مصر: السيطرة على الأسعار «معركة وجودية» للنظام

حجم الخط
2

القاهرة ـ «القدس العربي»: وسط أزمات أمنية وسياسية عديدة تشغل الساحة المصرية حالياً، يبقى الهاجس الاقتصادي، وخاصة المعاناة من الارتفاع الشديد في أسعار الكثير من السلع في صدارة الاهتمامات بالنسبة إلى الأغلبية الساحقة من المواطنين.
ويترقب المصريون حاليا الاجراءات التي تعهد الرئيس عبد الفتاح السيسي القيام بها للسيطرة على الاسعار خلال الاسابيع المقبلة، خاصة مع تفاقم الازمة بعد الارتفاع الملحوظ للدولار مؤخرا. وعلى عكس الكثير من الازمات التي تعايش معها المصريون لفترات طويلة، فان معركة خفض الاسعار هذه المرة تبدو «وجودية» بالنسبة للنظام وهو ما يفسر الاستعانة بالقوات المسلحة للمساعدة في اقامة منافذ لتوزيع السلع الغذائية بأسعار مخفضة.

إجراءات سريعة

وقامت الحكومة المصرية على وجه السرعة باتخاذ خطوت لتنفيذ ما جاء في خطاب الرئيس السيسي، وشكل المهندس شريف إسماعيل رئيس مجلس الوزراء، لجنة ”السيطرة على الأسعار” برئاسة الدكتور خالد حنفي، وزير التموين والتجارة الداخلية، الذي أوضح حفني في بيان له، «أن اللجنة شملت وزارة التموين، وجهاز الخدمة الوطنية بالقوات المسلحة، ووزارات الداخلية، والصناعة والتجارة، والزراعة، والتنمية المحلية، والصحة، والتضامن الاجتماعي»، وأكد «أن وزارة التموين تكثف حاليًا المعروض من السلع الغذائية ومنها اللحوم والسكر والزيت والأرز والبقوليات والخضر والفاكهة، وغيرها من السلع بأسعار مخفضة في كافة فروع المجمعات الاستهلاكية وشركتي الجملة والسيارات المتنقلة، مشيرا إلى التنسيق والتعاون مع هذه الوزارات المعنية، لإمداد كافة المنافذ بالسلع الغذائية لطرحها للمواطنين بأسعار مخفضة».
وقال الدكتور خالد حنفي «إن هناك تعاونا وثيقا بين منافذ البيع والسيارات المتنقلة التابعة لوزارة التموين ومنافذ جهاز الخدمات العامة للقوات المسلحة، لتكثيف المعروض من المواد الغذائية بأسعار مخفضة، في إطار المنافسة بين الدولة والقطاع الخاص من أجل المواطن».
وأضاف، أن «تكثيف المعروض من السلع الغذائية سوف يضبط السوق، ويقضي على ارتفاع الأسعار بها، ويؤكد هذا الإجراء على مساندة ووقوف الدولة والحكومة بجانب المواطنين البسطاء ومحدودي الدخل والتيسير عليهم، للحصول على ما يحتاجونه من السلع بأسعار مناسبة .»
وذكر «أن 34 شركة قابضة غذائية وشركات المجمعات وغيرها، تقدم في منافذها السلع الغذائية بتخفيضات تتراوح بين 10 و20٪ ، إلى جانب التوسع في السلاسل التجارية والمناطق اللوجستية بمختلف المحافظات».
وأكدت وزارة التموين على مداومة المرور على كافة الأسواق ومنافذ البيع لكافة السلع ومتابعة وضبط أية مخالفات في الحال والرصد المبكر لأية أزمات وردود الأفعال، وتوجيه ضباط مباحث التموين في حالة وجود أى معوقات تقابل التجار في حين أنه يتم التنسيق معهم والعمل على حلها، وتوجه الضباط بشكل مفاجئ إلى مخازن كبار تجار الجملة محتكري السلع، وبالتالي تقوم المباحث باستصدار قرار النيابة العامة بمصادرة البضائع في حالة امتناع هؤلاء التجار عن البيع.
وأعلن الدكتور مصطفى مدبولي، وزير الإسكان، أن مجلس إدارة هيئة المجتمعات العمرانية الجديدة وافق على تخصيص قطعة أرض بمركز الحي الأول بمدينة بدر، لإقامة وتجهيز منفذ بيع منتجات غذائية متطور تابع لجهاز مشروعات الخدمة الوطنية التابع للقوات المسلحة بنظام نقل الأصول، على أن يتم التنسيق مع الجهات المعنية، لاستكمال الإجراءات وفقاً للشروط والضوابط وطبقاً للقواعد المعمول بها في هذا الشأن، وأقر المجلس اعتماد مبدأ الموافقة على إتاحة قطع أراض أو محال قائمة لإقامة وتجهيز منافذ بيع منتجات غذائية متطورة تابعة لجهاز مشروعات الخدمة الوطنية بالمدن الجديدة المحرومة من تلك الخدمة.

الجيش يتدخل

وبدأت القوات المسلحة بالفعل في تنفيذ الخطة، بدفع سيارات لبيع المواد الغذائية بأسعار مخفضة، وأوضحت الحكومة خطتها لتنفيذ وعد الرئيس بحصار الأسعار، والتي تتضمن تخفيض حلقات البيع والوسطاء، ليتم طرح السلع بشكل مباشر للمواطنين، من خلال أسواق الجملة وتطوير المجمعات الاستهلاكية، ومنح قروض لكل خمسة شباب، تمكنهم من الحصول على سيارة نقل مبرد تحصل على الخضروات والفاكهة من منافذ الحكومة، فضلًا عن منح قروض لإقامة مائة وثمانية وستين ألف مشروع صغير ومتوسط، لتوفير ما يقارب من ربع مليون فرصة عمل.
وعقدت الإدارة العامة لمباحث التموين، بقيادة اللواء محمود العشيري، اجتماعا مع مستوردي اللحوم والدواجن وتجار الأسماك وكبار موردي السلع الاستراتيجية وتجار الجملة وتجار الخضر والفاكهة، وتم الاتفاق على الالتزام بتخفيض الأسعار بنسبة 10٪ ، وإطلاق حملات توعية دعائية للمواطنين، تشير إلى تلك التخفيضات وتشمل السلع الغذائية، بالإضافة إلى اللحوم والدواجن والأسماك والخضروات، وفتح منافذ بيع متنقلة تصل لمحدودي الدخل بأسعار مخفضة بالمناطق الشعبية والقرى والنجوع، مع السماح لهم بتراخيص مؤقتة من الإدارة العامة للمرور.
وأوضح العديد من التجار والمستثمرين، أن الدولة لا تستطيع تخفيض الأسعار في شهر واحد، وهذا أمر غير منطقي، مع ارتفاع سعر صرف الجنيه المصري أمام الدولار، مؤكدين أن الحكومة قد تتمكن من طرح مجموعة من السلع بأسعار مخفضة من خلال القوات المسلحة، لكنها لن تتمكن من تغطية جميع محافظات الجمهورية، لصعوبة توفير السلع بسعر منخفض، وعدم وجود قنوات توزيع تشمل الجمهورية كلها».
وأكد البعض منهم أن السوق يحكمه العرض والطلب، بالإضافة إلى ضرورة التركيز أولاً على علاج أسباب اشتعال الأسعار قبل الحديث عن خفضها، وأبرز هذه الأسباب نقص الدولار وارتفاع سعره، وزيادة تكلفة الاستيراد وأزمات الوقود والاضطرابات الأمنية والسياسية التي تؤثر سلباً على القطاعات الإنتاجية المختلفة، ولا سيما الصناعة والزراعة.

توسيع صلاحيات المحافظين

وصرح الدكتور ماهر هاشم، الخبير الاقتصادي، لـ«القدس العربي»، «اعتمد الرئيس السيسي في سرعة تدبير السلع الغذائية والاستراتيجية بأسعار مخفضة على القوات المسلحة، ولكن هناك مشكلة خاصة بعدم التحكم في سوق صرف الدولار الحالي، وهذا يستلزم بعض القرارات من البنك المركزي، وكذا تدبير العملة من جانب الحكومة، واستعانة الرئيس بالقوات المسلحة وتنحية الوزراء المعنيين بالأزمة، يعد حلا عاجلا لمواجهة المشكلة، ولكن على الوزرات كوزارة التموين والتجارة الداخلية والاستثمار والمالية البحث عن حلول وفرص جديدة، للخروج من الأزمة وتدبير السلع الغذائية عن طريق الاتفاقيات الحكومية أو الصفقات التجارية المتكافئة، وإدخال مؤسسات المجتمع المدني والجمعيات في هذا الأمر، للقدرة على حل هذه الأزمة».
وأضاف:» أنه على الرئيس إعطاء صلاحيات للمحافظين، كي يتعاقدوا بالأمر المباشر لتدبير السلع الغذائية لهم، وعمل شركات للشباب ليقوموا بتسويق تلك السلع التي يتعاقد عليها المحافظين، فيما يعد هذا ضغط على العملة الأجنبية، لذلك لابد من طرح تسهيلات في التجارة الخارجية، لتتبنى سياسة الصفقات المتكافئة أي « البارتر»، وبالتالي يمكن إدارة الأزمة بشكل جيد، كما يعد خطاب السيسي هنا إنذاراً أو «كارت أحمر» للحكومة، التي لا يمكنها تفعيل دورها في ظل وجود العجز التجاري بحوالي 26٪ ، وفي ظل التزايد المستمر للعملة الأجنبية وانخفاض سعر الجنيه المصري، وفي ظل بطء قرارات المؤسسات المالية والبنك المركزي، كما أنه لابد من تعديل بعض اللوائح والتشريعات الخاصة بالتعاقدات، في ظل الاستخدام السيئ لقانون 89، ويعد المجتمع المدني الآن الداعم للرئيس، والذي استطاعت شركاته التعامل مع الدول المجاورة وتنفيذ صفقات خاصة بالسلع الغذائية والاستراتيجية، مشيرا إلى أن مئات الشركات المنتجة للسلع الغذائية أصبحت اليوم لا تنتج، فعلى الحكومة تشغيل تلك الشركات، إما بتعديل طريقة إدارتها أو بحل مجالس إدارتها وتعيين الشباب مكانها لإدارة الأزمة».

زيادة الإنتاج

وقال الدكتور سرحان سليمان، الخبير الاقتصادي، لـ«القدس العربي»، «المشكلة هنا تأتي في إمكانية زيادة الإنتاج ونموه باستمرار، حتى يمكن تغطية الاحتياجات المتزايدة للمواطنين وخاصة من محدودي الدخل، ولا يمكن معالجة مشكلة ارتفاع أسعار السلع الغذائية الجنوني في غضون شهر واحد، مؤكدا أن هذا الارتفاع يعود إلى انخفاض الإنتاج، وإلى زيادة فاتورة الواردات من الخارج خاصة الإنتاج الزراعي، فمعظم السلع التي نستوردها غذائية وزراعية وبنسبة 90٪ ، وبهذا يرجع ارتفاع السعر المحلي إلى ارتفاع سعر العملة الأجنبية، فهذا لا يعد من القرارات الاقتصادية السليمة أثناء وضعنا الحالي، بالإضافة إلى ما تقوم به الحكومة من إنشاء منافذ بيع جديدة لطرح سلع بأسعار مخفضة، فكل هذا هو مجرد مسكنات لن تقوم بعلاج مشكلة الإنتاج لدى الشركات القائمة، وهذه طريقة عقيمة لحل المشكلات، لا يمكنها تحسين الأسعار والجودة».

الارتفاع في الأسعار سيتواصل

وقال عماد جرجس أحد تجار السلع الغذائية، لـ«القدس العربي»، «إن أسعار السلع الغذائية مازالت في ارتفاع وسترتفع أكثر، حين ارتفاع سعر الدولار أكثر من ذلك، لأن أغلب السلع يتم استيرادها من الخارج كالشاي والتونة والزيت ولبن البودرة والصلصة والمكرونة، ولا تسمح الشركات ببيع ما لديها في المخازن بأسعار مخفضة، فهي تقوم بعرضها أثناء ارتفاء سعر الدولار، ليكون سبباً في رفع أسعار السلع».
وفي إطار ذلك، شنت الإدارة العامة لشرطة التموين، بقيادة اللواء محمود العشيري، عدة حملات تمونية، أسفرت عن ضبط إحدى وعشرين قضية مواد بترولية، ضبط خلالها تسعة وتسعون ألف لتر سولار وبنزين وضبط خمسمائة وعشرون إسطوانة بوتجاز وستة وعشرون طن دقيق مدعم، وضبط احد عشر طن لحوم فاسدة، بالإضافة إلى تحرير ثلاثة وأربعين مخالفة مخابز وأربع عشرة قضية اتجار غير مشروع بالسلع التموينية وأربع عشرة قضية لسلع مجهولة المصدر، وضبط مائة وخمسة وسبعين طن أعلاف وأسمدة منتهية الصلاحية.
من جانبها، قامت وزارة الداخلية بتفعيل الأداء الأمني لضبط الأسواق والحد من السيطرة على ارتفاع الأسعار، خاصة السلع الاستراتيجية ومدى توافرها للمواطنين وإحكام الرقابة على الأسواق، وتنفيذا لسياسة الدولة في التأكيد على وصول السلع للمواطنين وتطبيقاً للقوانين والقرارات الخاصة، لمواجهة ظاهرة غلاء وإرتفاع الأسعار ووفقا لخطة الحكومة، التى تتم بآليات ممنهجة تستهدف مصلحة المستهلك وتوفير متطلباته وإحتياجاته الحياتية اليومية بالأسعار المناسبة.
كما قام عدد من مديري الأمن بعقد عدة إجتماعات مع مستوردي اللحوم والدواجن وتجار الأسماك وكبار موردي السلع الإستراتيجية، وتجار الجملة، وتجار الخضر والفاكهة، وتم التأكيد على الإستعداد لتقديم أى مساعدات للعمل على تخفيض الأسعار، والتوجيه بتكثيف الحملات التموينية الشاملة والتصدي لحالات إرتفاع الأسعار وكذا مكافحة حالات الإحتكار للسلع والمنتجات الأساسية للمواطن في الإطار، وأكد جميع التجار على التعاون مع الحكومة والعمل على تخفيض الأسعار تسهيلاً على المواطن والإلتزام بخطة الحكومة.
والجدير بالذكر، أن الرئيس عبدالفتاح السيسي، رئيس جمهورية مصر العربية والقائد الأعلى للقوات المسلحة، كان قد أعطى لمحدودي الدخل من المواطنين أملاً بخفض أسعار جميع السلع الغذائية والاستراتيجية، في خطابه بالندوة التثقيفية التي أقامتها القوات المسلحة بمسرح الجلاء مساء يوم الأحد الماضي، قائلا :»أنا واحد منكم أعرف كويس الظروف الصعبة للناس، وعارف عايشين إزاي، وإن شاء الله آخر هذا الشهر هتكون الدولة خلصت تدخلها لخفض الأسعار بشكل مناسب، أنا مقدر إن كان فيه مشكلة خلال الشهور اللي فاتت ومازالت موجودة فيما يخص الدولار، لكن كنت أتمنى إن اللي بيتعاملوا في السلع الأساسية يراعوا ذلك، اللي هيقوم بالدور ده الدولة، والجيش يوفر الطلبات للناس بأسعار مناسبة فأرجو اللي عنده حاجة يلحق ينزلها لأن فعلًا مش هنسمح إحنا بالأسعار المرتفعة، على أقل السلع الأساسية اللي الناس محتاجاها، وهنشوف تحسن ملحوظ إن شاء الله».

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

  1. يقول Visitor:

    يا حسافة على الجيش المصري, حولوه من جيش وطني قوي اخترق أعتى التحصينات في التاريخ وعبر القناة بمهارة شهد لها أشهر المحللين العسكريين يتحول الأن إلى جيش لتنظيم كوبونات السكر والشاي والمواد الغذائية وعربات الخضار والفاكهة! يا فرحة إسرائيل فيكم!

  2. يقول سالم العربي:

    وعد السيسي بالسيطرة على الاسعار قبل نهاية هذا الشهر….هوه فاكر انه بالامر العسكري كل حاجة حتكون تمام….اتحداك اذا قدرت تسيطر عالاسعار لان هذا مرتبط بمئات العوامل المؤثرة فيه وكل عامل يضغط على الاخر.

إشترك في قائمتنا البريدية