لنتوقف عن لطم الخدود والاستنجاد باللعن، فهذا لن يوقف شخصية مبتلاة بكل أنواع الأمراض النفسية وبالخلل العقلي والضميري، كما هو الحال مع شخصية الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، ولن يزيل أيديولوجية عنصرية صهيونية من قلب وعقل صهر ذلك الرئيس، ومخطط الانتهازية السياسية الأمريكية في بلاد العرب، ولم يقنع سبعين مليونا من الأصوليين المسيحيين الأمريكيين عن الإيمان الشديد بضرورة تواجد وحماية الكيان الصهيوني، إلى حين عودة المسيح إليها ليخلص العالم من الشرور والآثام ويملأه عدلا. لنتوقف، نحن العرب والمسلمين، عن الآمال الساذجة، ولنطرح سؤال: ما العمل؟ وهل من الممكن الانتقال إلى ممارسة الآتي؟
أولا: وقوف الأمة العربية، حكومات ومجتمعات مدنية وأفرادا، مع قرار تتفق عليه جميع الفصائل الفلسطينية السياسية والنضالية المدنية بكل أشكالها، يقضي بصورة قاطعة لا عودة عنها الانسحاب التام من أخطاء وخطايا اتفاقية أوسلو من جهة، والتوجه إلى هيئة الأمم لتكوين هيئة تحل محل اللجنة الرباعية، تكون الأمم المتحدة هي فقط مرجعيتها والمسؤولة عنها ولا تدخلها أمريكا، التي فقدت مصداقيتها وسمعتها الأخلاقية، من جهة أخرى.
إن ذلك الوقوف سيعني المساندة السياسية والمادية والأمنية للإخوة الفلسطينيين عند تعرضهم للابتزاز أو للعقاب من قبل الكيان الصهيوني، أو الولايات المتحدة الأمريكية.
ثانيا: هل بالإمكان التفكير بصورة جدية مدروسة، بسحب المبادرة العربية بشأن ما سمي بالسلام في ما بين الأمة العربية والصهاينة، وذلك بعد أن سرق الصهاينة تسعين في المئة من أرض فلسطين، وأبقوا ستة ملايين فلسطيني خارج أرضهم ووطنهم، ويتحدثون الآن عن سعيهم لإقامة دولة يهودية عنصرية أبارثدية لطرد الفلسطينيين ومسح وجودهم من التاريخ والحاضر والمستقبل؟
وفي هذه الحالة ألم يئن الأوان لطرح مبادرة جديدة تقوم على أساس بناء جمهورية فلسطينية ديمقراطية علمانية ومدنية تضم العرب المسلمين والعرب المسيحيين واليهود غير الصهاينة؟ هل حقا يوجد حل عادل إنساني للموضوع الفلسطيني غير هذا الحل؟ هل يوجد حل يبقي فلسطين عربية، حسب معطيات التاريخ غير الصهيوني المزيف والجغرافيا وهوية السكان وثقافتهم العربية، غير هذه الحال؟
نقل الموضوع الفلسطيني إلى آفاق فكرية سياسية واستراتيجية قومية جديدة أصبح ضروريا، بعد أن اقتنع العالم جميعه تقريبا بوجود خلل جنوني وحقارة أخلاقية عند الصهاينة وداعميهم من الأمريكيين.
ثالثا: لقد أثبتت أمريكا، عبر عقود من السنين، لا بالنسبة للقضية الفلسطينية فقط، وإنما بالنسبة لقضايا عربية كثيرة أخرى في العراق ومصر وسوريا والصومال والسودان واليمن، على سبيل المثال، أثبتت بأنها دولة معادية لكل الطموحات القومية العربية العادلة المشروعة، وأنها ضد وحدة العرب واستقلالهم السياسي ومنعتهم العسكرية وامتلاكهم لمصادر القوة السياسية والاقتصادية. إنه تاريخ أسود كئيب من دولة لم يفعل العرب شيئا تجاه شعبها وأمنها وتقدمها.
إزاء الموقف العدائي الجديد المليء بالاحتقار والعدوانية والظلم السافر، لا للفلسطينيين فقط، وإنما لكل العرب، ألم يئن الرد على هذه الدولة بما يشعرها بأن العرب تعبوا من هذه العلاقة المريضة؟ هنا يأتي دور المؤسسات المدنية السياسية العربية، ودور جمعيات مناهضة التطبيع مع الكيان الصهيوني ومقاطعته. ألا يعتقد هؤلاء بأن قيام حملة عربية متناغمة عبر الوطن العربي كله لمقاطعة البضائع الأمريكية قد آن أوانه؟
إن العرب لا يستطيعون الرد بصورة موجعة إلا في حقل الاقتصاد، فإذا شعرت المطاعم الأمريكية الشهيرة التي تبيع الوجبات السريعة، وشعرت شركات السيارات والألبسة والكمبيوترات والتلفونات على سبيل المثال، بأن مبيعاتها قد تراجعت بسبب المقاطعة الناتجة عن المواقف الأمريكية العدائية، فإن من المؤكد أنها ستمارس الضغط على الحكومة الأمريكية والكونغرس ليراجعا حساباتهما الخاطئة.
ذلك كله ممكن وأكثر لو توفرت إرادة عربية سياسية نضالية واحدة. من هنا الأهمية القصوى لإعادة الاعتبار للجامعة العربية لتلعب دورا محوريا في هذا الموضوع على المستوى الرسمي العربي، ولكن بشرط مساندتها من قبل المجتمعات والشعوب العربية. هنا يأتي دور ما كتب عنه مرارا وهو ضرورة وجود كتلة تاريخية سياسية عربية تضم العديد من الأحزاب ومؤسسات المجتمعات العربية المدنية الحقوقية لتقوم بمهمتي مقاومة الكيان الصهيوني ودحر وجوده من جهة، والوقوف أمام العداء التاريخي الأمريكي للأمة العربية ودحره من جهة ثانية.
إنها معركة إرادات في الدرجة الأولى.
كاتب بحريني
د. علي محمد فخرو
هذا هو الحل يا أستاذ فخرو لا عدمنا حكمتك
قلتها في اكثر من تعليق: لا تعتمدوا على انظمة الخيانة وخساسة الساسة اليوم هي ارادة شعوب هضمت حقوقها ومرغ أنفها بالتراب. وكلمة الشعوب هي الأقوى،
يا شعوب العالم العربي والاسلامي قاطعوا البضائع الامريكية الاسرائيلية، لا ماكدونالز، لاكنتاكي، لا كوكا كولا، لا فورد، وماأدراك ما فورد السلاح بأيديكم ولا يكلفكم شيئا،..
لا يصلح القوم فوضى لا سراة لهم و لا سراة ذا جهالهم سادوا
مشكلتنا الكبرى بعد طول الامد على تسليم مقاليد امورنا للعسكر و الجهال ان النخب في بلادنا قد تضاءلت و ثم تجريفها او كاد. فاصحاب الفكر قد تم تدجينهم او حبسهم او نفيهم و مصادر الفكر و التفكير قد تم تضييقها بانظمة تعليمية فاسدة ووسائل اعلام ساقطة. و هذا السبب الرئيسي لفشل الربيع العربي و لتمكن هذه الانظمة من جمع فلولها و استعادة زمام المبادرة و تجييش رصيدها الضخم من الاموال و الدهماء بقيادة المأجورين فيما سمي الثورة المضادة
كلام صحيح يا أخي علي محمد فخرو, لكن هناك بعض التي يجب مناقشتها بشكل أوسع. مثلا سحب المبادرة العربية أو ضرورة وجود كتلة تاريخية سياسية عربية, …. كل هذا جميل والمعركة معركة إرادات في الدرجة الأولى لاشك, لكن المشكل الأساسي ليس في وجود هذه الارادة أو الارادات (كطاقة كامنة) بل في بلورتها وتحقيقها لأن تحقيقها الأمر مرتبط بارادة الانظمة العربية الحاكمة (أي النظم السياسية بالمعنى الأصح) ومنذ قامت ثورة مصر عام ١٩٥٢ (حيث قال هذا الكلام نفسه عبد الناصر عندما كان على الجهة مع فلسطين بعد خسارة ١٩٤٨ وان دافعا قويا للثورة على النظام الملكي أنذاك!) والعرب يعرفون أن المشكلة هي في توفر الارادة السياسية لدى الأنظمة أو وجود أنظمة عربية تسعى لتحقيق إرادة شعوبها!, لكن العرب لم يجدو ضالتهم حتى الأن. صحيح كما يقول الأخ سوري دائما أن تغيير هذه الأنظمة هو الاساس لكن الصحيح أننا في مأزق حضاري فلا الثورات (التحررية أو الاشتراكية …) العربية أنتجت جديدا ولا الشعوب العربية قادرة على زحزة هذا الكابوس عن رؤوسها. طبعاً السؤال مالعمل إذا!. في الوقت الحاضر الذي يبدو ممكنا هو متابعة الطريق والمثابرة حتى نستطيع انتاج هذه القاعدة الأساسية التي تسعى إلى تحقيق هذه الارادة الشعبية, إلا أنه ليس حلاَ جذريا وانما خطوات متتالية ربما تقودنا إلى حل أساسي أو جذري أو ثوري بالمعنى السياسي لكن مرتبط مباشرة بالقاعدة الشعبية (وكل هذا هو أمر مرتبط بالتطور أو التقدم الفكري أيضا). والربيع العربي رغم فشله (ليس كليّاً طبعاً) هو خطوة في هذا الاتجاه بلا شك فهل هناك ربيع أخر قادم, حقيقة كلي أمل بذلك وقد تكون انتفاضة جديدة هي خطوة على هذا الطريق.