عندما نشرت صحيفة تقريرا يؤكد على رفض الفريق أحمد شفيق الإعلان عن دعم الرئيس عبد الفتاح السيسي في الانتخابات، وأكدت على أن شفيق لا يتمتع بكامل حريته ويخضع للإقامة الجبرية، قامت صحيفة أخرى بنشر خبر تحت عنوان كبير يؤكد على دعم شفيق للسيسي. وظهر واضحا أن الإعلان المدفوع الذي نشره حزب الحركة الوطنية المصرية، الذي يرأسه شفيق في إحدى الصحف، وأعلن فيه عن دعم السيسي في الانتخابات، يمثل عاملا مشتركا في الحالتين، ولكن في حين اعتمد الحديث عن رفض شفيق على حقيقة أن الإعلان لم يحمل اسمه، ولكن حمل اسم أمين عام الحزب، تجاهل الخبر الثاني تلك النقطة وأكد فقط على نشر الإعلان، وعلى رئاسة شفيق للحزب معتبرا أياها دليلا كافيا للحديث عن دعم شفيق للسيسي في الانتخابات.
قد يرى البعض أن الحدث مجرد هامش صغير وسط تفاصيل المشهد المعقد الذي تعيشه مصر، خاصة أن شفيق خارج دائرة التأثير ولا يتصور – في ظل الأوضاع القائمة – أن يمارس دورا حقيقيا في المستقبل القريب. وإن كان تجاوز لحظة الانتخابات من أجل دعم السيسي علنا والحديث عن مميزاته وغيرها من الأمور، فلا يتصور أن تتم الاستعانة به في أحداث أخرى تحتاج إلى أصوات داعمة ومؤيدة في ما بعد الانتخابات، ولكن الحدث في جوهره يعبر عن الكثير في ما يتعلق باللحظة وأسلوب إدارة الدولة.
ومن أجل توضيح بعض أجزاء الصورة، لا بد من استحضار حدث آخر ظهر واضحا ومثيرا للكثير من التساؤلات على وسائل التواصل الاجتماعي والمواقع الإخبارية التي نقلته خلال فترة الانتخابات، رغم أنه لا يرتبط بها. والحدث كما تم نشره على أكثر من موقع وجهة يتعلق بقتل العقيد طيار حربي تامر صفي الدين في الإسماعيلية بعد أن صدمته سيارة مسرعة يقودها نجل مدير إدارة مكافحة المخدرات، وما حدث بعد هذا من محاولة تغطية الحدث وتحميل المسؤولية على الضحية، الذي كان يرتدي ثيابا مدنية لا تكشف عن خلفيته العسكرية. وبعد أن تم ترتيب الأوراق بطريقة تجعل الضحية سارقا للسيارة، تم اكتشاف حقيقة شخصيته وتدخلت القوات المسلحة، وتم تحويل الموقف إلى النيابة العسكرية، بعد تطورات تتعلق برد فعل زملاء العقيد وما نشر حول وقوع اشتباك بين البعض منهم وأفراد قسم الشرطة الذي قام بترتيب الأوراق بتلك الطريقة مراعاة لوالد الجاني.
الواقعة التي لم تتعرض للنفي بعد، تحمل سمات النظام في مصر على مدار عقود، ولكن في صورة شديدة الوضوح وكأنها مشهد من فيلم. فالنقطة الجوهرية التي مثلت كل الفارق الدرامي، هي لحظة اكتشاف أن القتيل ليس مجرد مواطن، ولكنه مواطن ينتمي لمؤسسة لديها من المكانة والقدرة ما يمكنها من أن تمارس دورا خاصا في الدفاع عن الشخص الذي ينتمي لها، أو بمعنى أصح عن مكانتها في اللحظة ومن أجل المستقبل. في الوقت نفسه، فكرة أنه عقيد طيار حربي تجعل الأمر حتى داخل المؤسسة التي ينتمى لها في مكانة أعلى من الأهمية، مقارنة بوضعه إن كان في رتبة أقل ربما. نحن أمام تنويعات داخل الوطن الواحد بين مؤسسات وداخل تلك المؤسسات، والضحية الحقيقية هي فكرة المواطنة وقيمة الإنسان.
هنا تثور مرة أخرى قضية الفريق شفيق، الذي يحمل من المكانة ما يجعل له قيمته داخل المؤسسة التي ينتمي لها، كما أنه تولى من قبل أدوارا سياسية عديدة وترشح للمنصب الأعلى وهو منصب رئيس الدولة، قبل أن تتوالى التطورات ويختفي ويظهر ويختفي. على هامش القصة الأولى التي تحدثت عن رفض شفيق إعلان موقف مؤيد صريح وعلني عبر الظهور على قناة من القنوات، أو حتى الاتصال وإعلان دعمه عبر تلك القنوات، أثيرت قضية القبض على الفريق سامي عنان والتحقيق معه والاتهامات التي تثار في ما يخصه، واعتراض شفيق على ما حدث. وإن صح ما أعلن عن موقف شفيق، فإنه يقف في مواجهة فكرة التعامل مع قيادات عسكرية لها مكانتها بتلك الطريقة، وربما لا يقبل بتقديم كل ما لديه للنظام، من دون أن يملك القدرة على الدفاع عن نفسه، إن تم تصعيد الاستهداف ضده، مع تصوره أن النظام تجاوز بعض الخطوط الحمر في التعامل معه ومع عنان. وهو ما يطرح السؤال لماذا تم التعامل مع شفيق وعنان بتلك الطريقة، وليس كما يحدث أو يمكن أن يحدث في حالة العقيد تامر صفي الدين؟
تبدو الصورة هنا في مساحة السياسة وتقسيم الأدوار، أكثر من أن تكون مجرد مؤسسة ومكانتها ضمن المؤسسات. فما بين عنان وشفيق من جانب، والعقيد طيار حربي تامر صفي الدين، مساحة تتعلق بدور المؤسسة ومن ينتمي لها في علاقات القوى القائمة، وإن كان شفيق وعنان جزءا من صراع السلطة، والوقوف في وجه فكرة المرشح العسكري الوحيد، فإن العقيد تامر تعبير عن توازنات بين مؤسسات أو طرفي السيطرة على القوة واستخدامها ممثلة في الجيش والشرطة، أو وزارة الدفاع والداخلية. تعبر كل تلك التفاصيل بكل ما تحمله من اختلاف في المعنى والتناول عن تقسيمات ترتبط بالسياسة وتوزيع الأدوار والحفاظ على المكانة في مواجهة الآخر. هي صراع على النفوذ والمكانة لا يتعلق بالمواطن، ويظل السؤال الذي يتداول على وسائل التواصل الاجتماعي، وفي التعليقات مطروحا وبقوة، كيف كان سينتهي الأمر في حالة كان ضحية حادث السيارة هو تامر صفي الدين المواطن، وليس العقيد طيار حربي؟ وكم من مواطن تعرض ويتعرض لمثل تلك المعاملة؟
بالطبع يمكن أن نتذكر الكثير من التفاصيل بما فيها المجموعة التي تمت تصفيتها وأعلن أنها عصابة خطف الأجانب، قبل أن يتم اكتشاف أن السيناريو الذي حاولت الداخلية إخراجه لغلق ملف الطالب الإيطالي جوليو ريجيني، ليس منطقيا، وأنه لا وجود لتلك العصابة. وهناك مجدي مكين الذي مات ضحية للتعذيب ورتبت الأوراق لتؤكد حيازته على أقراص مخدرة وأنه مسلم مخالفة للحقيقة. تقف تلك الأحداث على هامش أجواء الانتخابات التي يحاول البعض أن يربطها بالشهداء والثورة والكرامة والوطن، وكأنها علامات استفهام في نهاية العبارة وربما علامات تعجب وتعبير عن عدم التصديق وإدراك حالة التناقض القائمة بين المتحدث وحديثه من جانب، والمتحدث والحديث والواقع من جانب آخر. وفي سياق الهوامش نفسها يقف الوطن نفسه في مساحات متناقضة، ما بين ارتفاع الأسعار والمعاناة القائمة والضغوط الاقتصادية المتزايدة وخفض الدعم ورفع الأسعار، في الوقت نفسه الذي يتم الإعلان فيه عن قروض من أجل إنشاء أحياء جديدة في العاصمة الجديدة، ومنها أعلى برج في إفريقيا. ولا تعرف تحديدا ما قيمة مبنى في مواجهة الواقع بكل تفاصيله والمعاناة التي لا يمكن إنكارها، وما هو الإنجاز الحقيقي المترتب على تلك الألقاب التي يتنافس فيها النظام مع الماضي ومع نفسه، وهو يحاول إنشاء أكبر مبنى وأعلى مبنى، في وقت تعاني فيه الطرق والسكك الحديد والتعليم والصحة وغيرها من القطاعات، التي أكد الرئيس نفسه أنها غير موجودة، إن نظرنا لها بمعيار الدور والجودة. وما قيمة الحديث عن مشاريع بالآلاف إن كان الوصول والإحساس بها بالنسبة للجماهير والوطن غير قائم، وإلى أي مدى يمكن لمقابر الذاكرة أن تحرر جزءا من مسؤولية النظام عن تلك القروض والمعاناة التي تتزايد في الحاضر والمستقبل، ويدفع ثمنها مواطن اللحظة والمستقبل، وإلى أي مدى يمكن أن تساهم تغذية الكراهية والخوف في تمرير تلك المعاناة والصمت في مواجهتها؟
وفي اللحظة نفسها التي نتحدث فيها عن الوطن، ويكرر البعض حديث تحيا مصر ثلاث مرات، وكأنها كافية للتجاوز عن أحاديث «مش قادر أديك» و»أحنا فقرا قوي» و»أشباه دول» وغيرها، يطل علينا خبر عن لقاء بين الرئيس المصري والرئيس السوداني يتوقع أن يكون ضمن القضايا التي يتناولها الحديث عن مثلث حلايب والاتفاق على إدارة مشتركة للمنطقة، ولا تعرف تحديدا كيف تربط كل هذا بالحفاظ على الكرامة والاستقلالية والسيادة والحفاظ على الدولة المصرية. كيف يستقيم قسم الحفاظ على مصر، مع السماح الرسمي بالمشاركة في الإدارة، وكأنه اعتراف بوجود حق سوداني في حلايب؟ وكيف يستقيم مع التنازل عن تيران وصنافير؟ وكيف يستقيم مع ما يحدث في سيناء وتزايد التسريبات والتصريحات المقبلة من خارج مصر عن مخططات صفقة القرن أو تسوية القضية الفلسطينية على حساب مصر؟ وكيف يستقيم مع التنازل عن حقوق مصرية في حقول الغاز في البحر الأبيض المتوسط، وعرض المزيد من الشركات للبيع وغيرها الكثير من التساؤلات، المتعب طرحها والتفكير في الواقع وتطوراته على هامشها، والأكثر خطورة التفكير في الخطوات المقبلة، عندما ينتقل الأمر إلى مساحة العلن والفعل ونسمع تسريبات أو أخبارا بعد الاتفاق كما حدث مع تيران وصنافير.
مع انتخابات وتفويض جديد تبدو الأخبار عن مطالبة أصحاب المحال التجارية وغيرهم بالمشاركة في الحشد، عبر وضع ونشر إعلانات دعم وتأييد للرئيس والنقد الذي تتعرض له من قبل البعض بوصفها نوعا من الإنفاق غير الضروري وغير المنطقي وسط الفقر والحاجة والانتخابات المعروفة نتيجتها سلفا وكأنها مجرد هامش. فإن كان ما سبق يتسق مع البحث عن التفويض، فإنه يتسق أيضا مع حقيقة أن مصر نفسها تدفع الكثير وما تدفعه يتجاوز تكلفة إعلان على واجهة محل مهما كانت معاناة صاحبه.
كاتبة مصرية
عبير ياسين
إذآ كان رب البيت بالدف ضارب .. شاهدنا علي يد الحاكم الملهم أولآ ضرب العدالة وتسييس القضاء وشاهدنا قضاة بعينهم يحكمون بالباطل والظلم ..رأيناهم يبرأون مبارك وكل شلته وفي المقابل حبس شباب الثورة ظلمآ وعدوانا وتلفيق تهم .. ثم أتوآ زوار الفجر مثل الزمن الذي ولي ولكنه عاد بكل قوة وجبروت .. عواد باع أضه وطظ وبلطجة ضد حكم المحكمة العليا .ثم باع مياه النيل .. وزج بالجيش في سيناء ليدمر رفح والمنطقة الحدوديه ويهجر أهلنا ..؟؟؟؟ والآن يعمل تمثيلية إنتخابات مشروخة حتي لدي الغرب .. لم ينزل أحد من الشعب ولله الحمد وفضيحه بجلاجل ..شاهدنا مهزله وسيشهد التاريخ علي أفاعيله .