■ تصر التطورات التي تشهدها مصر على إضفاء الكثير من الإثارة المستحدثة على الواقع، رغم كل ما فيه من قضايا تستحق التركيز والاهتمام.
وعلى الرغم من أن بعض تلك الموضوعات تكون جزءا من الإطار الأوسع المحتمل لتهميش القضايا الأكثر أهمية، إلا أن بعض الأمور التي تقدم بوصفها جزءا من الإلهاء تستحق الكثير من الاهتمام بوصفها قضايا جدية تقدم في صورة هزلية ويراد لها أن تسقط في فخ الكوميديا والسخرية حتى تكتسب قيمتها من سابقة الحدوث والتكرار، كما هو الأمر في الاخبار المتعلقة بلاعب الكرة المصري الشهير محمد أبو تريكة.
ووفقا للأخبار المنشورة في صورتها الأولى، فإن جهاز الكسب غير المشروع أصدر قرارا بالتحفظ على أموال وممتلكات نجم النادي الأهلي، ومنتخب مصر بعد حصر أمواله والتأكد من علاقته بالجماعة الإرهابية – وفقا للقانون المصري- وأن «المستندات» التي تم التوصل إليها تؤكد امتلاك أبو تريكة لشركة سياحة تم تأسيسها وقت تولي الرئيس الأسبق محمد مرسي للسلطة، وأنها مجرد واجهة للإخوان، بما يضعه تحت طائلة قانون التحفظ على أموال أعضاء الجماعة.
يبدو الخبر وفقا للبعض جزءا من سياسة الإلهاء، خاصة أنه لم يتم الإعلان عنه للمرة الأولى في صورة بيان أو تصريح رسمي من الجهة المعنية، ولكن وفقا للطريقة المعتادة في جس النبض وقراءة ردود الفعل، وتقديم مادة للجدل مع إمكانية التراجع، من دون أن يسبب التراجع عن الخبر الإحراج للمؤسسة المعنية. في الوقت نفسه فإن الإعلان عنه بتلك الطريقة يسمح ببعض الوقت للتمهيد لإعلان القرار بعد تفريغ جزء من ردود الفعل عبر وسائل التواصل الاجتماعي، وتوفير الوقت للتعامل مع تلك الردود عند الإعلان الرسمي، كما ظهر في البيان الصادر بعد الخبر المنشور، وما أثاره من ردود فعل. وعلى الرغم من أن البيان قصر إجراء التحفظ على أموال أبو تريكة في الشركة السياحية لوجود عناصر إخوانية أخرى، فإن الخبر وما أحدثه من ردود فعل ترك الباب مفتوحا للتساؤل عن علاقة اللاعب بالجماعة وما سيحدث لأمواله وله شخصيا ان ثبتت تلك العلاقة.
وتمثل طريقة الإعلان عن الخبر وسيلة مهمة من وسائل إدارة المشهد السياسي في قضية أبو تريكة، كما في غيرها من الأمور التي تمر بمصر، فهناك مساحة من الأخبار التي لا يمكن التحقق منها مباشرة، حتى أن الأطراف المعنية بالحدث، مثل أبو تريكة في تلك الحالة، يكون عليها التعامل معه بافتراض مصداقيته حتى يثبت العكس. وبشكل عام، تعد طريقة الإعلان عن الأحداث والتعامل معها حتى مرحلة التحقق منها أو نفيها عاملا مهما في تفسير جزء من حالة السيولة والتهميش، التي يقاد إليها الواقع بشكل يصعب أن يكون عشوائيا منذ ثورة 25 يناير.
في الوقت نفسه فإن الحدث نفسه يأتي بعد أيام قليلة من احتفالات مصر بعيد تحرير سيناء في 25 أبريل، وهي الاحتفالات التي شهدت استحضار الرئيس الأسبق محمد حسني مبارك للمشهد، عبر مقابلة هاتفية مرتبة مع قناة فضائية خاصة، بوصفه بطل الحرب الذي حرر سيناء. ويقع الحديث، الذي يمكن التعامل معه بوصفه خطاب مبارك السنوي، ضمن العديد من المعطيات التي يراد منها أن يصل المتابع إلى نتيجة أساسية وهي، تأكيد «حكمة الرئيس» وأن مصر لم يكن في الإمكان أن تكون أحسن مما كانت عليه، في محاولة اسقاط الحديث عن الفساد المرتبط بالمرحلة ودورها في ما وصلت إليه الأحوال، وأنه الأكثر معرفة بالشعب وثمن الخيارات التي يمكن أن يتخذها، مع التأكيد على أن يناير «شر مطلق». أما ما أضافه مبارك في مداخلاته بعد مرحلة مرسي مقارنه بأحاديثه خلال أحداث ثورة يناير فهو، التأكيد على شر الجماعات الإسلامية وقدرته على منع وصولهم للسلطة، ومع ذكرى سيناء تضاف الإشارة إلى رغبة الإخوان في تهديد أمنها أو التخلي عنها مع السكوت عن مسؤوليته في تغييب التنمية وترك سيناء لتصل الأوضاع فيها إلى ما وصلت إليه.
ولا يكتفى مبارك بتكرار الحديث عن دوره العسكري والسياسي، الذي يعبر عن جزء من تاريخ مصر وتاريخ حكمه، ولا يكتفي بالتجاوز عن الكثير من السلبيات التي ارتبطت بتلك المرحلة، ولكنه يمتد للحاضر والمستقبل، ناصحا وواعظا وموجها للشعب عبر التأكيد على ثقته في «حكمة الرئيس» القائم ومطالبته الشعب بالوقوف خلفه «للعبور بالبلاد إلى بر الأمان». ولا يبدو واضحا من أين تأتي جدارة توجيه مبارك للنصائح في ضوء ما حققه. رغم أن الخطاب متهافت ومردود عليه من داخله، من واقع حكم مبارك الذي أوصل مصر إلى الثورة، وما أظهرته وتظهره من وقائع، فإن البعض يصر على النظر للجانب العاطفي، على طريقة أنه كبير العائلة أو الأب الذي تدفع مصر ثمن إهانته. ولا يتوقف هؤلاء، على ما يبدو، أمام مشاهد الفقر والبؤس والمعاناة التي تواجه مصر بنفس قدر وقوفهم أمام مبارك ورموز حكمه والتعاطف معهم.
يقف التعاطف مع مبارك والحديث عن براءته ورموز حكمه من معظم القضايا الأساسية، في مواجهة الحديث عن المستندات التي تؤكد تورط أبو تريكة، ليطرح الكثير من التساؤلات التي يمكن للنظام الرسمي الرد عليها بتكرار الحديث عن قدسية أحكام القضاء وعدم التعليق عليها، من دون أن يوضح الملابسات الخاصة بتلك القضايا والمستندات المرتبطة بها وتوفر العدالة فيها من عدمه.
كما يقف وفي الخلفية الكلمة المفتاحية التي يتمسك بها أنصار مبارك وهي، أنه رمز، وهنا نجد أنفسنا في مواجهة فكرة الرمز الذي شارك في حرب أكتوبر 1973 واستكمال تحرير سيناء بعدها، فأصبح المعبر عن الانتصار بشكل منفرد وتم التجاوز عن وقائع الحرب، وأنه كان جزءا من منظومة أكبر، كما تم التجاوز عن كل ما شهدته مصر من وقائع قادت إلى الثورة باسم احترام الرموز. في الوقت نفسه يقف أبو تريكة في موقع الرمز أيضا من قبل عدد غير قليل ليس بما حققه رياضيا فقط، ولكن في إطار القضايا التي دافع عنها والمواقف التي أعلنها عبر مشواره الرياضي، والتي ظلت محل إعجاب وتقدير حتى تولي وسقوط نظام مرسي، عندما سارع البعض إلى التعامل مع أبو تريكة بوصفه نموذجا مشهورا يجب استهدافه والتشكيك فيه وإسقاطه بهدف العقاب والردع لغيره. في مواجهة الرمز الأول لازالت المستندات غير كافية لاسترجاع أموال مصر ولا للمحاسبة عن ما شهدته قبل ثورة يناير، أو خلالها، ويقف في مواجهة الرمز الثاني مسلحا بالمستندات الكافية للتحفظ على أمواله أو جزء منها في خطوة يمكن أن تقود إلى خطوات أخرى.
يبدو التعامل مع خبر أبو تريكة وتصريحات مبارك ملتبسا، ولكن في حين اتفق عدد غير قليل على رصيد أبو تريكة من الحب والاحترام، اتفق عدد غير قليل أيضا على سلبية ظهور مبارك بتلك الطريقة ومحاولة تأميم إنجازات الحرب والتحرير باسمه. وفي حين يبحث البعض عن كيفية محاسبة مبارك ورموز حكمه وكيفية استعادة أموال مصر، فإن البعض الآخر يرى أن طريق أبو تريكة ومصادر ثروته كانت أكثر وضوحا، لدرجة تدعو إلى المطالبة بتقديم دلائل واضحة عن مسؤوليته عن عمليات ضد الدولة، أو دلائل مؤكدة لتورطه في مثل تلك العمليات قبل الحديث عن العقاب. وفي العمق يظل الحديث مطروحا عن دور القضاء والمصداقية التي لا يغيب التساؤل عنها رغم كل المطالبات الرسمية بعدم التعليق عليها.
تكشف تصريحات مبارك وخبر أبو تريكة عن الفجوة القائمة بين فكرة الرمز والتعامل معها بشكل انتقائي من جانب، وبين احترام القانون وتحققه أو تصديقه على أرض الواقع من جانب آخر. وتؤكد أن بناء حقيقيا لمصر يحتاج إلى درجة أعلى من الشفافية التي تتجاوز التصريحات المكررة، لأن النظم عادة ما تتحدث عما تفتقد وحب الناس الذي يتراكم عبر العطاء لا يقارن بالحب المرتبط بمقاعد السلطة، فالأول لا يرتبط بالمكان، والآخر لا يستمر بدونه، والعدل لا يتحقق بالحديث عن توفره في الأسواق، من دون الشعور به على أرض الواقع.
كما تبرز أن تهمة الانتماء للإخوان أو الاقتراب من أعمال قريبة من الجماعة كافية لاتخاذ خطوات أسرع وأوضح في العقاب عن دماء المصريين التي سالت في الثورة أو المعاناة التي امتدت لعقود. ويبدو أن الوسيلة الأسهل للشعب لضمان المحاسبة في المستقبل، أن يتأكد من أن تشمل الاتهامات الانتماء للجامعة أو التعاطف معها أو على طريقة الممثل عادل أمام في مسرحية «الزعيم» أن يتهم بالوقوف بجوار من يحب الجماعة أو يتعاطف معها أو غيرها من العوامل «الكافية» لثبات التهمة وتوفر المستندات ربما تصل بنا إلى طريق العدالة حتى إن كانت بطريقة ساخرة.
٭ كاتبة مصرية
عبير ياسين
* من الآخر: قضية ( أبو تريكة ) مفبركة وغير عادلة .
* الرجل وطني وشريف وعلى خلق .
* شكرا