«إن بعض الظن إثم، اتفقت مع القيادة الفلسطينية، وبدأت أشك في أن إسرائيل لا تريد السلام. يا ربي سامح القيادة الفلسطينية على سوء الظن». كان هذا تعليق صديق لي على موقعه في الفيسبوك، أضحكني هذا التعليق وشر البلية ما يضحك.
أضحكني لأنه بسخرية يلخص واقعا قائما، ويؤلمني لأنه فعلا يعكس الانطباع الذي يتشكل لديك عند استماعك أو قراءتك لردود الأفعال المتفاجئة للكثير من مسؤولي السلطة، على تصريحات أو قرارات تصدر عن مسؤولين في الحكومة الإسرائيلية، وكأنها تصريحات صادمة تصدر عنهم لأول مرة.
وجل هؤلاء المسؤولين، إن لم يكن كلهم، يعتقد خاطئا أن من واجبه ومن صميم عمله، أو على الأقل لإثبات وجوده، أو تحليل للراتب الذي يتقاضاه في نهاية الشهر، أن يرد على ما تقوله أو تفعله الحكومة الإسرائيلية الأكثر يمينية وتطرفا، وفي الوقت ذاته الأكثر وضوحا في سياساتها الاستيطانية، والأكثر صراحة، بل والأكثر صدقا من سالفاتها من الحكومات الإسرائيلية، حول نواياها وسياساتها إزاء الأراضي المحتلة، فهي تفعل ما تقول، وأحيانا تفعل من غير قول، ولا تهمها لومة لائم.
يصدر عن هذا المسؤول أو ذاك كلام بمجمله لا يعني شيئا، بل يصور مدى التخبط وفقدان الحيلة والوسيلة، ويعكس في أحسن الأحوال سذاجة، مثل القول «إن مصادقة الكنيست على قانون سلب الأراضي الفلسطينية هو قانون يؤكد أن إسرائيل لا تريد حل الدولتين. وآخر يقول إن اسرائيل اختارت منذ زمن بعيد المضي في ترسيخ مشروعها الاستيطاني العنصري، وإدامة احتلالها والحيلولة دون إقامة الدولة الفلسطينية وانتهاكها للقوانين والقرارات الدولية، بما فيها قرار مجلس الأمن الأخير 2334.
يبدو أن أصحاب هذه التصريحات إما أنهم لا يقرأون ولا يسمعون، وإن سمعوا وقرأوا فإنهم لا يستوعبون. الحكومة الاسرائيلية لا تلجأ إلى طرق ملتوية بل تعلنها بملء فمها، فقد أعلن عن رفضه للدولة الفلسطينية رأس الهرم بنيامين نتنياهو في أكثر من مناسبة وفي أكثر من تعبير. قالها في اليوم قبل الاخير لانتخابات مارس 2015، وقالها من بعد ومن قبل. هو لا يريد دولة فلسطينية فحسب، بل هو الآن يضع شروطا للموافقة على مجرد المشاركة في مفاوضات مفتوحة وغير مشروطة مع الفلسطينيين، الشرط الاول أن يعترف الفلسطينيون بيهودية دولة اسرائيل، وما ينطوي عليه هذا الاعتراف من تداعيات على فلسطينيي الداخل. أما الشرط الثاني فهو أن يكون أمن فلسطين التاريخية من بحرها (المتوسط) لنهرها (الاردن)، بيد الاجهزة الامنية الاسرائيلية، بعبارة اخرى يقول ألا دولة فلسطينية ذات سيادة بأي شكل. كلام واضح لا لبس فيه «بس احنا ما بدنا نفهم».
كان نتنياهو سابقا يراوغ قدر المستطاع، خاصة في لقاءاته مع مسؤولين غربيين، أما الآن وبمجيء ترامب أصبح لا يجامل احدا في موقف. ورفض على سبيل المثال أن يلزم نفسه في مسألة حل الدولتين خلال اجتماعه يوم الاثنين الماضي برئيسة الوزراء البريطانية تريزا ماي، في مقرها في لندن، التي أكدت تمسك الحكومة البريطانية بخيار حل الدولتين، فتجاهل قولها، وآثر الحديث عن مخاطر ايران والاوضاع في سوريا. ورغم ذلك فقد كافأته ماي بدعوته للمشاركة في احتفالات الذكرى المئوية لوعد بلفور المشؤوم، الذي كان سبب الكوارث والنكبات التي حلت بالشعب الفلسطيني، على مدى قرن، من دون أن تحاسب بريطانيا نفسها على إصدار مثل هذا الوعد، ومن دون أن تحاول التكفير عن خطيئتها هذه، ولكن ما الذي يجبرها على ذلك، في غياب المطالب؟
مسؤول آخر يقول إن تمرير «الكنيست» لمشروع قانون يسمح بالاستحواذ على أراض مملوكة للفلسطينيين لصالح المستوطنات، تصعيد خطير يدعو لإعادة النظر في كل المسار الذي تسير عليه القيادة الفلسطينية، وأرد على هذا المسؤول بنقطتين، الاولى هي تذكير المسؤول، صاحب المقولة، الذي يبدو أن بطاقة الشخصيات المهمة «VIP» التي تجنبه المرور عند الحواحز، جعلته ينسى أن الضفة الغربية، بل فلسطين كلها من النهر إلى البحر هي الان والى حين ميسرة بيد اسرائيل. وثانيا كنت سأكون ممنونا واعتقد أن غالبية الشعب الفلسطيني سيكون ممنونا أيضا لهذا المسؤول أو غيره لو أنه حدد لنا المسار الذي يتحدث عنه، وحتى نعفيه من الرد نقول عنه ليس هناك مسارا آخر.
وقال مسؤول آخر في منظمة التحرير، إن هذا المشروع يشير إلى الضم النهائي للضفة الغربية والحيلولة دون قيام دولة فلسطينية، التي بدونها لن يكون هناك سلام أو استقرار في المنطقة والعالم، لو اخذنا بكلام هذا المسؤول من الناحية النظرية فكيف يمكن تطبيق هذا التهديد عمليا.
كيف يمكن أن يكون ذلك، والمنظمة «الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني» أسقطت خيار المقاومة المسلحة، حتى من ميثاقها الوطني في دورة المجلس الوطني التي عقدت في غزة عام 1996، بطلب من الرئيس الأمريكي السابق بيل كلينتون وبمشاركته، وكنت شخصيا حاضرا فيها؟ كيف يمكن ذلك وقد تبنت المنظمة المفاوضات خيارا استراتيجيا ووحيدا لتحقيق الحلم الفلسطيني؟ كيف إذن يمكن ذلك إذا كانت السلطة تقف ضد الانتفاضة المسلحة وغير المسلحة والمقاومة الشعبية؟ بالمناسبة فإن عمليات الدهس والطعن هما في صلب المقاومة الشعبية. ورفضها أو إدانتها أو محاولة وقفها، هو عمليا وقف للمقاومة الشعبية. باختصار كيف يمكن أن تكون منظمة التحرير عنصرا فاعلا ومؤثرا، وقد ألقت في سلة القمامة عند اول عتبة من عتبات اتفاق اوسلو، بكل أوراق التفاوض التي كانت بين أيديها بحسن نية أو بسوئها، أو غير ذلك؟ المنظمة اليوم أصبحت ذاك الأسد الهرم الذي فقد كل انيابه.
وهدد مسؤول آخر بالقول إنه «رغم كوننا ضحية احتلال بغيض، إلا أننا سنقاوم هذا التوسع والقهر وسوف نستمر في متابعة كل القنوات الدبلوماسية والقانونية في المحافل الدولية لمواجهة الانتهاكات الإسرائيلية، والدفاع عن حق شعبنا في تقرير المصير والحرية والعدالة».
لا أذكر بالضبط عدد القرارات الأممية التي صدرت حول القضية الفلسطينية، لكن سأذكر منها على سبيل المثال لا الحصر فقط القرارات المفصلية، قرار التقسيم 181 وقرار حق العودة 194 و242 و338 وصولا إلى القرار2334 الأخير الذي صوت عليه مجلس الأمن في23 ديسمبر الماضي، الذي يدين الاستيطان ويعتبره غير شرعي. والسؤال موجه للمسؤول كم من هذه القرارات نفذ على ارض الواقع، لا شيء، وماذا فعلت القنوات الدبلوماسية والقانونية في المحافل الدولية إزاء الانتهاكات الإسرائيلية؟
اسرائيل ردت عليها ولسان حالها يقول «بلوها واشربوا ميتها» وبمزيد من قوانين سلب الأراضي، مستخفة بكل القرارات الدولية وردود الأفعال التي لا تتعدى الإدانات اللفظية النمطية المعتادة.
المجتمع الدولي ممثلا بالأمم المتحدة هو الذي أعطى الشرعية لدولة اسرائيل، وبينما قد يكون ذلك صحيحا مئة بالمئة، ولكن الأهم أن الحركة الصهيونية قبل أن تتجه إلى الأمم المتحدة كانت قد رسخت وجودها عسكريا وأمنيا وسياسيا واقتصاديا، على الأرض، أي إقامة دولة قابلة للحياة وفرض سيادتها على الأرض بكل المقاييس.
والسؤال هو ما فائدة اعتراف جميع دول العالم رسميا بدولة فلسطين، بعد أن جرد الجانب الفلسطيني نفسه من كل الخيارات الاخرى، بناء على دعوات ونصائح المجتمع الدولي الذي يتقاعس عن تطبيقها على الارض.
سأغرد خارج السرب وأقول لا تلوموا إسرائيل بل لوموا انفسكم على ما أوصلتم إليه شعبكم وقضيته، وأقول أيضا إن الحكومة الإسرائيلية الحالية، هي أفضل هدية يمكن أن يقدمها المجتمع الاسرائيلي للفلسطينيين، حكومة صريحة إلى حد الوقاحة، حكومة تترجم أهداف الحركة الصهيونية حرفيا، وتبين ما تضمره الصدور وتلعب على المكشوف. أهداف كاد اتفاق السلام الكاذب والمزعوم أن يمسحها من ذاكرتنا، ويدفعنا إلى تصديق «أحلام السلام الوردية»، والاهم من ذلك أن هذه الحكومة تعرينا وتفضح عجزنا أمام أنفسنا.
كاتب فلسطيني من أسرة «القدس العربي»
علي الصالح
أخي علي (لله الأمر من قبل ومن بعد ) سلمت يمينك ولافض فوك , والله يا اخي لما أطالع الصحف الفلسطينيه التي تصدر في الأرض المحتله أصاب بنوع من الغثيان يفقدني الشهيه لكل شيء ويزيدني الم وحسره على الحال الذي وصلنا إليه, فغياب المثقف الفلسطيني والحراك الطلابي في الجامعات عن المشهد فاقم الحال سؤً وقزم المشهد الأفتراضي على أرض الواقع والمواطن المسكين لاحول له ولا قو في ظل إستئساد الأجهزه الأمنيه حتى أحيانآ أنني أشعر أنهاتعمل بمعزل عن السلطه وأن مرجعيتها مختلفه وترسيخ الدوله البوليسيه العميقه بكل ماتعني وتحمل الكلمه من معنى . هل لي أن أسالك ماذا يعني أن يحمل أبناء أحد كوادر الصف الأول في القياده الفلسطينيه ومنظمه التحرير الفلسطينيه الجنسيه الأسرائيليه وكيف ومتى حدث ذالك , سيدي الفاضل القياده الحاليه لاهم لها إلا كيفيه المحافظه على بقائها في الحياه العامه وتحت الأضواء لأن أحدهم لايستطيع ترك منصبه ولو ليوم واحد ولأنه وببساطه لن يجد وظيفه أخرى يقتات منها وغير مستعد لشد الرحال والبحث عن رزقه في شتات أخر وغربه وتيه فيه من الألم والعذاب ولأغتراب …. لله الأمر من قبل ومن بعد ..!!!؟؟؟؟
إبن النكبه : العائد إلى يافا
لاجىء فلسطيني