القاهرة ـ «القدس العربي» من كمال القاضي: في مبادرة متأخرة تأتي تصريحات نقيب السينمائيين مسعد فودة بشأن مقاطعة الأفلام الأمريكية، كرد فعل على إعلان الرئيس الأمريكي ترامب جعل القدس العربية عاصمة لإسرائيل، خطوة متأخرة قياسا بحالة الغليان الراهنة، والانتفاضات المشتعلة في كافة الأراضي المحتلة، غير أن النية الحسنة تجاه قضية القدس وحدها لا تكفي، فهناك إجراءات يتعين على نقابة السينمائيين اتخاذها قبل القيام بمبادرة فردية لا تسمن ولا تغني من جوع، أولها التنسيق مع الجهات المعنية والجهات ذات الصلة كاتحاد النقابات الفنية، وغرفة صناعة السينما كي تكون المقاطعة مدروسة ومؤثرة والقرار بشأنها جمعي وبات.
ومن ناحية أخرى لا بد من ضمان تفعيل هذا القرار على مستوى دور العرض، بمشاركتهم في عقوبة المقاطعة المنشودة للأفلام الأمريكية، بحيث يتم البحث عن أفلام بديلة لملء الفراغ، الذي يتسبب فيه غياب الفيلم الأمريكي، وبالتالي مواجهة الأزمة الاقتصادية المحتملة. أضف إلى ذلك موقف المهرجانات السينمائية الرسمية التي تتمتع بالصفة العالمية، كمهرجان القاهرة على سبيل المثال من هذه الإشكالية التي يتحتم إعادة النظر فيها، لأن وجود الفيلم الأمريكي في هذا المهرجان أو غيرة من المهرجانات الأخرى كمهرجان الإسكندرية ومهرجان الإسماعيلية ومهرجان الجونة والمهرجان الأفرو آسيوي، من الثوابت والتقاليد المتعارف عليها في المهرجانات الكبرى، وخرقها قد يعرض المهرجانات المذكورة للاتهام بالعنصرية، وهي ذريعة لن تعدمها الجهات الدولية المنظمة والموالية بطبيعة الحال لأمريكا، ونذكر في هذا الصدد القرار الشعبي المصري الساري منذ سنوات، والقاضي بعدم التطبيع الثقافي مع إسرائيل، الذي جاء بالاتفاق الضمني والتنسيق مع كافة المؤسسات المعنية بالنشاطات الثقافية والفنية على خلفية سياسية ووطنية.
إذا لم يتم سد كل هذه الثغرات والعمل على تشكيل جبهة قوية تقطع الطريق بالفعل على السينما الأمريكية، للحيلولة دون توغلها وتأثيرها في الجماهير المصرية بالتعامل بموضوعية مع حيثيات المقاطعة لتكون أكثر جدوى، سيتحول قرار المقاطعة إلى حبر على ورق، وتظل فكرة المقاومة مجرد أمنية تداعب خيال السياسيين والمثقفين، ولا يصح في أي حال استثمار قضية القدس على نحو دعائي للمتاجرة وكسب ثقة أعضاء الجمعية العمومية بالنقابات والمؤسسات وحسب، فمن يريد أن يثبت وطنيته وانحيازه للحق الفلسطيني، عليه التأكد من إمكانية تطبيق القرارات قبل التلويح بها، إعمالا بمبدأ المسؤولية الوطنية والسياسية تجاه القضايا المصيرية، التي تستوجب شجاعة حقيقية ووقفات مدروسة يعول عليها في موازين القوى السلمية وأوراق الضغط، لتحقيق الدعم المعنوي والمناصرة الفعلية للشعب الفلسطيني، صاحبة الحق التاريخي في قضيته العادلة، أما الرهان على التصريحات والمنشورات والحرب الكلامية فهو خسران مبين وبلورة لضعف مهين في ممارسة حق الاعتراض والاحتجاج والشجب والإدانة، إلى آخر سلسلة الكليشيهات المعهودة في صفحات النضال السري والنضال الخطابي الإعلاني الممجوج، في قضية هي أكبر وأعم وأشمل وأقدس من المناورات ولغة الاستعراض الأجوف.
المقاومة