إسطنبول – «القدس العربي»: «لا يتوانى أردوغان عن دعوتنا لإنجاب ثلاثة أطفال، هل يعلم ظروفنا الاقتصادية؟، هل يعرف كم تحتاج من النقود لتربية ثلاثة أطفال في تركيا.. دخلنا المادي لا يُمكننا من تربية وإطعام ثلاثة قطط وليس ثلاثة أطفال».
بهذه الكلمات رد الشاب التركي «علي أرسلان» 32 عاماً على الدعوات المتكررة للرئيس التركي رجب طيب أردوغان ورئيس الوزراء أحمد داود أوغلو للعائلات التركية بضرورة إنجاب ثلاثة أطفال كحد أدنى من أجل الحفاظ على معدلات الخصوبة ونسبة الشباب في المجتمع.
يقول أرسلان الذي يقطن مدينة إزمير لـ «القدس العربي»: «أعمل بأجرة العسكر –الحد الأدنى للأجور في تركيا- وهذا الراتب لا يكفي لشيء، أحصل على 1200 ليرة (قرابة 430 دولار) وأجرة البيت لوحدها 700 ليرة، من أين سآتي بمتطلبات الأطفال لو سمعت نصائح أردوغان».
وتبلغ معدلات الإنجاب في تركيا 2.17 طفلا لكل امرأة بينما في ألمانيا التي لديها أقل مستويات الإنجاب في العالم فتبلغ نحو 1.3 طفل ، بينما يواجه الحزب الحاكم من 13 عاما بالبلاد انتقادات متزايدة من مؤسسات حقوق المرأة بسبب ما أسموه فرض قيود مشددة على «الحق في الإجهاض واستخدام حبوب منع الحمل».
وفي إحدى دعواته المتكررة، قال أردوغان الشهر الماضي: «على النساء التركيات إنجاب 3 أطفال على الأقل لدعم الأمة»، في حين تعهد داود أوغلو، الجمعة، بالمساعدة في إيجاد شريك الحياة لأنصار حزبه «العدالة والتنمية»، قائلا: «هذا سوف يساعد في رفع معدلات المواليد».
وأضاف داود أوغلو في مهرجان انتخابي جنوب البلاد: «نريد أن يتمتع شعب الأرض بالخصوبة الإنجابية»، متعهداً بمنح أنصار حزبه الذي يسعى للفوز بالأغلبية البرلمانية أنهم سوف «نوفر لكم وظائف ونعطيكم طعاما وشريكا ومنزلا»، وذلك مع تصاعد الجدل والوعود الانتخابية قبيل بدء التصويت لاختيار نواب البرلمان في الأول من نوفمبر/تشرين الثاني المقبل.
«عائشة كوتشوك أوغلو» 34 عاماً من إسطنبول، تقول إن «من يطلق هذه الدعوات إما شخص يعيش في كوكب آخر أو منعزل عن الواقع.. كيف لنا أن ننجب ثلاثة أطفال؟ أنا وزوجي نعمل ليل نهار وبالكاد نوفر مصاريف الحياة الخاصة بنا وبطفلنا الوحيد».
وتضيف: «إنجاب الأطفال يرفع مصاريف الحياة وفي الوقت نفسه يحتاج تفرغ من العمل.. كيف لنا أن نوفق بين هذه المتناقضات؟، يجب تقديم مزيد من التسهيلات الحكومية وتحسين الوضع الاقتصادي والحياتي لنا قبل مطالبتنا بإنجاب الأطفال».
وحسب آخر إحصائية رسمية، بلغ عدد سكان تركيا 77.6 مليون نسمة، 50.18% ذكور، و49.82 إناث، ويقل إنجاب الأطفال في المدن الكبيرة كإسطنبول وإزمير والعاصمة أنقرة، لكن المناطق القروية والمحافظات الجنوبية والشرقية ما زالت تشهد معدلات أعلى في الإنجاب.
ونقلت وسائل إعلام تركية عن مراكز إحصائية أن الشباب يشكلون فقط 16.6% من إجمالي السكان، وحذر مدير أحد المراكز من أن نسبة الشباب بين السكان آخذة في التقلص، مما يعني أن نسبة الشيخوخة تزيد، مشيرًا إلى أن النتائج والإحصاءات الحالية تقدر أن نسبة عدد السكان الشباب خلال عام 2023 قد تتراجع إلى 15.1%، وستنخفض تدريجيًّا إلى 11.7% مع حلول عام 2050، وستنخفض بشكل حادّ إلى مادون 10.1% في عام 2075.
وتقدم الحكومة التركية تسهيلات متنوعة للعائلات التي تنجب أكثر من طفل، لكن مواطنون يقولون إن هذه الإجراءات غير كافية لمواجهة صعوبات الحياة الاقتصادية.
وبداية العام الجاري أعلن داود أوغلو، عن حزمة إصلاحات قانونية جديدة متعلقة بالنظام العائلي، وستمنح بموجبها الدول «هدايا رمزية» للمواليد الجدد، بقيمة 140 دولار للطفل الأول، و180 دولار للطفل الثاني، و280 دولار للطفل الثالث، وشبهها داوود أوغلو بالهدايا التي يقدمها أقارب العائلة، قائلا أن الدولة ستكون أول من يقدم الهدايا للأطفال الجدد، وحمل القانون اسم «البرنامج العائلي لحماية ديناميكية التركيبة السكانية».
ولتمكين المرأة من الموازنة بين مسؤولية الأمومة ومسؤولية العمل، وبالإضافة إلى حق الحصول على إجازة مدفوعة الراتب خلال فترة الإنجاب، سيكون من حق المرأة التركية أن تعمل نصف الوقت وبمرتب شهري كامل لمدة شهرين عند إنجاب الطفل الأول ولمدة 4 أشهر عند إنجاب الطفل الثاني ولمدة 6 أشهر عند الإنجاب مرة أخرى، دون أن تقيد بشرط وجود فترة زمنية فاصلة. كما سيكون من حق الأم والأب أن يطالبوا بالعمل نصف الوقت إلى حين بلوغ إبنهم لسنة دخول المدرسة أي 5 سنوات ونصف.
ووصف أردوغان سياسة «تحديد النسل» التي اتبعتها تركيا في السابق وتتبعها معظم الدول العربية ودول العالم الثالث خشية الفقر، بأنها «خيانة للوطن»، قائلاً: «لكي تبقى أمتنا أمة قوية نحتاج إلى أمرين، إلى شعب فتي ديناميكي وشعب ناضج. لن نهمل هذا الأمر، ولكي نستطيع نقل شعبنا إلى مصاف شعوب الدولة المتقدمة علينا أن ننشئ شعبا قوياَ فتياَ. لقد خانوا بلادنا لسنوات عبر دعوتهم لتحديد النسل، وحاولوا القضاء على أجيالنا وتجفيف نسلنا. النسل مهم من الناحية الاقتصادية وكذلك له أهمية معنوية».
إسماعيل جمال
على بركة الله
ولا حول ولا قوة الا بالله