مكياج

لماذا تغطي النساء العربيات، في ظاهرة واضحة، وجوههن بأقنعة من مستحضرات التجميل ثقيلة الطبقات؟
ما الذي تخفيه المرأة العربية عموما والمسلمة منهن تحديدا تحت المساحيق الملونة التي تظهر من العيوب في الواقع أكثر مما تخفي، وتكشف من جوانب الشخصية المثلومة أكثر مما تستر؟
إنها ظاهرة تستحق الاهتمام، هذه المبالغة في استخدام مساحيق التجميل في الدول العربية عموما، وفي دول الخليج على وجه الخصوص، بما يشير الى علاقة طردية واضحة بين الانغلاق وكثافة الطبقة التجميلية.
يضع المجتمع والمفاهيم الدينية المرأة العربية المسلمة في علاقة غريبة مع جسدها، فهو تارة سبب لنجاحها الاجتماعي من حيث فتحــــه لباب الــــزواج، فهو أحـــد أربعة أسباب تُزوج لها المـــــرأة كما أتى في الحديث الشريف، وهو تارة سبب لعزلها وتكثيف الحجب عليها، بخطاب يحملها مسؤولية الإغراء كاملة، فأي كشف «لمفاتنها» أو لأي جزء من أجزاء جسدها حتى كعب قدميها، هو فتح لباب الشيطان، وهو كسر لإرادة الرجل، وهو تهديد لأخلاق المجتمع، مما ترتب عليه تحميلها وحدها دون الرجل ليس فقط مسؤولية الحفاظ على أخلاق المجتمع ولكن كذلك حماية الرجل من نفسه من هوى قلبه وشهوات جسده.
وعليه، وقع على المرأة واجب التستر الشكلي والكلامي والأدائي، وأصبحت هي المسؤولة بالكامل ليس فقط عن زلاتها ولكن عن زلات الرجل كذلك، فان تعرضت لتحرش، أول ما تُسأل عنه هو مظهرها في دلاله على تحميلها مسؤولية الزلة من حيث تعريضها للرجل لما لا يستطيع مقاومته. هذه الفكرة تشيع في المجتمعات الإنسانية عموما وتتكرس في المجتمعات الرجعية المحافظة، وهي فكرة قامت بنيتها الأساسية على الفهم لقصة الخلق الأولى، والتي تسببت فيها حواء بكل مصائب آدم وآلامه وصنعت من خلالها قدره المحتوم.
هذه العلاقة الغريبة التي شكلتها المفاهيم المجتمعية والدينية لعلاقة المرأة بجسدها جعلت من ردة الفعل النسائية متطرفة أحيانا، مشتاقة للجمال الذي هو جزء من تكوين النفس الإنسانية، مبالغة في إظهاره بطرق أخرى متضادة مع التعامل الطبيعي مع الجسد. فنرى أن المرأة العربية تبالغ في وضع الطبقات الكثيفة من المساحيق التي لربما هي محاولة منها لتحرير الجانب الجمالي الذي يلح عليها ولربما هي محاولة منها لتغطية أحمالها الثقيلة ولإعلان تحديها لمجتمع يحاسبها على أدق خصوصيتها.
المثال الواضح عندنا في الخليج هو المبالغة في رسم العينين بالكحل مثلا بالنسبة للسيدات المنقبات واللواتي يخترن الجزء الظاهر منهن ليعبرن من خلاله عن شخصيتهن، ليبدين جزءا من هويتهن، ليطلقن العنان لصورة من التعبير الجمالي كلنا كبشر في حاجة لإبرازها بشكل أو بآخر. وهكذا نرى أنه كلما زاد التطرف والانغلاق، أمعن المجتمع في محافظته بشد حزام عفته حول رقبة المرأة والتمادي في خنق حريتها، وتكثفت طبقة المساحيق التجميلية على وجوه نسائه واغمق إحمرارها واخضرارها وتطاول سواد خطوطها فوق العينين السجينتين، هي الطبيعة البشرية، تقاوم وتترجى التحرر، بأي وسيلة، ولآخر نفس.
ان المجتمع الذي يخنق أفراده يدفعهم قسرا إلى إيجاد طرق تنفيس مختلفة، طرق تعبير تكون أحيانا متناقضة مع أهم مفاهيم هذا المجتمع وقيمه. الإنسان بطبيعته محب للجمال، تواق للفن، تكبت فيه الجمال ستجد هذا الجمال يدفع نفسه دفعا وبصور مبالغ فيها للظهور، صورا لربما تسلب منه الكثير من قيمته، ولكنها تعبر عن تحرره وعتقه، تمنع عنه الفن ستجده يصنع ألف عذر ويخلق ألف وسيلة و»يؤلف» ألف فتوى ورأي ديني ليحرر الفن من خلالها، ليجد منفذا، مخرجا، متنفسا للغريزة التعبيرية المغروسة فيه، وليس أدل على ذلك من كل تلك الفتاوى والآراء التي تحاول إيجاد مخارج للموسيقى والرسم والتمثيل لتجد لها مكانا في مجتمعاتنا التي تجففها تطرفاتنا وأحزاننا ومخاوفنا.
يحضرني الواقع الحزين لتحريم الغناء في الأعراس في المجتمعات الخليجية تحديدا مما حدا بالناس لاختراع فكرة «الدي جي الإسلامي» الذي بدأت فكرته بإمرأة تنشد الأناشيد الدينية في الأعراس وتطور اليوم لصورة تقترب من الـ»دي جي» العادي بأغنياته وموسيقاه، وهو الحل الذي يضع الحضور في صورة كبيرة من التناقض بين رغبة الفتيات بالمرح والرقص بمظهرهن الاحتفالي في حفلة العرس وبين الأناشيد التي يرقصن على وقعها وما تحمل من كلمات دينية وتعابير حول الموت والحياة الآخرة والأئمة الصالحين.
ستعود الطبيعية لوجه المرأة العربية عندما يعود الذي بداخلها الى طبيعته، متوازن مع رغباتها الحياتية ومتوائم مع روحها المحبة للجمال، ستخلع المرأة العربية القناع عندما تُخرج حياتها للشمس ولا يعود لديها ما تخفيه، ستكشف المرأة العربية عن جمالها المدفون أسفل الطبقات الكيميائية القميئة، عندما تتمكن من الكشف عن روحها، ستتحرر المرأة من حجاب وجهها اللوني عندما تتحرر من حجاب روحها الثقيل، هنا ستنتهي صلاحية المساحيق وسنعود لنرى المرأة العربية الخلابة، وجها لوجه، من جديد.

مكياج

د. ابتهال الخطيب

كلمات مفتاحية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

  1. يقول ابو رامي. إنجلترا:

    كم انت راءعه يا د ابتهال.

  2. يقول رياض- المانيا:

    الاخطر من المكياج على المرأة هم اصحاب الاقنعة الذين يريدون للمرأة بل وحتى للرجل ان يخرجا من العفة الى الرذيلة ومن الستر الى التعري ومن التدين الى الفجور تحت مسميات خداعة مثل الحرية والمساواة والتحرر. ستبقى المرأة العربية والمسلمة بخير لطالما ابتعدت عنها الايادي الاثمة التي تضمر لها الشر وتدعي انها لها من الناصحين. الشيطان هو الذي اخرج ادم وحواء من الجنة وليس حواء هي من اخرجته !! وللشيطان اولياء حملوا المهمة واستعدوا لها منذ خلق ادم الى قيام الساعة. انه الصراع الازلي بين الحق والباطل وبين النور والظلام. ليس للروح حجابا ثقيلا، بل الروح تسمو وترتقي وتعلو بالايمان والعفة وتريد التحليق في السماء، عكس ما يريده الجسد والنفوس الاثمة اذ تحبذ دوما الخلود الى الارض والانغماس في الطين. بعض النسوة هنا في اوروبا يتزين قبل الخروج ويقفن ساعات طوال امام المرآة قبل الذهاب الى العمل، اما عندما تفتح احداهن باب بيتها لتستلم البريد مثلا وزجها في المنزل، تبدو وكأنها من مخلفات الحرب العالمية الثانية!! فلمن تتزين اذا؟ ظاهرة المكياج الزائد هي ظاهرة مجتمعية صرفة لها علاقة بطبيعة المجتمعات وليس لها اي علاقة بالدين لا من قريب ولا من بعيد. لان وضع المساحيق والتزين محسوم امره دينيا، فهو ليس من الدين في شيء. المرأة والرجل كلاهما امرا بغض البصر والتستر كل حسب طبيعته الجسدية الخاصة، فليس صحيحا ان المرأة هي الوحيدة التي تتحمل المسؤولية على الحفاظ على اخلاق المجتمع كما ورد!! ثم ما دخل المكياج برغبة المرأة ( المحجبة) في التعبير عن الجمال، هذا خلط غير صحيح، فهل معظم من يبالغن بوضع مساحيق التجميل من النساء العربيات من المحجبات؟ ام ان معظمن لسن محجبات اصلا. كالعادة خلط متعمد للامور ومحاولة للترويج لسلوكيات فردية ثم الايحاء وكأنها ظواهر وحقائق مجتمعية ثم نسج خيوط بين المتناقضات واخيرا تعليق كل شيء على شماعة الدين. جمعتكم مباركة.

  3. يقول محمد حسنات الأردن:

    صباحكم طبيعة جميلة،د.إبتهال،والقراء.
    أخشى أن يطول إنتظارنا،لرؤية ما تتمنين ونتمنى من عودة جمال الفطرة،الى الوجوة التي أثقلتها الأقنعة،بدوافع خارجية أكثرمنها داخلية ! وحتى الفتاة بجمالها الطبيعي،ستقلد محيطها
    الذي،أجدتي وصفة،مما سيثقل من أنواع الأقنعة،وما تخفي تحتهامن طبقات،تزييف وتزوير،يضج وينفر منها الجمال البري!.
    أنت محقة ،في قرع جرس،تشوية جمال وروح المرأة العربية،
    وهي تستحق أن تمارس حياتهاالطبيعية تحت الشمس في بلادها.

  4. يقول د. حلمي محمد القاعود:

    هناك ماكياج أكثر فضيحة وقبحا وإجراما تضعه الحكومات الإرهابية العربية على وجهها البائس اسمه المثقفون العرب الذين ماتت ضمائرهم واستيقظت حواسهم الوحشية ليطعنوا كل قيمة نبيلة في المجتمع وفي مقدمتها المعتقد الدين الإسلامي تحديدا ( غير الإسلامي ممنوع الاقتراب !) . المواطن العربي( الرجل والمرأة ) مطلوب منه أن يسجد لآلهة العجز والهوان والهزيمة ، وإلا فهو متخلف ورجعي وظلامي ( هكذا يحدثه المثققون / الماكياج ) ، ومن يطالب بالكلمة الملعونة واسمها الحرية ، فعليه أن يبحر في بحر الظلمات ، وتترقبه المواني والمطارات ، وتداهمه الانكشارية في جوف الليل ، وتروعه ، أوتقذفه بالبراميل المتفجرة ، وإن لم تُجد ، فالتحالف الصليبي بقيادة أميركا وروسيا ؛ يستدرك ما عجز ت عنه البراميل ، وتضربه في المستشقى والمدرسة والمسجد والسوق ، وعليه أن يبحث عن وطن بديل يمنحه التنوير وكسرة خبز مسمومة .. والماكياج يتحدث عن المقاومة والصمود والممانعة ، وبكرة تشوفوا العرب !

    1. يقول جود / الجزائر:

      أخي د. حلمي

      أريد فقط أن أقول لك : ما تتحدث عنه هنا لن يردك إلا في التعليقات ، أما المتن
      فتخصص { على إيقاع الدف هناك!} .. و عن نفسي ، أذهل لقدرة بعضهم على
      تخطي مآسي أمة دماؤها تنزف؟

      لولا مقالاتك و إخوانك في الشعب لأكلتنا حسرة .
      تحياتي لك و تقديري

  5. يقول سمير عادل المانيا:

    كلام واضح وصريح يعبرعن وضع المراة في مجتمعاتنا.وكلام كذلك تصرح به امراة وليس رجل مما يعطيه مصداقية اكثر.دكتورة ابتهال تبهرنا بمقالاتها دائما.

  6. يقول سامح //الاردن:

    * الحمدلله هذه المرة لم تحمل الأخت
    الكاتبة (الدين) مسؤولية مساحيق ومكياج
    المرأة..باستثناء بعض الغمزات والتلميحات
    هنا وهناك .
    * على كل الأحوال؛- ومن الآخر وهذا طبعا
    (رأي شخصي) .
    * المرأة الجميلة (جمال رباني) لا تحتاج
    لمساحيق ولا مكياج.
    سلام

  7. يقول عيسى بن عمر ـ تونس:

    على النساء المسلمات، كما على الرجال، أن يجتهدن للمواءمة بين مقتضيات العفة (التي ندب إليها الدين والخُلق الحسن) ومقتضيات اللياقة والجمال (التي تُعَد من مقومات الذوق السليم). فالحكمة كل الحكمة في هذا التوليف البديع، بعيدا عن شطط الدعوة إلى التبرج الذي يُستشف من مقالة السيدة ابتهال.

  8. يقول ابن الجاحظ:

    ما يعجبنى فى الاخت ابتهال هو صمودها ” البطولى ” أمام أغلبية التعاليق ” ….اللتى تتهمها بما ليس فيها .

  9. يقول د محمد شهاب أحمد / بريطانيا:

    بالتأكيد فسلجة و طبيعة الرجل تختلف عن المرأة ؛ هكذا كان الخلق لحكمة لا يدرك عمقها….غير أن ذلك لا يعفي الرجل من المسؤولية عن ما يرتكب ، و لا يجب أن تحمّل المرأة فوق طاقتها . سيبقى الإنسان يدفع ثمن صيرورته ، أنثى أم ذكراً

  10. يقول خليل ابورزق:

    هذه مسألة نسبية موجودة في كل العالم و ليست قاصرة على المرأة المسلمة او الخليجية. و هذه النسبة تكبر و تصغر حسب عوامل منها الفقر و ظروف العمل و المناخ و المستوى الثقافي و مكانة المرأة و دورها في المجتمع.
    للاسف الشديد اننا مازلنا نربي البنت على انها خادمة ومتعة و سلعة وعالة ونجتهد في تقليم اظافرها و في تطويعها لذلك و هذا مصدره الجاهلية و ليس الدين. و للاسف ان المرأة التي تنشأ على ذلك تطالب بالمساواة و الحقوق مع التمسك بتلك الصفات التي نشأت عليها و ترضعها لبناتها و اولادها.
    طبعا تحرير المرأة هو تحرير للرجل و المجتمع و يجب ان يتم بتغيير ثقافي و يبدأ مع البنت و الولد منذ الطفولة.
    مشكلة الكاتبة الكريمة و من نحا نحوها انهم ينطلقون من ان الخصم هو الرجل و الدين و كلاهما خطأ. يعني ان المعركة و الاسلحة موجهة الى الجهة الخطأ و يجب ان توجه الى المجتمع عموما و الى المرأة خصوصا. فالمرأة هي الوالدة و المرضعة و المربية للاولاد و البنات و هي اكبر من يزرع القيم و الاتجاهات فيهما. و هي الاكثر صراخا في مسألة الحقوق و المساواة و لكن و للاسف مع مكياج ثقيل وملابس سخيفة مكلفة ولكنها موضة !!!!

1 2 3

إشترك في قائمتنا البريدية