القاهرة ـ «القدس العربي»: بعد تضارب الأنباء حول عزم الحكومة المصرية تعويم قيمة الجنيه المصري وهو ما يعني أن البنك لن يقوم بتحديد سعر الدولار كما هو موجود في البنوك الأخرى، ويترك العرض والطلب على الدولار يحدد سعره في سوق العملات الأجنبية، وهو ما سيؤدي إلى رفع سعر الدولار في السوق السوداء إلى ما يزيد على 15 جنيهاً، كسر البنك المركزي المصري الثلاثاء الماضي، توقعات المحللين وبنوك الاستثمار المتعلقة بخفض أو تعويم سعر صرف الجنيه مقابل الدولار، عبر عطائه الرسمي لبيع العملة. فقد أعلن المركزي عن العطاء الاسبوعي والذي بلغ 120 مليون دولار، كما أعلن أيضا عن ارتفاع الاحتياطي النقدي الاجنبي وإن صافي الاحتياطات الأجنبية لأكبر البلاد العربية سكاناً قد ارتفع إلى 19.591 مليار دولار بنهاية ايلول/سبتمبر الماضي مقارنة بـ16.564 مليار دولار نهاية آب/أغسطس.
ولكن يرى خبراء الاقتصاد أن تأخر البنك المركزي في تقرير مصير الجنيه وتخفيض سعره أمام الدولار، يعكس الوضع الحالي للاقتصاد أو تعويمه يسبب مزيدًا من الخسائر على المستوى الاقتصادي، لكنهم أكدوا أيضا أن القائمين على الأمر في الدولة لن يتخلوا عن فكرة تخفيض أسعار الجنيه أو تعويمه خلال الفترة المقبلة .
وفي وجود هذه التوقعات، شهد سعر الدولار في السوق السوداء ارتفاعا غير مسبوق ليصل إلى حاجز 14 جنيها، ما جعل خبراء الاقتصاد يتوقعون أن يقدم البنك المركزي على تنفيذ تعويم تدريجي لسعر صرف الجنيه أو خفضه أمام الدولار نظرا لارتفاعه الشديد خلال هذه الفترة، قبل انعقاد اجتماعات الخريف لصندوق النقد والبنك الدوليين، في العاصمة الأمريكية واشنطن بين 7 و9 تشرين الأول/أكتوبر الجاري بمشاركة ممثلين عن البنك المركزي المصري وعدد من الوزراء.
وفي السياق نفسه، أثارت الأنباء حول فكرة تعويم الجنيه ورفع يد البنك المركزي عن العملة المحلية بشكل كلي ليتركها تتحرك بكامل حريتها حسب قانون العرض والطلب، الكثير من الجدل من قِبل النشطاء والسياسيين على مواقع التواصل الاجتماعي «فيسبوك» و»تويتر» ودشن البعض هاشتاغ يحمل اسم «تعويم الجنيه» وتوالت العديد من التعليقات عليه، وكان أبرزها: «أنا خايف لو عوموا الجنيه بعد كل المهانة التي تعرض لها أن يقفز في مركب للهجرة غير الشرعية ويسيب مصر ونرجع لزمن المقايضة « و «تعويم الجنيه يعني مزيدا من الإفقار للطبقات الفقيرة بالفعل في المجتمع المصري» و»مبروك تعويم الجنيه يا جماعة .. لو فاكرين التضخم والأسعار مشكلة دلوقتي نتقابل بعد 6 أسابيع… التضخم…هيكون قد الدنيا».
وعلقت بسنت فهمي، عضو اللجنة الاقتصادية في مجلس النواب، على نية تعويم الجنيه المصري، قائلة: «ما حدش فاهم يعني إيه تعويم الجنيه، وعندنا ناس بتفتي كتير بغير علم».
وأضافت على فضائية «العاصمة 2» الثلاثاء، إن الحديث عن تعويم الجنيه يأتي من أشخاص ليست لهم صفة. مؤكدة أن الجهة الوحيدة المنوط بها الحديث عن تعويم الجنيه هي البنك المركزي.
وأكدت إن قرار تعويم الجنيه ليس سهلًا، فالدولار ليس سلعة يمكن تحديد سعرها بشكل عشوائي، فهناك شركاء تجاريون لمصر، ومعدلات تضخم وعلاقات دولية يجب وضعها في الحسبان.
وحذر المكتب السياسي لحزب الجيل الديمقراطي، برئاسة الدكتور ناجي الشهابي، من اتجاه الحكومة إلى تعويم الجنيه ورفع الدعم عن الفقراء ومحدودي الدخل، موضحا أن ذلك الأمر ليس حلا للأزمة الاقتصادية الخانقة التي تكاد تعصف بالبلاد واستقرارها، بل ولن تساهم في توفير الدولارات اللازمة للاستيراد، ولكنها ستزيد من ارتفاع الأسعار وتحول معيشة المواطنين إلى مأساة.
وأكد الحزب، في بيان أن «مشكلة الدولار ترجع إلى الفجوة الكبيرة، التي تتسع باستمرار بين تكلفة وارداتنا من الخارج وحصيلتنا الدولارية، الناتجة من رسوم السفن في قناة السويس وتحويلات المصريين العاملين في الخارج، وعائد التصدير والسياحة التي لا تزيد عن 35 مليار دولار، في حين أن وارداتنا من الخارج تصل إلى 105 مليارات دولار منها 30 مليارا قيمة السلع المهربة داخل البلاد».
وشدد الحزب على أن «الحل هو أن تنتهج الحكومة سياسات جديدة تبتعد عن سياسة القروض والمساعدات، ونصائح صندوق النقد الدولي التي لم تجلب إلا الخراب والدمار، وهز استقرار الدول التي اتبعتها، بحيث تكون السياسات الجديدة معتمدة على الذات الذي هو جوهر التنمية الاقتصادية، من أجل استعادة تجربة طلعت حرب باشا في دور البنوك القائد للتنمية، إضافة إلى استثمار ما يقرب من 3 تريليونات جنيه مودعة في البنوك لإنشاء المشروعات المختلفة التي تساهم في حل مشكلة البطالة، والعمل على إعادة دور الدولة الاجتماعي واسترجاع أموال الشعب التي منحت للبعض في غيبة قواعد العدل والشفافية، بقانون للعدالة الانتقالية بنص الدستور، ومنها الأراضي الشاسعة في المدن الجديدة والطرق الصحراوية والأراضي التي منحت لشركات بغرض استصلاحها وزراعتها وتحولت إلى أرض للبناء ربحوا منها عشرات المليارات من الجنيهات، والاتجاه إلى فرض نظام ضرائبي جديد يعتمد على الضريبة التصاعدية على الدخل والضريبة على الأرباح الرأسمالية في البورصة».
وطالب حزب الجيل، في ختام بيانه للحكومة، بانتهاج سياسات تتصدى بقوة لأباطرة السوق الداخلية ومحتكري الاستيراد، وتعيد دور الحكومة في السيطرة على الأسواق، وفرض تسعيرة جبرية على السلع الأساسية، وأخرى استرشادية على باقي السلع والمنتجات، مؤكدا أن الحل السريع لمعالجة الأزمة الشديدة التي تمر بها البلاد يكمن في ترشيد الاستيراد، ليكون قاصرا على مكونات الصناعة وقطع الغيار والتسليح والقمح والفول وألبان الأطفال والأدوية مع العمل بكل جدية لتحقيق الاكتفاء الذاتي من الغذاء والاهتمام بالبحث العلمي وفتح المصانع المغلقة وتطوير شركات القطاع العام وقطاع الأعمال العام وبناء صناعات تغنينا عن الاستيراد .
وعلقت الناشطة المصرية آيات عرابي، على تضارب الأنباء حول تعويم الجنيه، وقالت في مقطع فيديو نشرته عبر صفحتها في موقع التواصل الاجتماعي «فيسبوك»: إن «هناك توقعات بتعويم الجنيه خلال ساعات، فهذه ليست توقعات من إعلام النظام، بل هي توقعات بنك الاستثمار بلتون فايننشيال» .
وأوضحت «أن تعويم الجنيه يعني ارتفاعا فاحشا في أسعار كل السلع، وهو ما يعني أن من يريد أن يذهب ليشتري شوية فول وطعمية لا بد وان يحمل معه شنطة فلوس». وتابعت ساخرة «أن تعويم الجنيه يعني أنه عندما يذهب أحد لشراء حزمة كرفس سيتفاجأ بأن بائع الخضار سيعطيه ماكينة الفيزا ليدفع ثمن الحزمة، في إشارة إلى الانخفاض الحاد في قيمة الجنية الذي سيحدث مستقبلا».
وأوضحت عرابي، أن «زيادة القروض من الدول والبنوك، سيدفع هذه البنوك لإرسال مندوبين عنها لإدارة مؤسسات الدولة التي ستنفق القروض»، مشيرة إلى ان هذا الأمر يعتبر تمهيدا للاحتلال والتقسيم.
محمد علي عفيفي