القاهرة ـ «القدس العربي» : لم تصمد مسكنات البنك المركزي طويلاً لدعم الجنيه، الذي خر صريعاً بعد أيام قلائل أمام الدولار، ما عزز من مخاوف الجماهير بعد أن خرجت كافة أسعار السلع، وفي مقدمتها الغذائية، عن السيطرة وجعل مساعي الحكومة ووعودها بضبط الأسواق تذهب أدراج الرياح.
الفقراء المرشحون للزيادة في أرجاء البلاد هم على صدارة قائمة المتضررين من الأزمة الاقتصادية، فبين عشية وضحاها بات الدولار هو عدوهم الرئيسي، وهم الذين لم يروه يوماً ما.. فقط يسمعون عنه في نشرات الأخبار، التي باتت مصدر إزعاج، بعد أن فشلت الحكومات المتتالية في أن تتصدى للورقة الخضراء، التي أسقطت وزراء، وأحرجت رؤساء، ووضعتهم على المحك أمام أقدار عاتية. وبينما يحلو لأنصار معسكر 30 يونيو/حزيران، أن يلقوا بتهمة تردي العملة الوطنية على الإخوان ومن والاهم، الذين يلاحقون بتهمة جمع الدولار من الأسواق، يذهب خصوم النظام لاتهامه بالمسؤولية المباشرة في تردي الاقتصاد، وهو ما يقلص من شعبية الرئيس في الشارع، ويُحكِم الخناق على مشاريعه وطموحاته في التنمية، حيث تقلص الحد الأدنى المطلوب تحقيقه من مشاريع في المرحلة الراهنة فقط عند محاصرة الأزمة الاقتصادية والعمل على امتصاص الغضب الشعبي، الذي بات يتزايد بشكل يدعو للقلق من انفجار ثورة الجياع، التي يتحدث عنها كتاب وناشطون من كافة القوى الوطنية، فيما ينفي الأمر أولئك الذين يرفلون في النعيم من المحيطين بالنظام، خاصة تلك الترسانة الإعلامية التي تصر على مدار الساعة على تصدير خطاب التفاؤل بين جماهير باتت أكثر وعياً من النخبة.
وفي الصحف المصرية الصادرة أمس تزايدت التحذيرات بشأن المخاوف من سقوط البلاد في فلك الفوضى، على أثر تزايد الأوضاع سوءًا وتحذير كتاب من الفشل الحكومي في التعامل مع الأزمات المتتالية التي تلحق أكبر الضرر بالأغلبية الفقيرة، كما اهتمت الصحف بدعاوى المصالحة وتزايد معدلات العمليات الإرهابية وإلى التفاصيل:
هل آن للسيسي أن يخاف؟
«هل يمكن القول إن السيسي يعاني اليوم من حصار سياسي، يشكل خطورة على مستقبل سلطته، وتهديدا لقدرته على إدارة شؤون الدولة، كما يريد أو كما يتمنى. بعض ما يجري الآن في مصر بحسب رأي جمال سلطان رئيس تحرير «المصريون»، ربما يعطي إشارة إلى هذا المعنى، كما أن التأمل في ما انتهت إليه الخريطة السياسية في مصر التي تشكلت بعد 3 يوليو/تموز، ربما يجعل هذه الفرضية أقرب إلى التصديق. عندما جاء الرئيس عبد الفتاح السيسي إلى الحكم جاء مدعوما بخمس قوى أساسية، في مقابل قوة واحدة كبيرة خسرها، وهي قوة التيار الإسلامي المؤيد للرئيس الأسبق محمد مرسي، وفي مقدمتها جماعة الإخوان المسلمين، فقد كان السيسي مدعوما من تيار ثورة يناير/كانون الثاني بكل أطيافه، أيضا كان مدعوما بقوة فلول نظام مبارك، الذين رأوا في الحركة التي تزعمها السيسي لإطاحة حكم الإخوان فرصة لإنهاء مسار ثورة يناير، المهدد لمصالحهم والأوضاع الاجتماعية والسياسية والاقتصادية التي اكتسبوها وسيطروا عليها طوال النصف الثاني من حكم مبارك على الأقل، والتي اهتزت بقوة بعد ثورة يناير. والقوة الثالثة كانت قوة التيار المسيس في مؤسسة العدالة، وهو الذي يقوده المستشار أحمد الزند رئيس نادي القضاة، وأحد رموز وقادة حركة 3 يوليو/تموز، والقوة الرابعة هي المؤسسة العسكرية بأدواتها الأمنية، وهي الأساس الذي يبنى عليه أي مشروعية واقعية لنظام سياسي في مصر طوال ستين عاما على الأقل، ثم القوة الخامسة وهي قوة المؤسسة الدينية ممثلة بالأزهر والكنيسة. ويؤكد سلطان على أن قوتين من هذه القوى انقلبتا بالفعل على السيسي، وأصبحتا في صف الرفض والغضب، سواء بشكل صريح أو بشكل غير معلن، ولكن بصماته واضحة، وهما : تيار ثورة يناير والتيار المدني بكامل أطيافه من أقصى اليسار إلى أقصى اليمين».
حلف بين الزند وشفيق
ومن حصار داخلي لآخر إقليمي بدت ملامحه تظهر في الأفق ضد السيسي، حيث أكدت مصادر قضائية مقربة من وزير العدل المُقال أحمد الزند، أن الأخير التقى، السبت الماضي، الفريق أحمد شفيق، في مقر إقامته في الإمارات. وأضافت المصادر، لـ«الشروق»: «أن الزيارة جاءت بشكل ودي بعد الدعوة التي وجهها أحمد شفيق للزند، لزيارته في مقر إقامته، من دون أن تعلن تفاصيل الزيارة، مكتفية بالقول إنها لم تتطرق إلى أمور سياسية. وعلى الرغم من تأكيد (مصدر رفيع المستوى) كما وصفته صحيفة «الشروق»، أن «الزيارة تأتي لحضور حفل زفاف نجل قاض إماراتي صديق للزند، كان قد تعرف عليه في سنوات إعارته هناك»، وقال إن «الزيارة كانت مخططة سلفا، وإن الزند سيعود إلى القاهرة بعد أربعة أيام»، إلا أن الزيارة تخطت هذه المدة، من دون عودة الزند حتى الآن. ورجحت آراء سياسية أن الزند سوف يشكل «لوبي» مع شفيق عن طريق حزب الحركة الوطنية الذي أسسه الأخير، والذي أصبح له تمثيل في البرلمان، ضد الرئيس عبدالفتاح السيسي، بعد الضربة القوية التي تلقاها الزند من السيسي نفسه بالإطاحة به من الحكومة. كما رجحت الآراء أن شفيق ما زال غاضبًا من النظام بعد رفض طلب رفع اسمه من قائمة ترقب الوصول في إحدى القضايا، بعد رفع اسمه من قضية «أرض الطيارين»، ما يزيد من فرص التحالف بينهما ضد النظام. أما جريدة «الشعب» فنقلت عن مصادر أن الزند سوف يشكل «لوبي» مع شفيق ضد السيسي، بعد الضربة القوية التي تلقاها الزند بالإطاحة به من الحكومة».
موجة غلاء
مقبلة ستطحن المواطن
ونتحول نحو تداعيات ارتفاع الدولار، حيث أكد الدكتور فخري الفقي، أستاذ الاقتصاد والمستشار السابق لصندوق النقد الدولي في واشنطن، لـ»المصريون» على: «أن الحكومة تتكون من «الهواة»، فهم لا يعرفون شيئًا عن الاقتصاد، حيث تعمل الحكومة بنظام القطعة.. وليس لديها قرارات داخل برنامج متناغم. وقال الفقي، في حواره لـ«المصريون»، إن موجة غلاء مقبلة ستطحن المواطن، بعد استنفاد المخزون الحالي من السلع التموينية والدواء، مشيرا إلى أن زيادة دعم السلع التموينية هي الحل. وأضاف أن تعويم الجنيه يدمر الاقتصاد، لندرة النقد الأجنبي في البنوك، وأن لجوء الحكومة لطبع النقود كارثة اقتصادية، لأنها تساعد على التضخم ورفع الأسعار. وعن تداعيات رفع سعر الدولار قال، جاء هذا الارتفاع في سياق عدة إجراءات منها، إزالة القيود على الإيداع والسحب، جعل كثيرًا من المصريين يصبون دولاراتهم في الجهاز المصرفي، وهذه قد تكون خطوة في الاتجاه السليم إذا قمنا معها بتشجيع الاستثمار، وزيادة الصادرات وتنشيط البورصة، فالبنك المركزي يسعى لتوحيد سعر الصرف، بحيث يكون هناك سعر صرف موحد. واشار إلى أن البنك المركزي قام بتعويم الجنيه «تعويم مدار»، وليس «تعويمًا حرًا»، بحيث يستطيع التدخل في الوقت المناسب، ولا يكون سعر الجنيه على حسب العرض والطلب. وأضاف مستشار صندوق النقد: الجميع يعلم أن رفع سعر الدولار من 7.73 إلى 8.95، سيكون عاملاً مهمًا في زيادة الأسعار خلال الأشهر القليلة المقبلة، فهناك موجة غلاء مقبلة، لكنها لن تأتي إلا بعد استنفاد المخزون من القمح ومن الأدوية، فعندما يتم استنفاد هذا المخزون، ستجتاح الأسواق موجة غلاء خلال ثلاثة أشهر».
الدولار بريء
نعيش في عصر يزخر بانحطاط أخلاقي، فـ«أزمتنا على حد رأي عماد الدين أديب في «الوطن» ليست في انخفاض قيمة الجنيه المصري، ولكن في انخفاض المعيار القيمي لقطاعات كثيرة من الناس، أصبحنا نتعيّش على فضائح الآخرين، ونتلذذ بعورات غيرنا، ولدينا قابلية مذهلة لتصديق أي أكذوبة تحريض تُنشر على وسائل التواصل الاجتماعي، أصبحنا نصدّق من دون أن نبذل أدنى مجهود في فهم حقيقة الأمر. المذهل بحسب الكاتب أن كثيراً من التيارات التي ترفع شعار الإسلام السياسي وتتغنى بضرورة الحفاظ على القيم الإسلامية وتتوعد من يخالفها الرأي «بجهنم وبئس المصير» هي التي تشارك بكتائبها الإلكترونية في معارك التعريض بالآخرين. سماحة الإسلام وقيمه النبيلة تُعلى قيمة التسامح، وتبارك أن يستر الإنسان أخاه، وتكرّس المعنى القائل «من ستره الله لا يفضحه العبد».. ولعل أهم ما في السنّة النبوية المطهّرة هو أقوال وأفعال الرسول، عليه أفضل الصلاة والسلام، التي تُعلى قيم العفو والسماحة والإحسان والإيثار والقدرة على تجاوز الأحقاد والثأر الشخصي. ويتوقف الكاتب طويلاً أمام حديث شريف للرسول، عليه الصلاة والسلام، يُعتبر، رغم قصَر كلماته، مدرسة متكاملة من الأخلاقيات، إذ يستشهد عماد بما رواه عقبة بن عامر، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «صل من قطعك، وأعط من حرمك، واعفُ عمن ظلمك». ويرى أديب أن كل ما جاء في هذا الحديث الشريف يدعو «النفس البشرية» إلى الارتقاء عن تلك النزعة الحيوانية الشريرة التي تدعو إلى الانتقام. في حياتنا، لا نجد من يصل من قطعه، بل نحن نحرص على معاملة الغير بالمثل، بمعنى لا نسأل عمن لا يسأل عنا ولا يهتم بنا.. وفي حياتنا، يصعب أن تجد من يعطي من حرمه، بل يسعى البعض أحياناً إلى التضييق والحرمان والانتقام ممن حرمنا. أما العفو، فهو آخر شيم وقيم مجتمعنا، لأننا ننتقم ونسيء إلى مَن أكرمنا وأعطانا، فما بالنا بمن يثبت أنه ظلمنا؟».
غادة أهم من الثوار
أحد الأسئلة التي تداولتها مواقع التواصل الاجتماعي في الأسبوع الماضي كان كالتالي: «لماذا صدر حكم البراءة في قضية «الآداب» الخاصة بالفنانة غادة إبراهيم خلال أسبوع، في حين أن من تثبت براءتهم في القضايا السياسية لا يخلى سبيلهم قبل سنتين؟ السؤال ردده البعض بعد صدور الحكم الذي قضى بتبرئة ممثلة اتهمت بإدارة شبكة لممارسة الأعمال المنافية للآداب، وهو ما تم خلال أيام قليلة من إلقاء القبض عليها. ولأن ذلك تزامن مع حكم آخر صدر بإخلاء سبيل 23 شخصا كانوا قد اتهموا في بعض القضايا السياسية في أواخر عام 2013، فإن المدونين لم يفهموا الملاحظة، وأخذوا راحتهم في الاستنكار والغمز في التفسير. كان للسؤال رنينه عند الكاتب فهمي هويدي في «الشروق»، بعد أن تلقى رسالة استغاثة من إيهاب طلعت خميس أحد نزلاء سجن طرة تحقيق (عنبر 4). وفهمت أنه أملاه على غيره لأنه ذكر أنه لا يعرف القراءة أو الكتابة، وليست له علاقة بأي جماعة دينية أو سياسية، لكن ألقي القبض عليه منذ عامين أثناء الاعتقالات العشوائية التي أعقبت اقتحام قسم شرطة حلوان. ومنذ ذلك الحين لا حقق معه ولا قدم للمحاكمة ولا يعرف شيئا عن مصيره. وكل ما يعرفه أن أسرته هدمت وأن زوجته وأطفاله الثلاثة يعيشون في ضنك وكرب شديدين. لم يشك من تعذيب أو مرض. لكن عذابه الأكبر تمثل في شعوره بالمظلومية ويأسه من الخروج من السجن واقتناعه بأنه يمكن أن يقضي بقية عمره وراء جدرانه، لأنه مواطن مجهول، لا يلتفت إليه أحد أو يذكره. لا يعرف هويدي كم مظلوما مثله جرفهم إعصار الاعتقالات العشوائية ولايزالون في السجون. وتحدثت الصحف عن قوائم بأسمائهم يجرى إعدادها، ثم صرف النظر عن الموضوع، حتى وجدنا أن الفصل في قضايا الآداب صار مقدما على الفصل في القضايا السياسية. وإذ فقد الجميع الأمل في إطلاق سراح المظلومين، فإن طموح الأهالى وجهد المنظمات الحقوقية بات محصورا في المطالبة بوقف التعذيب وإنهاء الاختفاء القسري ونقل المشرفين على الموت إلى المستشفيات لعلاجهم».
يا أهلاً بدولة مبارك
يبدو أن دولة مبارك نجحت في التسلل للمشهد، بحسب محمد عصمت في «الشروق»: «يرى فصيل من المعارضين الآن أنه لم يعد يفصلنا سوى أمتار أخيرة، لكي تكتمل أركان دولة «المحافظين الجدد» التي سعى حسني مبارك وولده جمال لبناء نسختها الأمريكية.. ويؤكد عصمت أنه لم تعد هناك فروق جوهرية بين سياسات الفكر الجديد للحزب الوطني المنحل، ذات التوجه اليميني المتطرف، والساعية لإبعاد الدولة عن أي دور اجتماعي، وبين الترتيبات الاقتصادية السائدة الآن، التي تستهدف رفع الدعم عن السلع والخدمات الأساسية، والاحتكام لسعر السوق، وتحميل الفقراء فاتورة عجز الموازنة العامة للدولة، والرهان على القطاع الخاص لعبور الأزمة الطاحنة التي نواجهها الآن، من خلال الاعتقاد الخاطئ بقدرته على تحقيق معدلات نمو مرتفعة، وتوظيف ملايين العاطلين، بما يقلل من نسبة البطالة، وهي أهداف ثبت بالدليل القاطع عدم قدرة القطاع الخاص على تنفيذها.
في زمن جمال مبارك، كان صدى نجاح الرئيس الأمريكي الأسبق رونالد ريغان، وحليفته رئيسة الوزراء البريطانية مارغريت ثاتشر، في تحقيق رواج اقتصادي مذهل في بلديهما، دافعا للنظام المصري آنذاك لتحقيق طفرة اقتصادية، أسفرت في النهاية عن نتائج مخيبة للآمال، حيث أعلن الجهاز المركزي للتعبئة والإحصاء قبل ثورة يناير/كانون الثاني بعام واحد أن معدلات الفقر في مصر ارتفعت لتصل إلى 25.2٪ في عام 2010، في حين أصبحت هذه النسبة العام الماضي 2015 نحو 26.3٪ طبقا لبيانات جهاز الإحصاء، رغم أن تقديرات بعض الاقتصاديين تؤكد أن النسبة تزيد عن 50٪، كما يؤكدون أيضا أن 1٪ من الأغنياء يسيطرون على نصف الثروات في مصر، بينما بلغت نسبة «الفقر المدقع» 4.4٪ من السكان.. كل الأرقام والنسب الاقتصادية للمنظمات الدولية، تؤكد أن معدلات الفقر تتزايد عاما بعد عام».
على خطى كوريا الشمالية
ونتحول بالمعارك الصحافية نحو الرئيس الذي أمضى يومين في اليابان ومثلهما في كوريا الجنوبية وعاد منبهرًا، كما يشير يحيى حسن عمر في «الشعب» بالإنسان الياباني والكوري الجنوبي، ويتمنى أن ينقل الإنسان الكوري والياباني إلى مصر: «دعك من أن (الانبهار) بالإنسان الكوري والياباني بعد زيارة (فوقية) ولمدة أيام قليلة، هذا لا تليق بحاكم، بل توضح أن صاحبها – في عصر القرية الواحدة وثورة الاتصالات – يحاكي – في جهله بما هو ذاهب إليه – الشيخ رفاعة الطهطاوي عندما انتقل من عمق الريف في أوائل القرن التاسع عشر ليزور فرنسا، لكن يبقى السؤال: هل يريد الحاكم حقًا أن ينقل نموذج الإنسان الكوري الجنوبي إلى مصر؟
يتابع الكاتب: إننا في مصر حاليًا – مع القمع وانتهاكات حقوق الإنسان وتأليه الحاكم واعتباره المنقذ والإعلام الأحادي والانتخابات الأحادية – لا يمكن أن نكون بأي حال من الأحوال على درب اليابان أو كوريا (الجنوبية)، بل نحن مسرعون على درب كوريا (الشمالية)، بسرعة وإصرار. إن النظام المصري يصنع الإنسان الكوري (الشمالي) الذي يؤله الحاكم ويضع في يده مقادير كل شيء، فعندما يأمر شعبه بأن ينزل إلى الشوارع ليعطيه تفويضًا خارج إطار القانون والدستور، فإن مثل هذا لا يحدث في كوريا (الجنوبية) وإنما في (الشمالية)، وعندما يكرر الحاكم في خطاب واحد ثلاث مرات، أمرا إلى الشعب أن يستمع له فقط، ويكرر: (فقط)، فإن مثل هذا لا يحدث في كوريا (الجنوبية) وإنما في (الشمالية)، وعندما تكون الانتخابات الرئاسية بين (المحلل) و(المحلل له) فإن مثل هذا لا يحدث في كوريا (الجنوبية) وإنما في (الشمالية)، وعندما يجتمع مجلس النواب ليقر 350 قانونًا في أسبوعين، فإن مثل هذا لا يحدث في كوريا (الجنوبية) وإنما في (الشمالية)».
مبارك أم الجن
من صنع الانتصار؟
ليس بوسع أحد أن يعثر على ثناء يحظى به الديكتاتور المخلوع، لكن عبد الناصر سلامة بادر وفعلها في «المصري اليوم»: «بالفعل اتضح أن الجن حاجة خارقة، رأيناه على مدى ستة أعوام مضت وهو يرفع علم مصر فوق طابا، هذه الأرض الطيبة التي ارتفع فيها العلم بعد تحريرها لأول مرة، بعد احتلال دام نحو 20 عاماً، وفى أعقاب سبع سنوات من المفاوضات والتحكيم الدولي، تحديداً في عام 1989، كان الرئيس حسني مبارك هو الذي قام برفع العلم آنذاك، هذا هو الوضع الطبيعي، هو رئيس مصر الذي كان أحد القيادات المشهود لها في تحرير سيناء، سواء في الحرب عام 1973، أو في اتفاقية السلام عام 1979، أو في مفاوضات تحرير الكيلومتر مربع الخاصة بطابا، التي لم تكن أقل جهداً مما سبق، لكن ما هو غير طبيعي أن يدخل الجن على الخط، ويقوم برفع العلم منذ عام 2011 وحتى الآن، وبقدرة قادر لم يعد الرئيس مبارك يظهر في الصورة. هذه هي الحقيقة، كل عام وفي هذه الذكرى العزيزة، نرى بأعيننا العلم في التلفزيون المصري وهو يرتفع بنفسه، يصعد شيئاً فشيئاً، حتى نهاية الصواري، فيتوقف وحده أيضاً، ثم لا نرى الحبل عندما يتم ربطه حتى لا يهوي العلم مرة أخرى، في ما يشير إلى أن الحبل أيضاً يربط نفسه بنفسه، أو أن الجن الأزرق، ابن العفريت الأحمر، يقوم بربطه هو الآخر. أضاف سلامة في العام الأول لتلك الحادثة الشهيرة، وهي حادثة الجن وعلاقتها بعلم طابا، ظننا أن التلفزيون سوف يستعين بالمشايخ المتخصصين في موضوعات الجن، وسوف يجدون بالتأكيد حلاً لهذه المشكلة، إلا أنه لم يحدث».
كتلة السيسي تتآكل
الكتلة المؤيدة والداعمة والغالبة والمؤثرة وبطلة مشهد 30 يونيو/حزيران، مصابة بصدمة بالغة، ومعظمها كما يرى دندراوي الهواري في «اليوم السابع» أنها: «تدفع ثمن مساندة النظام، لصالح الوطن، لا تبحث عن مصلحة أو الحصول على غنيمة، كل ما تبحث عنه فقط، أمن وأمان واستقرار هذا الوطن. النتيجة الأخطر التي وصل لها دندراوي الهواري بشأن حالة التوجس المتزايد هو أن كتلة 30 يونيو/حزيران، بدأت تتآكل، وتنقلب على بعضها بعضا، من خلال ممارسات عدد قليل للغاية من المحسوبين على 30 يونيو، الذين تصدروا المشهد، وشيطنوه، ودشنوا للشتائم والفظاظة والغلظة والتفتيش عن الفضائح، ووصل الأمر إلى التهديد والوعيد، في إيحاء أنهم الدولة، وفوق القانون والمحاسبة، ولم يحاسبهم أحد، واستمروا قرابة ثلاث سنوات، في تبني هذا الخطاب الفظ والخشن، ما أثار غضب الجميع، وعندما تدخلت الدولة بالمحاسبة، كان التدخل متأخرا للغاية. أيضا، الاختيارات لتولي مواقع المسؤولية، كانت بعيدة تماما عن طموح المؤيدين قبل المعارضين، وللأسف، أن معظم هذه الاختيارات ورطت النظام في مشاكل، ووضعت أمام مسيرته كثيرا من المطبات الصناعية، وعملت على شيطنة الأمور في الشارع، وأول مراحل الخطر الحقيقي، شيطنة الشارع. أيضا أعطى النظام السياسي، قوة وشرعية كبيرة لمواقع التواصل الاجتماعي، الفيسبوك وتويتر، من خلال، منحه جوائز الانتصار في كل الأزمات التي أثارها، فتحول الفأر إلى وحش كاسر، وهنا الخطر الحقيقي الذي نسجه النظام من الوهم، وجعل منه سجادة حمراء لونها فاقع، وطولها فارع».
الردح لا يتناسب
مع الدبلوماسية
وزارة الخارجية المصرية لها تاريخ طويل، وربما كانت وفق ما يرى محمد أبوالغار في «المصري اليوم»: «الوزارة الوحيدة التي تلعب فيها الكفاءة الدور الأكبر، والوساطة والعلاقات الخاصة الدور الأصغر. وكل التصرفات الهوجاء من الدبلوماسيين المصريين حدثت في الفترات التي دخل فيها الوزارة في وظائف عليا مصريون من خارج السلك الدبلوماسي يفتقدون المهارات والتعليم والتدريب المناسب. وكانت الخارجية هي الناصح الأمين لرئيس الجمهورية، وإذا لم يستمع إلى النصيحة كانت تبحث عن طريقة لتجميل القرار السيء من الرئيس. ما يحدث الآن هو تصرفات مذهلة لدبلوماسية مصر العريقة. امتنعت مصر في مجلس الأمن عن التصويت على قرار بمعاقبة العسكريين الذين يعملون في مهمات للأمم المتحدة في حالات التحرش، وقد وافقت جميع دول العالم وكان المنظر مسيئاً وغير مفهوم. ولا أعرف من صاحب هذا القرار الفضيحة. هل نحن مع التحرش؟ أمر آخر يستشهد به أبوالغار حين قامت منظمات أمريكية ودولية بالهجوم الشديد على مصر بسبب الانتهاكات الشديدة لحقوق الإنسان، وقف المتحدث للبيت الأبيض يطلب من مصر مراعاة حقوق الإنسان، وتلا ذلك هجوم وزير خارجية أمريكا على ملف حقوق الإنسان في مصر. ورد وزير الخارجية المصرى مهاجماً أمريكا على انتهاكها لحقوق الإنسان الأمريكي، واحتج على طرد طالب مصري لأنه كتب على فيسبوك أن ترامب يستحق القتل، ومثل هذه الكتابة تؤخذ بجدية شديدة هناك ويمكن أن تؤدي إلى محاكمة من يكتب مثل ذلك. سياسة الردح في الدبلوماسية عفّ عليها الزمن. نحن نعرف وضعنا بالغ السوء في مراعاة حقوق الإنسان ويعرفه بدقة العالم كله، والرد الوحيد المنطقي هو أننا سوف ندرس الأمر ونراعي حقوق الإنسان، بناء على نصائح وانتقادات مجموعات من المصريين، وأن هناك مبالغات في كلام المنتقدين من الخارج، ثم نحاول أن نحسن وضع حقوق الإنسان في مصر».
إقالة الزند قرار حكيم
أثار عزلُ المستشار الزند من منصبه كوزير للعدل إثر سقطة لسانه، وتطاوله على مقام النبي ردود فعلٍ مُتباينة يتعرض له صبري الموجي في «الأهرام»: «بين مُؤيد لهذا القرار السياسي، ومُعارض له باعتبار أن ما قاله الوزير خطأُ بشري، يُغفر لصاحبه إذا ما بادر بالتوبة، وهو ما فعله الزندُ بالفعل أثناء اللقاء، والحقيقةُ أن القرار رغم رفض الكثيرين له إلا أنه كان حكيما وسريعا معا.. وترجعُ حكمةُ القرار لأمور أهمها: أن الخطأ بدر من شخصٍ جمع بين سمو المكانة، وشرف العلم، ومن ثم فإن ما بدر منه إن قُبل في حق عامة الناس عُذرا بالجهل، فإنه لا يُقبل منه وهو العالمُ الفاهم، كما أن بروتوكول المنصب كان يقتضي منه ضبط النفس وحفظ اللسان.
الأمر الآخر كما يرى الكاتب أن هذا الخطأ لم يكن هو خطأ الوزير الوحيد، بل كان له أكثرُ من تصريح اصطدم فيه مع البسطاء، الذين تمنوا (وقوعه في شر أعماله)، منها تصريحُه الفج بأن المواطن المصري يُمكنه أن يعيش بـ 2 جنيه، مما فتح عليه نيران التهكم والسخط عبر شبكة التواصل الاجتماعي، التي استنكرت مُعاناة بعض الفئات العاملة بالدولة من التُخمة بسبب البدلات والحوافز، ورزوح غالبية الشعب تحت خط الفقر والحرمان. أمرٌ ثالثٌ أن الزند لم يتعلم الدرس، ولم يستفد من أخطاء السابقين، فرغم وصوله لهذا المنصب على أشلاء وزير سابق خانه لسانُه، واصطدم بقطاعٍ كبير من المجتمع بعد تصريحه أنه لا يُمكن لابن الزبال أن يكون قاضيا، ففتح على نفسه أتُون نار غضب العامة، والذي لم يُغلق إلا بعد إقصائه من منصبه، إلا أنه أخطأ هو الآخر خطأ أشد».
هل الجيش قادر على حماية الدولة؟
هل الجيش قادر على حماية الدولة؟ سؤال غريب من وجهة نظر يوسف أيوب في «اليوم السابع»: «الجيش المصري يملك من القوة البشرية والقدرة التسليحية ما يمكنه من حماية الدولة المصرية من الأخطار الخارجية والمخاطر الداخلية أيضًا، لكن يمكن اعتباره من الأسئلة الافتراضية المطلوب طرحها كل فترة والإجابة عليها أيضًا بالمعلومات والأرقام، ليكون الجميع مطلعًا على إمكانيات وقدرات الجيش المصري. المؤكد لدى كل المصريين بل والعرب أيضًا أن الجيش المصري استطاع أن يحمي مصر من كل المخاطر التي استهدفتها طيلة السنوات الماضية، بل إنه لم يتأخر في تلبية نداءات الدول الشقيقة للوقوف معها في أزماتها ولحماية الأمن القومي العربي الذي يتعرض لهجمات شرسة من قوى إقليمية ودولية تعمل على تهديده وتقويضه أيضًا، فالقوات المسلحة المصرية أثبتت وتثبت كل يوم أنها قادرة، ليس فقط على حماية مصر، بل والأمن العربي وامتداداته، لذلك أرى أنه من حق قواتنا المسلحة علينا أن نتذكرهم كل يوم بل كل لحظة.. نتذكر ما يقدمونه لمصر من تضحيات لا تخفى على أحد، فهم يسيرون بمبدأ يد تبني ويد تمسك السلاح، وكما وصفهم الرئيس عبدالفتاح السيسي «إحدى الركائز الأساسية لحماية الدولة المصرية». لم يعد خافيًا على أحد الأزمات التي تعرضت لها جيوش عتيدة في المنطقة، وكان جيش مصر بحسب الكاتب هو الهدف التالي لمن دمروا جيوش العراق وليبيا واليمن وسوريا، لكن استطاع رجال قواتنا المسلحة أن يحافظوا على جيش مصر، ليقف سدًا منيعًا ضد أي محاولة لضربه، بل إنه وقف صلبا وصلدا أمام أي محاولة لاختراق مصر، وزاد على ذلك أن قواتنا المسلحة ضاعفت من قدراتها القتالية والتسليحية، لوجود وعي كامل لدى قياداتنا العسكرية بحجم المخاطر التي تحيق بمصر».
إهانة الحكومة
لا تليق بجهودها
واخيراً مع قبلة تكريم لحكومةأ المهندس شريف إسماعيل التي يعتبرها أحمد إبراهيم في «فيتو»: «مقاتلة وتحملت الكثير وتعمل في ظروف غاية في الصعوبة، وورثت مشكلات كل الحكومات السابقة، ومطلوب منها خلال ستة أشهر فقط أن تقدم حلولا لهذه المشكلات، وأنا أقدر تماما جهود هذه الحكومة المطروح تغييرها خلال الأيام المقبلة، ولكنني حزين جدا لقيام أحد الإعلاميين يوميا وعلى الهواء بتشكيل الحكومة وهو جالس في تكييف الاستوديو! يضيف الكاتب: يُنصب الإعلامي المذكور من نفسه رئيسا للوزراء، ثم يختار بعض الشخصيات لتولي المناصب الوزارية، أو يقوم بترشيحها إلى المهندس شريف إسماعيل لاختيارها في التشكيل الوزاري المرتقب، ما يفعله هذا الإعلامي هو إهانة للمنصب وإهانة للشخصيات التي يختارها وإهانة للحكومة وإهانة للأجهزة الأمنية والرقابية، بل إهانة للبلد كلها وتسفيه للمنصب وأهميته في عيون المواطنين، والسؤال الذي يفرض نفسه، لماذا تصمت الدولة عن هذا؟ وهل هناك أي شخصية محترمة تقبل بمجرد طرح اسمها لتولي المنصب بهذه الطريقة؟ وهل هناك دولة في العالم يقوم إعلامها بتشكيل حكومته على الهواء؟ وهل هناك دولة في العالم فيها حكومة كل ستة أشهر؟ وبحسب إبراهيم فإن تغيير الحكومات بهذا الشكل لا يمكن أن يبني بلدا أو يحقق تقدما خاصة ونحن دولة ما زلنا نعمل بلا رؤية والوزير لدينا مطلوب منه أن يفكر ويخطط وينفذ. لو أننا دولة لديها رؤية ثابتة والوزير فيها مجرد منفذ، كنا تقبلنا كثرة تغيير الحكومة والوزراء، أنا لا أعرف كيف يفكر أولي الأمر؟ هل تغيير الأشخاص هو الحل؟ أم المطلوب أن يكون التغيير في الرؤى والسياسات؟ وهل من مصلحة البلد وتعاملاتها الخارجية أن يكون هناك وزراء كل ستة أشهر؟».
حسام عبد البصير