منذ بدأت في متابعة ورصد الفضائيات قبل سنوات، وأنا مستمتع بنوافذ لم أعرف عنها من قبل، فالإعلامي المحترم أحيانا يساوي قناة بكامل طواقمها وقد يحمل القناة على أكتاف سمعته وحرفيته.
معتز الدمرداش، إعلامي مصري محترف، ورجل يمتهن الحوار على الهواء، وقادر على أن يجذبك إلى فقرة يقدمها في أي من برامجه.. حتى لو كانت عن أثر الباذنجان المقلي على الأمطار الحمضية في جنوب الأمازون.. فهو يشدك بتهذيب وتشويق لا إسفاف فيه.
لكن، الإسفاف، ويا للمفارقة، أصبح عنوان الواقع المعاش بكل تفاصيله في مصر، لتتفوق العبثية والمساخر في الواقع على كل فانتازيا الدراما وتوفيق عكاشة، وحملة المباخر في الإعلام.
قناة «المحور» ليست من مفضلاتي لأسباب لا علاقة لها بتصنيفات النفاق الإعلامي، فالمحطة فعليا كافية خيرها وشرها بهذا المجال، لكن برنامج 90 دقيقة لمعتز الدمرداش، قادر على أن يحمل القناة إلى ضفاف المتابعة.
طبعا، تابعت بشغف قصة النائب المصري البرلماني التشريعي المنتخب عبر صناديق انتخاب وأصوات المقهورين البائسين راشد أبوالعينين، من صعيد مصر، والتي بدأت حين قرر الدمرداش في دقائقه التسعين أن يفتح ملف محسوبيات النواب الذين توسطوا لأبنائهم بقبولهم في كلية الشرطة كمرشحي ضباط، وكانت بداية الحكاية الكوميدية، التي تصلح نموذجا لأدب العبث السياسي العربي، أن برنامج الدمرداش، اتصل هاتفيا بالنائب راشد أبوالعينين، ليسأله عن قبول ابنه، ليجيب الصوت على الهاتف بثقة أن «ابنه» مؤهل للقبول، ويكمل بالإجابة بفلسفة حول الموضوع، ومداخلات الدمرداش تخاطبه باسمه على أنه النائب في مجلس الشعب المصري راشد أبوالعينين.
صحافي متابع ونبيه من أسيوط، التقط المكالمة والصوت، فاتصل بالبرنامج من فوره، ليبلغ زميله الدمرداش أن المتحدث ليس النائب نفسه، بل شقيقه السيد إبراهيم أبو العينين!
ملامح الدهشة التي ظهرت خلال لحظات على وجه الدمرداش، لا يمكن تقييمها بكل لحظات الدهشة، التي حاول مخرجو هوليوود تقطيرها من كل وجوه نجوم التمثيل، لأن معتز كان صادقا جدا بدهشته، التي انتقلت عدواها لكل متابع معه، بمن فيهم نحن المشاهدين.
في تلك اللحظة التاريخية من عبث الواقع ومسخرة الوقائع، وأمام تساؤلات الدمرداش على الهواء التقط النائب راشد أبوالعينين الهاتف من يد شقيقه إبراهيم على ما يبدو، وأمام دهشتنا جميعا، والتساؤلات الدمرداشية، حلف النائب أغلظ الأيمان على الهواء أنه المتحدث منذ البداية، رغم استنكار مقدم الحلقة لكل هذا العبث، الذي أنهاه بعد حوار اكتشف «بيزنطيته» مع النائب الكاذب، الذي سيمثل الشعب!
كنت مدركا أن اليوم التالي لن يمر على خير، وكمتابع مهني، أدركت أنه لن يمر الموضوع، وكان ما توقعت وكانت حلقة الدمرداش في اليوم التالي وفي فقرة كاملة ومشوقة استضاف بها في الأستديو النائب البهلواني راشد أبوالعينين نفسه بكل شحمه ولحمه تحت جلابيته الشعبية، التي ارتأى النائب الصعيدي الظهور بها كطريقة سهلة للوصول إلى قلوب متابعيه المحليين.
ما حدث في تلك الفقرة يفوق الوصف في حوار يحاول فيه إعلامي أن يضبط فيه إيقاعا محترما مع نائب لم يحترم نفسه ولا ناخبيه ولا مشاهديه ويصر على أن يتمادى في العبث والكذب والتدليس، ليقع في مطبات أعمق كلما حاول الإفلات من كذبته الأولى، لننتهي أمام نموذج للإرادة الشعبية في مصر، ممثلا بشخص هذا الرجل، وإعلام يكاد يفقد عقله أمام واقع سياسي مصري عبثي يشبه «العصفورية» بكل تفاصيلها.
كان الله في عون معتز الدمرداش والإعلام المصري.
«الفلوس ما بتيجيش بالمشي البطال»
لكن فضائية مثل «القاهرة والناس»… والقاهرة التي نعرفها تاريخيا براء منها، كما أن ناس مصر «الجدعان» منها براء.
ومن تلك الفضائية، برنامج كائنات فضائية اسمه «نفسنة»، استضاف في حلقته الأخيرة الراقصة الفاضلة سما المصري، في حوار لا رأس له ولا قدم، تحدثت فيه – الله يسلمها- عن حياتها بتفاصيل السيرة الذاتية، التي بلا شك ستكون نبراسا لأجيال وأجيال قادمة في القاهرة وضواحيها من عالم عربي يتابع باهتمام كل ذلك الحوار.
آراؤها في الحياة، والفن والفلسفة والتاريخ كانت جواهر متناثرة في الاستوديو، وعلى الهواء… وما على المشاهد إلإ السعي لالتقاط عيون الحكمة مثل «الفلوس ما بتيجيش بالمشي البطال» أو «لا يهمني من الراجل إلا جيبه» أو استنكارها لأمها التي طردتها من البيت، لكن أهم ما جادت به قريحتها، حين قالت جملتها الشهيرة التي تحتاج إلى تأمل عميق: أنا عايشة بتضاريسي.
نعم أيها السيدات والسادة… الإنسان – مثل سما المصري- يعيش بتضاريسه. وهذه – لعمري- عبارة عميقة بعمق كل التضاريس المذكورة أعلاه، أو عمق تضاريس وجع القلب من واقعنا المهترىء حد اعتبار سما المصري ضيفة على برنامج حواري.
الإحتجاج فوق «الأنتين»
كم هو معبر ذلك الاحتجاج الذي لجأ اليه مواطنان مغربيان للتعبير عن غضبهما من مصادرة أرضهما، حينما صعدا إلى عمود استقبال المحطات التلفزيونية «الأنتين» اللاقط السلكي لمحطات التلفزيون الأرضي منذ عشرة أيام وما زالا معتصمين كي يستجاب لتظلمهما.
هذا الأسلوب الغريب في الاعتصام يكشف إلى أي مدى يؤثر الإعلام في حياتنا هذه الأيام، فالشابان أوصلا رسالتيهما إلى المغرب كله ومعه وسائل الإعلام العالمية من هذه الخطوة الرمزية، التي تحمل كل معاني الجأر بالشكوى بطريقة حضارية.
لم يذهبا للاحتجاج أمام التلفزيون، كي لا تقبض عليهما الشرطة، كما هي العادة في بلادنا، بل فعلا الأمر في بيتيهما وأمام الملأ، وهما لم يسيطران على مبنى الإذاعة والتلفزيون كما جرت العادة في الإنقلابات في العالم الثالث. لكنها بالتأكيد هي وسيلة عبقرية قد يكون لها صدى كبير وتقليد في مقبل الأيام.
إعلامي أردني يقيم في بروكسل
مالك العثامنة
أخي،مالك،يسعد صباحكم ومساؤكم في عاصمة الإتحاد،الذي نتمنى،أن يصيبنا يومآ بعدوى الوحدة أو الإتحاد ،الطوعي بالديمقراطية،التي حلمنا بها طويلآ ،وفشلنا في تحقيقها كثيرآ سعدت،بوعيك،نقدك ،متابعتك،لبرامج ومحطات وسائل الإعلام،
سأبحث عن القناة ،وبرنامج إلاعلامي المحترف والمحترم،في الزمن الصعب،فشكرآ،على التنوية على ما يستحق المتابعة !.
يا سيدي المثل الشعبي بقول ” هيك مزبطة بدها هيك ختم ” وهذا ينطبق على جميع الشعوب العربية وبرلماناتها