حين تيقن الجميع بأن القائمة العراقية، ذات الهوية السنية، ستفوز بالمركز الاول في العام 2010، وكان ذلك وفق النتائج الاولية للانتخابات البرلمانية آنذاك، توجه زعيم ائتلاف دولة القانون السيد نوري المالكي إلى المحكمة الاتحادية يطلب منها تفسير عبارة «الكتلة النيابية الأكثر عددا» الواردة في المادة 76/ أولا من الدستور، والتي يكلف من خلالها رئيس الجمهورية مرشحها لتشكيل الحكومة وقد تم توجيه الطلب في 21 آذار/ مارس، وصدر القرار لصالح المالكي في 25 آذار/ مارس، واعلنت نتائج الانتخابات في 26 آذار/ مارس! وقد حظي هذا القرار «المسيس» من المحكمة الاتحادية بمباركة صريحة من جميع الكيانات الشيعية (كتلة الأحرار التي يتزعمها السيد مقتدى الصدر، والمجلس الأعلى الإسلامي بزعامة السيد عمار الحكيم التي دخلت الانتخابات تحت اسم الائتلاف الوطني العراقي) من خلال إعلان «التحالف الوطني العراقي» في 4 أيار/ مايو، أي بعد تسعة أيام فقط من إعلان النتائج النهائية للانتخابات، بوصفه الكتلة الأكثر عددا لضمان بقاء منصب رئيس مجلس الوزراء في إطارها، وبالتالي ضمان بقاء المنصب بهوية شيعية سياسية صرف (على الرغم من ان السيد أياد علاوي زعيم القائمة العراقية كان شيعيا من حيث المذهب، لكنه لم يكن شيعيا على المستوى الهوية السياسية)! ولولا هذا التواطؤ، ذو الطبيعة الطائفية البحتة، لما استطاع المالكي استخدام التفسير المسيس الذي قدمته المحكمة الاتحادية!
ولكن هذا التحالف فشل في الاتفاق على مرشحة لرئاسة مجلس الوزراء على مدى أكثر من أربعة أشهر، وعدم الاتفاق هذا اضطر الجميع إلى اللجوء إلى متوالية من الانتهاكات الدستورية؛ فمن جلسة مفتوحة للبرلمان، خلافا للنص الدستوري الصريح الذي يتحدث عن انتخاب رئيس مجلس النواب في الجلسة الأولى! إلى فراغ دستوري سببه عدم اعتراف الحكومة بانها حكومة تصريف اعمال (تصريف أمور يومية كما يسميها الدستور العراقي)! ولم يحسم الأمر إلا من خلال التدخل الإيراني المباشر من اجل إقناع السيد مقتدى الصدر بولاية ثانية للمالكي، كما اعترف بذلك الصدر نفسه في مذكرة أصدرها بعنوان «الهدف النبيل من زيارة أربيل» من جهة، ومن خلال التدخل المباشر ايضا لدفع منظمة بدر للانشقاق عن المجلس الاعلى بسبب إصرار السيد عمار الحكيم على رفض الولاية الثانية للمالكي من جهة ثانية. والمفارقة هنا أن هذا التدخل الإيراني الصريح قد حظي برغبة أمريكية معلنة ايضا، حينها، باستمرار السيد المالكي في تولي رئاسة الحكومة.
في العام 2014 شرب السيد المالكي من الكأس نفسها التي سقاها للعراقية عام 2010! فقد انقلب تفسير المحكمة الاتحادية المسيس بشأن الكتلة الأكثر عددا ضده هذه المرة! فعلى الرغم من حصول ائتلاف دولة القانون الذي يتزعمه المالكي على المركز الاول في الانتخابات حين حصل على92 مقعدا، إلا أن معضلة الكتلة النيابية الأكثر عددا أتاحت لمناوئيه، التواطؤ مرة أخرى عبر انتاج كتلة أكثر عددا رشحت السيد حيدر العبادي بدلا عنه! وقد كان التدخل الإيراني حاسما هذه المرة أيضا، من خلال الضغط على السيد المالكي لقبول الأمر الواقع الجديد، وبدعم صريح من المرجع الديني الشيعي الأعلى السيد علي السيستاني، بعد ان رفض المالكي القبول بالوضع في البداية وعده «خرقا خطيرا للدستور»، وأعلن أنه سيصحح هذا الخطأ حتما، وسيتوجه إلى المحكمة الاتحادية! ولم يكن الأمريكيون بعيدين أيضا عن تشكيل هذا الواقع الجديد!
تتكرر اليوم معضلة الكتلة الأكثر عددا بشكل أكثر دراماتيكية! مع انحسار القدرة الإيرانية على التحكم بالمشهد الشيعي، ومع احتدام الصراع الأمريكي الإيراني.
ويبدو من خلال كل ذلك أن الانقسام الشيعي الشيعي قد علق بين استقطابين؛ سائرون والحكمة من جهة، والفتح ودولة القانون من جهة أخرى. وقد تفاقم هذا الاستقطاب مع التفكك العملي لقائمة النصر، إلى طرف يمثله السيد العبادي يبدو أقرب إلى سائرون والحكمة، وقد بدا ذلك واضحا في اجتماع يوم الأحد الماضي في فندق بابل. وطرف ثان من النصر يبدو أقرب إلى الفتح ودولة القانون يضم السيد فالح الفياض وحزب الفضيلة والحزب الإسلامي! وهذا الانقسام أدى إلى تشكيل كتلتين متقاربتين جدا من حيث العدد، تبدو معها مسألة إعلان إحداها كتلة أكثر عددا معقدة للغاية!
هذا الواقع أنتج واقعا جديدا تكون فيه للقوى الأخرى، غير الشيعية، لأول مرة منذ العام 2003، دورا حاسما في تشكيل الكتلة الأكثر عددا. وقد شاهد الجميع ما حدث في اجتماع فندق بابل، عندما كانت الآمال كبيرة بإعلان الكتلة الأكبر، اعتمادا على افتراضات وأوهام حكمت بعض المجتمعين هناك مفادها ان بإمكانهم أن «ينتقوا» من يريدون من القوى السنية ليلتحقوا بهم، وأن يستخدموا «الفيتو» ضد من لا يريدونهم! ولم يتعاطوا بعقلانية مع إعلان الكتل السنية الرئيسية تحالفا تحت مسمى «المحور الوطني». تماما كما اعتمدوا على افتراض أن الحزبين الكرديين سيضطران للالتحاق بهذه الكتلة الأكثر عددا وفق شروطهم!
إن معضلة الكتلة الأكثر عددا في النهاية، لم تكن سوى مؤشر آخر على أزمة النظام السياسي العراقي، فعندما تتحكم المصالح الضيقة، والتسييس، بالدولة وسلطاتها ومؤسساتها، لا شيء في الافق غير الفشل!
٭ كاتب عراقي
يحيى الكبيسي
من مهزلة الى مهزلة و من كارثة الى كارثة هذه هي حصيلة حكم الملالي ….د. رعد مقبل العبيدي
الكتلة الاكبر ستتشكل في ساعة واحدة فقط لكن بعد وصول الاوامر من الخارج.