معرض «قربوش» للإيطالي كارمينيه كارتولانو: عالم القاهرة من وحي ثلاثية نجيب محفوظ

حجم الخط
0

القاهرة ــ «القدس العربي» من محمد عبد الرحيم: لم تزل قاهرة نجيب محفوظ تثير خيال العديد من الفنانين، قاهرة ثورة 1919، والعهد الملكي، والنضال ضد المحتل، وسُلطة مفقودة يمارسها الرجل على المرأة، حالة فصام، كما تجسدت في أشهر شخصية ذكورية أصبحت مضرباً للأمثال على الرجل المتسلط في بيته (أحمد عبد الجواد) بخلاف سلوكه الخفي.
ومن أشهر أعمال محفوظ تأريخاً لحياة مصر والمصريين تأتي ثلاثيته «بين القصرين، قصر الشوق، والسكرية». ومن بين رموز ذلك العهد يأتي «الطربوش»، غطاء الرأس الشهير الذي اختفى، وكان من أهم مميزات وسمات الطبقة الوسطى المصرية، ومن هذا الرمز وعالمه يستوحي الفنان الإيطالي كارمينيه كارتولانو معرضه المعنون بـ «قربوش .. أصداء نجيب محفوظ»، المستوحى بالكامل من الثلاثية، والمقام في غاليري مشربية في القاهرة.

عالم الثلاثية

يتمثل المعرض من خلال (الطربوش) بعض العبارات من الثلاثية، التي كُتبت خلف كل تصميم، قام الفنان بنسجه من وحي هذه العبارات، التي تختلف وتتنوع ما بين علاقة الرجل والمرأة، وصورة السلطة، وأجواء القاهرة وقتها. تبدو طرافة الفكرة في أن يأتي رمز ذلك العصر ليوضح مدى الاختلاف بين ما كان وما هو كائن الآن. وهل بالفعل طال التطور والرقي نفوس المخلوقات؟ أم أن هناك ردّة كبيرة بين الزمنين. وما بين رصد محفوظ والمشغولات التي جسدها كارتولانو نستطيع تخيل هذا الزمن، وعقد المقارنات التي لا تنتهي. فهل تشوهت القاهرة وتشوه ناسها؟ وهل القضايا التي كانت تؤرق أهلها زالت، أم ما زالت قائمة، وماذا عن الوعي الشعبي في ذلك العهد؟ من البحث عن شعار مثل «الخبز والحرية»، أو نظرة الرجل إلى المرأة وعلاقتهما المضطربة دوماً، فما بين الحب الصامت خلف المشربيات/المتاريس الوهمية، وجلسات الهوى تتواتر الحياة بكل تفاصيلها.

التقنية

من خلال (الطربوش) كمجسم إطاراً ومساحة للعمل الفني، يأتي الفنان ليشغل من الخيوط أشكالاً ورموزاً يستعيض بها عن العبارات أو شخوص الرواية الشهيرة، كشارب (سي السيد) الذي يصبح مجموعة من الشوارب البلاستيكية الصغيرة، أو أساور (جليلة) الذهبية، أو رمزاً كلمة أفعى، التي ترد في إحدى العبارات. من ناحية أخرى يستخدم الفنان خامات متنوعة، مثل الخيوط والصوف، وأشكالاً بلاستيكية، وبعض النماذج لحيوانات، كالحمام والثور وخلافه.

الحالة الفنية

ما تتركه الأعمال في المتلقي ــ بخلاف محاولة التماهي مع هذا العالم البعيد ــ هو قدر من التواصل معها، بداية من طرافتها كفكرة، ولكن .. ماذا لو لم تكن هذه العبارات مكتوبة وراء كل عمل؟ بمعنى أن الفنان لم يستطع الإفلات من قوة وسطوة العبارات، ولم يستطع أن يعبّر من خلال عمله الفني ــ فقط ــ عن هذا العالم. من الممكن القول بوجوب الاطلاع على الثلاثية، وأن العبارات المُنتقاة تستلزم قارئا قوي الذاكرة، لكن الأمر يبدو كشيء قاصر لن يكتمل بدون هذه العبارات، فهل لنا أن نتماهى مع هذه الأعمال بدون ذكر هذه العبارات المحددة؟ نعتقد أن الأمر سيختل كثيراً، وأن وجود مثل هذه العبارات أوضح الكثير من العمل الفني، المختلف كوسيط عن الكتابة. هذا ما أثار التساؤل بعد مشاهدة المعرض، رغم جديته واختلافه عن الكثير من المعارض والأعمال الفنية التقليدية التي تستوحي عالم نجيب محفوظ، هذه الأعمال التي لن تنتهي، فسيظل عالم الرجل يوحي للكثيرين من الفنانين باختباره ومحاولة التعبير عنه، سواء أكان تشكيلاً أو موسيقى أو تصميما مسرحيا.

معرض «قربوش» للإيطالي كارمينيه كارتولانو: عالم القاهرة من وحي ثلاثية نجيب محفوظ

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إشترك في قائمتنا البريدية