في الأسبوع الماضي، كنت تحدثت عن معارض الكتب، وما فيها من ضجيج وفوضى في النشر، وأحلام بعضها مثمر للغاية، وبعضها مجهض كأي أحلام أخرى مجهضة في الحياة.
كنت حقيقة ألقي نظرة تأملية حيادية على معرض نموذجي من المعارض التي يمكن أن تكون في أي بلد، كان مبهجا بحضور الكتب في شتى أنواع المعارف، وفي الوقت نفسه، ليس منصفا للكتب الجيدة التي يمكن أن تضيع ببساطة وسط كل تلك الإصدارات ولا يستطيع القارئ المهم، أو القارئ الذي يعنيه أمر الكتابة عموما، وحالتها ولياقتها، أن يعثر على ما يريد، فيتزود بما يصادفه من خير أو شر، أو لا يتزود بشيء على الإطلاق.
لقد كانت ثمة ردود على مقالي، منها رد من الناشرة منى هيننج، التي تدير مؤسسة دار المنى في السويد، وغالبا تختص بترجمة الأدب الإسكندنافي إلى اللغة العربية، وقد وصلتنا عن طريق جهودها هذه، مؤلفات رائعة لجوستان غاردنر، مثل «عالم صوفي»، إحدى أهم الروايات المعرفية التي يمكن قراءتها، وأيضا القصة العظيمة التي يمكن اعتبارها أدبا ساخرا حكيما، وفي الوقت نفسه، أدبا يحمل جينات معرفية، وأعني رواية «المئوي الذي قفز من النافذة واختفى»، تلك التي كتبها يوناس يوانسون، وأردد دائما، أنها رواية صعبة، لأن لا أحد يستطيع كتابة كل تلك السخرية، بدون أن يجرح أحدا، وقد كتبها يوانسون، وكانت في قمة الرقي. ولعل من إصدارات المنى المهمة، سلسلة الراحل العظيم، هيننج مانكل من أدب بوليسي مختلف عن أدب الجريمة، في كونه كتب بأدوات جيدة.
تقول منى في ردها، إن معارض الكتب على كثرة انتشارها، لا تساعد كثيرا في ازدهار الآداب، وقد تؤدي لتدهورها أكثر، بسبب انتشار الضعيف والرديء، وإن من الأصلح للكتب، أن توزع في أماكنها الطبيعية، أي المكتبات، والذين يودون القراءة فعلا، سيقصدون المكتبات وسيحصلون على ما يريدونه من كتب معرفية أو كتب للتسلية، هي ترى أن الكتاب يصبح سلعة تجارية غير جادة، وأيضا ربما يتبعه كثير من السخرية واللامبالاة، حين يحمل من معرض لمعرض، لا هم لمعظم الناس فيه سوى النزهة، واقتناء كتب الطبخ، وتلك الكتب التي تحرض على الخراب في الأذهان، وبالنسبة لجلوس الكتاب الجيدين على منصات التوقيع، أسوة بغيرهم، فهذا طقس مزعج، ولا يقدم شيئا، ومحبط أيضا كما قلت أنا شخصيا في مقالي السابق.
منى تقترح أن تغلق معارض الكتب في كل البلاد مؤقتا لمدة عامين، ونراقب بعدها حركة الكتاب، إن ازدهرت أو تضاءلت، هي كناشرة ستعثر على طرق تسويقية أكثر جذبا وجمالا يسير فيها الكتاب بكل احترام، وهيبة.
الروائية الفلسطينية: ليانة بدر، ترى أيضا ضرورة تعطيل معارض الكتب قليلا، من أجل أن نرى نتائج حركة الكتاب، وقد يكون ثمة تخلص من الرديء، أو حتى انحسار في انتشاره، مع صعود الجيد، إلى حركة الشراء وبالتالي، فائدة قصوى للكاتب المجتهد، والقارئ الذي يبحث عن كتاب راق، ليطالعه.
شخصيا لست مع إلغاء معارض الكتب، أو تعطيلها على الرغم من إيجابيات قد تحصد من قرار كهذا، وسلبيات قد تنتهي، إن حدث وعطلت المعارض لعامين أو ثلاثة، شيء أشبه بإحداث ندرة في الكتاب، وبالتالي تنشيط حركة البحث عنه، تماما حينما يوقف ضخ النفط لفترة مثلا، حين تهبط أسعاره، وبالتالي يستعيد شيئا من مكانته، فالكتاب المحمول على عاتق الناشرين من معرض لآخر، في موسم بدء المعارض، يبدو بالفعل مادة يغرق بها السوق في تلك المواسم، ولا نستطيع معاملتها بما قد تكون تستحقه من وقار، الناشر هنا، وبما يدفعه من تكاليف شحن، وإيجار لباب أو بابين في أي معرض، وتعيينه لموظفين يشرفون على بضاعته، يوقن تماما بينه وبين نفسه، بأنه وفر على الناس تعب البحث، وجاءهم بما يريدونه حتى عندهم، وأظن أن هذه فكرة تروق لبعض متسوقي الكتب، من أولئك القراء الموسميين الذين لا يبحثون عن الكتاب عادة، ولكن يتسوقون بالكتب في مواسم طرحها السنوي بطريقة شبيهة بأي تسوق آخر، وربما لا يقرأون حتى، أما الآخرون الذين ذكرت اهتمامهم بالكتب، فهم يغشون المكتبات، حتى ومعارض الكتب منصوبة في ديارهم.
أعود لفكرة الناشرين، الذين قد يتحسرون أو يستاءون بشدة إن لم يكن ثمة معارض، ولا أنسى الناشرين المهتمين بصناعة يوم التألق للكتاب الحالمين خاصة، هؤلاء سيخسرون لا بد من عدم وجود حالمين يتكفلون بالنشر ومضاعفاته، ويأتون بزخم كبير إلى مقراتهم في المعارض، ليلمعوا ويتألقوا، ويبدأوا في حلم جديد لعام مقبل، وهكذا.
فكرتي التي قلت بأنها ضد تعطيل المعارض رغم ذلك، ألخصها في أن ثمة ناشرين لفروع معينة من المعرفة، ولا يمكن العثور على إنتاجهم إلا في المعارض، هذه الفروع قد تكون خاصة جدا ولا يطرق بابها إلا قليلون، لكنها بلا شك مهمة، مثل أدب الرحلات الذي تضطلع به دور معينة، والموسوعات في شتى المجالات التي لا تعثر عليها في المكتبات، أيضا المخطوطات القديمة من مجلات وصور وكتب، قد تعيد إلى الذهن حوادث بعينها، وتواريخ مفرحة ومحزنة، وكنت أصادف رجلا مسنا في المعارض، يأتي بتلك المخطوطات وثمة من يسيل لعابه من أجل أن يقتني بعضها. هي بضاعة غالية عند بعض القراء والباحثين، ولا بد يسعدهم حضورها إلى ديارهم.
شيء آخر، وهو أن معارض الكتب تبدو سمة حضارية لكل البلدان، سمة لم يتخل عنها الغرب رغم تحضره الكبير، وما تزال معظم الدول الغربية تتبناها، وبالتالي نحن أولى أن تكون من سماتنا التي نقدرها، هناك معارض سنوية للسيارات، والماكينات الزراعية، والحواسيب الآلية، ومعدات الأمن والسلامة، وكل شيء، فلماذا لا تكون ثمة معارض للكتب؟
أظن الأمر مهم، فقط يجب تنظيم الفوضى قليلا، خاصة في المعارض الضاجة، وأيضا تخفيف الرقابة في تلك المعارض التي لا تملك أي آلية مدروسة في منعها للكتب، وقد تحجب كتابا بسبب عنوانه، أو رسم في غلافه، أو حتى صورة مؤلفته على الصفحة الخلفية. أيضا لا بد من قوانين للحد من فوضى التوقيع، بحيث يكون في منصات خاصة، وليس داخل مقرات الناشرين.
ما دمنا نريد الاستمرار، عارضين للكتب، ونملك سمة التحضر هذه، علينا ترتيبها جيدا.
٭ كاتب سوداني
أمير تاج السر
وأتمنى على كتَّاب المقالات بأنْ ينهجوا نهجَك؛
كثيرًا ما تشيرُ إلى أهم الكُتَّاب، والكُتب …
لا غنى عن معارض الكتب ولكن المشكلة الحقيقية هي في دور النشر التي تأخذ هذه المناسبة كفرصة تجارية للربح بعد ان تكون قد امتصت عرق الكاتب الذي لا يصيبه من ثمر تعبه سوى الفتات، وكل دور النشر هي عبارة عن دكاكين تجار الثقافة لا يهمهم سوى الربح
كلّ تجارة تقوم على ( صراع ) قانون اقتصادي هوالعرض والطلب إلا الكتاب يقوم على صراع بين الكاتب ( الفكر) والناشر( المال ).ومن هنا
تكمن النتائج الانشطارية خارج قانون الاقتصاد.ومن هنا أيضّا ترى أحدالناشرين صاحب ثروة من وراء الكتب كما في الغرب ؛ وترى ناشرآخرمدقع كما في الشرق.والسبب يكمن في تناقض الصراع ؛ ولا يحلّ هذا التناقض إلا التسويق الجيد الدعاية…القاريء المقتني للكتاب.
ولا فرق بين معارض الكتب وبين المكتبات في هذا ( الصراع ).