إسطنبول ـ «القدس العربي»: اعتبر معارضون وناشطون سوريون أن المدنيين في مدينة الرقة باتوا محاصرين بين جحيم القذائف والفوسفور الأبيض الأمريكي المحرم دولياً من جهة أخرى، وما وصفوه بـ»محاكم التفتيش» التي تقيمها وحدات حماية الشعب الكردية التي تعمل على تهجير السكان وإحداث تغيير ديموغرافي في المدينة على حد تعبيرهم. وخلال الأيام الأخيرة صعدت «قوات سوريا الديمقراطية» التي تتكون في معظمها من وحدات حماية الشعب الكردي، من هجومها على مدينة الرقة وسط غطاء جوي وقصف مدفعي أمريكي واسع أدى إلى تهجير عشرات آلاف المدنيين ومقتل المئات من الأطفال والنساء.
الكاتب والمحلل السياسي السوري عبد الرحمن مطر رأى أن المدنيين في الرقة تم الزج بهم وتحويلهم إلى «وقود في معركة بين طرفين متطرفين محتلَيْن»، مشددا على أن تنظيم «الدولة» ومسلحي وحدات حماية الشعب الكردية «هما وجهان لعملة واحدة».
وندد مطر الذي ينحدر من الرقة لـ»القدس العربي» بحجم القتل واللامبالاة تجاه المدنيين من جميع الأطراف، مشيراً إلى سقوط آلاف القتلى ومئات آلاف المهجرين بسبب وحشية النظام والتحالف الدولي والوحدات الكردية» مضيفاً: «معركة الرقة الحالية تُظهر بوضوح أنها تهدف لإحلال قوة احتلال جديدة، تطرد داعش، بحكم سياسة واشنطن بدعم ميليشيا صالح مسلم، ودون الأخذ بمحاذير ذلك على المنطقة».
وأكد مطر على أن منبح أكبر مثال على ممارسات الوحدات الكردية ضد المدنيين وعلى سياساتها التعسفية «كقوة أمر واقع احتلالية، حيث قامت بتهجير الآلاف، وصادرت ممتلكات كثير من الأهالي بتهمة الدعشنة، فيما لا تزال تمنع عودة المهجرين إلى بيوتهم. فيما تخضع مخيمات النازحين في الرقة إلى إجراءات الاحتجاز الجماعي»، محذراً من أن القصف اليومي العشوائي يدمر بشكل منظم البنى التحتية ويطال المدنيين ويرفع أعداد النازحين.
وتوقع مطر أن تشهد الفترة المقبلة «إما تسليم الرقة من قبل صالح مسلم للنظام كما حدث في مرات عديدة آخرها كلية المدفعية في حلب، أو أن تبقيها تحت حكم (ب ي د) لفترة وجيزة يتم خلالها انجاز تغيير ديموغرافي تعمل على تحقيقه أطراف كردية لا تجد معارضة مباشرة من أطراف إقليمية ودولية مثل روسيا وإيران والولايات المتحدة، لأهداف ومصالح يستخدم فيها الكرد ـ كما غيرهم ـ لمرحلة مؤقتة».
والأسبوع الماضي، قالت مصادر سورية إن ما تسمى بـ»الإدارة الذاتية» تمنع قرابة 8 آلاف مدني من مغادرة مخيم عين عيسى شمال مدينة الرقة بذريعة «الضرورات الأمنية» وعدم اكتمال التحقق من هوياتهم وانتمائهم، «وسط حالة معيشية متردية يعاني منها هؤلاء في المخيم الذي يفتقر لأدنى مقومات الحياة»، ووصفت المصادر المكان الذي يتم احتجاز المدنيين فيه بأنه «أشبه بالمعتقل».
وقال محققون في جرائم حرب تابعون للأمم المتحدة، الأربعاء، إن الضربات الجوية المكثفة التي يشنها «التحالف الدولي» دعماً للوحدات الكردية في معركتها لطرد تنظيم «الدولة» من مدينة الرقة، تسببت في «خسائر مذهلة في أرواح المدنيين»، فيما حذرت المفوضية السامية لشؤون اللاجئين، التابعة للأمم المتحدة، من تدهور وضع المدنيين النازحين من مدينة الرقة شمال سوريا.
الكاتب السوري علي العائد وصف ما يحدث في مدينة الرقة على أنه «محاكم تفتيش كردية»، واعتبر في مقال له أن عمليات التطهير والحجز في المخيمات والتدقيق في الأسماء وسرقة الممتلكات التي تمارسها الوحدات الكردية تصل إلى درجة «حاكم تفتيش».
يقول الكاتب: «يُعتقل النازحون في مخيمات، وتُصادر أوراقهم الثبوتية لدراستها، أو لمنع أصحابها من التنقل إلى مناطق أخرى. وفي معظم الحالات، لا يسمح لأي شخص بمغادرة المخيم إلا بكفالة من سكان المنطقة المعروفين لإدارة هذه المخيمات».
وأكد العائد على أنه «ريثما تزول المبررات الأمنية الكردية سيبقى النازحون عالقين في المخيمات. وحتى بعد التأكد من السيطرة على الرقة، بعد أسابيع، أو أشهر، ستمر طريق عودة الناس إلى بيوتهم بالمأساة نفسها، ليجد من يصل إلى بيته أن البيت تحول إلى مجرد سقف وجدران. هذا، إنْ نجا البيت من قصف مدافع قسد، وغارات طيران التحالف، ومفخخات داعش».
ودعت منظمة «هيومن رايتس ووتش» في تقرير لها، الثلاثاء الماضي، التحالف الدولي لوقف استخدامه الفوسفور الأبيض خلال العمليات العسكرية الحالية في الحملة ضد الرقة، واعتبرت أن «استخدام الفوسفور الأبيض بالضربات المدفعية من قبَل التحالف بقيادة الولايات المتحدة يثير أسئلة خطيرة حول حماية المدنيين».
وندّد الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السورية بالقصف المستمر على مدينة الرقة، من قبل طيران التحالف الدولي، والذي تم خلاله استخدام مادة الفوسفور الأبيض في استهداف مناطق مدنية.
ويقدّر عدد النازحين من محافظة الرقة بما يزيد عن 400 ألف شخص، 100 ألف منهم نزحوا في شهر أيار/مايو الماضي وحده.
ودشن نشطاء سوريون على مواقع التواصل الاجتماعي حملة واسعة تحت وسم «أنقذوا مدنيي الرقة»، دعوا فيها إلى وقف «الاستهتار» بحياة المدنيين الذين يقتلون يومياً بحجة الحرب على داعش ووقف عمليات التهجير والتغيير الديموغرافي التي تقوم بها الوحدات الكردية، حسب وصفهم.
المعارض السوري البارز أحمد رمضان شدد على أن «تحرير الرقة من الإرهاب لا يبرر تدميرها بوحشية، وقتل المئات من أبنائها باستخدام مرتزقة، وإبادة أسر كاملة بأسلحة محرمة دولياً».
ونشر الناشط السوري هادي عبد الله العديد من الصور لمدنيين من الأطفال والنساء قال إنهم قتلوا في قصف عشوائي تقوم به قوات سوريا الديمقراطية على المناطق المدنية في الرقة وريفها، كما نشر صورا لآلاف المدنيين نزحوا بأوضاع مأساوية نحو ريف حلب من الرقة بسبب شدة القصف.
إسماعيل جمال