرة، ولم يأت البيان الذي صدر عن الجانب الفلسطيني، على الحديث عن تطرق الرئيسين لملف المصالحة الداخلية كما جرت العادة، لافتا إلى أنه جرى الحديث عن الملف السياسي والمفاوضات المرتقبة وانتهاكات الاحتلال.
وذكر البيان الفلسطيني أن الزعيمين ناقشا مجمل التطورات على الأرض الفلسطينية، والجهود المبذولة لإعطاء دفعة لعملية السلام، في ظل ممارسات وسياسات الحكومة الإسرائيلية وفِي مقدمتها الاستيطان المتسارع، الذي يشكل عقبة رئيسية أمام تحقيق الأمن والاستقرار في المنطقة، إضافة إلى عدد من القضايا ذات الاهتمام المشترك.
غير أن عضو اللجنة المركزية لحركة فتح عزام الأحمد، الذي رافق الرئيس عباس في لقاء السيسي، قال إن القمة التي جمعتهما كانت «دافئة» وأكدت على التلاحم والتفاهم الكامل ووحدة الموقف الفلسطيني المصري في تحمل أعباء المسؤولية من أجل القضية الفلسطينية وحلها، ومن أجل قطع الطريق على أحداث التقسيم التي تجري في المنطقة العربية ووضع حد للعنف والإرهاب فيها.
وقال الأحمد في تصريحات نقلها تلفزيون فلسطين ووكالة «وفا» عقب القمة في قصر الاتحادية «إن هذه الزيارة جاءت في وقت دقيق تشهده القضية الفلسطينية والأوضاع في المنطقة العربية عموما».
وأوضح أن اللقاء بينهما كان مطولا «لأن جدول الأعمال كان يستحق ذلك»، وأنه جرى استعراض الحراك الأخير لإحياء عملية السلام وتنفيذ قرارات الشرعية الدولية، خاصة فيما يتعلق بالاتصالات الأمريكية – الفلسطينية سواء على صعيد الرؤساء أو زيارة فريق عملية السلام من الجانب الأمريكي إلى المنطقة.
وقال إنه تم بحث عدد من المواضيع الفلسطينية الداخلية، خاصة الجهود التي تبذلها القيادة الفلسطينية لمحاصرة من وصفهم «دعاة الانقسام ومحاولة تكريسه وتحويله إلى حقيقة». ودعا لتمكين حكومة التوافق الوطني من القيام بمهامها في قطاع غزة، والذهاب إلى انتخابات رئاسية وتشريعية ومجلس وطني لتعزيز الوحدة الوطنية.
وفي السياق أيضا قال عضو اللجنة المركزية لحركة فتح محمد اشتية، إن الزيارة كانت «ناجحة»، وإن جزءا منها كان روتينيا، وآخر للاستيضاح، وكان يشير بذلك للتفاهمات الأخيرة التي جرت في القاهرة مع حماس ودحلان «بعد الإشاعات والتكهنات والترتيبات في قطاع غزة».
وأضاف «هناك اجتهادات أن الإجراءات التي تقوم بها السلطة قد تؤدي إلى تفجير الوضع في غزة، وبالتالي الأخوة في مصر يقومون ببعض عمليات التنفيس»، مشيرا رغم ذلك إلى تطابق وجهات النظر الفلسطينية والمصرية حول الموقف السياسي، وشرعية الرئيس.
وقال إن الرئيس عباس خرج مرتاحا جدا بعد الزيارة، وقال «مصر لا يمكن أن تأتي بأي صيغة تخرج قطاع غزة من المشروع الوطني الفلسطيني».
أشرف الهور