ملتقى أصيلة يناقش: «الإعلام العربي… جدل التقليدي والرقمي»

حجم الخط
0

أصيلة ـ «القدس العربي»: في ندوة جامعة المعتمد بن عباد الصيفية في أصيلة، الموسومة بـ»الإعلام العربي في عصر الإعلام الرقمي»، تميزت النقاشات بالجدل حول أهمية الوسائط بين أنصار الإعلامي التقليدي (الورقي خصوصا، والسمعي البصري إلى حد ما، وبين المبشرين بثورة إعلامية رقمية ستركن كل الأسندة والحوامل الإعلامية التقليدية في متاحف التراث والمأثورات. غير أنه كان هناك، بين هذا الطرف وذاك، من يدافع عن تحقيق التكامل بين الإعلامين التقليدي والرقمي، مع التنبيه أساسا إلى إكراهات وتحديات الدخول إلى عصر الرقمنة في التجربة الإعلامية العربية، لكن النقطة المشتركة بين الجميع هي شبه الإجماع على أن العالم العربي مازال ينظر إلى الوسائط التكنولوجية الجديدة على أنها وسائط تقنية، ولم يدمجها بعد في منظومته الثقافية الواسعة.
من جهة أولى، تعتبر هذه الثورة التقنية والتكنولوجية فرصة لتعزيز الحرية في العالم العربي، خاصة بعد هبة الربيع العربي، مثلما يرى مصطفى الخلفي، وزير الاتصال والناطق الرسمي باسم الحكومة المغربية. غير أن هذا الأمر يفترض، حسب رأيه، ضرورة تجاوز النظرة المتوجسة إلى هذه الممارسة الإعلامية الجديدة. ذلك أن الطفرة التقنية والتكنولوجية أصبحت تمثل ظاهرة متعددة الأبعاد خرجت من رحم الإعلام التقليدي نفسه.
لكن في مقابل هذا التطور الهائل والسريع، فإن الصحافة الورقية لن تموت، كما يقول الخلفي. فهذا الرأي الذي يروجه الكثيرون اليوم تفنده فكرة مفادها أن الصحافة الورقية تتمتع بخصوصيات معينة، مثل الخط التحريري، تجعلها عصية عن التجاوز. غير أن الوزير المغربي، الذي يستعد لإطلاق مدونة للنشر والصحافة في بلاده، تنبأ بقرب ظهور إعلام متعدد المنصات والوسائط، يتكامل فيه الورقي والسمعي البصري والرقمي والشبكات الاجتماعية.
أما على الصعيد الميداني، فحصيلة تطور المجال الرقمي في المغرب خلال السنوات القليلة الماضية، مثلا، تكشف أن عدد المشاركين ارتفع من 4 ملايين سنة 2012 إلى أكثر من 10 ملايين اليوم، حيث تعتبر شبكة الإنترنت، كما يقول الوزير المغربي، القوة الدافعة، خاصة بالنسبة إلى الشباب.
غير أنه لا بد من طرح السؤال الآتي: ما مدى قدرة الإعلام العربي على اللحاق بركب تطورات الثورة الرقمية المعاصرة، ومواكبته لها خلال السنوات المقبلة؟ إذ يقتضي ورش الإعلام، كما جاء في كلمة محمد بن عيسى، الأمين العام لمؤسسة منتدى أصيلة، وهي الجهة المنظمة لهذا الموسم الثقافي، «توحيد القدرات والموارد البشرية وترشيدها العقلاني، بشحذ الكفاءات الفكرية للانخراط في سيرورة الابتكار والتجاوز، بدءا بالمنظومة القانونية، لتحديد الطريق الذي ينبغي السير فيه لمواكبة ثورة الإعلام الرقمي».
ومن هنا، فمسؤولية تنظيم الحقل الإعلامي تقع، حسب رأي بن عيسى، على عاتق الدولة والحكومة، والمهنيين أيضا، في أن يحترم التشريع في هذا المجال الحرية الكاملة، وأن يضمن الممارسة الإعلامية من «الفوضى والتسيب والإثارة المجانية». وفي هذا السياق، ميز رئيس منتدى أصيلة بين الحرية والإباحية، حيث يعتبر أن الخط بينهما رفيع جدا، مشيرا إلى تقنين المجال لا يروم «الردع والزجر…، وإنما تنظيم للمهنة يتيح للإعلاميين التحرك في الحدود الطبيعية المشروعة».
ويعتبر الكاتب والباحث سعيد يقطين أن الإعلام الرقمي لا يمثل جزءا من النشر الرقمي فحسب، بل يمثل ثقافة جديدة هي الثقافة الرقمية. كما يرى أن الشباب يشكلون الوقود الأساسي لهذه الثقافة الجديدة، مشيرا إلى أنها استطاعت أن تدمج جميع العناصر في بوتقة واحدة. ونبه إلى أن العرب مازالوا يتعاملون مع التطورات التكنولوجية كوسيلة فحسب، لا باعتبارها ثقافة. وميز الناقد المغربي بين ثلاثة خصائص تميز الإعلام الرقمي: أولا، الجانب الترابطي باعتباره خاصية من خصائص الفضاء الشبكي، مشيرا إلى أن عنصر الترابط يبقى ضعيفا في الإعلام الرقمي العربي؛ ثانيا، البعد التفاعلي حيث لا مسافة بين المرسل والمتلقي، وكلاهما يساهم في إنتاج المعرفة؛ ثالثا، تعددية الوسائط واللغات.
أما الجامعي والقاص المغربي عبد الخالق عمراوي، فيعتبر في ورقة بعنوان «الإعلام العربي الرقمي بين المشروع والمنجز»، أن ما يسمى اليوم بالإعلام الآني استطاع سحب البساط من تحت الإعلام الرسمي، وكوّن لنفسه سلطة مضادة صارت تهدد السلطة التقليدية التي لجأت في بعض البلدان إلى منع الدخول إلى شبكات التواصل الاجتماعية بهدف أن تبقى هي مصفاة الأخبار والمعلومات التي تهدد وجودها.
ورغم وعي العديد من الجرائد الورقية بسلطة هذا الوافد الجديد وإطلاقها لمواقع وصحف إلكترونية، فإن بعض الحكومات والهيئات الرسمية مازالت تراهن على آلية المنع ولا تريد أن تتنازل عن سلطها الإعلامية التقليدية لإدراكها أن الانتقال إلى الرقمنة يعد إشكالا سياسيا وليس ثقافيا، الأمر دفع بعبد الخالق عمراوي إلى وصف هذا السلوك بالعبثي في عصر العولمة الرقمية العابرة للقارات.
ومن اختراقات هذا الوافد الجديد، كما يقول عصام سليمان الموسى، أستاذ الصحافة في جامعة اليرموك، هذا الواقع الجديد، كسر جبروت بالتابوهات وخلخلة المسلمات. إلى جانب، استطاع أن يطرح تحديات كبرى على النظام الرقابي العربي، مما حدا بعدد من البلدان العربية إلى شراء برمجيات للتجسس على مواطنيها من مستعملي الهواتف الذكية، وهو ما يكشفه موقع «ويكيليكس» على نحو دوري. بيد أن أكبر التحديات يكمن، حسب سليمان الموسى، في الخطر الذي يهدد الهوية العربية، على اعتبار أن هذه الثقافة الرقمية هي من صميم الاستعمار التكنولوجي، كما يقول المحاضر الأردني. وهي مرتبطة في العمق بالمركز الذي ينتجها ويؤثر من خلالها في الشعوب المستهلكة، ومن ضمنها العرب. وللحد من هذه التأثيرات القادرة على تشكيل الذهنية العامة وفق ما يبرمج له الآخر، يدعو الموسى إلى العناية بشكل خاص بالتنشئة الاجتماعية، عن طريق غرس عناصر الهوية العربية، وتطوير أنظمة التعليم بالتركيز على برامج ومناهج تنمية العقل وملكات التفكير والنقد، والاستثمار في تكوين الإعلاميين باعتبارهم حائط الدفاع المتقدم عن الهوية والحرية في آن. باختصار، يكمن الحل في إدماج هذه الجديدة ضمن المنظومة الثقافية العربية العامة، بما يجعلها صالحة ومفيدة، ويبعد وبالها على عقول الشباب خصوصا.

محمد جليد

كلمات مفتاحية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إشترك في قائمتنا البريدية