مطلوب رئيس وزراء جديد للعراق

ليس الأمر سهلا ولا هينا، بل أنه من أصعب ما يكون في عملية سياسية تدور حول نفسها وعلى أسس قسرية، فكل أصحاب الشأن مصابون بالدوخان، الكل يعترف بالفشل، بمن فيهم المالكي وبطانته، إضافة للجعفري وعلاوي، ناهيك عن العبادي، أي كل رؤساء الوزارات العراقية، المفدرلة، السابقين منهم واللاحقين، الكل يطالب بالتغيير والإصلاح لكن الكل لا يريده على حساب استمرار دورة عجلة السلطة الدائرة بساقية العملية السياسية التي نقلته من الحضيض الشامل إلى الثراء الشامل.
هم سيستميتون لاستمرار هذا الدوران والتعاطي معه على أنه مثل قوانين الطبيعة، التي نسختها دولة اللاقانون وحولتها إلى وجهين لعملة واحدة، وجه صيفي جاف وناشف وحار ومفلس كهربائيا، ووجه شتائي غارق صاعق مشحون بكل سرقات المجاري التحتية والفوقية.
ليس غريبا أن يتظاهر انصار رؤساء الحكومات السابقة واللاحقة ايضا، وبالفعل فإن بعضهم يرفد المتظاهرين العفويين بمدد يريد منه براءة الذمة، ومن ناحية اخرى تخويف المتظاهرين الرافضين لحكمهم وحكم عمليتهم السياسية الفاشلة والفاسدة، الرفض المعنون لجميعهم، وبدون استثناء، أحزابا وميليشيات ورموزا، لأنهم جميعا وبدرجات متفاوتة مسؤولين عن الانحطاط السائد، وعن زيف دعوات التحرر والإعمار والرفاه. أحيانا يريد بعضهم من تعضيد التظاهرات مكايدة ومناكفة لاطراف أخرى منافسة على كعكة السلطة، كما حصل في البصرة عندما جيش انصار حزب الدعوة المتظاهرين بالضد من محافظها التابع لمجلس عمار الحكيم، وكما كانت حالة مشاركة جماعة التيار الصدري او جماعة «عصائب اهل الحق» في مظاهرات بغداد والنجف وكربلاء والحلة.
الكل يريد التظاهر بما يدعيه، الا التظاهرات العفوية المعبرة عن صرخة الاغلبية ضد الاحزاب والميليشيات وفسادها الذي مزق البلاد والعباد. غياب الكهرباء في عز حر أغسطس اللهاب، غرق بغداد بسبب الأمطار، سلم الرواتب الجديد الذي يلقي بأحمال افلاس الخزينة على عاتق الملايين من الموظفين والمتقاعدين، الذين حرمهم سراق السلطة، ليس من فوائد الطفرة السعرية للنفط فقط، وانما من اي إمكانية حقيقية للعيش الكريم، في ظل بنية تحتية صالحة، إضافة إلى خيبة الأمل الدفينة من اصلاح ما افسده حكم المالكي على مدى 8 سنوات، الذي أدى إلى سقوط الموصل والانبار وصلاح الدين، وإهدار مئات المليارات من الدولارات في مشاريع وهمية وصفقات مشبوهة وعمليات تحايل صارخ في بيع وشراء العملة الاجنبية بمزادات البنك المركزي من قبل مافيات مدعومة من الاحزاب المتنفذة.
التظاهرات الشعبية العفوية منزهة عن التدليس الذي يريد إشاعته بعض المحسوبين على الطبقة السياسية الحاكمة في بغداد، وكان تعززها وتغذيتها بمشاركة تنسيقيات الشباب المستقل والوجوه الإعلامية والأكاديمية المستقلة، قد اعطاها زخما من الاستدامة المنظمة، التي يحفزها واقع الحال الذي يخرج على الناس يوميا بكوارث جديدة، إضافة للدور الإعلامي المتميز للفضائيات الوطنية المستقلة كـ»البغدادية» و»الرافدين» و»الفلوجة» وغيرها. لجميع هذه العوامل دور لا يستهان به في ترسخ النهج الشعبي المعارض للواقع السياسي القائم، الذي لا تنفع معه انتخابات مبكرة او اختيار رئيس وزراء جديد أو تشكيل حكومة تكنوقراط أو تفويض للمرجعية بتكليف طاقم حكومي بديل، لسبب بسيط هو أن لكل طرف فاعل في السلطة وعمليتها السياسية جيشا خاصا به، ميليشيا خاصة به، ومافيات متشابكة تدافع عن مصالحه ومصالح رموزه، ومن ليس لهم هذه الميليشيات يحتمون بالفراغات التي تتيحها علاقات اجهزة الأمن الحكومية بالميليشيات وبتوازنات الوجود العسكري الاجنبي ـ الايراني الامريكي ـ في العراق وبعضهم يستفيد من التوازن النسبي الذي يفرضه الاستقلال الأمني والتمدد العسكري للميليشيات الكردية ـ بيشمركة بارزاني وطالباني ـ وعليه لن تكون هناك حلول جذرية وتغييرات جوهرية من داخل هذه المعمعة السياسية، لأنها أسيرة صيرورتها القائمة على أساس المكونات الطائفية والاثنية، وأقصى ما يمكن أن تصلح به حالها هو عبارة عن ترقيعات وحلول مؤقتة وتبديل وتدوير للوجوه بانتخابات لا تغير نتائجها من واقع الحال شيئا. لقد تظاهر بعض المحسوبين على العملية السياسية بأنهم هم من يقود الرفض الشعبي للوضع القائم، محاولين ابتزازه لمصالحهم الشخصية، من خلال تقمص دور القيادة غير المباشرة لهذا الحراك والتسابق على الظهور في وسائل الإعلام والتكلم باسم المتظاهرين فيها، معتقدين أن ذاكرة الناس ضعيفة، وأن غبار الفوضى يعمي العيون من التفحص بالوجوه ومعرفة حقيقتها. الوضع العراقي برمته أصبح خاضعا لتوازنات لا يقلبها الا انقلاب عسكري وطني مدعوم بتأييد شعبي طفح به الكيل، وهذا مفقود بسبب غياب الجيش الوطني اصلا، او تدخل اجنبي يغير من طبيعة وواقع التوازن القائم، وهذا الامر ايضا مرهون بطبيعة مستقبل العلاقة بين ايران وامريكا، وعليه لم يبق الا احتمال انفجار الوضع برمته بثورة شعبية عارمة، تحركها غريزة البقاء الإنساني والتدافع على التشبث بالحياة الكريمة، وليس بالعبودية لوهم الجنة التي سيمنح تأشيرة الدخول لها، الولي الفقيه او مرجع أعلى او آية عظمى تكرس بتدخلاتها التبعية العمياء لاصنام المذهب، فالشعب يريد جنته على الارض، والان وليس غدا.
لقد اراد بعضهم أن يكون الجلبي بديلا عن العبادي وهو عندهم مستوف لشروط المقبولية، وباعتراف معظم صناع المعمعة السياسية في العراق، لكن يد القدر تدخلت إذ توقي قبل تسنمه المنصب. أما عماد الخرسان، وهو مدير مكتب رئاسة الوزراء ايام الجعفري، وكان مساعدا لبريمر ومقربا من المرجعية، فان المداولات بشأن توليه المنصب مازالت محصورة بين المرجعية والامريكان والعبادي، ولا يبدو أن هناك رفضا جديا له من قبل الاكراد أو السنة، لكن الرفض ظاهر هذه المرة من ايران. اسم عادل عبد المهدي يتكرر لكن دولة القانون له بالمرصاد، رغم معرفتهم أن العبادي هو اخر رئيس وزراء من حزبهم، الذي لم يعد يحظى بالقبول، ناهيك عن الاجماع، علي جعفر الصدر، الشخصية المستقلة وابن الشهيد محمد باقر الصدر عرض المنصب عليه، لكنه رفضه مجددا لانه يدرك بفطرته أن رئيسا لوزراء بشروط ومكبلات كهذه لابد ألا يكون الا إمعة، وبالتالي بالضد من المصالح الوطنية للبلاد، أما من يقبل بهذه المهمة ووفق معادلات العملية السياسية القائمة، فسيكون نسخة مكررة من علاوي او الجعفري او المالكي او العبادي، مهما كان حسن النوايا، هؤلاء الان مطلوبون للعدالة الوطنية لانهم كانوا أدوات لتحطيم العراق وجعله بقايا لدولة كانت من أقوى الدول. قال احدهم مشاغبا ليوقفوا العمل بما هم فيه من دستور ومجلس نواب، وليذهبوا إلى تشكيل مجلس تأسيسي مكون من 10 ممثلين عن كل محافظة تكون مهمته انتقالية لاعادة كتابة الدستور، وتشريع ما يلزم لعودة العراق إلى وضعه الطبيعي من دون اجتثاث ومكونات ومحاصصات، والشروع فورا بالخدمة الإلزامية لتأسيس جيش وطني، ومن دون اي خطوط حمراء أو خضراء ومن دون أي تمييز مستفيدين من كل الطاقات العسكرية السابقة، ثم تكليف سلطان هاشم او ناجي صبري الحديثي لتشكيل حكومة مصالحة وطنية، انظر وقتها كيف سيكون الوضع في العراق.

٭ كاتب عراقي

جمال محمد تقي

كلمات مفتاحية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

  1. يقول الكروي داود النرويج:

    ما شاء الله
    يوجد عندك الكثير من البدائل للعبادي يا أستاذ جمال
    لكني أعتقد بأنه لا بديل للعبادي الا العبادي نفسه ولكن مع التعديل
    والتعديل سيكون أمريكيا عن طريق بدأ نشر فضائح الفساد لمعارضي العبادي

    ولا حول ولا قوة الا بالله

  2. يقول جاسم محمد العراق:

    لابدمن قلب الاوضاع راساعلى عقب والافلامناص ‏​من اكمال الادوارلتحطيم ماتبقى

إشترك في قائمتنا البريدية