مصر والخروج من الاستعصاء السياسي

حجم الخط
22

رغم أن نقطة الالتقاء والخلاف التي حشدت لها القوى السياسية المصرية المشاركة في الاحتجاجات أمس كانت موضوع «ترسيم الحدود» مع السعودية فإن أهمّيتها تكمن، عمليّاً، في أنها تنهي عملية استفراد النظام المصري بجماعة «الإخوان المسلمين» التي كانت الحركة السياسية الكبرى التي أعلنت محاولة استئصالها بدء الأزمة السياسية المصرية الحالية.
من جهتها، فإن المعارضة المصرية أعلنت أسبابها الإضافية للاحتجاج، وكان لافتاً أن حزب «مصر القوّية» عدد 15 سبباً لرحيل السيسي عن الحكم موضحا ما ذكرناه من أنه «لم يكن عار التنازل عن جزيرتي تيران وصنافير المصريتين هو الباعث الوحيد للحزب على رفض هذه السلطة»، وبين الأسباب الوجيهة التي ذكرها بيان الحزب «إغلاق باب السياسة»، و»الانهيار الاقتصادي»، و»التقارب مع إسرائيل واعتبارها حليفا استراتيجيا» و»كبت الحريات» و»عشرات الآلاف من المعتقلين داخل سجونها»، وبذلك لخّص نقاط الاستعصاء الكبرى التي يتحمّل نظام السيسي مسؤوليتها المباشرة.
تترابط هذه النقاط الكثيرة وتتجمّع في بؤرة واحدة وهي «إغلاق باب السياسة»، والتي على أساسها انبنى التأزم السياسيّ الذي ابتدأ بفرض الحلّ الأمني والقمعيّ وساهم في تأزم الوضع الاقتصادي فاستتبع، بالضرورة، العلاقة الشائنة مع إسرائيل والتضييق على الفلسطينيين في غزة، وللمعادلة المخزية: المال مقابل السياسة مع بعض الدول الخليجية، وهو ما أضاف الإهانة الوطنيّة إلى الجرح الأهليّ العميق.
أعاد نظام السيسي، في المقابل، سطوة الجيش على السياسة المصريّة، وهو أمر (مع الامتيازات والفوائد التي يمكن أن تدعم فاعليتها أموال الريع الخليجية) كان كافياً لإرضاء النخب العسكريّة التي كانت قد تعرّضت لهبوط في وزنها لصالح تحالف قوّات الشرطة والأمن مع رجال الأعمال أيام الرئيس المخلوع حسني مبارك.
جردة الاستعصاءات التي أدخل نظام السيسي مصر فيها عبر حلّه الأمني، طويلة، وتقع ضمن تفاصيلها عملية إسقاط الطائرة الروسيّة وما أدّت إليه من سحب دول العالم لسياحها، وما عناه ذلك من تراجع إيرادات السياحة (66% هبوطاً في الربع الأول من هذا العام)، وقضية الطالب الإيطالي المخطوف والقتيل تحت التعذيب والتي أدّت إلى تشويه فظيع لسمعة النظام المصري في إيطاليا وأوروبا، والحرب على قبائل سيناء تحت مسمّى «محاربة الإرهاب»، إضافة إلى استمرار حربه التي فاضت عن تيار «الإسلام السياسي» لتنال من حركات سياسية ليبرالية كـ»6 إبريل»، وفاضت عن جغرافيا مصر لتصل إلى التضييق المستمر على قطاع غزة وحركة «حماس» (وما تعنيه هذه المقاربة من مزاودة على إسرائيل في قمع الفلسطينيين)، وصولاً إلى الدور المصري في تخريب الحلّ السياسي في ليبيا ودعم حركة خليفة حفتر ورسائل الودّ إلى النظام السوري وإيران والحوثيين و»حزب الله»، بشكل يجعل نظام السيسي كلّه نقطة استعصاء كبرى في كل المنطقة العربية وليس في مصر وحدها.
ما يلفت النظر في الأزمة الأخيرة وجود دلائل على أن الاحتجاج على قرار السيسي بتسليم جزيرتي تيران وصنافير للسعودية لا يأتي هذه المرّة من جهات معارضة للرئيس المصري فحسب بل من شرائح داخل «الدولة العميقة» نفسها، ولأسباب متعاكسة تماماً مع أسباب المعارضة المصريّة للقرار، وكذلك من جهات رجال الأعمال الذين انحسر تأثيرهم بعد سقوط مبارك.
استطاعة النظام المصري، حتى الآن، حصر الاحتجاجات ضدّه وقمعها يدلّ على أن جرعات الضخّ الخليجي ووعود الازدهار واستمرار التغطية العالميّة للنظام على خلفية الحرب المزعومة على الإرهاب، والمخاوف الشعبيّة من المجهول، عوامل كثيرة قادرة على احتواء موجة الغضب الواسعة ضده.
لكن ذلك كلّه لا ينهي الاستعصاء الكبير الحاصل مما يؤهّل الوضع المصريّ لتغيير سياسي، ومجرى الأحداث منذ تنحية حسني مبارك ومحمد مرسي وصولاً إلى تعيين السيسي رئيساً يشير إلى أن النخبة العسكرية المصرية قادرة، في لحظات الاستعصاء الكبرى على ابتكار حلّ والسؤال هو: متى؟

رأي القدس

كلمات مفتاحية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

  1. يقول د. اثير الشيخلي - العراق:

    أن مشكلة قضية الجزيرتين برأيي هي ليست بسبب عادئديتهما الحقيقية ، أي كونهما تعودان الى الدولة السعودية او الى الدولة المصرية ، فذلك أمر تقرره الوثائق و مؤسسات الحكم في الدولتين ، المشكلة برأيي هو طريقة ادارة هذه القضية التي تصلح ان توثق كأفضل مثال على الفشل في ادارة ازمة او مشكلة دولية ، داخلياً و للأسباب التالية:
    • فجأة برزت هذه القضية من اللامكان لتحتل صدارة المشهد المصري دون اي مقدمات و تمهيدات.

    • من المعتاد في مثل هذه القضايا أن تبدأ الدولة التي تعتقد بملكية و تبعية اراضي لها بالمطالبة بها و تقديم الوثائق التي تدعم حججه ، و من ثم يقوم الطرف الثاني بمناقشة هذه الوثائق و التوضيح سلباً او ايجاباً من خلال تقديم وثائق مقابلة، الأمر الذي لم يحصل هنا البتة ، او على اقل تقدير لم يتم الاعلان عنه للجمهور المصري و السعودي و العربي بشكل عام !

    • جاء الإعلان مباشرة من الطرف المصري ومن اعلى المستويات ، و هو الطرف الذي تخضع له الجزيرتين حالياً و اثناء زيارة للعاهل السعودي لمصر ، و اسلوب الإعلان لم يسبقه كما ذكرت اي مطالبة سابقة من الطرف السعودي ، و لم يمهد له اي اعلان من الطرف المصري ، بل انه ربما 90% من الشعبين و الشعب العربي بالمجمل لم يسبق له ان سمع بهذه القضية بالأساس، و بما ان السعودية تمثل الخزنة المأمولة و الممتلئة دوماً لمصر ، فقد بان الأمر و كأنه بيع وشراء ، و ان صفقة مادية قد جرت خلف الكواليس تم فيها بيع ارض ، وهو اسوء ما يمكن ان تتهم به قيادة بلد ، اي بلد ، و خاصة بسوابق التسريبات التي اطلق فيها السيسي نفسه مصطلح زي الرز على الأموال الخليجية (المتلتلة!)

    • زاد الطين بله ، تخبط بعض المعنيين و المختصين بأمر هذه القضايا الجيوسياسية ، من الخبراء المصريين الذين استضافتهم برامج التوك شو ، و لهم مكانة مرموقة قبل هذه الاستضافات ، و اذا بهم يصرحون بمصرية الجزيرتين بالقطع ، ثم ينقلبون 180 درجة بعد ساعات ليعلنوا سعودية الجزيرتين و بطريقة افقدتهم اي مصداقية متبقية ، و كشفت عن دور القيادة العليا الواضح في الضغط على هذه الشخصيات ، او استخدام ضغوط دول اخرى مقيمة لديها تلك الشخصيات ، مما رفع درجة الشك في عائدية هذه الجزر الى الحد الأعلى لدى الجمهور ، و أكد له على الأقل ان هناك شبهة بيع للأرض ، و استفادة مادية صرف في صفقة تحمل من الشبهات الشئ الكثير!

    • توج ذلك كله ظهور السيسي ، و محاولته لتوضيح الأمر بطريقة غير مسبوقة لرئيس سابق على الاطلاق مصري او غير مصري ، عندما بين ان دوافعه لذلك هو توجيهات و نصائح السيدة والدته عندما كان صغيراً ، و من ثم رفضه لأخذ اي سؤال حول الموضوع من الحاضرين او مستقبلاً ، مما كرس اسلوب ديكتاتوري في ادارة هكذا ازمة خطرة ، لم يستشر فيها اي احد من الشعب المصري او ممثليه على الأطلاق.

  2. يقول محمد حاج / الاردن:

    لم يثبت نظام السيسي الا بفعل تآمر الدول المحيطة على الشعب المصري ودعم نظام انقلابه بمليارات كانت تكفي لتحرير القدس من أيدي الصهاينة . لكنه الظلم والطغيان على الشعوب المقهورة .

  3. يقول UK:

    السيسي يحظي علي شعبية كبيرة لان المصريين قررو ان لا يكونو مثل دول الجوار و اخص عراق سوريا و ليبيا

    1. يقول د. اثير الشيخلي- العراق:

      عزيزي يو كي و لا اعلم لم التوقيع بأحرف اختصار المملكة المتحدة و ليس أسم حتى و لو غير صريح ! و لست معتاداً على توجيه الكلام لأسم غير صريح ، لكن حقيقة جذبني ذلك التناقض في مهاجمتك للسيسي بسبب ما اسميته بيع الأرض و بعد ان كنت تؤيده كما ذكرت سابقاً و قلت كل شئ الا الارض ،ثم عدت هنا و بالذات في هذا المقال لتدافع عنه بإستماته!
      سيدي العزيز ،بعيدا عن انخفاض كفاءة الرجل و ثقافته و اللتان لا تصلحان البتة لرئيس بحجم مصر العظيمة ،و بعيداً عن الأسلوب الأنقلابي الذي جاء به الرجل ،فإن الأرفام لا تكذب ، و خلال عهد السيسي فقد الجنيه المصري و هو مؤشر عصب الحياة نصف قيمته بالضبط و في انحدار ، و بالتالي ثق يا عزيزي ان حال مصر ليس بأفضل من الدول التي ذكرت ابداً ان لم تكن مؤشرات التحسن هناك ايجابية ، و مؤشرات الإنحدار في مصر سيئة الى ابعد الحدود.
      تقبل تحياتي

    2. يقول Harry / UK:

      د. اثير الشيخلي- العراق,,, اعتذر عن عدم وضع اسمي من قبل لاني لم اتوقع سوي اعلق و لم اكن اتوقع ان اكتسب صداقات ,,, عزيزي انا مازلت عند رائئ بعد لما تنازل عن ارض بلادة و لم اعد ادعمة ,, ما كتبتة كان اراء مصريين اصدقاء و اقاربهم ,, دعمت السيسي حتي لا تسقط مصر و للاسف الاخوان سببو كثر من الدم و هرب قياتهم و توريط الغلابة محدودي الثقافة و تعريض حياتهم لخطر حتي هم يحققو مكاسب سياسة ,, دعم لية انتهي اؤكد ذلك ,,, لك احر تحيات

    3. يقول د. اثير الشيخلي - العراق:

      شكراً عزيزي Harry /UK

      لست من الأخوان و لأ اظن اني سأكون يومأً ، لأن طبيعتي لا تتلائم مع التحزب ، و اعتبر الحزب الإسلامي في العراق الذي يدعي انه ينتسب الى جماعة الأخوان المسلمين ، احد اسباب تحطيم بلدي ، و من اكبر الأحزاب انتهازيةً في استغلال عملية سياسية ساقطة صنعها الإحتلال على عينيه!

      ذكري عدم انتمائي للأخوان ليس دفع لتهمة كما يفعل الكثير هذه الأيام ، لكن هي الحقيقة وحتى لا يأتي من يفسر كلامي اللاحق بأنه صادر من متحيز لهذه الجماعة ، وانما استطيع اعتبار نفسي متابع جيد لتأريخ هذه الجماعة و فكرها

      ما ذكرته أخي الكريم ، هو ما يروجه اعلام السيسي و مؤيديه و لا يمت للواثع بصلة البتة ، يبدو من خلال تعليقاتك انك شخص تبحث عن الحق و ان وجدته لا تتردد في العودة اليه.
      لا يوجد اي اثبات (حقيقي و ليس ملفق) يثبت ان الأخوان تسببوا في اي دم ، العكس هو الصحيح ، هذه الجماعة و رئيس حزبها فازت في 5 استحقاقات انتخابية حقيقية غير مزورة (كما هو حال انتخابات السيسي ، ذي اللجان الفارغة) و وصلوا الى السلطة بهذا الطريق الشرعي ، اختلفنا معهم سياسياً او فكرياً او اتفقنا ، هم مثل اي فصيل سياسي آخر ، لديه برنامج يريد ان ينفذه عند وصوله الى السلطة ، و لديه فترة الحكم المحددة دستورياً ، ان نجح كان بها و ستمثل تكأة و سبباً لأنتخابه من جديدة ، و إن فشل ، يغيره الشعب بنفس الوسيلة التي جلبه بها و لكن ضمن الفترة المتفق عليها و الإنتخابات طالما جنابكم يعيش في دولة تعتبر مهد ديمقراطية العصر الحديث ، هي عقد اجتماعي سياسي بين الحاكم و الشعب.
      كل التهم التي اتهم بها الرئيس مرسي ، تبين بطلان اغلبها و الأغرب ان السيسي ارتكب اسوء منها و بالفعل و الواقع!

      اتهم الرجل مثلاً بأخونة الدولة ، و تبين ان مجموع الوزراء من الأخوان هم 5 من 33 ، علماً انه من الطبيعي جدأً ان يأتي فصيل فاز بالحكم بمنفذين لسياسته من فصيله هو كونهم من يؤمنون بالبرنامج الذي وعد فصيله الشعب بها و فاز بالأنتخابات على اساسها!

      قيادتهم يا سيدي لم تهرب ، بل جميعها لغاية الخط الثالث في السجون يعانون و من كبار قادتهم من استشهد حتى ابناء لهم و سجنوا و عذبوا ، لا لسبب سوى ان ذنبهم الوحيد انهم فازوا بتلك الاستحقاقات الانتخابية!

      الحديث يطول و المجال لا يتسع ، ارجوك اطلع على الأمور من مصادر محايدة و موضوعية و ستجد للقصة وجه مختلف تماماَ

      خالص تحياتي

    4. يقول الكروي داود النرويج:

      سأصحح لك يا عزيزي هاني ما كتبت بعد إذنك
      ” السيسي يحظي علي شعبية كبيرة لان المصريين ” : يخافون بطشه
      مع تحياتي ومحبتي وإحترامي لك وللجميع
      ولا حول ولا قوة الا بالله

    5. يقول Harry / UK:

      عزيزي الكروي داود النرويج ,,, ههههههههههههه حلوة و حطيت اسم عشان عيونك

    6. يقول الكروي داود النرويج:

      تسلم عيونك يا عزيزي هاني
      هل سمعت عن السم الهاري ؟
      لذلك فإن إسم هاني لا خطر منه
      ولا حول ولا قوة الا بالله

  4. يقول نمر ياسين حريري ــ فرنسا .:

    كل المشكلة تكمن في كيفية ايجاد وسيلة للتخلص من حكم العسكر منذ سنة 1952 والذي يتعامل مع مجتمعاته باعتبارها ثكنات عسكرية الواجب الاول فيها هو في اطاعة اوامر القيادات الحاكمة والا المسألة وبالطرق البوليسية القمعية .

  5. يقول م . حسن .:

    إغلاق باب السياسة يعني عودة ديكتاتورية الرجل الواحد , وهيمنة القوى الأمنية علي حكم البلاد , وترسيخ التبعية للخارج . كما يعني تغييب إرادة المصريين في حكم يراعي حقوق الإنسان , وتكرار للتفريط في السيادة كما حدث مع إتفاقية العار في كامب ديفيد . التنازل عن جزر مضيق شرم الشيخ للسعودية , بدون تحكيم يزيل الشكوك , يمثل تهديد للأمن القومي المصرى , وفي حالة نشوء نزاع مع إسرائيل , يمكن للسعودية أن ترفض إغلاقة , بسبب الغموض في موقفها من تل أبيب .

1 2

إشترك في قائمتنا البريدية