حظيت مداخلة الرئيس السيسي مع الإعلامي عمرو أديب على قناة «القاهرة اليوم» باهتمامٍ واسع من قبل الجمهور والمتابعين والمحللين، وقد جاءت في سياق ذكرى ما يزيد على السبعين شهيداً سقطوا صرعى في أحداث استاد بورسعيد، وبوجهٍ أخص في أعقاب تجمع أفراد «ألتراس « الأهلي لإحياء الذكرى.
الأهم حقيقةً في تجمعهم هو تأكيدهم على أنهم لن ينسوا ولن يسامحوا ولن يتصالحوا مع من يرونهم جناةً ومسؤولين عن ذلك، معبرين بهتافهم ضد المشير طنطاوي والمجلس العسكري، ومطالبتهم بسقوط حكم العسكر.
ربما شكل ذلك الاتصال لفتةً لطيفة ونوعاً من التجديد «خفيف الظل» في شكل مؤسسة الرئاسة، نوعا من «النيولوك»، ربما، إلا أن الأكيد أن ما قاله الرئيس يعكس حالةً من القلق والتوتر باتت تسيطر على أعصاب هذه المؤسسة، بقدر ما يشكل «رأيه» عن الدولة التي أضحت «أشلاءً وبقايا» نوعاً من الاعتراف بما كانت تذهب إليه وتؤمن به قطاعاتٌ واسعة من المثقفين المعارضين للنظام، التي انحاز لرؤيتها ملايين الناس إبان 25 يناير. الأكيد أيضاً أن تلك المداخلة جاءت متوجةً لسلسلة من المهازل والتعديات الصارخة، التي باتت تشكل مادة الحياة اليومية رافعةً سقف العنف والدم وموسعةً دائرة العبث واللامعقول، من عينة احتجاز رسام الكاريكاتير إسلام جاويش، ثم إطلاق سراحه في واقعةٍ ترسخ معاني العبث والتخبط، ومن ثم الاعتداء على طبيبين في مستشفى المطرية من قبل أمناء شرطة وتلفيق تهمٍ لهما بصورة فجة استدعت للأذهان شخصية «حاتم» التي جسدها الراحل الموهوب خالد صالح في فيلم «هي فوضى».
على كلٍ هي فوضى بالفعل، فوضى تطال كل شيء وكل مناحي الحياة وكل المؤسسات، والرئيس الذي لا يفوت فرصةً وإعلامه لتذكيرنا بأن مصر يكفيها غايةً من وجودها، أنها أفضل من سوريا والعراق (حتى الآن على الأقل)، هذا الرئيس الآن إذ يحاول (أو يتظاهر بمحاولة) احتواء الموقف، إنما يؤكد عمق الأزمة التي تعتصر نظامه ودولته، هو يقرر أن الدولة آخذةٌ في التحلل منذ نكسة 67، وقال ما معناه إنه لا يريد أن يكاشف الناس بمدى الانهيار ليعفيهم من الضيق وصدة النفس والكآبة. لن أزايد عليه ولن أجادل معه في التواريخ، فخمسون سنةً، نصف قرن، تبدو لي فترةً طويلةً بما فيه الكفاية ولا تحتاج إلى تعليق، فترة من الطول تكفي لتكون حجةً على أي نظامٍ ودليل إدانة، هو يسعى للتقرب للناس وتبييض وجه نظامه مبرهناً على مدى صعوبة مهمة ترميم الدولة المفتـــتة المنهـــارة، بحسب اعترافه، تحاور الناس وتجادلوا عن دقة تواريخه وتصويره لحال التردي، عن مدى شجاعة اعترافه وصعوبة مهمته، وقد لامه البعض على إحجامه عن المكاشفة التامة، لكن يبقى السؤال الأهم غير مطروح: هل في الإمكــــان إنقاذ هذه الدولة المفتتة المنهارة بعد كساح نصف قرن؟ والأهم: هل هذا نظامٌ بانحيازاته وهــذه دولة تستحق الإنقاذ؟ أم من الأصـــوب والأجدى تركها تنهار وبناء نظامٍ جديدٍ يمثل فعلــــياً حجم الطبــــقات، وينحاز إلى مصالح الناس الحقيقيين، عوضاً عن النصف في المئة ويعيد تنظيم علاقات الإنتاج؟ هذا هو السؤال وتلك هي المسألة، وعلى ضوئهما تتحدد المواقف وتتباين الرؤى ويهتدي التحليل.
الحوادث واضحة، جلية بينة، لكن تدبر مغزاها من دون تعسف أكثر من كاشف لمؤشرات ودلالاتٍ غاية في الخطورة؛ كذلك الأمر في مداخلة الرئيس. ما أقدم عليه الألتراس يزعج القيادة السياسية بشدة: هم لم يتوقعوا ذلك ولم يحتسبوه، فقد تصوروا أن سياسة القبضة الحديدية بما تستتبعه من ملاحقةٍ للناشطين وحملات المداهمة والاعتقال والاختطاف الموسعة كفيلة بالسيطرة على الموقف وتحجيم المجال العام، ومن ثم مصادرته، وأن أبواقهم الإعلامية سيدت سردية المؤامرة، حتى جاء الألتراس يرسلون سهاماً واضحة: الحق لن يطمس والدم لن ينسى وإدانة المتورطين في القتل لن تتراجع في الذاكرة ولن ينال منها الصدأ، وأن الشرارة قد تأتي من حيث لا يحتسب النظام، وهو الأخطر، لقد أبرزوا تلك الجذوة المتقدة تحت ما كان يحسبه النظام رماداً متخلفاً من ضرام 25 يناير، لن يلبث أن تذروه الرياح. كانت صدمةً مؤلمةً للنظام، ولئن كان حبس إسلام جاويش وإطلاق سراحه يفضح حالة التخبط والارتباك التي تسيطر على أجهزة أمنٍ متضاربة ومنفلتة، فإن ما حدث مع طبيبي مستشفى المطرية يؤكد في تكرارٍ بات مملاً مدى شهوة الدم والانفلات المتبجح الذي يستبد بمنظومة أمنٍ لم تفهم الدرس أو تتعلم منه، إزاء كل ذلك التخبط والانفلات الأمني الذي يحرج النظام لا تملك سوى أن تشك في وجود أجنحةٍ متصارعة في السلطة.
هي أجواء يناير، أجواء يناير أشعر بها، فكل محاولات الإصلاح والنصائح من بعض السذج المخلصين لم تعد شيئاً فشيئاً لتثير سوى ابتساماتٍ تمتزج فيها السخرية بالرثاء.
ثمة شيءٌ أكيد وراء كل ذلك: هذه الدولة غير قابلة للإنقاذ، تماماً كما قلنا من قبل، إن القائمين عليها لم يفهموا الرسالة، أو على أقل تقدير تغلبهم شهوة الدم والانتقام. ربما أصاب الرئيس السيسي حين أدرك أن الدولة كانت على وشك الانهيار أو تنهار بالفعل حين اندلعت 25 يناير، لكنه لم يفهم السبب ولم يضع يده على العلة، ولا عجب فهو شخصياً دليلٌ على المشكلة وابنها، لم ير أو يدرك أن هيكل الدولة المعسكرة وطريقة تجنيد وتوظيف كوادرها بمركزيتها المفرطة، التي تضع كل الخيوط في قبضة الرئيس المستندة إلى قلبٍ أمني، هذه الدولة التي تسمع وتطيع «لساكن القلعة « ولو كان قرداً، هذه الدولة التي قدمت أبداً أهل الثقة والولاء، أصحاب الحظوة على أهل الخبرة، ذلك النظام المجبول من انحيازاتٍ لشللٍ وأسرٍ تتشابك منخرطةً في منظومةٍ نيوليبرالية نهبيةٍ جشعة تجرف كل شيء ولا تنتج سوى الفقر والعوز والعنف، (ليس هذا بموضوع إنشاءٍ وإنما واقع من دم)، هذه الدولة انتهى عمرها الافتراضي منذ زمنٍ بعيييييد، استمرارها في المقام الأول نتيجة الضربات الأمنية وتجريف الحياة السياسية كما نعلم، إلا أنها هي الأخرى مرهقة، مؤسساتها خربة، بيروقراطيتها مترهلة ومنعدمة الخيال، قادرةٌ على عرقلة وشل أي تحرك، كل هياكلها ينخرها السوس، وما محاولة إنقاذها إلا محض استنفادٍ للطاقة في قيعان اللاجدوى، هذا بفرض صدق النوايا، فالانحيازات مازالت كما هي ومحاولة تغيير الدم المزعومة تتم بكوادر من المؤسسات نفسها، تمادٍ في العسكرة لحل المشاكل التي قادت إليها العسكرة، ولا عجب إذن من النتائج التي ما تني تبدد سحب التفاؤل، فالإخفاقات متكررة والتخبط بين، شهداءٌ كل يوم في سيناء التي ليس من شاهدٍ على سيطرة النظام عليها، رغم الضربات العنيفة الدموية، الاقتصاد يئن،
فلنكف عن الضحك على أنفســــنا ولندرك حصيلة نصف القرن (التي أشار إليها الرئيس) وليس فقط الخمس سنوات الماضية: تلك دولةٌ رثةٌ رثة، والتطويل في عمرها تطويلٌ للآلام المخاض وضريبة التغيير الآتي لا محالة، طال الزمان أم قصر.
٭ كاتب مصري
د. يحيى مصطفى كامل
الدولة المصرية سقطت في نكسة حزيران 1967
فبالإضافة للهزيمة العسكرية خسرت مصر حريتها
وكأن الشعب المصري السبب في هزائم أولئك العسكر
ولهذا يعوض العسكر عقدة النقص عنده بالإنتقام من الشعب
ولا حول ولا قوة الا بالله
انها تشبه نهاية الدولة العثمانية في الحرب العالمية الاولى،عندما أطلقوا عليها اسم الرجل المريض،وهاهي مصر الان الرجل المريض،
تحية طيبة للسيد الكاتب ؛
نحن الآن فى يوم 24 يناير بإمتياز ، ولكن كم القهر والظلم والغباء والفساد والأستبداد والتعذيب والاغتصاب والقتل اكثر بآلاف المرات !!
كل الظروف مهيأة للبركان او الزلزال او الانفجار الذى لن يمنعة قمع بلطجية الشرطة ولا قهر شبيحة الجيش، المسألة مسألة وقت !!
نهاية الكابوس اللى احنا عايشيين فية دة أصبحت اقرب مما تتخيل ، بل اقرب مما نتصور نحن !
اعجبتى جملة ..
ان الدكر وميليشيات الاعلامية لا يفوتوا الفرصة لتذكيرنا بأن مصر يكفيها غاية من وجودها انها افضل من سوريا والعراق !!
ولكنى لا اعتقد انها افضل !
مصر هى الدولة الوحيدة ،،،بين كل دول حوض التوسط،،،التى حظيت
بعشرات الموءامرات والمخططات واللطمات واللعنات من اجل تدميرها
وتفتيتها وتفكيكها،،،من قبل كل الاستراتيجيين الأمريكان ،،،بداية
من جورج كينان ،،السفير الأمريكى السابق فى موسكو،،وحتى
اليوم،،،دة كان ومازال حلم أمريكا،،لأنة فى انهيار مصر يصبح من
السهل تحقيق كامل الهيمنة على كل مقدرات شعوب شمال افريقيا
وباقى بلاد العرب ولتكن كلها جمهوريات موز مسعمرة أمريكيا،،،
ولهذا تحول كل قيادات مصر،،،طوال ال٧٠ سنة الماضية الى عساكر
شطرنج بين أصابع ماما امريكاً،،وكان الجيش المصرى هو وحدة اللاعب
المزعج امام مخططات أمريكا وحبايبها،،ولاكن وللعجب مصر بخير،