القاهرة ـ «القدس العربي» معكست الصحف الصادرة أمس الثلاثاء 27 يناير/كانون الثاني حالة القلق والحيرة في تفسير بعض ما يجري من أحداث، خاصة موجة زرع المتفجرات والقنابل في مئات الأماكن التي يرتادها الجمهور ووسائل المواصلات.
واشتباكات الإخوان المسلمين مع الشرطة في حي المطرية في شرق القاهرة، ومقتل ثمانية عشر شخصا، واقتحام الشرطة للحي وهو ما أثار تساؤلات المواطنين عن أسباب عدم وضع الشرطة حدا لمثل هذه الأعمال، ما دفع وزير الداخلية اللواء محمد إبراهيم إلى الإدلاء بتصريحات أكد فيها أنه لن يتم السماح مطلقا بتحويل حي المطرية إلى كرداسة جديدة، وأن القوات دخلتها وستقوم بتطهيرها من العناصر الإرهابية، وان عهد مهاجمة أقسام الشرطة انتهى للأبد. وتعهد بالمساعدة في الكشف عن قاتل شيماء الصباغ وتقديمه للنيابة العامة، حتى لو كان من رجالها لأنه لا تستر على أحد مهما كان.
كما أمر النائب العام المستشار هشام بركات إحالة المتحدث باسم مصلحة الطب الشرعي الدكتور هشام عبد الحميد للتحقيق، بسبب تصريحات له عن التقرير التشريحي لجثمان شيماء، قبل تسلم النيابة نسخة منه، حيث لا تزال النيابة العامة تحقق في الحادث وتسلمت كل كاميرات المرور والمحلات التجارية التي تطل على ميدان طلعت حرب ومداخله ومخارجه، وما قامت الفضائيات والأفراد بتصويره والتحقيق مع المقبوض عليهم في المسيرة. وقد علمت أن هناك لقطة محددة بالذات استدعت انتباه النيابة عن بروز واضح في جيب بنطلون أحد الواقفين بعد سقوط شيماء. كما أكد رئيس الوزراء المهندس إبراهيم محلب أنه سيتم القبض على من قتلها مهما كان وتقديمه للمحاكمة. رغم أن صحيفة «المساء» القومية نشرت أمس الثلاثاء لزميلنا الشاعر يسري حسان «ناصري» أبياتا من قصيدة «زي ما تيجي» هي:
– أدي يعني الثورتين والعدالة غايبة فين لا جديد في مصر خالص غير براءة المجرمين.
أيضا أثار الإفراج عن علاء وجمال مبارك وعودتهما إلى منزلهما في القاهرة بعد انتهاء مدة الحبس الاحتياطي، بعد التأكد من عدم طلبهما على ذمة قضايا أخرى، لغطا،
لدرجة أن زميلنا وصديقنا الأديب الكبير جمال الغيطاني في عموده اليومي المتميز في الأخبار «عبور» كان مكونا من خمسة فقرات قال في الرابعة منها: «بعض الأحكام القضائية تصدر في توقيتات مثيرة للانتباه، وهذا موضوع دقيق وحساس يستلزم معالجة دقيقة».
أما جهاز الكسب غير المشروع فأكد أن علاء وجمال ممنوعان من السفر للخارج، أو التصرف في أموالهما. كما أن النائب العام المستشار هشام بركات استقبل وفدا من التيار الديمقراطي ترأسه صديقنا جورج أسحق والمحامي طارق نجيده وياسر سيد احمد وقدموا له طلبا باسترداد فيلات شرم الشيخ المقدمة كرشوة لمبارك ونجليه بعد صدور حكم الجنايات بمصادرتها، وان مصدرا قضائيا أكد للوفد أن الطلب تحت الدراسة، كما أشارت لذلك «الأخبار» في تحقيق لزملائنا الجميلة خديجة عفيفي وعزت مصطفى وعمرو خليفة.
أما اهتمامات الغالبية فتتركز على متابعة أزمات أنابيب البوتاجاز وارتفاع أسعار السلع بعد ارتفاع سعر الدولار أمام الجنيه وارتفاع أسعار الكهرباء وأزماتها وما يقال عن رفع الحكومة أسعار تذاكر مترو الأنفاق وعجز العلاج في المستشفيات العامة.
ووصل الأمر إلى أن زميلنا وصديقنا الرسام في «الأسبوع» محمد الصباغ اخبرنا يوم الاثنين بأنه كان يسير في احد الشوارع، وشاهد بعينيه الاثنتين وسمع بأذنيه رئيس الوزراء المهندس إبراهيم محلب يحاول إقناع مواطن عاري أن يخلع سرواله والمواطن يقول له: «إلا ده». أيضا بدأ الاهتمام بانتخابات مجلس النواب المقبلة يعود تدريجيا.
وإلى قليل من كثير لدينا….
هل تفقد الشرطة ما حققته من تعاط شعبي معها؟
استحوذ مقتل السيدة شيماء الصباغ، القيادية في حزب التحالف الاشتراكي، الذي يتزعمه صديقنا الكاتب ونائب رئيس المجلس القومي لحقوق الإنسان عبد الغفار شكر، اهتماما كبيرا واتجهت معظم الكتابات والتعليقات إلى اتهام الشرطة بقتلها، وحذر أصحابها من أخطاء الشرطة التي ستقودها إلى أن تفقد ما حققته من تعاط شعبي معها، خاصة وهي تقدم تضحيات عديدة من ضباطها وجنودها في معركتها ضد الإرهابيين.
بينما اتجهت كتابات أخرى إلى توجيه لوم خفيف يتناسب مع المأساة إلى حزب التحالف الشعبي وقياداته، التي أقدمت على تصرف غير مسؤول وتحدت قرار الحكومة بمنع الدخول إلى ميدان التحرير، وإن كانت في الوقت ذاته قد هاجمت الشرطة لأن تصرفها كان لا يتناسب مع الموقف. ورغم تباين المواقف فقد اتفق الجميع على المطالبة بالتحقيق والكشف عن الفاعل الحقيقي وعقابه، سواء كان من الشرطة أو من عناصر مندسة.
ونبدأ بالنيابة العامة في تحقيق زميلينا في جريدة «الدستور» يوم الاثنين الجميلة ندى حمدي وعبد العال نافع وجاء فيه: «قامت النيابة أثناء المعاينة لحساب المسافة بين مكان تمركز قوات الأمن ومكان سقوط المجني عليها، لبيان المسافة التي أطلقت منها النيران، بعدما أشار تقرير الطب الشرعي إلى أن الرصاص أطلق من مسافة ثمانية أمتار، كما قامت النيابة بتحديد مكان وقوف المجني عليها، وما إذا كان في مواجهة القوات أو من خلفها، حيث أنها أصيبت من الخلف، وحرز فريق النيابة عددا من كاميرات المراقبة في مسرح الجريمة، حيث تم تحريز كاميرات المرور وعدد من المحال، بالإضافة إلى عدد من كاميرات القنوات الفضائية، التي صورت المشهد، فضلا عن تحريز فيديوهات رصدت واقعة إصابة المجني عليها وسقوطها وشخص يرتدي زيا أسود خلفها يحمل سلاحا، واستمعت النيابة لأقوال عدد من شهود العيان الذين تقدموا من أنفسهم للشهادة، الذين قالوا إنهم أثناء تنظيمهم مسيرة داخل ميدان طلعت حرب فوجئوا بإطلاق أعيرة خرطوش وسقوط شيماء الصباغ والدماء تنزف بغزارة من رأسها واتهموا قوات الشرطة بقتلها.
كما حققت النيابة معهم بتهمة التظاهر بدون تصريح، وأمرت بإخلاء سبيلهم بضمان محال إقامتهم، فيما أجرت النيابة التحقيق مع آخرين ألقت قوات الأمن القبض عليهم في موقع الاشتباكات، واستمعت النيابة إلى أقوال عدد من أفراد الأمن الذين شاركوا في فض المسيرة ونفوا استخدامهم القوس والتسليح بخرطوش».
محاولة إشعال فتيل الفتنة بين الشعب والداخلية
ونشرت صفحة الشو المخصصة لعرض أبرز ما أذاعته القنوات الفضائية في عدد «الدستور» نفسه التي تشرف عليها زميلتنا الجميلة إسراء أحمد، عرضا قدمته الجميلة الأخرى زميلتنا شيماء فرج عن المداخلة الهاتفية التي أجراها زميلنا في قناة «أنهار» احمد الشاعر مع صديقنا العزيز اللواء هاني عبد اللطيف المتحدث الرسمي باسم وزارة الداخلية قال فيه: «إن توجيه الاتهامات إلى وزارة الداخلية بأنها المسؤولة عن مقتل الناشطة شيماء الصباغ يعيد إلى الأذهان مقتل الصحافية في جريدة «الدستور» ميادة أشرف، التي اغتيلت على يد خلية إرهابية اعترفت بجريمتها عقب إلقاء القبض عليها بعد شهر من الحادث، وإن الأجهزة الأمنية تبذل جهودا مكثفة لضبط المتورطين في حادث مقتل الناشطة شيماء أثناء مشاركتها في مسيرة بميدان طلعت حرب، وإن كلا من النيابة والطب الشرعي يقومان بدورهما من أجل سرعة الوصول إلى مرتكبي الحادث، وإن الكاميرات المركبة في الشوارع لم تظهر الزاوية التي قتلت منها الناشطة، ولكن يتم حاليا تحليل الصور والفيديوهات الخاصة التي صورها المواطنون، وتم إلقاء القبض على ستة من المشاركين في مسيرة طلعت حرب، ولا أحد فوق القانون. ونحذر المواطنين من الوجود في التجمعات وانه سيتم الكشف عن المتورطين في حادث مقتل الناشطة أيا كانت هويته، وأن خمسين شخصا كانوا مشاركين في مسيرة طلعت حرب وكان بعضهم يستخدم الألعاب النارية والشماريخ، وهو ما استدعي قوات الأمن لاستخدام الغاز المسيل للدموع.
ومن السابق لأوانه توجيه الاتهام لأي طرف في مقتل شيماء، وأن البعض يحاول إشعال فتيل الفتنة بين الشعب والداخلية، بتوجيه اتهامات إلى قوات الأمن بأنها المسؤولة عن مقتل شيماء الصباغ، وأن الأجهزة الأمنية تكثف من عمليات البحث للقبض على القاتل الحقيقي لشيماء، وأن الداخلية لم تستخدم سوي قنبلتي غاز فقط، والأمر لم يكن يستدعي ااستخدام أكثر من ذلك. كما أن الأسلحة التي وجدت مع القوات ما هي إلا أسلحة إطلاق غاز».
علينا أن نصدق كل ما يُقال لنا
عن براءة الشرطة من دم شيماء!
لكن صديقنا هاني تعرض في يوم الاثنين أيضا إلى هجوم في «الوطن» من مستشارها وأستاذ الصحافة في كلية الإعلام في جامعة القاهرة الدكتور محمود خليل بقوله في عموده اليومي «وطنطن»: «خرج علينا بعد الواقعة اللواء هاني عبد اللطيف المتحدث الرسمي باسم وزارة الداخلية وقال، إن أجهزة الأمن تكثف جهودها لتحديد هوية المتهمين في واقعة شيماء الصباغ، وذلك لسرعة ضبطهم وتقديمهم للعدالة. وحذر كالعادة من اندساس الإخوان وسط التجمعات لارتكاب أحداث عنف. والمطلوب منا بالطبع أن نصدق، فكيف توجه أصابع الاتهام إلى الشرطة وقد حكمت المحكمة ببراءة كل من اتهم من رجالها بقتل المتظاهرين في يناير/كانون الثاني 2011 وفي الوقائع التي أعقبتها.
علينا أن نصدق أن الخرطوش الذي أودي بحياة شيماء مصدره القلة المندسة وليس شرطة مصر. القلة التي تزرع نار الفتنة والوقيعة بين الشعب والشرطة، الكلام نفيه والحديث نفسه وكأننا أمام حاو مفلس يلعب الألعاب نفسها ويكرر الافيهات نفسها ويريد منا في كل مرة أن نندهش».
إدانة جديدة لقانون التظاهر المتخم بالعوار
وإذا تركنا «الوطن» إلى «أهرام» اليوم نفسه، سنجد هجوما في صفحتها الأولى وبقيته في السابعة ضد الشرطة لزميلنا المفكر الاقتصادي الكبير ورئيس مجلس الإدارة أحمد السيد النجار جاء فيه: «استشهاد شيماء الصادم هو إدانة جديدة لقانون التظاهر المتخم بالعوار.. وإدانة لمنطق القوة الغاشمة لإرهاب المسالمين الذين لا علاقة لهم بالعنف. والشهيدة شيماء الصباغ لمن لا يعرفها هي عضو قيادي وأمين العمل الجماهيري في حزب التحالف الشعبي الاشتراكي، أحد شركاء ثورة 30 يونيو/حزيران، حيث أن تأسيسه جاء بعد ثورة 25 يناير/كانون الثاني. وهذا الحزب هو أحد الأحزاب المشاركة في انتخابات مجلس النواب كجزء من النظام السياسي تكمل صورة النظام وشرعيته في تلك المشاركة.
وإذا كانت مراجعة تسليح أفراد الشرطة الذين أوكلت إليهم مهمة فض المظاهرة السلمية لذلك الحزب هي خطوة أولية للغاية لكنها إيجابية في اتجاه إجراء تحقيق قانوني في الجريمة، فإن الحقائق الدامغة التي ينقلها شهود العيان من شركاء شيماء في المظاهرة، ومن المقاطع المصورة لجريمة قتلها، تشير بشكل واضح إلى القاتل وإلى إساءة استخدام السلطة، وسوء تطبيق القانون. وننتظر أن يكون هناك تحقيق عادل وألا تكون الشرطة هي من يجمع الأدلة كما حدث في جرائم قتل شهداء الثورة، لأنها ببساطة هي المتهم ومن البديهي أنها لن تقدم ما يدين أفرادها».
جهاز الشرطة هو الحل والمشكلة معا!
وفي عموده اليومي «كلمات حرة» في جريدة «الأهرام» أيضا استكمل زميلنا وصديقنا الدكتور أسامة الغزالي حرب الهجوم على الشرطة قائلا: «لو أراد أشد الكارهين لمصر وثورتها أن يشوه احتفال الشعب بثورة 25 يناير المجيدة، هل كان سيجد أفضل مما حدث بكارثة مقتل الناشطة السياسية القيادية في فرع حزب «التحالف الشعبي الاشتراكي» في الإسكندرية الشابة شيماء الصباغ ؟ بالقطع لا.
إن محنة قتل الشهيدة شيماء تحمل دلالات بالغة الخطورة وتتعلق تحديدا بوضع جهاز الشرطة في مصر، الذي يبدو أنه أصبح هو الحل وهو المشكلة في الوقت نفسه، هو الذي ضحي بخيرة أبنائه من أجل مصر ثم يكون هو المسؤول عن قتل بعض أفضل شباب مصر.
جهاز الشرطة لا يزال عاجزا حتى اليوم عن التعامل المتحضر كجهاز شرطة مدرب في مجتمع ديمقراطي، مع متظاهرين سلميين، فضلا من حمايتهم وحراسة تظاهراتهم. ماذا جنت شيماء الصباغ عندما وقفت وسط بضع عشرات من زملائها تعبر عن رأيها بالشعارات والورود؟ نعم الورود.. الزهور! هل تبرر تلك الوقفة السلمية المتحضرة الهجوم الذي شاهدناه بالمدرعات والغازات المسيلة للدموع وطلقات الخرطوش؟».
الحديث عن يناير والدستور
وحقوق الإنسان هو للاستهلاك المحلي
ومن «الأهرام» إلى «التحرير» وزميلنا أحمد الصاوي وقوله في عموده اليومي «عابر سبيل»: «دعه يقل .. ودعنا نفعل ما نريد» ببساطة يمكن تلخيص ما جري يوم استشهاد شيماء بهذه الجملة وببساطة تستطيع أن تفهم أن كل الأحاديث الرسمية عن ثورة يناير/كانون الثاني وحقوق الإنسان والدولة الديمقراطية المرتكزة على الأحزاب الشرعية والدستورية ليست أكثر من كلام، فإذا كان الكلام يأتي من القصر الرئاسي فالفعل يأتي على النقيض تماما من عقول لا تعترف بكل ذلك «يناير» بالنسبة إليها مؤامرة، والتظاهر أيا كان شكله ونوعه ومنظمة هو تهديد لهيبة زائفة يريد أولئك استعادتها بالعنف والترويع والتخويف. هل الشرطة جزء من المؤسسات التي يترأسها رئيس الجمهورية؟ أم أنها وحدة فيدرالية لديها حكم ذاتي لإدارة شؤونها وتحديد سياساتها ومواقفها؟ أم أنها تفهم أن كل حديث للرئيس عن يناير والدستور وحقوق الإنسان هو مجرد حديث للاستهلاك المحلي، لا يعبر بأي شكل عن قناعات الدولة ومن يترأسها؟ وأيا كانت الإجابة إلى متى يمكن أن يصمد انفصال القول عن الفعل ولا ينال من صاحب القول نفسه؟».
شيماء قتلت وهي تحمل وردا وتهتف للحرية والعدالة
كما أن زميله وائل عبد الفتاح شن هجوما أشد عنفا بقوله في عموده اليومي «في مفترق طرق»: لماذا قتلها هذا القاتل الأبله الذي يحمل سلاحا ويتلقى تعليمات، ثم يعود ويلملم أوراقه ليهرب من التهمة؟ لماذا قتلها وهي في وقفة سلمية تحمل ورودا وتهتف «عيش .. حرية .. عدالة اجتماعية؟» هل من أجل ذلك؟ هل لأن طاقتها ذكرت القاتل بذلك النهار الذي تكسرت فيه سلطته الغاشمة وثار الناس على الجبروت الشرس لماكينات حماية النظام؟ واليوم عاد لينتقم وهو يحمل صكوك الإفلات وعدم المحاسبة؟ هل قتلها لأن منظومة العدالة برأت كل القتلة السابقين وهو قادر عبر النفايات المجنحة التي تظهر على الشاشات على تقديم رواية يعرفون أنها بلهاء والجمهور الذي يصدقهم يعرف لكنهم ينشرونها بكل هذه البلاهة القاتلة ؟ لماذا قتلها؟».
بلد يدار بالأغاني الوطنية والشعارات الرنانة
ونتحول من «التحرير» إلى «المصري اليوم» وزميلنا في «الأهرام» وعموده اليومي «معا» وقوله: «حين تنعدم الرؤية السياسية، وحين يتصور البعض أن بلدا بحجم مصر يمكن أن يدار بالأغاني الوطنية والشعارات الرنانة، وحين لا تجد من داخل النظام من يضع الخطوط الفاصلة بين مظاهرات العنف والإرهاب وبين المظاهرات السلمية فيواجه الأولى بقوة ويؤمن الثانية بمهنية، نصبح أمام مشكلة جسيمة نتيجتها هي استشهاد عضو حزب التحالف الشعبي شيماء الصباغ، بطلق خرطوش دلت المؤشرات الأولية وشهود العيان إلى أن رجال الأمن الذين فضوا المسيرة هم الذين أطلقوه.
صحيح هناك من يعترض على توقيت المظاهرة، وهناك من يرفض توجيهات الحزب السياسية، إلا أن ذلك لا يحل بالقتل وبموت الشباب، وإذا كانت الداخلية أعلنت أنها لم تطلق الخرطوش على الضحية، أليست هي المسؤولة عن تأمينها وتأمين هذه الوقفة وتقدم لنا القاتل إذا كان من غير رجال الأمن.
يجب ألا يبحث البعض عن تبرير للقتل أو الموت الخطأ بالبحث عن مسؤولين آخرين عن موت شيماء، حتى نبرئ الداخلية، أو يتجاهل البعض الآخر أدلة جديدة قد تبرئ الداخلية، فالقضية ليست ثأرية مع الشرطة، كما يرغب البعض أن يحولها، إنما هي قضية موت فتاة مصرية في عمر الزهور لم ترتكب جرما إلا أنها عبرت عن رأيها ولو خطأ، ومن حقنا أن نعرف القاتل ونحاسبه مهما كانت رتبته».
مسيرة سلمية لوضع الزهور
في ميدان التحرير تحولت لمأساة
ومن «المصري اليوم» إلى «الشروق» في اليوم نفسه ورئيس تحريرها التنفيذي زميلنا وصديقنا عماد الدين حسين وقوله في عموده اليومي «علامة تعجب» موجها الانتقاد إلى منظمي المسيرة: «أخطأت المسيرة حينما لم تتقدم بالحصول على إذن مسبق بالتظاهر، لكن الأمين العام لحزب التحالف طلعت فهمي تقدم لقوات الأمن وأخبرهم بحدود تحرك المسيرة المكونة من حوالي خمسين شخصا، وأن هدفها هو وضع الزهور فقط في ميدان التحرير، إذا كان يمكن لقوات الأمن أن تتصرف بمليون طريقة ليس من بينها هذه النهاية المأساوية. كان يمكن لقوات الأمن تفريق المسيرة بخراطيم المياه والغاز المسيل للدموع، أو حتى تقبض على كل المشاركين وتحاكمهم، لكن لا تطلق رصاص سواء كان حيا أو خرطوشا أو «بلي». أما إذا كان هناك طرف ثالث فدور الشرطة أن تكشفه.
عندما تتصدى قوات الأمن لإرهابيين في سيناء او في أي مكان فإننا جميعا نتضامن معها ونلتمس لها العذر، حتى لو أخطأت لأنها تواجه إرهابيين لا يتورعون عن ارتكاب أبشع أنواع الجرائم، لكن كيف نلتمس العذر لضابط أو جندي يطلق الرصاص أو الخرطوش من مسافة قريبة على متظاهر أعزل؟ النقطة الثانية أن الضابط الكبير المسؤول عن هذه القوة، تصرف بطريقة غاية في التهور حينما اتخذ قرار استخدام القوة كخيار أول ضد المسيرة السلمية الصغيرة، خصوصا أن الشرطة تعاملت بطريقة مغايرة مهنية ومحترفة مع غالبية هذه النوعية من المظاهرات والمسيرات التي انطلقت من منطقة وسط البلد منذ تبرئة حسني مبارك يوم 29 نوفمبر/تشرين الثاني الماضي.
مرة أخرى كل الدم حرام، سواء كان لاشتراكي أو إخواني أو سلفي أو ليبرالي، إلا الإرهابيين الذين يرفعون السلاح في وجه الشعب، لكن عندما لا يدرك قادة الشرطة الميدانيون الفرق بين مسيرة لحزب التحالف الشعبي الاشتراكي ومسيرة عنيفة لأي جماعة إرهابية فتلك مصيبة أخرى».
حزب التحالف الشعبي الاشتراكي
لم يراع خطورة الوضع السياسي
ثم نعود إلى جريدة «الوطن» الاثنين بعد أن غادرناها مع عمود الدكتور محمود خليل لنكون مع زميلنا محمد البرغوثي، الذي شن هجوما حادا على قادة المسيرة وغيرهم بالقول: «كأنني أرى وأسمع وأشارك في محفل مجوس خسيس يتسابق فيه بعض ممن فقدوا حاسة الشرف، وبعض من « الحلاليف» الذين فقدوا حاسة الرحمة في دهس وقتل أيقونة نبيلة، وكلما توغلوا في توحشهم المقزز طفرت من أناتها المكتومة ومن دمائها الزكية ومن نظراتها الأخاذة ومن ملامحها المبتسمة دائما، ملايين الأدلة الرافعة على قبح وانتهازية وانعدام كفاءة قطع كبير من النخبة المصرية بكل مكوناتها.
نعم هذا القطاع من النخبة الذي يضم سياسيين وإعلاميين وضباط شرطة هو منبع الخزي والعار في هذا البلد، سواء من تقنع منهم بأنه وطني أصيل يدافع عن السيسي وعن الجيش وعن الشرطة، أو من تقنع منهم بأنه ثائر أبدي ضد السيسي والجيش والشرطة والإخوان والإرهاب معا. كلا الطرفين ارتكب جريمة سياسية بشعة انتهت باستشهاد سيدة شابة برصاص حي خرج من سلاح رعديد جبان، أو من سلاح متآمر خائن هنا، والآن وقبل أن تصل التحقيقات إلى نتيجة عادلة، أو إلى نتيجة ملفقة، ينبغي أن نفحص جيدا هذا الأداء منعدم الوعي لحزب التحالف الشعبي الاشتراكي، الذي نظم هذه المسيرة بهدف وضع أكاليل زهور في ميدان التحرير، ترحما على شهداء ثورة 25 يناير/كانون الثاني، وبعد دقائق من تحركهم راحوا يهتفون «عيش.. حرية.. عدالة اجتماعية»، من دون ادنى إدراك لخطورة الظرف السياسي الرهيب الذي عصف بعدد من الدول الراسخة في الوطن العربي، تحولت تحت رايات مطالب الحرية والعدالة إلى أنقاض وخرابات وتفككت إلى ميليشيات وإمارات وقبائل ودويلات.
وإذا كان لدى هؤلاء الذين نظموا هذه المسيرة أي تبرير سياسي يمكن قبوله، فكيف لأي شخص لديه إحساس بالشرف أن يحترم أيا من هؤلاء المثقفين والسياسيين، وهو يراهم في عشرات الصور وقد تركوا الشهيدة شيماء الصباغ مرمية على الأرض وتظاهر كل منهم بأنه عابر سبيل. انظروا جيدا إلى الصور سترون الدكتور زهدي الشامي عضو المكتب السياسي للحزب، وهو يتظاهر بأنه لا علاقة له بهذه المسيرة، وإمعانا في التنصل يشعل سيجارة وهو على مسافة قصيرة من شيماء الغارقة في دمائها، وها هو إلهامي الميرغني المنظر الاقتصادي للحزب، يعطي ظهره للقتيلة ويأخذ طريقه إلى الاختباء، ثم يظهر طلعت فهمي الأمين العام للحزب في أكثر من صورة وهو يأخذ طريقه بعيدا عن شيماء.
الآن أيضا يجب أن نحترس أشد الاحتراس من كل هؤلاء الذين سارعوا إلى تبرئة الشرطة من قتل شيماء، وقاموا بتلفيق أدلة لإنقاذ الشرطة من التهمة، لأن هؤلاء يلوثون شرف الوقوف مع الدولة ضد الفوضى ويدفعون الشرفاء غصبا إلى إخلاء مساحة الوقوف مع الدولة، لهذا الصنف من الانتهازيين السفلة وهو ما سوف يؤدي إذا استمر إلى أن يجد الرئيس السيسي نفسه محاطا فقط بهؤلاء الكذبة الفاسقين.
هنا والآن ثالثا لا ينبغي نسيان أن الشرطة ما زالت تضم بين صفوفها ضباطا معدومي الكفاءة بعضهم لا يجيد غير الضرب بالرصاص الحي والقسوة المنحطة في التعامل مع البشر».
تصحيح الأخطاء والتجاوزات
من خلال المظلة القانونية والدستورية
أما «الجمهورية» فنشرت في اليوم ذاته تحقيقا عن موقف بعض الأحزاب من مسيرة حزب التحالف الاشتراكي شارك في إعداده زملاؤنا رأفت حسونة ومحمد عبد الجليل وأحمد توفيق وجاء فيه: «قال حسين عبد الرازق القيادي في حزب التجمع، إن معظم الأحزاب والقوى السياسية أجلت احتفالات عيد ثورة 25 يناير، لأنها راعت الظروف الأمنية ومحاولات جماعة الإخوان وحلفائها لعمل فوضى وبلبلة وصدام مع الشرطة، وأيضا الحداد الذي يشهده العالم كله لوفاة الملك عبد الله بن عبد العزيز، وقررت الأحزاب والقوى السياسية ألا تنزل الشارع في هذا اليوم.
وقال احمد بهاء الدين شعبان رئيس الحزب الاشتراكي المصري، إن احتفالات الحزب اقتصرت على تنظيم عدد من الندوات المهمة حول الثورة ومستقبل الوطن، لم نشارك في أي فعاليات ميدانية حتى لا نعطي فرصة لدعاة الفوضى والتخريب لاستغلال الشباب لتحقيق مصالحهم.
وأوضح تامر القاضي عضو تكتل القوى الثورية، أن التكتل لم يشارك في أي فعاليات في الذكرى الرابعة لثورة يناير، حتى لا يستفيد الإخوان من نزول الشباب.
وقال الدكتور يونس مخيون، رئيس حزب النور، إن الحزب أعلن بشكل واضح موقفه من ذكرى 25 يناير، وهو رفضه التام لدعوات العنف والتخريب التي صدرت من بعض الجهات، والاحتفال بذكرى ثورة 25 يناير لا يكون بالتخريب أو التظاهر، وإنما بالتزكية في العمل والبناء وتنمية الوطن، وهي الثورة الحقيقية، فعلينا أن نهدأ جميعا وننظر للأمام ولن تتحقق حالة النهوض التي نطمح إليها في ظل حالة العنف والفوضى. هناك بعض التجاوزات والأخطاء ولا يكون علاجها بالعنف، وإنما عن طريق القنوات الشرعية وتصحيح هذه الأخطاء والتجاوزات من خلال المظلة القانونية والدستورية».
ردود الأفعال حول ثورة يناير
ومن شيماء إلى أبرز ردود الأفعال على ذكرى ثورة يناير، وسنكتفي اليوم باثنين، الأول لزميلنا عبد الفتاح عبد المنعم في «اليوم السابع» وقوله يوم الاثنين: «بدأ بعض هواة اللعب في السيرك السياسي سرقة حلم الملايين، وبدأ كل طرف يزعم أنه مفجر ثورة، بل وجدنا البعض يزعم أنه لولا وجوده في الميدان يوم كذا الساعة كذا لانتهت الثورة، ويحدثنا عن بطولات وهمية لأمثال المدعو صفوت حجازي، الذي لقب نفسه بلقب أبو الشهداء وعين نفسه أمين مجلس أمناء الثورة، الأمر لم يتوقف عند صفوت حجازي بل وجدنا شخصية أخرى زعمت أنها من الثوار وهو زياد العليمي يتجاوز حدوده ويسب المشير طنطاوي وزير الدفاع ورئيس المجلس العسكري، مثال ثالث على كبر من شارك في هوجة يناير هو علاء الأسواني، استخدم كل أنواع الكبر وقلة الذوق مع الفريق أحمد شفيق، عندما اخطأ شفيق ووافق على الجلوس معه في برنامج تلفزيوني على احدى الفضائيات. حالات الكبر والتطاول كانت هي شعار فترة ما بعد التنحي وصدرت من أمثال علاء الأسواني واحمد ماهر واحمد دومة وأسماء محفوظ وزياد العليمي ومحمد البلتاجي وأسامة ياسين الجميع تباري في استخدام ألفاظ تسيئ للآخر. وأعتقد هؤلاء أنهم صنعوا ثورة وأن ما حدث في 25 يناير هو بداية التاريخ الحقيقي لمصر. ووصل الأمر إلى قيام بعض هؤلاء المراهقين بسب ثورة يوليو 1952 واعتبار أنها وراء خراب مصر، على الرغم من أن مصر لم تشهد ثورة حقيقية سوى ثورة يوليو/تموز، وما حدث بعد ذلك مجرد هوجات ومظاهرات أطاحت بحكام، ولولا وقوف الجيش إلى جانب الشباب، في ما حدث في 25 يناير أو 30 يونيو لما حدث شيء، هي المشاهد التي تسببت في كراهية شعب مصر لمراهقي يناير وجعلتنا نقول بصوت عال، إن ما حدث منذ أربع سنوات وبالتحديد في 25 يناير 2011 لم يكن سوى مظاهرة كبرى نجحت في الإطاحة بحاكم ظالم».
دماء شهداء 25 يناير شعلة تضيء لنا الطريق
والثاني في اليوم نفسه لزميلنا في «الجمهورية» عبد الجواد حربي وقوله في عموده «نسمة حرية»: «تظل دماء شهداء 25 يناير شعلة تضيء لنا الطريق وتظل بعباراتها الرائعة «عيش.. حرية.. عدالة اجتماعية.. كرامة إنسانية « حلم الملايين في أرجاء المعمورة كلها تبقي 25 يناير صفحة خالدة في تاريخ الوطن، ولو كره أذناب النظام الفاسد وقالوا عنها ما قالوا، ولن يقلل من قيمتها ومن تضحيات المصريين خلالها محاولة جماعة ظلامية أرادت أن تخطف الوطن بعيدا فسرعان ما تحرك المصريون مرة ثانية ليطيحوا بتلك الجماعة ويصححوا المسار ويعود الوطن إلى أحضان أبنائه.
عن الفئران التي خرجت من جحورها متصورة أن ثورة 25 يناير فشلت، لن يطول عمرها، لأن الثورة لم تزل حية والميادين مفتوحة والشعب تحرر من قيود الخوف التي كبلته لعشرات السنين ومستعد لتضحيات مهما كانت دفاعا عن عيشه وكرامته وحريته وعدالة اجتماعية في حلم كل الشعوب الحرة في العالم».
حسنين كروم