نواكشوط –« القدس العربي»: في جو يطبعه قلق الجميع، موالاة ومعارضة، على مستقبل موريتانيا، يتوجه مليون ونصف مليون ناخب موريتاني، غدًا الأحد، إلى صناديق الاقتراع لاختيار نوابهم في الجمعية الوطنية وعمد بلدياتهم ومستشاريهم في المجالس الإقليمية.
واستكمل أفراد القوات المسلحة وقوات الأمن ،أمس، تصويتهم في يوم كامل خصص لهم، بينما يستعد الناخبون المدنيون للتصويت غدًا الأحد.
وتتوزع قوائم الأحزاب المشاركة في هذه الانتخابات بواقع 1559 قائمة للانتخابات البلدية متنافسة على 216 بلدية، و161 قائمة جهوية متنافسة على 13 مجلسًا إقليميًا، فيما بلغ عدد القوائم المتنافسة في الانتخابات النيابية 528 قائمة على مستوى المقاطعات، و97 قائمة وطنية، و87 قائمة للنساء، متنافسة على 157 مقعدًا في البرلمان.
ويواجه حزب الاتحاد من أجل الجمهورية الحاكم، الذي تقدم في جميع المواقع متحالفًا مع مجرة كبيرة من الأحزاب الموالية له، تحالفات أحزاب المعارضة، وذلك في جو أظهرت خطابات إغلاق الحملة الانتخابية توتره الشديد.
ودعا الرئيس الموريتاني محمد ولد عبد العزيز- في خطاب شديد اللهجة تجاه معارضيه ختم به فجر أمس حملة سياسية قادها بنفسه لحشد التصويت لحزبه حزب الاتحاد- الناخبين إلى التصويت بكثرة لصالح حزبه مؤكدًا «أن الأهم حاليًا هو تحقيق الأغلبية في البرلمان المقبل، فإذا ما تم ذلك يكون كل شيء ممكنًا، بما في ذلك مأموريات أخرى أو حتى مملكة».
وقال: «عليكم أن تدحروا فلول الفساد والتطرف والفتنة والتنكر لمكاسب الشعب الموريتاني، التي تحققت له خلال العشرية الأخيرة، والتي لن يتخلى عنها أبدًا».
ودعا الرئيس الموريتاني أنصاره «لسد الباب أمام الأحزاب المغطاة بغطاء الدين، التي دمرت دولًا عربية وأهلكت الحرث والنسل، وفرضت على تلك الدول التراجع إلى العصور الحجرية».
وقال: «علينا تحصين شعبنا من الأحزاب الهدامة التي تريد العودة به إلى الوراء»، مبرزًا (في إشارة إلى جماعة الإخوان) «أن هؤلاء أساؤوا إلى الإسلام وفشلوا في الدول التي وصلوا فيها إلى الحكم».
وأضاف: «يجب تطهير البلد من هؤلاء، من عبدة الدينار والدرهم ومحصلي المال على حساب الشعوب، كما ينبغي سد الباب على أولئك الذين ركبوا معاناة الشعب الموريتاني من أجل الحصول على مكاسب شخصية وعلى المفسدين الذين نهبوا أموال الشعب الموريتاني طوال خمسين سنة وحرموه من أبسط مقومات الحياة وتركوه تحت وطأة الفقر والجوع والمرض والظلام والتخلف.»
وفي إشارة إلى أحزاب المعارضة الراديكالية، قال الرئيس عزيز: «عليكم استخدام كل الوسائل الشرعية لمنعهم من الحصول على الأغلبية، بل وحتى منعهم من دخول البرلمان «.
ودعا الرئيس الموريتاني الشعب إلى «تجديد الطبقة السياسية وانتشالها من هيمنة فلول الفساد والمصالح الشخصية ونهبة المال العام، وإلى فتح الباب واسعًا أمام الشباب والنساء والقوى الحية للمشاركة في بناء مستقبل بلدهم، موريتانيا قوية حرة مزدهرة».
واعتبر «أنه لا فرق ولا حدود بين الإسلامي السياسي والإسلامي المسلح»، مؤكدًا «أن الإسلامي السياسي إذا لم يصل إلى أهدافه عبر السياسة يلجأ إلى حمل السلاح».
وقسم ولد عبد العزيز في خطابه المعارضة الموريتانية إلى «متطرفين يتخذون من الإسلام وسيلة أو جسرًا للوصول إلى السلطة، ومتطرفين عنصريين يتلقون توجيهات من الخارج، وقد صمتوا عن الاستقرار لعقود، وبقايا أنظمة سابقة تقف خلف ما وصلت إليه البلاد»، معتبرًا «أنه من الخطأ والمخاطرة تسليم البلاد إليهم مجددًا لتسييرها بعد أن جربوا وفشلوا».
وحذر الائتلاف الانتخابي لأحزاب المعارضة في نقطة صحافية أمس «من أي محاولة لتزوير الانتخابات أو التلاعب بنتائجها.
وانتقد قادة المعارضة التصريحات الأخيرة للرئيس محمد ولد عبد العزيز، معتبرين أنه خرج عن الأعراف والقانون «بفعل الصدمة والقلق من أن تنتزع المعارضة فوزًا في الانتخابات».
ويضم الائتلاف الانتخابي أحزاب المنتدى الوطني للديمقراطية والوحدة، وأحزابًا سياسية أخرى ذات وزن، بينها تكتل القوى الديمقراطية وحزب اللقاء.
وقال الرئيس الدوري لمنتدى المعارضة محمد ولد مولود: «سنواجه أي طارئ يوم الاقتراع بقوة وصرامة».
وشدد التأكيد «بأن المعارضة لن تقبل تحت أي ظرف التلاعب بنتائج الانتخابات أو بالعملية الانتخابية»، مضيفًا «أن كل المؤشرات تدل على أن النظام أصبح قلقًا جدًا، وأنه يتجه للتلاعب بالعملية الانتخابية».
وشدد ولد مولود على «رفض أحزاب المعارضة أي تقليص في عدد ممثلي الأحزاب في مكاتب التصويت بحجة عدم اتساع القاعات»، مضيفًا «أن أحزاب المعارضة مستعدة للتنسيق مع رؤساء المكاتب على أن يتناول ممثلوها، بحيث يتابع بعضهم العملية خلال ساعات ثم يأتي فريق آخر من الممثلين ليراقب العملية».
وفي خطاب آخر في العدوة الأخرى، دعا أحمد ولد داده، رئيس حزب تكتل القوى، «الشعب الموريتاني للوقوف وقفة صادقة مع الذات، كي نتفادى مستقبلًا قاتمًا يتهددنا، بفعل الفساد وانعدام الخبرة والسياسات العشوائية، التي استمرت طوال العشر سنوات الماضية».
وقال: «إن نظرة متأنية لواقع موريتانيا اليوم كفيلة بإثارة القلق على مستقبلها، ونحن جميعًا مسؤولون أمام الله وأخلاقيًا وتاريخيًا عن الحفاظ عليه، وعن توفير الأمان لأجياله الحاضرة والمقبلة».
وتوقف ولد داده أمام الحالة الاقتصادية القائمة فقال: «لقد بلغ الدين الخارجي في عهد هذا النظام حدًا فوق طاقة البلد يتجاوز الناتج الوطني الإجمالي، لم يبلغه منذ الاستقلال، وهو أمر معضل يهدد اقتصادنا وكياننا، حيث بدأت آثاره تتجلى في تدني قيمة العملة الوطنية، والارتفاع المتواصل للأسعار، ما ينذر بكارثة يفاقمها ما يستشري من فساد وتفليس للمؤسسات الوطنية الداعمة للاقتصاد، ونهبٍ وسوء تسييرٍ، وسياسةٍ ضريبية مجحفة، ومحسوبية تأتي على الأخضر واليابس رغم أن بلدنا غني بالموارد والثروات».
وأضاف: «إن هذه الصورة القاتمة للواقع الاقتصادي لا يضاهيها في السوء إلا الواقع الاجتماعي المتردي، أو التعليمي المنهار، أو الصحي الغائب، أو القضائي المدجن، أو السياسي المُشوّه».
إن سياسة فرق تسد، وسياسة فرض الأمر الواقع بالمضي في تنظيم انتخابات لم يُتفق على قواعدها، لن تخرجنا من الحلَبة حتى نتجاوز بالبلاد هذا المنعطف الخطير، وترسو سفينتها بإذن الله تعالى على بر الأمان».
وأكد ولد داداه «أن المعارضة ستتصدى بكل قوة وسلمية لكل ما يعكر صفو ديمقراطية بلدنا المختطف، ولن نقبل نحن ولا الأحرار من أبناء هذا الشعب ما يمس مصالح هذا الوطن، ولا العبث بدستوره مرة أخرى، لفتح الباب لمأمورية ثالثة لا شرعية لها».
ويعول نظام الرئيس محمد ولد عبد العزيز في هذه الانتخابات على أنصار الحزب الحاكم الذي سجل في حملة انتخابية قبل شهرين أكثر من مليون منتسب، وهو ما اعتبره الرئيس مؤكدًا لفوزه في هذه الانتخابات.
أما المعارضة الموريتانية فتعول في هذا الاقتراع على ما تعتبره حالة استياء عامة من أداء نظام الرئيس ولد عبد العزيز وعلى المغاضبين الذين لم يروا أنسهم في ترشيحات الحزب الحاكم وترشحوا تحت لافتة أحزاب أخرى.
وتؤكد المؤشرات القائمة أن مرشحي النظام سيحققون فوزًا كبيرًا، وذلك بالنظر لعدة أسباب، منها تحضيرهم المبكر للانتخابات في وقت لم تكن المعارضة قد حسمت قرارها بالمشاركة، ثم ارتباط مصالح متنفذي المنظومة القبلية المتحكمين بنجاح مرشحي الـحزب الحاكم.