مصير العرب بين منتجعي «سوتشي» و«كامب ديفيد»

حجم الخط
12

يبدو تتبع رحلات وزير الخارجية الأمريكية المحمومة من بلد إلى آخر، أمراً صعباً لكنّ تحليل هذا المسار الجغرافي المعقد قد يكون مفيداً لفهم أين تتجه إدارة الرئيس الأمريكي باراك أوباما في العالم، وكيف سيكون انعكاس ذلك على العرب.
بعد لقائه بوزراء خارجية الخليج العربي في باريس يوم الجمعة الماضي للتحضير للقمة الخليجية ـ الأمريكية (التي تبدأ اليوم في واشنطن وتنتهي غدا في منتجع كامب ديفيد) توجه جون كيري إلى منتجع سوتشي على البحر الأسود للقاء الرئيس الروسي فلاديمير بوتين.
بعد ذلك سيذهب كيري إلى تركيا ليحضر اجتماعاً لحلف دول شمال الأطلسي (الناتو) ثم يطير مجدداً إلى واشنطن ليحضر مأدبة على شرف زعماء الخليج العربي يذهب بعدها إلى الصين وكوريا الجنوبية.
لا نتوقّع أن يتمكن القادة العرب من التمتع بمناظر المنتجع الشهير الذي سمّاه الرئيس الأمريكي الراحل فرانكلين روزفلت «شانغري ـ لا» تيمناً بالفردوس التيبتي المفقود الذي ورد ذكره في رواية لكاتب إنكليزي، والذي التقى فيه برئيس الوزراء البريطاني ونستون تشرشل عام 1943 للتخطيط لغزو الحلفاء لأوروبا، كما شهد أحداثاً تاريخية أخرى كزيارة الزعيم السوفييتي نيكيتا خروتشوف.
وإذا كانت ذكريات العرب الطاغية على اسم كامب ديفيد تذكّر بمرحلة «السلام» المصري مع إسرائيل وانفكاك «الشقيقة الكبرى» عن العرب، وبمحاولة تل أبيب إخضاع الفلسطينيين خلال اجتماع ضم الرئيس الأمريكي بيل كلينتون والرئيس الفلسطيني ياسر عرفات ورئيس وزراء إسرائيل إيهود باراك عام 1990 وباء بالفشل، فإن سوتشي، لمن لا يعلم، تذكّر المسلمين الشركس بمذابح دموية هائلة تعرّضوا لها في القرن الثامن عشر دفعتهم للهروب الجماعي بدينهم إلى تركيا وسوريا والأردن وفلسطين، وتجعل أحفادهم الذين ما زالوا موجودين هناك يرفضون حتى الآن صيد السمك في البحر الأسود الذي ألقيت فيه جثث الآلاف من أجدادهم.
تزامنت زيارة كيري لبوتين مع كشف المعارضة الروسية لأدلة واضحة على التدخّل العسكري الروسي الصارخ في أوكرانيا، وهو السبب الأساسي في التباعد الذي حصل بين موسكو وواشنطن منذ غزو شبه جزيرة القرم في آذار/مارس 2014، وبالتالي فإن كسر الحظر الأمريكي السابق على «القيصر» رغم أن القتلى الأوكرانيين ما زالوا يتساقطون، يدلّ على أن ملفّاً أكثر ثقلاً فرض على الأمريكيين تجاهل الدم الأوكراني، وهو يدفع بأسهم الطرق إلى ملفّات الشرق الأوسط المعقّدة والتي يدور الصراع حولها من اليمن إلى لبنان.
توافق القطبان الأمريكي والروسي، ضمن مجلس الأمن، على القرار اليمنيّ، كما أنهما متوافقان على الخطوط العامّة في العراق (روسيا تسلّح الجيش العراقي وأمريكا تدربه)، وهما متواجدان معاً على طاولة المفاوضات حول المشروع النووي الإيراني، ولا شيء على الأرض يدلّ حتى الآن على قرار أمريكي بإسقاط الرئيس السوري بشار الأسد الذي تدافع عنه روسيا دفاعاً مستميتاً، لأن الأولوية لدى واشنطن، من اليمن إلى سوريا، هي لمكافحة «الدولة الإسلامية» و«القاعدة»، وليس مكافحة الأسباب التي صنعتهما (وهو يتصادى مع ما أعلنه وزير خارجية روسيا عن أن صراع روسيا الأساسي هو الإسلام الجهادي وليس مع الغرب)، وبغض النظر عن البلاغة الحماسية الروسية حول القضية الفلسطينية فإن علاقات موسكو الحميمة مع تل أبيب تنافس علاقاتها مع واشنطن، بحيث نجد أن ما يجمع «الخصمين» الكبيرين في سياساتهما الاستراتيجية أكبر بكثير مما يفرقهما.
والنتيجة أن اجتماعات سوتشي وواشنطن وكامب ديفيد ستتمخض عن محاولات لإقناع العرب بقبول نتائج الاتفاق القادم مع إيران لا بتغيير الواقع القائم في اليمن والعراق وسوريا، وهو الأمر الذي يجعلنا نفهم لماذا يمكن أن يشعر أربعة من أصل ستة من قادة دول الخليج بـ«توعّك صحي» يمنعهم من التمتع بجماليات منتجع كامب ديفيد ومن الاستئناس بصحبة الزعيم الأمريكي المفوّه وخفيف الظل باراك أوباما.
على هذا الفالق الجغرافي (والتاريخي) الكبير بين سوتشي وكامب ديفيد يجري عملياً بحث مصير العرب، والدلائل تقول إن آلهة الأولمب لديها أولويات كبرى لا تتطابق بالضرورة مع مصالحنا، فهل يتمكن العرب من فرض أولوياتهم والدفاع عن مصالحهم أم سنجدهم يوماً ما وقد توقفوا عن صيد السمك في البحار التي تطل على بلدانهم وهم يحدّثون أحفادهم عن الفردوس المفقود؟

رأي القدس

كلمات مفتاحية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

  1. يقول الكروي داود النرويج:

    ستطبخ طبخة استراتيجية جديدة بين الأمريكان والعرب
    ولهذا ذهب الجيل الثاني من الرؤساء بدول الخليج
    وستكون عن العراق وسوريا واليمن ولبنان
    أما موضوع ايران فمؤجل لشهر 6

    أمريكا بدأت تستشعر خطر الميليشيات الشيعية على مصالحها بالمنطقة
    ولذلك فهي تريد تقليم أظافر ايران قبل توقيع الاتفاق القادم بينهما
    فالعبادي والأسد وهادي ضعف وضعهم بسبب الميليشيات
    ولبنان بدون رئيس أيضا بسبب هذه الميليشيات
    فأصبحت الميليشيات وداعش سواء
    وخطرا لمصالح الجميع

    شرطي الخليج القادم وبلا منازع هي السعودية
    وهذا ما سيتم اقراره باجتماع كامب ديفيد

    ولا حول ولا قوة الا بالله

  2. يقول د.منصور الزعبي:

    العرب حتى صيد السمك لن يحصلوا عليه ، لان من يتقاتلون فيما بينهم و يتفنون بالإساءة لبعضهم و يخترعون طرق إعدام تفوق ما اخترعه الغرب في القرون الوسطى هؤلاء لا يستحقون سوى الادارة الخارجية لان ارهاب العالم موضوع طال أمره و طال عمره .

  3. يقول د.منصور الزعبي:

    اختلفت امريكا و رسيا لسنة واحدة فازداد العالم سوء و كثر الدم العربي المسال ف ياليتى تتحدان ربما تتحسن عندنا الحال .

  4. يقول دكتـور أسـامـة الشـرباصي بـواشـنطن:

    نقـول مـن واشـنطن مـن قـال أن لعــرب النفـط اسـتراتيجيـة تحمـى منطقـتهـم فـى الشـرق الأوسـط !؟ لأنهـم يمـلكـون أقـوى سـلاح فـى عـالـم اليـوم وفـى أيـديهـم وهـو سـلاح النفـط !؟ ولكـن لا يسـتخـدمـوه !؟ أو لا يعـرفـون كيفيـة اسـتخـدامـه !؟ فتقفــز اسـتراتيجيـات أجنبيـة متحفـزة لتسـد الفـراغ وتتسلـق عـلى أجسـاد وجمـاجـم العـرب فـى المنطقـة العـربيـة !؟ كمـا تسـلقـت روسـيـا بـوتيـن الأزمـة السـوريـة فـى بـداياتهـا وقـت أن بـدأ نظـام بشـار الأسـد يتـرنـح فأمـدتـه بالأوكسـجيـن ليبقـى عـلى قيـد الحيـاة !؟ وقبـل أن تتـدمـر ســوريـة التـاريخ والحضارة وينـزح شـعبهـا الـى دول الجـوار لينجـو مـن القتـل والأغتصاب !؟ فـأخـذت روسـيا كـرسي ادارة الأزمـات الـدوليـة مـع أمـريـكا مـرة أخـرى !؟ فـدول الخـليـج ليـس أمـامهـا الا شــراء المـزيـد مـن السـلاح مـن أمـريـكا بحثـا عـن ضمـان أمنهـا مـن ايـران التى بتـوقيعهـا لـلأتفـاقيـة النـوويـة وانهـاء المقـاطعـة الأقتصـاديـة عـنهـا فـى أول يـوليـة 2015 تصبـح قــوة اقـليميـة تتحـرك فـوق السـطـح بـدلا مـن تحـت السـطح !؟ لا يسـتهـان بهـا وبـلا منـازع !؟ فـأذا كانـت الأولـويـة لـدى واشـنطن هـو مـكافحـة الـدولـة الأسـلاميـة والقـاعـدة وهمـا مـن صنيعـة أمـريـكا والغـرب فالحـروب سـوف تسـتمر فـى سـوريـة والعـراق واليمـن وليبيـا لغيـاب اسـتراتيجيـة العـرب الـذيـن يمـلكـون النفـط والغـاز !؟ لتغييـر المعـادلـة مـن الحـرب الـى الســلام !؟

    دكتـور أسـامـة الشـرباصي
    رئيـس منظمـة السـلام العـالمـى بأمـريـكا
    http://www.internationalpeaceusa.org

  5. يقول رضوان الشيخ -السويد:

    اوباما رجل مخادع ،ومن هنا قمة الخليجي الأمريكي في منتجع
    كامب ديفيد هي محاولة اوباما لخداعهم مرة اخرى
    وشكرا لقدسناالغالية‎ ‎

  6. يقول سامح // الامارات:

    * من الآخر : ـ
    * أنا مع المثل العربي البليغ المُلهم ( ما حك جلدك غير ظفرك ) ؟؟؟
    * هذا يلخص السالفة من ألفها الى يائها .
    * شكرا

  7. يقول سامح // الامارات:

    * من الآخر : ـ
    1 ـ ( أمريكا ) تجري وراء ( مصالحها ) ؟؟؟
    2 ـ ( روسيا ) تجري وراء مصالحها ؟؟؟
    3 علينا نحن ( العرب ) أيضا الجري وراء مصالحنا .
    * شكرا

  8. يقول سامح // الامارات:

    * كل المطلوب : تقوية ( التحالف العربي ) القائم حاليا وتفعيل
    مشروع ( القوة العربية المشتركة ) ونواجه العالم بصوت واحد
    * ( صوت الحق العربي ) بالعيش بسلام ودون تهديد من أحد ؟؟؟
    ** شكرا

  9. يقول ع.خ.ا.حسن:

    بسم الله الفرحمن الرحيم.رأي القدس اليوم عنوانه (مصير العرب بين منتجعي «سوتشي» و«كامب ديفيد»)
    كامب ديفد يعرفها العرب جيدا ؛فهي التي كرست ذلهم وهوانهم وانكسارهم امام الغطرسة والجبروت الصهيوامريكي واقتطعت مصر وانتزعتها من محيطها العربي الاسلامي لتصبح صديقة حميمة لاسرائيل وحامية لحدودها من أي اعمال عدائية .هذه الكامب ديفد كذلك ارادت ان تمحو ذاكرة فخر وعزة عبور الجيش المصري للقناة وتدمير تحصينات الجيش الاسرائيلي ومعنوياته كذلك عام 1973 .ولولا الاعيب سياسة كامب ديفد لظلت هذه الملحمة البطولية للجيش المصري حافزا للعرب والمسلمين للسير في طريق تحرير اراضيهم من الاحتلال الاسرائيلي البغيض ومن ذل الانكسار والهروب امام الجيش الاسرائيلي .واما منتجع سوتشي الذي سيلتقي فيه الرئيس الروسي بوزير خارجية امريكا على البحر الاسود بعد قمة منتجع كامب ديفيد الخليجية الامريكية هذا الاجتماع يذكر( المسلمين الشركس بمذابح دموية هائلة تعرّضوا لها في القرن الثامن عشر-على يد الروس- دفعتهم للهروب الجماعي بدينهم إلى تركيا وسوريا والأردن وفلسطين، وتجعل أحفادهم الذين ما زالوا موجودين هناك يرفضون حتى الآن صيد السمك في البحر الأسود الذي ألقيت فيه جثث الآلاف من أجدادهم.)واخشى ما يخشاه العرب والمسلمون -اذا ظلوا يسيرون وراء سراب الوعود الامريكية الكاذبة بحمايتهم من ايران وغيرها –ان يرفض احفادهم الصيد في مياه البحار المحيطة بهم،وان يظل هذا الصيد حكرا على ايران واسرائيل وتحت المظلة الروسية الامريكية المتآمرة على كل ما يمت للعرب والمسلمين بصلة.
    ونسأله تعالى ان يكون حرد الزعماء الخليجيون عن حضور قمة كامب ديفد بداية وعي رسمي عربي-لحاقا بالشعوب-بالتآمر الامريكي مع ايران واسرائيل وروسيا على كل قضايانا العادلة

  10. يقول بومحسن:

    للأسف لقد فاتنا القطار نحن العرب 8 دول عربية تقريبا محتلة ومنهارة ودول اخرى مقيدة باتفاق سلام خادع ودول اخرى ضعيفة ومفككة أين نحن العرب وامامنا الإرهاب وإيران وإسرائيل والفساد وووو صعب جدا أن يكون لنا وزن وثقل عالمي .

1 2

إشترك في قائمتنا البريدية