في ظل الحديث عن موعد اقتراب معركة دير الزور ضد تنظيم «الدولة» الإسلامية في شمال شرقي سوريا، واشتداد التنافس بين الأطراف العسكرية لإيجاد دور في المعركة المرتقبة كهدف مقبل للسيطرة على حكم المدينة وثرواتها، يثور السؤال عن مدى إمكانية تكرار سيناريو معركة الموصل في دير الزور ونتائجها المحتملة، فتنظيم «الدولة» قادر حتى الآن على تأخير تقدم قوات سوريا الديمقراطية في الرقة، على الرغم من خسارته لمساحات واسعة في ريفي حمص والرقة ومنطقة البادية السورية، كما يتضح أيضا النقص البشري في صفوفه، خاصة بعد فرضه منذ أسابيع للتجنيد الإجباري ضمن قواته.
ويدرك التنظيم ان جميع القوى العسكرية تتسابق من أجل أن تحظى بدعم دولي للمشاركة في قتاله في معركة دير الزور، حيث يتحول انشغاله نحو مواجهة تحديات المعركة والتداعيات المحتملة التي تتمثل بكيفية الحفاظ على المدينة وضمان عدم سقوطها.
ويقول الخبير العسكري المقدم هشام المصطفى: إن تنظيم الدولة أصيب في الآونة الأخيرة بالوهن العسكري في صفوف قواته المتمركزة في محافظة دير الزور بسبب القصف الجوي متعدد الجهات، اضافة إلى سلسة الهزائم التي لا يستهان بها لعناصره سواء ما يسمى المهاجرين أو الأنصار.
وأشار المصطفى لـ «القدس العربي» إلى أن تنظيم «الدولة» يولي معركة الرقة أهمية كبيرة في ظل ضغط قوات قسد على خطوط الإمداد بين مدينتي دير الزور والرقة، لذلك يستبعد حسم معركة الرقة قريبا، نتيجة اعتماد التنظيم على سياسة الكر والفر والقتال الخاطف السريع.
وأضاف، «تنظيم الدولة يدرك في حال حسمت معركة الرقة لصالح قسد ستكون دير الزور هي المعركة الحاسمة له ولمن يقاتله، لذلك اضطر خلال الأيام الماضية إلى تقوية قواته على خط جبهات شمال دير الزور، خاصة بعد تسريبات تنبئ بفتح قوات قسد المدعومة من قبل التحالف جبهات تستهدف تلك المناطق التي ستلعب دورا عسكريا بتوسعة الجبهات ضد التنظيم انطلاقا من الشدادي لتخفيف الضغط عن جبهات الرقة».
ويرى أن التنظيم بعد خسارته مواقعه في خط ناحية (الكسرة) الذي ينتهي جغرافيا في منطقة (الصالحية) التي تمثل مدخل مدينة دير الزور قد يضطر إلى نقل مركز قواته إلى مدينة الميادين ومنطقة البو كمال الملاذ الأخير لقواته، وذلك نتيجة إتصالهما مع الصحراء، وخصوصا صحراء الأنبار العراقية التي تعد العمق الاستراتيجي للتنظيم الذي سيناور فيها في نهاية المطاف.
وتوقع أن تكون معركة دير الزور مفصلية، ولها عدة سيناريوهات، وتختلف قوة المعركة وطولها حسب كل سيناريو، فإن شاركت قوات من أبناء دير الزور وعشائرها التي تنتمي للجيش الحر في تحريرها من «داعش» سيختلف عما إذا دخلتها قوات قسد أو قوات وحدات حماية الشعب أو القوات العراقية والميليشيات الشيعية المرافقة لها.
ويقول الصحافي السوري ومدير شبكة «الفرات بوست» أحمد رمضان، أنه ليست هناك احصائية دقيقة لقوة تنظيم «الدولة» في محافظة دير الزور لأسباب كثيرة أهمها، إن التنظيم يمتلك حدودا مفتوحة مع العراق وحرية حركة من شرق العراق إلى محافظة دير الزور، حيث يستطيع نقل عناصره وبسرعة خلال ساعات من صحراء الأنبار إلى دير الزور.
وأضاف لـ«القدس العربي» إن جميع المعدات الثقيلة من دبابات ومدافع، مرصودة من قبل التحالف الدولي، إذ يواجه التنظيم صعوبة بالغة بنقلها، وكذلك حاليا لا يمتلك أي حاضنة شعبية له في المحافظة.
ويعتقد رمضان ان عناصر التنظيم المحليين في معركة دير الزور المرتقبة لا خيار أمامهم سوى القتال حتى الموت كونهم من الطبقة المستفيدة منه وارتكبوا جرائم بحق أهلهم، حيث يقدر عددهم قرابة ثمانية آلاف عنصر بين أمنيين وإداريين قبل التجنيد الإجباري الذي فرض مؤخرا. أما في المدينة فهم متحصنون بها جيدا ويمتلكون أسلحة ثقيلة فيها ويقدر عددهم قبل التجنيد الإجباري بخمسة آلاف عنصر.
وأكد ان التنظيم حاليا مرتبك في دير الزور لأسباب كثيرة أهمها فقدان العائد النفطي، والحاضنة الشعبية، وهجرة قرابة 50٪ من السكان خلال الأيام القليلة الماضية. إلا أنه يعتقد أن معركة دير الزور سوف تكون صعبة جدا لانها آخر أوراق التنظيم في سوريا والعراق وسيقاتل للنهاية من أجل حماية آلاف المقاتلين الأجانب وعائلاتهم القاطنين في المحافظة. ويرى الكاتب والباحث السياسي السوري خليل المقداد ان معركة دير الزور هي من أكثر المعارك المبهمة وغير واضحة المعالم بسبب المعارك السابقة في هذه المحافظة التي كان فيها التنظيم يقوم بالهجوم في محاولة للاستيلاء على المدينة.
ويضيف لـ «القدس العربي» إن هناك عدة عوامل تجعل معركة دير الزور مبهمة بسبب غياب التقديرات الحقيقية لقوة التنظيم في المدينة وريفها، لكن توجد نقاط قوة للتنظيم منها اتساع رقعة المعركة بحيث ستشمل أحياء عديدة من المدينة وريفها، اضافة للحقول النفطية.
وتوقع أن تكون معركة دير الزور المرتقبة قوية في حال مواصلة التنظيم اسلوبه الذي انتهجه خلال الفترة الأخيرة بالانسحاب وعدم القتال حتى الرمق الأخير، حيث لا تزال معركة الرقة مشتعلة ويستطيع التنظيم التحرك بمجموعات صغيرة والتنقل من منطقة لأخرى، بأسلوب حرب العصابات التي يستطيع ضرب أماكن غير متوقعة وخارج محافظتي الرقة ودير الزور.
ويرى أن أهم نقاط ضعف التنظيم في دير الزور تتمثل بأنه محاصر، حيث سيقاتل من أمامه ومن خلفه في ظل وجود أحياء لم يستول عليها في المدينة، وكذلك عشيرة الشعطيات لديها ثأر مع التنظيم وستقاتل من الداخل والخارج، فضلا عن وجود انشقاقات ضمن عناصره من أبناء المدينة، الذين معروف أن الكثير منهم يبدل الولاء وفق حسابات الربح والخسارة.
عبد الرزاق النبهان