الناصرة ـ«القدس العربي»: نشر بعض وسائل الإعلام قبل أيام معلومات بشأن هجمات الطائرات بدون طيار الإسرائيلية في سيناء، بالتنسيق مع الجيش المصري، قطع الصمت اللاسلكي الطويل المتبع من قبل الجانبين. في السنوات الأخيرة راجت أنباء عن هجمات جوية في سيناء ضد منظمات مسلحة وفي جميع الحالات امتنعت إسرائيل ومصر عن التطرق إلى تلك الإدعاءات، في حال صدقت المعلومات المنشورة نقلا عن «مسؤول إسرائيلي كبير» سابقا، فان هذا قد يفسر جزءا من عملية التقارب بين الدولتين خلال العامين الماضيين، والذي بلغ ذروته في زيارة وزير الخارجية المصري سامح شكري إلى إسرائيل قبل أسبوع. ليس صدفة ان نائب رئيس الأركان والسفير الإسرائيلي في القاهرة أعلنا مؤخرا أن العلاقات بين البلدين باتت وثيقة أكثر من أي وقت مضى، وكذلك التعاون الاستراتيجي. على جدول أعمال النظام المصري- بعد الصعوبات الاقتصادية الهائلة وخطر حدوث انقلاب آخر من قبل جماعة الإخوان المسلمين، يحتل تهديد الدولة الإسلامية «داعش» مكانة عالية، خصوصا نشاط فرع المنظمة في سيناء، «ولاية سيناء» التي تحرج السلطات وتلحق ضررا شديدا بالسياحة. مصر تحتاج إلى موافقة إسرائيل على الانحراف عن الملحق الأمني لاتفاق كامب ديفيد، بشكل يسمح لها بنشر قوات عسكرية واتخاذ تدابير معززة في سيناء. وهي في حاجة إلى التنسيق الأمني والمخابراتي – وعلى الأقل وفقا لما نشرته بلومبرغ، الاستعانة بالقدرة الجوية الإسرائيلية، إلى جانب الطائرات المقاتلة وطائرات هليكوبتر التي ادخلتها إلى سيناء بموافقة إسرائيل. منذ بداية هذا العام لوحظ حدوث تحسن بارز في مواجهة قوات الأمن المصرية للتهديد الأمني في سيناء. حتى لو كان التفاؤل مفرطا في القاهرة، فمن الواضح ان «داعش» والجماعات الإسلامية الأخرى تمر في حالة انسحاب نسبي وتجد صعوبة في تنفيذ هجمات مدوية، مثل تفجير الطائرة الروسية التي أقلعت من شرم الشيخ في تشرين الأول/أكتوبر الماضي، أو سلسلة من الهجمات الناجحة التي ارتكبتها ضد قواعد الجيش المصري في سيناء في عامي 2015-2014.
يمكن الافتراض أن هذه هي الظروف التي أدت بالرئيس عبد الفتاح السيسي إلى الموافقة على أول زيارة يقوم بها وزير الخارجية المصري إلى إسرائيل، بعد تسع سنوات، استمرارا لسلسلة طويلة من الاجتماعات والمكالمات الهاتفية على المستويات السياسية والأمنية، التي تجري طوال الوقت من دون النشر عنها. منذ الإطاحة بنظام الإخوان المسلمين عام 2013 تعتبر إسرائيل مصر شريكا استراتيجيا حيويا في المنطقة، حتى إذا كانت القاهرة لا تزال ترى نفسها مضطرة لدفع ضريبة كلامية للقضية الفلسطينية، من خلال الدعوات، التي تكررت خلال زيـــارة شكري أيضا، إلى استئناف المفاوضات المباشرة بين الطرفين.
يبدو صحيحا قول رئيس لجنة الخارجية والأمن، عضو الكنيست آفي ديختر «ليكود» أن الصراع الإسرائيلي الفلسطيني «يهم المصريين كما يهمهم ثلج الماضي». هناك العديد من القضايا الأخرى التي تشغل القاهرة، من المصالحة بين إسرائيل وتركيا، مرورا بالصراع مع إثيوبيا على نهر النيل، وحتى إمكانية التعاون مع إسرائيل في مجال الطاقة. يجب الاعتراف بأنه في حين تتآكل مكانة رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو في نظر الإدارة الأمريكية وأوروبا الغربية، بسبب الجمود على المسار الفلسطيني، فانه ينجح في السنوات الأخيرة بتسجيل تقدم في العلاقات الاستراتيجية في مناطق أخرى، من شرق آسيا وحتى أوروبا الشرقية وأفريقيا، وربما كان الأمر الأكثر أهمية – مع بعض الأنظمة السنية في الدول العربية. وربما هذا ما يفسر تصريحات نتنياهو الأخيرة بأن هناك «انقلابا» يجري في علاقات إسرائيل مع بعض الدول العربية.
لقد طغى على قصة الغزل الإسرائيلية- المصرية خطر رئيسي واحد: الوضع في قطاع غزة. الاشمئزاز المصري العلني من حركة المقاومة الإسلامية حماس قاد لتشديد الحصار على غزة بعد الإطاحة بمرسي. وقد أحبطت القاهرة محاولات تحسين اقتصاد غزة، قبل حرب «الجرف الصامد» في صيف عام 2014، وتوسطت بشكل غير جدي بين الطرفين خلال تلك الحرب، ورفضت الأفكار لتخفيف الحصار وفتح معبر رفح إلى سيناء بعد الحرب. وفي الوقت الذي تنظر فيه المؤسسة الأمنية الإسرائيلية إلى الظروف المعيشية الخطيرة في غزة كقنبلة موقوتة يمكن أن تؤدي إلى مواجهة أخرى، فان مصر تتحرك ببطء. هذا لا يعني ان القيادة الإسرائيلية تخرج عن أطوارها كي يتم تخفيف الوضع. ولكن حتى إذا تم في نهاية الأمر دفع مناقشة اقتراح الوزير يسرائيل كاتس بناء جزيرة اصطناعية لاستخدامها كميناء قبالة سواحل غزة، فمن الصعب رؤية مصر توافق على ذلك. ويكاد يكون من المستحيل المضي قدما في هذا اقتراح من دون موافقة مصر.
قصة الحب السرية
عندما عاد وزير الخارجية المصري، سامح شكري من زيارته «التاريخية لإسرائيل» كانت تنتظره في البيت صحافة باردة جدا. وتعرض للهجوم بشكل خاص بسبب الصور التي ظهر فيها هو ورئيس الوزراء يلقيان نظرة خاطفة على المباراة النهائية لليورو على شاشة التلفزيون. هذه الصورة، التي لم تظهر في محضر اللقاء يبدو أنها فاجأت المصريين. لقد كان ذلك لعبة إسرائيلية لاظهار الشعور بتطبيع العلاقات بين البلدين. وقد ابتلع المصريون الضفدع، لأن لدى الرئيس السيسي، أيضا، مصلحة مصرية ـ داخلية، في بث نشاط سياسي يترافق بالتطبيع. وهذه الصورة أغاظت الفلسطينيين فهم يعارضون أي علامة على التطبيع مع إسرائيل قبل الاتفاق والتسوية. ولكن هذه هي القصة المحزنة للسلطة الفلسطينية إذ لا أحد يسألها. ان انتقاد الصورة يشكل دليلا آخر على الفجوة الكبيرة بين العلاقات الإسرائيلية ـ المصرية الدافئة، على مستوى الحكومتين والجيشين، والعداء المتواصل في الشارع وفي وسائل الإعلام المصري تجاه إسرائيل والعلاقات معها. لقد قرر الرئيس المصري اخراج جزء من حكاية الغرام المصرية ـ الإسرائيلية من السرية للعلن: مواصلة التستر على العلاقات الأمنية، وفي الوقت ذاته تسليط الأضواء على الجبهة الدبلوماسية. صحيح ان وزير خارجيته دفع ثمنا شعبيا بسبب القرار، لكن هذا كان مجديا، فبالنسبة للمصريين والإسرائيليين حققت الزيارة هدفها. مع ذلك، وخلافا لما نشر في صحيفة «الجريدة» الكويتية، فانه لن تحدث أي خطوة استثنائية خلال الفترة القريبة: لا مؤتمر سلام، ولا زيارة رسمية. هناك أفكار ـ في إسرائيل ومصر- حول تنظيم لقاء ثلاثي، لأن نتنياهو والسيسي يحتاجان إليه، خاصة لأغراض داخلية، لكنه في هذه الأثناء لا يوجد أي شيء عملي.
كما ان إسرائيل لن تطلق سراح 100 أسير فلسطيني صباح غد. هذا الشرط والشروط الأخرى للقاء القمة الثلاثي ـ كتجميد البناء في المستوطنات لمدة سنة ـ سمعها وزير الخارجية المصري من أبو مازن في رام الله قبل اسبوعين. كان هناك في تل أبيب وربما في القاهرة أيضا، من سره النشر في الصحيفة الكويتية كي يتم نسج صورة مخادعة مرة أخرى وكأن هناك عملية سياسية.
زيارة وزير الخارجية المصري كانت زيارة رسائل. الصحف المصرية تطلق النار والكبريت ضد تركيا، ورام الله تنفجر أامام حقيقة التفاف الأتراك عليها والتوجه مباشرة إلى غزة. ولذلك أرسل السيسي شكري إلى إسرائيل لكي يوضح لكل من يريد ان يسمع ومنهم، الأمريكيون والفلسطينيون، وخاصة حماس بأن تركيا ليست لاعبا رئيسيا وكأن لسان حال زيارة شكري يقول: في هذا الحي نحن هم العنوان.
في المقابل، حدد وزير الأمن الإسرائيلي افيغدور ليبرمان كسياسة أيضا، ان مصر هي المرساة الاستراتيجية الأكثر أهمية بالنسبة لإسرائيل في الشرق الأوسط. ليس مفاجئا ان المصريين عادوا إلى احتضانه مع نتنياهو. والأمريكيون يثيرون جنون مصر في مسائل حقوق الإنسان. الرئيس أوباما ومستشارة الأمن القومي سوزان رايس، يكادان يقاطعان مصر. إن اظهار العلاقات الاستراتيجية الوثيقة مع إسرائيل يعني مقولة مصرية لواشنطن: انظروا مدى صلتنا في المسار السياسي بين رام الله وتل أبيب.
من الواضح للسيسي ان المبادرة المصرية للحوار الإسرائيلي ـ الفلسطيني والحوار الإسرائيلي مع الجامعة العربية لا تزال في بداياتها. لقد أرسل وزير خارجيته إلى إسرائيل لكي يسمع من نتنياهو، وليس فقط من مبعوثه – المحامي مولخو- بأن الوعد الذي تلقاه قبل عدة أشهر، وقاد إلى خطابه العلني في منتصف أيار/مايو لا يزال ساريا. أي، الالتزام بحل الدولتين للشعبين والدخول إلى المبادرة السعودية مع التفاوض حول التغييرات التي تطالب بها إسرائيل. خلال الزيارة أوضحت مصر انها لا تعارض المبادرة الفرنسية وانها لا تتعارض مع المبادرة المصرية. مصر تندمج في المبادرة الفرنسية، وستقف، في الوقت المناسب، على رأس احدى لجان العمل التي تم تشكيلها لتطبيق المبادرة.
ولكن كان هناك من حاول تخريب الأجواء الجيدة بين البلدين. النشر في موقع بلومبرغ في اليوم التالي للزيارة حول مشاركة إسرائيل في الهجمات المصرية على «داعش» في سيناء، حتى وان لم يكن صحيحا، سبب ضررا كبيرا للبلدين. لقد أحرج إسرائيل، المشبوهة كمصدر للخبر، وزود محفزات أخرى لداعش للانتقام من مصر. وإذا لم يكن ذلك كافيا، فقد جاءت قصة المس بالسيادة المصرية في سيناء. لقد تم عرض الجيش المصري كمن احتاج إلى المساعدة من إسرائيل يصب الزيت على نار المعارضة للرئيس المصري والأجواء المعادية لإسرائيل في مصر.
وديع عواودة
شقيقة وأكثر
و انت الصادق عشيقة و اكثر
طب و تركيا بالنسبه لاسرائيل تعتبر ايه الشاطر من اﻻخوانجيه يعرف يجاوب ليه مكافاه منى