معركة إسقاط العلمانية من الدستور التركي

حجم الخط
59

فرّقت الشرطة التركية تظاهرة نظمها أنصار العلمانية أمام البرلمان التركي في أنقرة غداة إعلان رئيس البرلمان رفضه إدراج العلمانية كبند في الدستور التركي الجديد.
رئيس البرلمان إسماعيل قهرمان، عضو حزب «العدالة والتنمية» قدّم محاججة قال فيها «بصفتنا بلدا مسلما، لماذا علينا أن نكون في وضع نتراجع فيه عن الدين. نحن بلد مسلم وبالتالي يجب أن نضع دستورا دينيا» وأضاف «قبل أي شيء آخر، يجب ألا ترد العلمانية في الدستور الجديد».
أحد قادة حزب «العدالة والتنمية»، مصطفى سنتوب، حاول النأي بالحزب عن تصريحات قهرمان، قائلاً إن رئيس البرلمان «لم يتكلم باسم حزب العدالة والتنمية»، أما زعيم حزب الشعب الجمهوري كمال كيليتشدار أورغلو فندّد بتصريحات قهرمان قائلا إن «العلمنة هي ضمان حرية العبادة» واتهم النظام بالسعي إلى «تدمير الجمهورية»، وقد خطت شعارات المظاهرات في محافظات تركية خطوة أبعد من التنديد مهددة الساسة الذين يحاولون المساس بعلمانية الدولة بمصير سابقيهم، في إشارة إلى رئيس الوزراء التركي عدنان مندريس، أول زعيم منتخب ديمقراطيا في تاريخ تركيا، الذي أعدمه الجيش عام 1960 بتهم من بينها المساس بمبادئ علمانية الدولة.
يعكس النزاع المستجدّ الحاصل حول علمانية الدولة التركيّة خلافاً قديماً ابتدأ مع تأسيس الجمهورية التركيّة مع نهاية الحرب العالمية الأولى والطبعة المتشددة جداً للأيديولوجيا العلمانية التي اعتمدها نظام مصطفى كمال والتي كانت ردّ فعل عنيف على تدهور أحوال الإمبراطورية العثمانية وارتباطها العضويّ بالخلافة الإسلامية.
ساهمت أسطورة أتاتورك (الذي منع تفكك تركيّا وهزم الجيوش الغازية، بما فيها جيوش الحلفاء المنتصرين والذين كانوا يحتلون إسطنبول وتركيا الأوروبية، والجيش اليوناني الذي وصلت قوّاته إلى أنقرة) في فرض أجندته على الأتراك والتي كانت انتقالة كبيرة من الأيديولوجية القوميّة الطورانية التي توجّهت جغرافيا نحو آسيا الوسطى، إلى الأيديولوجية العلمانية التي توجّهت جغرافيا نحو أوروبا.
طبع العنصر الحربيّ لأتاتورك جمهوريته وحوّل المؤسسة العسكرية إلى معقل الدفاع عن تلك الأيديولوجية التي تجسّدت عبر الدستور وإلغاء المواد المتعلقة بالإسلام فيه وكذلك بإلغاء استخدام الأحرف العربية واستبدالها باللاتينية وذلك، بحسب عصمت اينونو، الرئيس الثاني للجمهورية لـ«إغلاق أبواب الماضي أمام الجيل الجديد وكسر الروابط مع العالم العربي الإسلامي وتقليل تأثير الدين على الجمهورية».
عانت الهويّة الإسلامية لتركيّا على يد الأتاتوركيين الكثير وهو ما ترك جرحاً غائراً في الاجتماع والتاريخ التركيين، وما كان للهويّة الجريحة أن تعود لتتبوأ مكانها مجدداً في الحاضر والمستقبل إلا بعد نضال سلميّ طويل، وكان إردوغان نفسه، رمز هذه الهويّة الصاعدة، قد سجن لإلقائه أبياتا من الشعر التي عبّرت بقوّة عن إيمانه الديني.
غير أن جرح الهويّة كان أحد طوابع نضال أشمل للأتراك ضد الاستبداد العسكري والأيديولوجي، وكان النظام الديمقراطيّ والحريات المدنية أحد أدوات الإسلاميين وغير الإسلاميين لإدخال بلدهم في الحداثة لتتنافس بقوّة مع باقي الأمم ولتتصالح مع ذاتها من جديد.
تتجسّد الأطوار الثلاثة لتركيا: القومية والعلمانية والاتجاه الإسلامي في الأحزاب الثلاثة الكبرى، ومحاولة إسقاط العلمانية من الدستور ستكرّر، عمليّا، ما حاول الأتاتوركيون أن يفعلوه على مدى خمسين عاما، وهو إقصاء المختلفين أيديولوجيا معهم، وفرض ذلك بالدستور وبقوة الجيش.
بمحاولته إلغاء مبادئ العلمانية يفرّط التيّار الإسلامي الذي يحكم تركيا بقوة الديمقراطية بإنجازاته ويتّجه في اتجاه معاكس للتاريخ، وعليه أن يتذكّر، لا سنوات العسف والقمع العسكري ضد الاتجاه الإسلامي فحسب، بل أن يتذكر، أن هذه العلمانية لم تمنع وجوده في السلطة، وأن يتذكر أيضاً، أنه لو لم يتمكن أتاتورك من رد الجيوش الغازية لما كان هناك وجود لتركيّا التي يحكمها حزب «العدالة والتنمية» اليوم.

رأي القدس

كلمات مفتاحية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

  1. يقول Ossama Kulliah أسامة كليَّة سوريا/المانيا:

    إذا دخلت تركيا إلى حلبة الصراع بين العلمانية والإسلامية أي هذا الصراع السياسي العقيم بين إيديولوجيا العلمانية وإيديولوجيا الإسلام السياسي فمن الواضح تماما أن حمى جلد الذات وقتلها قد وصلت إلى تركيا وبرأيي أن اردوغان يركب القطار الخطأ وأنه بذلك يعود إلى الوراء بدلا من أن يركب القطار الصحيح نحو المستقبل وفي هذا ليس فقط أهمية لتركيا بل للعالم العربي وكذلك العلاقة مع ألمانيا وأوربا لأن ميركل سارت في طريق التقارب مع تركيا ضد غالبية الاتحاد الأوربي وهي فرصة ثمينه لتركيا قد لا تتكرر في المستقبل القريب

  2. يقول محمد منصور....فلسطين:

    سياسة العدالة والتنمية تقوم على التدرج والخطوات محسوبة وأن الأوان ان تعود تركيا للحاضنة الأسلامية لكي تلعب دورها القيادي والريادي في ظل حالة التشرذم والضعف الذي تعيشة الأمة فعندما تكون تركيا علمانية يظل دورها محدود بالدولة التركية وعندما تتخلص من ارث اتاتورك سوف تلعب دورا حضاريا على مستوى الأمة.

    1. يقول Ossama Kulliah أسامة كليَّة سوريا/المانيا:

      صحيح أخي محمد منصور….فلسطين وأردوغان قدم نموذجا إيجابيا لكن على مايبدو بعد وصل إلى هذا الحد من النجاح بدأ يشعر بعنفوان السلطة وخاصة بعد أن أصبح رئيسا وهو على ما يبدو على مفترق طرق قد يؤدي إلى الانزلاق ونهاية غير حكيمه لتجربته الناجحة حتى الآن وخاصة أن ذئاب السياسة تترصد له في كل عثرة تنتابه

  3. يقول Hassan:

    أين هي الحاضنة الإسلامية والناس هم على دين العرب في حياتهم اليومية وفي معاملاتهم بل طغت إلى التكفير. لا ينسي الجميع أن بيزنطة بقيت العرب تحاول الولوج إليها لمدة تزيد عن تسعة قرون من الزمن إلىأن فتحها من هو منها. ثم آل الأمر إلى من اتخذوا الدين مطية للسيطرة على من سقط حكمهم بعد البذخ والتسيب وحب الذات والعيش فرادى حكاما ومحكومين وسادت الفوضى وصارت كل غيمة تمطر نفعها يذهب لمن أقاموا جنة الدنيا وتطاولت منابرهم استعلاءا على الناس وضاع خلق كثير لأن الجباية تذهب إلى الباب العالي وترك الكل العمل وساد الكسل والتواكل وانتشر التصوف كمادة مخدرة للجماعات وشعوب غلبت على أمرها وكثر الجهل والأوبئة وقوت بالمقابل شوكة الفرنجة بعد سبعة قرون من التبشير ومن حروب صليبية أضفت إلى استعمار بغيض وتقسيم تركة جابت العلمانية التي مازال العرب اليوم ينبذونها وهي التي فكت رسوة تربطهم بما تسمى دولة عثمانية وأنتجت لمن تقبلها فكرا جعلها محصنة من الذبح والدمار الحاصل في بلدان أخرى لأنها عادت العلمانية.

  4. يقول د. اثير الشيخلي - العراق:

    لا فائدة …. كل يغرد في سربه ، و يغني على ليلاه كما برمج نفسه و اقتنع بفكره ، دون محاولة للمراجعة و اعادة الفهم و تقصي الحقائق من مصادرها الموثوقة!

    للأسف حالات ميؤوس منها !!
    وكما يقول المثل الشامي ، اقول له تيس يقول احلبوا !! المرادف له بالعراقي ، من الصعب ذكره هنا !

  5. يقول Hassan:

    دون هروب، وهو حال العرب دائما ، أو استسلام ودون أمثلة جوفاء. الحجة تُفحم فاقدها والواقع إثبات لكل لبس. وشكرا .

  6. يقول Hassan:

    العربي إن لم يُقنع يُؤذي. وذاك هو سبب كل تناحر خاصة في المشرق العربي. أحترم رأيك كما يجب أن تحترم رأيي. ودون احترام للرأي الآخر والإقناع بالقوة نتائجه واضحة في الأزمات الواقعة بين العرب أنفسهم.

  7. يقول د. اثير الشيخلي - العراق:

    عندما تورد الحجج و الأدلة و البراهين و المصادر و الواقع و التأريخ ، ثم يأتي من يرفض ذلك كله و يتكلم بكلام عمومي و يريد ان يغطي الشمس بغربال ، من الطبيعي جداً ان اراه حالة ميئوس منها ، و من الطبيعي ان يهرب الى اتهام الطرف الآخر بالهروب و ان يأتي بما ينهى عنه بالضبط ، مع بهارات الهائية مثل القنابل الدخانية هنا و هناك !

    سبحان الله كلما ناقشت احد ، بضاعته نافقة في هذا الأمر لجأ الى هذا الأسلوب و اتبع المثل العربي القائل :

    رمتني بداءها و انسلت !

    و لله الأمر من قبل و من بعد !

    1. يقول الكروي داود النرويج:

      دكتور أثير ابدعت – جزاك الله خيرا
      ولا حول ولا قوة الا بالله

    2. يقول د. اثير الشيخلي - العراق:

      و اياكم اخي الحبيب داود

  8. يقول فؤاد مهاني المغرب:

    الإسلام تتوفر فيه كل الإديولوجيات من علمانية ورأسمالية واشتراكية وليبرالية.وتركيا تعد من أكبر البلدان الإسلامية تجدرا وتطرفا في العلمانية ورغم احتفاض عدنان مندريس أول رئيس وزراء يصل إلى السلطة بطريقة ديموقراطية لعلمانية تركيا إلا أن الجيش لم يغفرها لماندريس بسبب إرجاعه لبعض المضاهر الإسلامية ا كالأذان باللغة العربية الفصحى.هذا الأذان أبكى أفواجا كبيرة من الأتراك حجوا إلى العاصمة اشتياقا لسماع لأول أذان أثناء صلاة الفجر.بالنسبة لتردد الكلام عن عزم حزب العدالة والتنمية لإزالة العلمانية من الدستور وإدخال الغسلام أرى أن ذلك قد يعطي فرصة لمن يتربص بهذا الحزب من علمانيين وأعداء تركيا وهم كثر لزرع البلبلة والفوضى داخل البلد مما سيدفع الجيش التركي لانقلاب عسكري يرجع عقارب الساعة إلى الوراء.
    لهذا من الأجدى بحزب العدالة التريث وتأجيل ذلك لوقت لاحق حتى تنضج الأمور
    وتتلاشى العلمانية من تلقاء نفسها علما أن تركيا حققت طفرات كبيرة في الإقتصاد لم تعرفها منذ عهد أتاتورك وتقدمت إلى رقم مشرف في مصاف الدول المتقدمة زيادة على الصحوة الإسلامية كدخول الحجاب إلى قبة البرلمان.

  9. يقول ماهر .العراق:

    بالوقت الذي نفكر ونتمنى أن يتحول العراق الى بلد علماني ونقطع علاقتنا بتاريخنا الكارثي الذي لم نرى منه سوى الويلات والمصائب لكي نتقدم الى الامام ونحرر انفسنا من قيود الاسلام وكوارثه.نتفاجأ بتركيا هذه البلاد الجميلة والتي استطاعت أن تتطور و تعيش بسلام منذ مئة سنة تقريبا .تريد ان تتراجع وتتقهقر .
    هل دروس الماضي لاتكفي ومطلوب أن تجرب الشعوب وتضع يدها في النار لتعرف انها تحرق ام لا في كل مرة ؟ .عجييييب .الشعوب تنسى

  10. يقول Hassan:

    لذلك دمر العراق بسبب تصلب الأفكار التي جعلت منه مرتعا للفرس وللتكفيريين. وأمريكا تعرف أين تضع ساقها. والمشرق العربي لن تقوم له قائمة سواء بالعلمانية أو بالتأسلم.

1 2 3 4

إشترك في قائمتنا البريدية